خصخصة الشركة واثرها على العاملين

 

خصخصة الشركة واثرها على العاملين

أ.د / عبد المؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

قامت الحكومة في الفترات الماضية بخصخصة بعض الشركات والمؤسسات العامة اي بيعها وتحويلها الى القطاع الخاص، وهذا ليس محل تعليقنا، وإنما وجهتنا تقتصر على التعليق على تأثير الخصخصة على الموظفين الثابتين العاملين في الشركة التي تتم خصخصتها أو اولئك العمال المتعاقدين معها، ولذلك فقد اخترنا التعليق على الحكم الصادر عن الدائرة الادارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 9/2/2008م في الطعن المدني (عمالي) رقم (32783) لسنة1429ه وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم أن احد العمال  كان متعاقداً  مع احدى الشركات الحكومية التي قامت الحكومة بخصخصتها في ذلك الحين وبيعها للقطاع الخاص لم يرد اسمه اسماء الموظفين الذين يلتزم المالك الجديد للشركة باستيعابهم حيث كانت إجراءات الخصخصة المتفق عليها تقضي بانتقال الموظفين الذين كانوا يعملون بالشركة الحكومية انتقالهم للعمل لدى المالك الجديد للشركة (القط وبالفعل تم انتقال غالبية الموظفين للعمل لدى المالك الجديد الا أن المالك الجديد لم يقم باستيعاب العاملين لدى الشركة الحكومية الذين لم يرد ذكرهم في الكشف المعتمد من مجلس الوزراء وهم العمال الذين كانوا متعاقدين مع الشركة الحكومية  بعقود عمل، ونظراً لعدم استيعاب المالك الجديد لذلك العامل المتعاقد  اسوة بزملائه الموظفين في الشركة فقد تقدم بدعوى أمام اللجنة التحكيمية العمالية فرد المالك الجديد للشركة بان التعاقد مع العمال يخضع لارادته باعتبار الشركة قد صارت شركة خاصة وليست عامة، لان عقد العمل من العقود الرضائية، وقد خلصت اللجنة التحكيمية إلى القرار برفض الدعوى مسببة حكمهابانه (وحيث أن شركة .... قد انتقلت إلى المدعى عليه عن طريق  الخصخصة بتاريخ .... وحيث ان المدعي مرتبط بعقد عمل لدى صاحب العمل السلف وليس له ثمة أي حقوق أو مستحقات لديها وحيث كان طلب المدعي من اللجنة هو الزام صاحب العمل بإعادته إلى العمل وبتحرير عقد عمل له، وحيث أن عقد العمل من العقود الرضائية فان الزام صاحب العمل ليس من صلاحية اللجنة التحكيمية فذلك يتعارض مع طبيعة عقود العمل) فلم يقبل العامل المدعي فقام باستئناف قرار اللجنة أمام الشعبة المدنية التي رفضت الاستئناف وقضت (بتأييد قرار اللجنة التحكيمية العمالية وعلى المستأنف التوجه إلى وزارة الخدمة المدنية وهيئةالتامينات لتسوية  وضعه لديها إن اراد ذلك)، وقد ورد ضمن أسباب الحكم الاستئنافي (ان اخر عقد عمل للمستأنف لدى الشركة قبل خصخصتها كان قد انتهى بنهاية عام .... وتاريخ  خصخصة الشركة وبيعها كان في تاريخ ..... فلم يكن المستأنف موظفاً رسمياً كما أن المستأنف لم يقدم ما يدل على استمراره في العمل لدى الشركةقبل خصخصتها ولم يقدم مايثبت تظلمه من عدم ادراج اسمه ضمن الموظفين الذين سيتم نقلهم إلى المالك الجديد بل أن الثابت أن المستأنف لم يقم بمراجعة الشركة المالكة بعد خصصتها، وحيث أن المستأنف قد استند في دعواه الى قرار رئيس مجلس الوزراء رقم (137) لسنة 2002م بشأن خصخصة شركة ... فقد تبين أن القرار المشار اليه قد تضمن كشوفات باسماء العاملين في الشركة التي تمت خصخصتها والذين تم الاتفاق على استيعاب المالك الجديد لهم ولم يرد اسم المدعى المستأنف ضمن تلك الاسماء) فلم يقبل العامل بالحكم الاستئنافي فقام بالطعن فيه بالنقض إلا أن الدائرة رفضت طعنه فيما يتعلق بمطالبته بالحاقه للعمل لدى المالك الجديد للشركة أسوة بزملائه الموظفين ونقضت الدائرة جزئياً الحكم فيما يتعلق بتخيير العامل الطاعن في تقديم ملفه إلى الخدمة المدنية لتسوية وضعه إن اراد ذلك حسبما ورد في الحكم الاستئنافي، وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا (بالرجوع إلى الأوراق فان الدائرة تجد أن مناعي الطاعن هي عبارة عن مسائل موضوعية سبق له أن اثارها أمام محكمتي الموضوع التي ناقشتها حسبما هو ظاهر في أسباب الحكمين الابتدائي والاستئنافي وقد ورد في اسباب الحكم المطعون فيه أن الطاعن لم يكن موظفاً رسمياً في الشركة التي تمت خصخصتها وأنه لم يستمر في العمل فيها وأن اسمه لم يرد في الكشوفات المعتمدة من قبل مجلس الوزراء، فهذا التسبيب لاغبار عليه إلا أن الحكم المطعون فيه قد تزيد في الحكم حيث قضى بمراجعة الطاعن للخدمة المدنية وهيئة التامينات إن اراد ذلك فقد جاء هذا القضاء على سبيل التخيير فلا يعد التخيير قضاء كما  أن ذلك التخيير قد منح للطاعن بدون طلب منه اضافة الى ان منح العامل  حق الرجوع على الغير من غير أن يكون الغير طرفاً في الخصومة يخالف القانون حيث الزم الحكم وزارة الخدمة وهيئة التأمينات بأحقية رجوع الطاعن عليهما لتسوية وضعه من غير أن تكون الجهتان ممثلتان أمام محكمة الموضوع ولذلك فانه ينبغي على الدائرة التصدي لذلك الخلل وازالته ونقض هذه الجزئية سداً للذرائع) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية :

الوجه الأول : عدم جواز المساس بالحقوق المكتسبة للموظفين عند خصخصة الشركة التي يعملون فيها :

من خلال مطالعتنا للحكم محل تعليقنا نجد أن قرار مجلس الوزراء بخصخصة الشركة المشار اليها في وقائع الحكم قد تضمن اسماء الموظفين الذين كانوا يعملون في الشركة بصفة دائمة حيث الزم القرار المالك الجديد للشركة باستيعابهم وابقائهم في وظائفهم وعدم الانتقاص من الحقوق والدرجات التي كانوا يتمتعون بها قبل خصخصة الشركة التي يعملون ،فالابقاء على الموظفين في وظائفهم في الشركة المخصخصه كان بنداً وإجراء من إجراءات الخصخصة حيث يكون بمثابة بند من بنود بيع الشركة العامة الى القطاع الخاص شريطة بقاء الموظفين في وظائفهم وعدم المساس بحقوقهم المادية والمعنوية المكتسبة اثناء عملهم مع الدولة في الشركة التي تمت خصخصتها ،وقد لاحظنا أن العامل المدعي لم يكن من ضمن الموظفين الثابتين في الشركة المخصخصة والا لورد اسمه ضمن الكشوفات المرفقة بقرار مجلس الوزراء ،فذلك العامل كان يدعي بانه متعاقدً ،كما أنه لم يتظلم في حينه من عدم ادراج اسمه ضمن المطلوب بقاؤهم في اعمالهم عند انتقال الشركة إلى القطاع الخاص عن طريق الخصخصة وقد عجز العامل عن إثبات استمراره في العمل بالشركة بصفة مستمرة قبل خصخصتها.

الوجه الثاني : عدم سلامة دعوى العامل ضد المالك الجديد للشركة :

من خلال مطالعة وقائع القضية واسباب الحكم محل تعليقنا نجد أن العامل لم يكن موفقا في اختصام المالك الجديد للشركة الذي كان ملزماً وملتزماً بقرار مجلس الوزراء المشار اليه بإتمام اجراءات الخصخصة ومن ضمنها اسماء موظفي الشركة الذين يجب عليه استيعابهم في اعمالهم والابقاء عليهم باعتبار ذلك شرطاً من شروط عقد الخصخصة وبنداً من بنوده لا يستطيع مخالفته ومن ذلك الزامه باستيعاب عمال أخرين غير من وردت اسماؤهم  بقرار مجلس الوزراء، ولذلك فقد استند الحكم الاستئنافي الى قرار رئيس مجلس الوزراء في هذه المسألة حسبما سبق بيانه، فكان الاجراء الصحيح هو أن يختصم العامل مجلس الوزراء الذي اغفل ذكر اسمه ضمن الكشوفات المطلوب من المالك الجديد للشركة استيعابهم مع أن العامل لم يعترض أو يتظلم من قرار مجلس الوزراء المشار اليه ،أما رفع العامل لدعواه ضد المالك الجديد للشركة فليس له سبب قانوني لان المالك ملزم فقط باستيعاب الاسماء المقرة من مجلس الوزراء، وعدم  موفقية  العامل في رفع دعواه بصورة سليمة يدل على أهمية الاستشارة والارشاد القانوني قبل رفع الدعوى الذي لا يحصل عليه المدعون الفقراء مثل العامل في هذه القضية أما الاغنياء فأنا اجزم بانهم يستعينوا بأفضل الخبرات القانونية والشرعية ولذلك تقل اخطاؤهم الاجرائية عند التقاضي، ولذلك فان المواطنين لا يتساوون أمام القانون حسبما لان القانون يفسر على نحو افضل بالنسبة لمن يستعين بالخبرات والاستشارات القانونية.

الوجه الثالث : عدم جواز الزام الشركة الخاصة أو رب العمل بالتعاقد مع العامل :

صرح الحكم محل تعليقنا بعدم جواز الزام الشركة الخاصة بالتعاقد مع العامل المدعي، لان عقد العمل مثل غيره من العقود يقوم على مبدأ الرضائية باعتبار الرضاء شرطاً من شروط العقد ولذلك لا يجوز اجبار صاحب العمل على التعاقد مع العامل،بل أنه  لا يجوز للقضاء الحكم بإعادة العامل إلى العمل اذا كان قد تم فصله أو انهاء عمله لان ذلك يخل بمبدأ الرضا في عقد العمل فاقصى ما يمكن الحكم به في هذه الحالة هو تعويض العامل، وقد استقر قضاء المحكمة العليا في اليمن على ذلك وكذلك قضاء محكمة النقض بمصر وغيرها.

الوجه الرابع : الحكم الاستئنافي بأحقية العامل في مراجعة وزارة الخدمة وهيئة التأمينات لتسوية وضعه :

وقد قرر حكم المحكمة العليا بأن قضاء الحكم الاستئنافي مخالف من وجهين الأول أن العامل لم يطلب ذلك فكان ذلك قضاءً بما لم يطلبه الخصم وذلك مخالف والوجه الثاني : أنه قضاء على شخصين اعتباريين (الخدمة المدنية وهيئة التأمينات) في حين انهما لم يمثلا أمام القضاء وذلك مخالف للقانون، كما أن ذلك القضاء مناقض لما ورد في أسباب الحكم الاستئنافي ذاته الذي قرر أن العامل لم يكن مستمرا في عملهً وانه كان قد تعاقد مع الشركة ثم تركها فكيف ستتم تسوية حقوقه التأمينية وهو ليس مؤمنا عليه؟ وكيف ستتعامل معه الخدمة المدنية وهو ليس موظفاً حسبما ورد في أسباب الحكم الاستئنافي؟ والله اعلم.