فصل الموظف المتعاقد

فصل الموظف المتعاقد

أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء.

الموظف المتعاقد مع جهة الادارة الحكومية هو الموظف الذي تربطه بهذه الجهة علاقة عقدية مؤقتة لاتزيد مدتها على سنة ، حسبما هو مقرر في المادة (222) من اللائحة التنفيذية لقانون الخدمة المدنية اليمني.

ولما كانت العلاقة بين الموظف المتعاقد والجهة الادارية ينظمها عقد مؤقت فانه إذا أخل الموظف المتعاقد بأي من واجباته العقدية أو وقعت منه جريمة أو مخالفة فإن السبيل القانوني الصحيح لتعامل جهة الإدارة مع الموظف المتعاقد في هذه الحالة هو فسخ العقد معه او إنهاء العقد وليس فصل الموظف المتعاقد، لأن العلاقة القائمة فيما بين المتعاقد وجهة الإدارة هي علاقة عقدية مؤقتة، فعقوبة الفصل لا يتم توقيعها إلا على الموظف الدائم، فإذا قامت جهة الإدارة بفصل الموظف المتعاقد فإن ذلك قرينة على أنه كان قبل فصله موظفاً دائماً ولم يكن متعاقدا ، حسبما اشار إلى ذلك الحكم الصادر عن الدائرة الإدارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 29-11-2011م في الطعن رقم (47467)، وقد ورد ضمن أسباب ذلك الحكم: (اما قول الطاعن أن الحكم المطعون فيه لم يبن على أسس قانونية وان المطعون ضده ليس موظفاً رسمياً هو قول تعوزه الصحة لمخالفته للثابت في الأوراق، لأن المطعون ضده لو لم يكن موظفاً رسمياً دائماً لما صدر قرار بفصله)، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الاوجه الآتية:

الوجه الأول: الموظف المتعاقد مع الدولة:

الأصل أن يلتحق الأفراد بالوظيفة العامة بصفة دائمة بموجب قرار تعيين من السلطة الإدارية المختصة، غير أن الجهات الحكومية قد تحتاج إلى التعاقد مع بعض الأشخاص أو الخبراء للقيام بأعمال مؤقتة ولفترة مؤقتة أو للقيام بوظائف مؤقتة، وقد اشترطت المادة (222) من اللائحة التنفيذية لقانون الخدمة المدنية أن لا تزيد فترة التعاقد مع الموظفين المتعاقدين عن مدة سنة، ومع ذلك فإن مدة تعاقد الموظف قابلة للزيادة أو قابلة للتجديد وفقاً للمادة (232) من اللائحة التنفيذية لقانون الخدمة المدنية التي نصت في الفقرة (هـ) على أن تنتهي خدمة الموظف بأحد الأسباب الآتية: (-هـ- إنتهاء مدة العقد إذا كان محدد المدة فإذا استمر الطرفان في تنفيذ بنود العقد بعد إنقضاء مدته اعتبر مجدداً لمدة غير محددة لا تتجاوز سنة) ، فقد أكد هذا النص على أن عقد الموظف المتعاقد لا يتجدد لأكثر من مدة سنة.

الوجه الثاني: علاقة الموظف المتعاقد بالجهة التي تعاقد معها:

يلتحق الموظف المتعاقد بالجهة الادارية التي يعمل بها بموجب عقد يتضمن الحقوق والواجبات والإلتزامات المتبادلة فيما بينه وبين الجهة الادارية التي تعاقد معها، وفي الغالب ينص العقد على المدة التي ينتهي فيها العقد ، والحالات التي يجوز فيها لأي من الطرفين إنهاء العقد أو فسخه قبل إنتهاء مدته.

وبناءً على ذلك فإن الجهة التي تعاقد معها الموظف لا تقوم بفصله إذا ما أخل بواجباته العقدية وإنما تقوم بفسخ العقد معه او إنهاء العقد معه.

الوجه الثالث: عقد العمل الدائم وعقد العمل المؤقت:

تختلف طبيعة العلاقة بين العامل وصاحب العمل عن علاقة الموظف بالدولة، فالدولة ليست صاحب عمل ، فأساس العلاقة بين الموظف والدولة هو الدستور والقوانين التي تنظم واجبات وحقوق الموظفين، فليس هناك في الدولة صاحب عمل، فالرئيس والمرؤوس جميعاً موظفون لدى الدولة وليسوا عمالاً لدى صاحب عمل، فالموظف يتم تعيينه في الدولة بقرار، فتعريف الموظف يختلف عن تعريف العامل، فقد عرّف قانون الخدمة المدنية اليمني الموظف في المادة (2) التي نصت على أن: (الموظف: الشخص المعين بقرار من السلطة المختصة للقيام بعمل ذهني أو مهني أو حرفي أو غيره تنظمه وظيفة معينة ومعتمدة في الموازنة العامة للدولة، والذي يعتبر بمجرد تعيينه في مركز نظامي سواء كانت الوظيفة دائمة أو مؤقتة بموجب هذا القانون واللوائح المنفذة له والقوانين والقرارات الأخرى النافذة) ، فالموظف الدائم يتم تعيينه في الجهة الحكومية وهذا هو الأصل.

 اما العامل فانه لايتم تعيينه لدى صاحب العمل وإنما يتم التعاقد فيما بينه وبين صاحب العمل ، فقد عرّف قانون العمل اليمني العامل في المادة (2) بأن (العامل: كل شخص يعمل لدى صاحب العمل ويكون تحت إدارته ولو كان بعيداً عن نظارته لقاء أجر ووفق عقد مكتوب أو غير مكتوب، ويشمل ذلك الرجال والنساء والأحداث ومن كان قيد الإختبار والتدريب).

وعلى هذا الأساس فإن الأصل في الوظيفة العامة لدى الدولة ان تكون بموجب قرار تعيين في الوظيفة الشاغرة ، والاستثناء من ذلك إنه يجوز للجهة الادارية التعاقد مع الشخص لشغل الوظيفة المؤقتة أو لعمل مؤقت لفترة محددة وهي سنة حسبما هو مقرر في اللائحة التنفيذية لقانون الخدمة المدنية اليمني وحسبما سبق بيانه.

اما قانون العمل فقد عرّف عقد العمل في المادة (27) التي نصت على أن (عقد العمل هو إتفاق بين صاحب العمل والعامل يتضمن تحديد شروط العمل ويتعهد العامل بمقتضاه أن يعمل تحت إدارة صاحب العمل وإشرافه مقابل أجر) ، فالعلاقة بين العامل وصاحب العمل ينظمها أساساً عقد العمل الذي يحدد حقوق والتزامات الطرفين، إضافة إلى بعض الأحكام الواردة في قانون العمل التي أوجب القانون الإلتزام بها عند توقيع عقد العمل مع العامل ، واعتبرها القانون من النظام العام.

كما أن الأصل في قانون العمل أن تكون مدة عقد العمل غير محددة أي أن عقد العمل دائم وليس مؤقتا ، وهذا هو الاصل في قانون العمل، وفي هذا المعنى نصت المادة (29) من قانون العمل على أن (تعتبر مدة العقد غير محددة للعامل اليمني ويجوز تحديدها بموافقة الطرفين)، ومؤدى هذا النص انه يجوز لجهة العمل ان تبرم مع العامل عقد عمل مؤقت ينص على ان مدته محددة بمدة معينة أو مؤقتة ينتهي العقد بانتهائها ، وتنتهي العلاقة بين الطرفين بإنتهاء تلك المدة.

الوجه الرابع: قرينة فصل الموظف المتعاقد أو العامل المتعاقد بعقد مؤقت:

ذكرنا في الأوجه السابقة أن الأصل هو أن الموظف يشغل وظيفته بصفة دائمة ، وكذا ذكرنا ان الاصل إن العامل يقوم بعمله لحساب صاحب العمل بصفة دائمة، فهذا هو الأصل ، والاستثناء من هذا الأصل أن الموظف أو العامل يعمل بصفة مؤقتة وبموجب عقد مؤقت، وذكرنا أيضاً أن الجهة الإدارية أو جهة العمل يحق لها أن تفسخ العقد المؤقت قبل إنتهاء مدته إذا أخل الموظف المتعاقد أو العامل المتعاقد بعقد مؤقت أخل بالتزامه، كما يحق للجهة الإدارية وجهة العمل أن تخطر العامل أو الموظف بأنها لن تجدد العقد معه عند إنتهاء مدة العقد، فالوسيلة القانونية لإنهاء خدمة الموظف المتعاقد أو العامل المتعاقد بعقد مؤقت هي فسخ العقد وليس فصل الموظف المتعاقد أو العامل المتعاقد بعقد مؤقت، في حين أن وسيلة فصل الموظف او العامل لا يتم استعمالها إلا في مواجهة الموظف الدائم او العامل بصفة دائمة وبحسب الاجراءات المقررة في قانون الخدمة المدنية وقانون العمل.

ولذلك فإن قيام الجهة الإدارية أو جهة العمل بفصل الموظف المتعاقد أو العامل المتعاقد بعقد مؤقت يكون قرينة على أن الموظف أو العامل المفصول قد كان معيناً في وظيفة دائمة أو كان عاملاً بصفة دائمة قبل فصله، بيد أن هذه القرينة قابلة لإثبات عكسها إذا كان لدى الجهة الإدارية أو جهة العمل أدلة قاطعة ويقينية تدل على أن الموظف أو العامل المفصول كان متعاقداً يعمل بصفة مؤقتة، والله أعلم.

فصل الموظف المتعاقد

مقالات ذات صلة: