القاضي الإداري لا يصدر أوامر إلى جهة الإدارة
أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء.
عندما ينظر القاضي الإداري في دعوى إلغاء القرار الإداري فإنه يحكم بإلغاء القرار الإداري المعيب إذا ثبت للقاضي عيوب القرار الإداري، ، وإن لم يثبت العيوب المدعى بها فإن القاضي يحكم برفض دعوى الإلغاء، بيد إنه لا يجوز للقاضي عند نظره لدعوى الإلغاء أو حكمه فيها أن يصد أوامر إلى جهة الإدارة بإجراء تسوية أو صرف مستحقات أو غير ذلك من الأوامر ، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة الإدارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 15-9-2012م في الطعن رقم (50324)، وقد ورد ضمن أسباب الحكم المشار إليه إنه: (غير إنه تجب الإشارة إلى أن حكم المحكمة العليا السابق قد قضى بعدم جواز توجيه أوامر إلى جهة الإدارة، ورغم ذلك فقد عادت محكمة الاستئناف إلى إصدار أوامر بإلزام البنك بصرف المستحقات المالية للمستأنف ضدها، ومن المقرر قانوناً أن القاضي الإداري ليس له في دعوى الإلغاء إلا أن يقض بقبول إلغاء القرار الإداري وإلغاء القرار أو عدم قبول دعوى الالغاء ، فليس للقاضي الاداري أن يصدر أوامر لجهة الإدارة، فتلك حدود تقف عندها سلطة القضاء الإداري في دعوى الإلغاء، غير أن ذلك لا يعني أن الإدارة غير ملزمة بتنفيذ الآثار الناتجة عن إلغاء القرار الإداري)، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:
الوجه الأول: معنى مبدأ حظر توجيه القاضي الإداري توجيه الأوامر للإدارة:
يقصد بهذا المبدأ إنه لا يجوز للقاضي الإداري وهو بصدد الفصل في المنازعة المطروحة عليه ان يقوم بتوجيه أمر إلى الجهة الإدارية طرف المنازعة للقيام بعمل أو الإمتناع عن عمل معين سواءً أكان ذلك بمناسبة نظر القاضي في دعوى إلغاء القرار الإداري أو دعوى القضاء الكامل، فالقاضي الإداري لا يستطيع أن يأمر جهة الإدارة بالقيام بعمل معين أو الإمتناع عن القيام بعمل معين ،لإن ذلك من صميم إختصاص جهة الإدارة.
ومعنى ذلك أن القاضي الإداري إذا توصل من خلال التداعي بين الخصوم في الخصومة الإدارية إلى أن القرار الإداري المطعون فيه مشروع فإن القاضي الإداري يحكم برفض دعوى إلغاء القرار دون أن يتعدى القاضي ذلك إلى إلزام جهة الإدارة بإصدار قرار آخر كقرار تعيين موظف أو ترقيته أو أمره للإدارة بتعديل قرارها سواءً أكان القرار فردياً أم لائحياً، كما لا يجوز للقاضي الإداري أن يوقع على جهة الإدارة غرامة ، لأن ذلك ينطوي أو يحمل في طياته أمر بالتنفيذ ، وفي حالة عدم التنفيذ تجبر جهة الإدارة عن طريق الغرامة، فهذا يخرج عن سلطة القاضي الإداري.
وفي مجال دعوى القضاء الكامل يتمثل دور القاضي الإداري في تحديد الحق محل النزاع كحق المتعاقد مع الإدارة والحكم له بالتعويض دون ان يتعدى القاضي الإداري ذلك إلى توجيه الأمر إلى جهة الإدارة بدفع التعويض للمتعاقد مع الإدارة، كما لا يملك القاضي الإداري أن يأمر جهة الإدارة بإلغاء او تنفيذ عقد الأشغال العامة أو أمر جهة الإدارة بإحلال ملتزم او متعهد أو متعاقد محل آخر.
ويرتبط مبدأ حظر توجيه القاضي الاداري للاوامر لجهة الإدارة يرتبط هذا المبدا بمبدأ آخر وهو مبدأ (حظر حلول القاضي الإداري محل جهة الإدارة)، ومعنى هذا المبدأ الأخير أن القاضي الإداري عندما يقوم بالفصل في الدعوى الإدارية المنظورة امامه لايجوز له أن يحل محل جهة الإدارة في القيام بأي عمل من اعمال جهة الادارة التي تدخل في إختصاصها الاداري ، لانها الاجدر والاقدر على تقدير مناسبة وملائمة القرارات والاجراءات الادارية الخاصة باعمالها، فدور القاضي الاداري في هذا الشان يقتصر على ممارسة عمله القضائي الذي يتمثل في تطبيق نص القانون على المنازعة الإدارية التي ينظرها دون أن يتجاوز حدود هذا الدور ويحل محل الإدارة في مباشرة وظيفتها الإدارية، ومؤدى ذلك أن سلطة القاضي الإداري عند نظره أو فصله في المنازعة الإدارية لا تحل محل السلطة التقديرية لجهة الإدارة في أساليب وطرق ووسائل قيامها بأعمالها الإدارية، فيحظر على القاضي الإداري القيام بذلك صراحة او ضمناً، فلايجوز للقاضي الإداري ان يباشر على جهة الإدارة سلطة الوصاية في هذا الشأن. (مبدأ حظر توجيه أوامر من القاضي الإداري للإدارة وحظر حلوله محلها وتطوراته الحديثة، د. يسرى محمد العصار، دار النهضة العربية القاهرة، 2000م، ص5).
الوجه الثاني: موقف الفقه والقضاء المعاصر من مبدأ حظر توجيه القاضي الإداري للأوامر إلى جهة الإدارة:
مع أن هذا المبدأ ضارب جذوره في القضاء الإداري منذ أمد بعيد إلا إنه مع ذلك لازال راسخاً في القضاء الإداري والفقه الإداري حتى العصر الحاضر، لتعلق هذا المبدأ بمبدأ دستوري عالمي وهو مبدأ الفصل بين السلطات الثلاث، فتوجيه القاضي الإداري للأوامر الادارية الى جهة الإدارة (السلطة التنفيذية) يمس بمبدأ الفصل بين السلطتين القضائية والتنفيذية، فتوجيه القاضي الأوامر إلى جهة الإدارة يعد تدخلا سافرا من قبل السلطة القضائية في أعمال السلطة التنفيذية ، يترتب عليه تعويق أعمالها والتدخل في إختصاصاتها وصلاحياتها، لأن الصلاحيات المخوّلة للسلطة التنفيذية او جهة الإدارة تقابلها مسئوليات تقع على عاتقها، علاوة على أن هناك جهات دستورية وإدارية مخوّلة بموجب القانون بالرقابة على الأعمال والصلاحيات الإدارية للسلطة التنفيذية لضمان سلامتها وملائمتها.
بيد أن هناك اتجاه في الفقه والقضاء العربي والأجنبي ينادي بضرورة وجود استثناءات على مبدأ حظر توجيه القاضي الإداري للأوامر إلى جهة الإدارة لضمان إحترام الادارة لأحكام وقرارات القضاء بإعتبار ذلك من مظاهر تطبيق مبدأ المشروعية الذي يعني إنه يجب أن تكون قرارات وتصرفات جهة الإدارة مشروعة أي مطابقة للقانون، وان ذلك وسيلة لتطبيق مبدأ سيادة القانون وإحترامه من قبل الأفراد وجهة الإدارة معاً، غير أن مبدأ حظر توجيه القاضي الإداري للأوامر إلى جهة الإدارة مازال راسخاً يحرص القضاء على الالتزام به حتى الآن. (سلطة القاضي الإداري في توجيه أوامر للإدارة، د. حمدي عمر، دار النهضة العربية القاهرة، 2003م، ص80).
وعلى أساس ما تقدم فقد ظهر من مطالعة الحكم محل تعليقنا أن القضاء اليمني لازال محافظاً وحريصا على تطبيق وإعمال مبدأ حظر توجيه القاضي الإداري للأوامر إلى جهة الإدارة، والله اعلم.
![]() |
القاضي الإداري لا يصدر أوامر إلى جهة الإدارة |