راتب العامل المعتقل

 

راتب العامل المعتقل

أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

من الإشكاليات العملية التي يتكرر حدوثها ويكثر التنازع بشأنها مصير راتب العامل المعتقل غير المحكوم عليه بالحبس. ولذلك فان هذا الموضوع جدير بالتوعية بشأنه ولفت الانظار اليه، وعلى هذا الاساس فقد وقع اختيارنا على التعليق على الحكم الصادر عن الدائرة الادارية والمدنيةبالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 24/5/2008م في الطعن المدني العمالي رقم (33336) لسنة 1429هـ وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم أن احد العمال تقدم بدعوى أمام اللجنة التحكيمية العمالية مفادها أن الشركة التي يعمل بها قد اوقفته عن العمل منذ سنة وشهرين  فردت الشركة على تلك الدعوى بأن  المدعي كان خلال الفترة المشار اليها معتقلا من قبل الجهات الأمنية المختصة  بقضية لا تتعلق بالعمل وانه نظراً لاعتقاله وتكرار غيابه قد قامت بالاستغناء عنه وتعيين عامل بديل لحاجتها لتصريف اعمالها مستندة في ذلك إلى المادتين (35 و 36) عمل، وقد سارت اللجنة في إجراءات نظر الدعوى حتى خلصت إلى القرار بان تدفع الشركة المدعى عليها رواتب العامل خلال فترة السنة والشهرين وان تدفع له راتب شهر الانذار وراتب شهر مقابل اجازته السنوية عن السنة الاخيرة، وقد ورد ضمن اسباب قرار اللجنة التحكيمية العمالية (انه من الثابت ان الشركة المدعى عليها قد قامت بفصل العامل إلا أنها لم تقم بإخطاره، وقرار الفصل لا يترتب عليه أي اثر الا من تاريخ علم العامل المفصول بذلك القرار، والعامل المدعي لا علم له بذلك حتى تاريخ المنازعة ولذلك فانه يستحق مرتباته عن الفترة السابقة على رفع الدعوى إضافة إلى الحقوق الاخرى المقررة في المادتين (38 و 39) عمل، فلم تقبل الشركة بقرار اللجنة التحكيمية فقامت الشركة باستئناف القرار وذكرت في استئنافها أن السلطات الامنية القت القبض على العامل المدعي في موقع العمل بتهمة لا تتعلق بالعمل وذكرت الشركة انها قد أودعت قرار الفصل لدى ادارة المنازعات بوزارة العمل. إلا أن الشعبة المدنيةالاستئنافية قضت بتأييد قرار اللجنة التحكيمية. وقد ورد ضمن اسباب الحكم الاستئنافي بان اللجنة التحكيمية قد بنت قرار على اساس عدم قيام الشركة بإخطار العامل بقرار فصله وفقاً للقانون ولذلك فان قرار اللجنة موافق للقانون) فلم تقنع الشركة بالحكم الاستئنافي حيث قامت بالطعن بالنقض في الحكم، وقد قبلت المحكمة العليا الطعن ونقضت الحكم، وقد ورد ضمن اسباب حكم المحكمة العليا (اما ما نعته الطاعنة من ان اللجنة التحكيمية والمحكمة الاستئنافية خالفتا القانون، فمن خلال اطلاع الدائرة على الأوراق نجد ان الطاعنة فصلت  العامل المطعون ضده لسبب الغياب حسب ما جاء في صورة الاشعار والعامل ادعى عدم استلامه للإشعار وعدم علمه بالفصل وانه خلال تلك الفترة كان محبوساً من قبل الشركة وقدم مايدل على ذلك أمام اللجنة  هي ارسالية الشركة وادعاء بانه بعد خروجه من السجن ظل موقفاً عن العمل. ومن خلال الرجوع الى المادة (98) عمل التي استندت اليها اللجنة التحكيمية في حكمها التي تنص على انه لا يعتبر في حكم التوقيف عن العمل الفترات  التي يحتجز خلالها العامل لدى الجهات المختصة لإغراض التحقيق في القضايا التي لا تتعلق بالعمل وفي هذه الحالة لا يستحق العامل أجره المقرر أو جزء منه إلا بموافقه صاحب العمل ولا يجوز فصله من الخدمة .لذلك وحتى لو كان اعتقال العامل  في قضية لا تتعلق بالعمل فان قيام الطاعنة بفصل المطعون ضده يخالف صراحة المادة المذكورة  . لذلك فقد كان قرار اللجنة التحكيمية المؤيد حكمها بالحكم الاستئنافي موافق للقانون عندما اعتبر الفصل تعسفياً وحكم للعامل بالتعويض حيث تنص المادة (39) عمل على ان يستحق العامل تعويضاً خاصاً عما لحقه من ضرر بسبب انهاء العقد من جانب صاحب العمل كما انه لا يوجد خطأ في استناد اللجنة والمحكمة إلى نص المادة (38) التي تنص على انه اذا انهى العقد من قبل احد الطرفين المتعاقدين وفقاً للمادة (36) فعلى الطرف الذي سينهي العقد ان يشعر الطرف الاخر بمدة مساوية للمدة المقررة لدفع الاجر أو دفع أجر تلك الفترة كاملاً بدلاً من الاشعار. اما ما تنعيه الطاعنة من أن المطعون ضده العامل لا يستحق وفقاً للقانون مرتباته التي حكمت بها اللجنة التحكيمية لفترة انقطاعه التي وصلت إلى سنة وشهرين فقد كان نعي الطاعنة سديداً فاذا كان الحكم الاستئنافي المطعون فيه قد قضى بتأييد قرار اللجنة التحكيمية الذي اعتبر فصل الشركة للعامل فصلاً تعسفياً وتعويضه مقابل ذلك وحكمت له مقابل الانذار استناداً إلى المادة (38) عمل بذلك  ذلك قضاء صحيح. الا ان الحكم  المطعون فيه قد خالف القانون حينما حكم للمطعون ضده بمرتباته للفترة السابقة التي تصل إلى سنة وشهرين فالمادة  (98) ربطت استحقاق العامل اجره المقرر أو جزء منه بموافقة صاحب العمل  خلال الفترة  التي يحتجز خلالها العامل لدى الجهات المختصة لأغراض التحقيق فلايتم   ذلك الا بموافقة صاحب العمل لذلك فان المحكمة واللجنة التحكيمية جانبت الصواب عندما قررت اللجنة في الفقرة الاولى من حكمها الزام الشركة بدفع مرتباته لتلك الفترة) وسيكون تعليقنا على الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية :

الوجه الأول : الوضع القانوني لراتب المعتقل على ذمة التحقيق في قضية متعلقة بعمله :

القضايا أو الحوادث التي تقع من  العامل وتكون متعلقة بعمله هي الحوادث التي تحدث بسبب عمله كأن يكون حارساً للشركة فيطلق النار على مشتبهين او يقوم بتوزيع اغذية ملوثة أو فاسدة أو يكون سائقاً موزعاً للبضاعة بسيارة الشركة فيدهس ماشياً أو يتم القبض عليه نتيجة خطائه في الحسابات والبيانات التي تطلبها الجهات الرسمية من الشركة وغير ذلك، وهذه القضايا كثيرة متنوعة لا يضبطها ضابط إلا انها تلك القضايا التي تقع بسبب اداء العمل  لعمله في الشركة أو عند صاحب العمل، ولان هذه القضايا تقع بسبب عمل العامل فان صاحب العمل ملزم بدفع 50% من اجر العامل حتى يتم الفصل في القضية، ويظل هذا الالتزام على صاحب العمل قائماً حتى لو وقعت هذه الحوادث أو القضايا نتيجة اهمال العامل أو تقصيره طالما وقد وقعت هذه الحوادث التي استدعت اعتقال العامل بسبب العمل أو تعلقت بعمله، وفي هذا المعنى نصت الفقرة (3) من المادة (98) عمل على ان (-3- يكون في حكم التوقيف فترة احتجاز العامل لدى الجهات المختصة في القضايا التي تتصل بالعمل أو بسببه وعلى صاحب العمل الاستمرار في صرف 50% من اجر العامل حتى يتم الفصل في قضيته).

الوجه الثاني: الوضع القانوني لراتب العامل المعتقل في قضية غير متعلقة بعمله:

تقع من العامل وقائع وحوادث غير متعلقة بعمله تستدعي القبض عليه واعتقاله من الجهات المختصة مثل قيامه بقتل جاره أو قيامه بتهديد غيره أو قذفه أو ارتكابه أية من الجرائم التي لا تتصل ولا تتعلق بعمله الذي يؤديه لصاحب العمل التابع له، وطالما أن العامل قد قام بهذه الجرائم التي استدعت القبض عليه واعتقاله أو احتجازه وطالما انه قد قام بارتكاب تلك الجرائم خارج نطاق عمله ولا تتصل بعمله أو لم تقع بسبب العمل فان العامل شخصيًا يتحمل وحده تبعة هذه الاعمال والتصرفات التي استدعت احتجازه واعتقاله مثلما قضى الحكم محل تعليقنا وحسبما  ورد في الفقرة (ع) من المادة (98) عمل التي نصت على انه (لا يعتبر في حكم التوقيف عن العمل تلك الفترات التي يحتجز خلالها العامل لدى الجهات المختصة لأغراض التحقيق في القضايا التي لا تتعلق بالعمل وفي هذه الحالة لا يستحق العامل اجره المقرر أو جزء منه إلا بموافقة صاحب العمل ولا يجوز فصله من الخدمة) ومع ان هذا النص قد صرح بانه لا يجب على صاحب العمل ان يدفع للعامل اجره كله أو بعضه اثناء اعتقاله في هذه الحالة لان الاجر مقابل العمل إلا أن هذا النص قد اجاز لصاحب العمل ان يمنح العامل الاجر الذي كان يتقاضاه قبل اعتقاله أو بعض هذا الاجر مراعاة لظروف العامل لكن هذا الامر جوازي بموافقة صاحب العمل فلا يجوز اجباره على ذلك والحكم عليه حسبما ورد في النص السابق وبحسب ما قضى به الحكم محل تعليقنا.

مربع نص: الأسعدي للطباعة عن بعد / ت 772877717

الوجه الثالث : عدم جواز فصل العامل المعتقل :

لا يجوز فصل العامل المعتقل سواء أكان اعتقاله بسبب قضية متعلقة بعمله أو غير متعلقة بعمله حيث صرحت الفقرة (ع) من المادة (98) السابق ذكرها بعدم جواز فصل العامل المعتقل حيث نصت على انه (لا يجوز فصله من الخدمة) وهذا النص وان كان قد ورد في سياق حالة اعتقال الموظف بسبب قضية غير متعلقة بعمله فانه من باب أولى لا يجوز فصل العامل اذا كان سبب اعتقاله يرجع إلى قضية وقعت بسبب عمله أو تعلقت بعمله.  ولذلك فان العامل المعتقل يضل محتفظا بعمله اثناء فترة اعتقاله مع انه قد لايتقاضى اجرا اذا كانت القضية غير متعلقة بالعمل.

الوجه الرابع : لايترتب على  قرارفصل العامل الاثار  القانونية لا من تاربخ اشعاره بالقرار : 

صرح الحكم محل تعليقنا على فصل العامل لابكون نافذا الت من تاريخ اشعار العامل بذلك القرار فان تعذر ذلك فينبغي ايداع ذلك القرار لدى مكتب العمل  او  زارة  العمل حتى  يتولى  المكتب او الوزارة اخطار العامل، والله اعلم.