الإدارة ليست ملزمة بالافصاح عن أسباب قرارها الإداري

*الإدارة ليست ملزمة بالافصاح عن أسباب قرارها الإداري*

*أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين*
*الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء*

➖➖➖➖➖

*▪️قضى الحكم محل تعليقنا بأن الأصل ان السلطة الإدارية غير ملزمة بالإفصاح عن أسباب القرار الإداري المطعون فيه أو المطلوب الغاؤه في دعوى الإلغاء حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة الإدارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 18-2-2018م في الطعن رقم (51217)، الذي ورد ضمن أسبابه: ((والأصل أن القرار الإداري يصدر إبتغاء الصالح العام، ويتحمل المدعي إثبات إنحراف السلطة بأن يثبت ان القرار له غايات أخرى غير الصالح العام، والمدعون لم يقدموا ما يزعزع الثقة في قرينة الصحة المفترض توافرها في القرار، وحيث أن الأصل العام أن الإدارة ليست ملزمة بالإفصاح عن أسباب اصدارها القرار الإداري إلا في حالة ان يلزمها المشرع بذلك، على انها إذا ذكرت أسباباً لقرارها خضعت تلك الأسباب لرقابة القضاء، والقرار المطلوب الغاؤه جاء خاليا من الأسباب، ولم ينص القانون على وجوب التسبيب، وعليه فلا محل لذلك النعي)) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية:*
➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الأول: ماهية القرار الإداري:*
➖➖➖➖➖

*▪️القرار الإداري في اللغية مشتق من الفعل أقر، يُقر، ويعني استقر، وقد عرفه العالم "موريسهوريو" على أنه "إعلان للإدارة بهدف إحداث أثر قانوني على الفرد أو مجموعة أفراد، ويكون صادراً عن سلطة إدارية في شكل تنفيذي أو بشكل ينتج عنه تنفيذ مباشر"، كما عرفه آخرون بأنه " عمل قانوني يتم إصداره بإرادة سلطة إدارية في البلاد، وينتج عنه آثار قانونية لإحداث وضع قانوني جديد أو إلغاء أو تعديل وضع قائم، أما التعريف المتفق عليه فهو تعريف القرار الإداري بأنه " إفصاح سلطة إدارية ضمن القانون عن إرادتها المُلزمة لما تتمتع به من سُلطة قانونية، وضمن اللوائح والتعليمات من أجل إحداث وضع قانوني يستهدف تحقيق المصلحة العامة"،ويعد القرار الإداري عملاً قانونياً منفرداً، ومع ذلك فهو أهم الأعمال القانونية التي تقوم بها الإدارة العامة ، ويصدر من الإدارة بشكل منفرد سواءً كان القرار بإرادة ضمنية أو صريحة، فالقرار الصريح هو: الذي يصدر بصورة صريحة ومكتوبة وواضحة مثل: تعيين الموظفين لشواغر إدارية معينة، أما القرار الضمني: مثل اتخاذ قرار أو إجراء إداري تشترط المصادقة عليه بعد مدّة معينة، فعندما تنقضي المدة المحددة يصادق عليه ضمنياً أي بالسكوت عنه ما لم يتم الرفض خلال الفترة المحددة، والقرار الإداري يصدر عن سلطة إدارية مختصة: أي أن القرار يكون إداريا في حال صدر عن جهة مختصة إدارية سواءً كانت مركزية أو غير مركزية، وينبغي ان تترتب على القرار آثاراً قانونية حتى يكون القرار إدارياً، فيجب أن تنتتج عنه آثار قانونية، ومثال على ذلك: عندما يتم تعيين شخص معين فأنه يتخذ صفة الموظف في الدائرة كاثر قانوني للقرار.*
*وتتنوع القرارات الإدارية إلى أنواع عدة :منها القرار التنظيمي والقرار الفردي: فالقرار التنظيمي هو الذي يشتمل على قاعدة مجردة وعامة مثل أي قانون صادر عن البرلمان، أي لا يتعلق بشيء معين او واقعة معينة أو وضع معيّن بل بعدّة حالات أو وقائع متجددة لاحصر لها ، مثل قرارات المرور  أو التراخيص التي تصدر وتُطبق على الأشخاص في كل مناطق الدولة، أما القرار الفردي: فهو القرار الذي يخص حالة معينة مثل تعيين موظف، وهناك أيضا قرار السيادة وقرار الإدارة: وهذا التصنيف يكون من حيث خضوع القرار للطعن القضائي ، فالقرارات السيادية لا تقبل الطعن من القضاء مثل قرار يتعلق بأمن الدولة، أما قرارات الإدارة فهي خاضعة للطعن القانوني، وهناك القرار المُنشئ والقرار الكاشف: فالقرار المُنشئ له أثر رجعي، ويجوز التراجع عنه عند الطعن فيه خلال مدّة معينة، أما القرار الكاشف فيجوز سحبه والتراجع عنه في أي وقت،وتتنوع القرارات الإدارية من حيث مصدرها فتقسم إلى: قرار صادر عن رئيس الدولة وقرار صادر عن رئيس الحكومة و قرار صادر عن وزير أو وزيرين مثل: نقل موظف أو انتدابه لجهة أخرى.(تعريف القرار الإداري، هايل الجاري، ص2).*
➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الثاني: السبب في القرار الإداري:*
➖➖➖➖➖

*▪️يقصد بركن السبب في القرار الإداري بأنه: حالة واقعية أو قانونية بعيدة عن رجل الإدارة ومستقلة عن إرادته تتم فتوحي له بأنه يستطيع أن يتدخل وأن يتخذ قراراً، وقد اخذت بهذا التعريف المحكمة الإدارية العليا المصرية في أحكامها باستمرار قائلة: والسبب في القرار الإداري حال واقعية أو قانونية تحمل الإدارة على التدخل بهدف إحداث أثر قانوني، كما قضت تلك المحكمة: بضإن السبب كركن في القرار الإداري هو الحال الواقعية أو القانونية التي تحمل الإدارة على التدخل بهدف إحداث أثر قانوني
ولكي يوجد ركن السبب في القرارات الإدارية لابد من توفر ثلاث عناصرهي:*
*الوجود المادي للوقائع القانونية أو المادية. -*
*- عنصر التكييف القانوني السليم لهذه الواقعة القانونية أو المادية.*
*- عنصر التقدير السليم لمدى أهمية أو خطورة هذه الوقائع المادية أو القانونية.*
*ولاشك ان هناك فرق بين سبب القرار الإداري والغاية منه، فالسبب حالة توجد عند إصدار القرار تدفع الإدارة إلى إصداره ، أما الغاية من القرار فهي ما تسعى  الإدارة إلى تحقيقه من إصدار القرار ، فمنع وقوع المخالفات من الموظفين  هي الغاية من قرار الإدارة بشأن الموظف المخالف، فإذا انحرفت الإدارة عن تلك الغاية ، فيكون عيب إساءة استخدام السلطة أو الانحراف بالسلطة، ومفهومه أن يستهدف القرار الإداري غرضاً غير الغرض الذي من أجله منحت الإدارة سلطة إصداره، ويعتبر القرار الإداري باطلاً إذا قصد هدفاً بعيداً عن المصلحة العامة أو الهدف المحدد للقرار ، وترجع أهمية ركن الغاية من القرار إلى كونه يشكل مع ركن السبب ضمانه مؤكدة للأشخاص في عدم إمكان قيام الإدارة بمصادرة حقوق الأشخاص أو التعسف في استخدام الحق.*
➖➖➖➖➖
*▪️وإن كانت القاعدة العامة كما ذكرنا سابقاً، توجب أن يكون لكل قرار إداري سبب معين، فإن الإدارة غير ملزمة – كأصل عام- بذكر أسباب القرار الإداري صراحة إلا إذا ألزمها القانون بذلك.*
*وعلة وجوب أن يكون لكل قرار إداري سبب ترجع إلى طبيعة الدور الذي تقوم به الإدارة باعتبارها إحدى السلطات القائمة بوظيفة من وظائف الدولة، وأن رجل الإدارة عند قيامه بمهامه لا يمارس حقاً بل وظيفة، ومن ثم فهو ملزم أن يعمل في حدودها وفيما يفرضه القانون من قيود، كما أن الهدف الذي يسعى إليه متعلق بالمصلحة العامة.*
*وقد أستقر القضاء على وجوب توفر ثلاثة شروط في سبب القرار الإداري: هي: الأول: أن يكون سبب القرار موجودا، والشرط الثاني: ان يكون سبب القرار الإداري مشروعا، والشرط الثالث: أن يكون السبب محدداً وحقيقياً في القرار الإداري.*
 *فيجب أن يكون القرار الإداري قائما وموجودا حتى تاريخ تنفيذ القرار، ويتفرع من هذا الشرط ضرورتان الأولى أن تكون الحالة الواقعية أو القانونية قائمة فعلا وألا كان القرار الإداري معيباً في سببه، والثانية: يلزم أن يستمر وجود تلك الحالة القانونية أو الواقعية حتى صدور القرار، فإذا وجدت الأسباب الموضوعية لإصدار القرار ألا أنها زالت قبل إصداره فإن القرار يكون معيبا في سببه اذا صدر في هذه الحالة، كما لا يعتد بالسبب الذي لم يكن موجودا قبل إصدار القرار ألا أنه تحقق بعد ذلك وأن جاز أن يكون مبررا لصدور قرار جديد.*
*وتظهر أهمية هذا الشرط في حالة السلطة المقيدة للإدارة عندما يحدد المشرع أسبابا معينة يجب أن تسند إليها الإدارة في إصدار بعض قراراتها فإذا اعتمدت في إصدار قرارها إلى أسباب غير تلك التي حددها الشرع فإن قرارها يكون مستحقا للإلغاء لعدم مشروعيتها، ويجري القضاء في هذه الحالة على رقابة الظروف القانونية من حيث وجودها أو عدم وجودها وتقنين سلطته على تطبيق حكم القانون أي علي رقابة المشروعية فقط.*
*ورغم هذا فقد درج القضاء الإداري على أنه حتى في مجال السلطة التقديرية لا يكفي أن يكون السبب موجودا بل يلزم أن يكون صحيحا ومبررا لإصدار القرار الإداري.*
*فضلاً عن أن جهة الإدارة كقاعدة عامة غير ملزمة بتسبيب قرارها ألا إذا ألزم المشرع ذلك أما إذا أفصحت الإدارة عن سبب قرارها من تلقاء نفسها فأنه يجب أن يكون صحيحا وحقيقيا فأن لم يكن كذلك بأن كان وهميا أو صوريا كان القرار الإداري باطلا غير منتج لأي أثر، والشرط الثالث من شروط سبب القرار الإداري هو أن يقوم السبب على وقائع ظاهرة وحقيقية ومعينة بعيداً عن العمومية والتجهيل والصورية، ولهذا الشرط أهمية ودور في تفهم من صدر القرار في حقه وتحديد موقفه منه، إما بالتظلم منه تمهيداً للطعن فيه او قبوله وتنفيذه، وهذا كله يخدم مصلحة العمل وسيره بانتظام واطراد، وكذلك له أهمية تكمن في تمكين القاضي من إعمال رقابته القضائية على القرار المطعون فيه بسهولة ويسر.*
*وإذا كان الأصل أنه يشترط أن يكون السبب حقيقياً وليس وهمياً ولا صورياً، إلا أنه يجوز لجهة الإدارة أن تعلن سبباً وهمياً وتخفي السبب الحقيقي إذا كان ذلك في مصلحة العامل، وهذا ما أكدته المحكمة الإدارية العليا المصرية ، حيث قضت بأنه: ” لا جناح على الجهة الإدارية أن هي أعلنت سبباً وهمياً للقرار الصادر بنقل المطعون ضده من السلك الدبلوماسي إلى هيئة البريد، وهو كون المنقول زائداً عن حاجة العمل بوزارة الخارجية إخفاء منها للسبب الحقيقي وهو عدم صلاحية المنقول لتولي وظائف السلك الدبلوماسي
ما دامت تهدف من ذلك تحقيق مصلحة مشروعة للموظف وإذا كان الأصل أنه يشترط أن يكون السبب حقيقياً وليس وهمياً ولا صورياً، إلا أنه يجوز لجهة الإدارة أن تعلن سبباً وهمياً وتخفى السبب الحقيقي إذا كان ذلك في مصلحة العامل، وهذا ما أكدته المحكمة الإدارية العليا ، حيث قضت بأنه: ” لا جناح على الجهة الإدارية أن هي أعلنت سبباً وهمياً للقرار الصادر بنقل المطعون ضده من السلك الدبلوماسي إلى هيئة البريد، وهو كونه زائداً عن حاجة العمل بالوزارة إخفاء منها للسبب الحقيقي وهو عدم صلاحيته لتولي وظائف السلك الدبلوماسي ما دامت تهدف من ذلك تحقيق مصلحة مشروعة للموظف المنقول تتمثل في حرصها على سمعته الوظيفية في الهيئة المنقول إليها، حتى يبدأ فيها صفحة جديدة منقطعة الصلة بماضيه في الوظيفة المنقول منها، وعلى المحكمة أن تسلط رقابتها على السبب الحقيقي للقرار دون السبب الظاهري، ولا يعد ذلك منها من قبيل إحلال سبب مكان آخر، لأن السبب في الواقع سبب واحد لم يتبدل، وهو عدم الصلاحية لتولي وظائف السلك الدبلوماسي، أما الآخر وهو كون المطعون ضده زائداً عن حاجة الوزارة، فلا يعدو أن يكون سبباً ظاهرياً أو صورياً للقرار الإداري، قصدت الوزارة بإبرازه رعاية مصلحة العامل المنقول.*
*أما في حالة تعداد الأسباب في القرار الإداري :وكان أحدهما صحيحا دون الأخر، فإن مجلس الدولة أخذ بفكرة السبب الدافع لإصدار القرار، فإن صح هذا السبب كان القرار محل الطعن صحيحاً بغض النظر عن عدم صحة سواه من أسباب يرى القاضي بأنها ثانوية لا تأثير لها على قيام القرار أو صحته، وهذا ما أكدته المحكمة الإدارية العليا في إلغاء قرار فصل تأسيساً على أن الأسباب الدافعة لإصداره لا تكفي لتوقيع جزاء الفصل، فقضت بأنه : ” ولئن كان للإدارة تقدير الجزاء التأديبي في حدود النصاب القانوني، إلا أن مناط ذلك التقدير يكون على أساس قيام سببه بجميع أشطاره، فإذا كان يبين ما تقدم أن عقوبة الفصل التي وقعت على المدعية، قدرت على أساس ثبوت كافة المخالفات المسندة إليها وكان من الواضح مما سلف بيانه أنه لم يقم في حقها المخالفات جميعها، فإن الجزاء الموقع والحالة هذه لا يقوم على كامل سببه، كما أن الباقي من المخالفات والتي قامت في حق المدعية لا يكفي لحمل القرار ومن ثم يكون الحكم المطعون فيه – في ما انتهى إليه من إلغاء القرار المطعون فيه – قد أصاب وجه الحق”*
*وتجدر الإشارة إلى أنه تثور مسألة مدى جواز بحث القاضي الإداري عن السبب الصحيح وإحلاله محل السبب غير صحيح، ألا يشكل هذا البحث تدخلاً في عمل جهة الإدارة، علماً أن دور القاضي الإداري هو الحكم بعدم صحة القرار دون الدخول إلى أبعد من ذلك، وهذا ما أكدت عليه المحكمة الإدارية العليا في حكمها بأنه: ” لا يسوغ أن يقوم القضاء الإداري مقام الإدارة في إحلال سبب آخر محل السبب الذي قام عليه القرار، ذلك لأن دور القاضي يقتصر على مراقبة صحة السبب الذي تذرعت به الإدارة لإصدار قرارها. ولا يسوغ له أن يتعداه إلى ما وراء ذلك بافتراض قيامه على أسباب أخرى يحمل عليها القرار “..( السبب في القرار الإداري والرقابة القضائية عليه، رضا عبدالله حجازي، 120 ).*
➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الثالث: عيب سبب القرار الإداري ورقابة القضاء على  القرار الإداري:*
➖➖➖➖➖

*▪️قد يكون سبب القرار معيبا،  والمقصود بعيب السبب عدم مشروعية سبب القرار الإداري، إما لعدم وجود الحالة الواقعية أو الحالة القانونية الباعثة على إصداره، أو لعدم صحة التكييف القانوني للوقائع التي قام عليها القرار، ومعنى ذلك أن تكون الواقعة التي قام عليها القرار غير موجودة أو غير صحيحة من حيث تكييفها  القانوني.*
*وتمثل رقابة القضاء الإداري على سبب القرار الإداري ضمانة من أهم الضمانات الأساسية للتحقق من مشروعية تصرفات الإدارة، وذلك لأن القرارات الصادرة من الإدارة يجب ألا تصدر عن  الهوى والتحكم، وإنما يجب أن تستند إلى أسباب صحيحة وواقعية تبرر اتخاذها. لا يكفي لمشروعية القرار الإداري  أن يصدر من سلطة إدارية مختصة ووفق الشكل والإجراءات المنصوص عليها في القانون، بل يجب أيضا أن يقوم على سبب واضح يبرر صدوره، حيث يعد السبب أحد أركان القرار  الهامة الذي يؤدي افتقاده إلى بطلان القرار والغائه.*
*ورقابة القضاء الإداري لركن السبب على جانب كبير من الأهمية، فبمقتضاها يبسط القاضي الإداري رقابته على دوافع الإدارة لإصدار القرار مما يجعلها تتحرى الدقة و تتأكد من توفر السبب قبل إصدار قرارها  لتجنب الحرج الأدبي و المادي الناجم عن إلغاء هذا القرار لعدم مشروعيته، إضافة إلى أن تلك الرقابة قد وصلت حديثا إلى رقابة مدى ملاءمة إصدار القرار، و إن كان ذلك في حدود محددة إلا أن ذلك يشكل اقتحاما لمجال كان متروكا للسلطة التقديرية لجهة الإدارة العامة، ويراقب القضاء ركن السبب في القرار الإداري من النواحي الأتية:*

*1- الوجود من عدمه.*
*2- الوصف الصحيح للسبب (التكييف القانوني للسبب ومدى مشروعيته).*
*3- ملائمة القرار للوقائع ( السبب ) والتناسب بين السبب والقرار.*
*فإذا وجد القاضي السبب غير موجود، أو التكييف القانوني للسبب غير صحيح أو عدم تناسب السبب مع القرار فيقضي بإلغاء القرار وعدم مشروعيته، والعكس صحيح إذا وجد القاضي السبب موجود وصفّه القانوني صحيح ومتناسب مع القرار يقضي بمشروعية وصحة القرار. (السبب في القرار الإداري والرقابة القضائية عليه، رضاء عبد الله حجازي، ص125).*

➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الرابع: الإدارة غير ملزمة بالإفصاح عن سبب القرار المطلوب الغاؤه:*
➖➖➖➖➖

*▪️اذا كانت الجهة الادارية غير ملزمة بالافصاح عن سبب قرارها الاداري ، وحيث لايشترط في القرار الإداري ان يكون مكتوباً، بل انه قد يصدر بصورة شفوية احيانا، ولكون الجهة الادارية قد لا تعمد الى تسبيب قرارها الاداري، لذا فان رقابة القاضي الاداري في مثل هذه الحالة قد لاتكون رقابة فعالة، فتكون غير مجدية لبحث مشروعية القرار الاداري والوقوف على توفر اركانه القانونية، وكونه غير معيب بأحد عيوب القرار الاداري وتحديد عيب السبب فيه على وجه الخصوص، مالم تكن للقاضي صلاحية الزام الجهة الادارية بالافصاح عن سبب القرار الاداري، لذا فقد بادر مجلس الدولة الفرنسي الى ممارسة دوره الايجابي في توجيه الاجراءات بطرق اثبات دعوى الالغاء ،وبالشكل الذي يخفف عبء الاثبات الواقع على عاتق المدعي فيها ، وذلك من خلال الاقرار بحق القاضي الاداري في مطالبة الجهة الادارية بالافصاح عن سبب القرار الاداري، وذلك متى ماتحقق امامه عند نظره للدعوى من الادلة والقرائن ما يبرر قيامه بذلك الإجراء، وفي حالة امتناع الجهة الادارية التي اصدرت القرار عن اجابة الطلب المذكور فان له ان يعد ذلك دليلا ً على صحة ادعاء المدعي في الطعن بالقرار الاداري ، وبالتالي اصدار الحكم بالغاء القرار الإداري، وبطبيعة الحال فأن اجابة الجهة الادارية لطلب القاضي الاداري بالافصاح عن سبب قرارها  يفسح المجال للقاضي ان يباشر رقابته للوقوف على مشروعية القرار على ضوء التحقيقات التي يمكن ان يجريها في الدعوى، وقد ظهر اتجاه مجلس الدولة الفرنسي السابق اول الامر في الحكم الذي اصدره في قضية المسيو باريل ""Barel إذ الغى المجلس القرار الاداري المتضمن منع المسيو باريل من دخول المسابقة التي تنظمها المدرسة الوطنية للادارة ، بعد ان رفضت الجهة الادارية التي اصدرت القرار الافصاح عن سبب القرار الاداري، إذ اعتبر المجلس الامتناع المذكور تدعيماً لادعاء المدعي من أن سبب القرار كان سبباً سياسياً بسبب ارتباط المدعي بالحزب الشيوعي الفرنسي، كما ذهب مجلس الدولة الفرنسي لاحقا الى الغاء القرار الاداري الصادر من سلطة الضبط الاداري والمتضمن اعتقال احد المحامين في الجزائر ، بعدما رفضت الجهة المذكورة اجابة طلب القاضي الاداري بالافصاح عن سبب القرار الاداري بادعاء انها غير ملزمة بالافصاح عن سبب قراراتها الادارية ، الامر الذي اعتبره مجلس الدولة تدعيماً لادعاء المدعي بان القرار قد بني على وقائع غير موجودة ، مما يجعل القرار الصادر غير مشروع لعيب السبب، واذا كان امتناع الجهة الادارية المختصة باصدار القرار الاداري، عن الافصاح عن سبب قرارها الاداري ، يعد قرينة على صحة ادعاء المدعي وتدعيما ًلادلة الاثبات المقدمة من قبله ، الا انه قد يتعذر  على المدعي احياناً اقامة الدليل لاثبات دعوى الالغاء المقامة امام القاضي الاداري، وفي مثل هذه الحالة فان مجلس الدولة الفرنسي قد عمد الى التخفيف من عبء الاثبات، اذا يعد امتناع سلطة الضبط الاداري عن اجابة طلبه اللافصاح عن سبب القرار الاداري دليلاً كاملاً لالغاء القرار الصادر بهذا الصدد، وحتى وان لم يقدم المدعي ادلة اثبات أخرى، وقد استقرت احكام مجلس الدولة الفرنسي حتى الوقت الحاضر على تمتع القاضي الاداري بحرية مطلقة في مطالبة الجهة الادارية بالافصاح عن السبب في قرارات الضبط الإداري دون اشتراط تقديم الدليل لاثبات الدعوى لغرض اصدار الحكم بالالغاء، أما في أحكام القضاء الاداري المصري، فان عدم الزام الجهة الادارية بالافصاح عن السبب في القرار الاداري عند ما لايوجب القانون ذلك لا يعني ان تكون سلطة الجهة الادارية مطلقة، بل هي على خلاف ذلك كونها مقيدة بقيد عام لكافة القرارات الادارية والمتمثل بتحقيق الصالح العام، وقيد خاص في قرارات الضبط الاداري والمتمثل بالمحافظة  على النظام العام، لذلك فانه يفترض في القرارات الادارية التي لا يتم الافصاح عن السبب فيها، انها قد صدرت استناداً لسبب صحيح ومشروع قانوناً، وهي قرينة قابلة لاثبات العكس، بحيث يقع عبء الاثبات على من يدعي خلاف ذلك، كما يكون للقاضي الاداري الحق في التأكد من صحة السبب الذي استندت اليه الجهة الادارية، وذلك من خلال الاعتداد بالدليل المقدم من قبل المدعي بغية اثبات عدم مشروعية القرار الاداري، وبالتالي نقل عبء الاثبات منه الى سلطة الضبط الإداري، وتطبيقاً لذلك فقد قضت محكمة القضاء الاداري في مصر بان ((... الاصل انه لا يتعين على الجهة الادارية ان تلتزم بتسبيب قراراتها الادارية الا اذا وجد نص صريح بذلك، الا ان تطبيق هذه القاعدة لا يعني الا عدم قبول الدفع قِبل هذه القرارات المطعون بها شكلاً لعدم تسبيبها، ولا تعني اعفاء الجهة الادارية  من ضرورة بيان اسباب اصدار القرارات المطعون فيها امام المحكمة المختصة بنظر دعوى الالغاء، وهذا الالتزام ناتج من وجود حق الرقابة القضائية التي اضفاها المشرع على اختصاص مجلس الدولة، وهو شرط لاغنى عنه لممارسة هذه الرقابة التي توجد في الوقت الذي ينفتح فيه طريق الطعن في القرار الاداري والتي يمارسها القضاء في حدود التأكد من ان القرار الاداري صدر للصالح العام وانه يستند الى سبب سليم من الناحية القانونية وصحيح من الناحية الواقعية...))، كما قضت ايضاً بان ((.. عدم الزام الادارة بتسبيب قراراتها ليس من مؤداه من ان تقيم قراراتها على وقائع غير صحيحة تبرر القرار وتجعله يحقق غرضه الموضوعي، وليس من مؤداه اعفاؤها من بيان هذه الاسباب متى طلبتها المحكمة المختصة، أما التستر وراء قرينة الصحة التي تحمل عليها القرارات الادارية وعدم تقديم الجهة الادارية للاسباب المبررة لاصدار القرار، فالاصل  انه لا يغل يد القضاء ولا يعطل عمله عن رقابة مشروعية القرارات الادارية في ضوء ما يرد في اوراق الدعوى وما يصاحب الخصومة من ظروف وملابسات، وبغير اعمال رقابة القضاء على القرارات الادارية لا تتحقق ســيادة القانون على تصرفات الادارة ...))، وفي هذا السياق قضت المحكمة الادارية العليا في مصر  بانه ((.. قد جرى قضاء هذه المحكمة على ان رقابة القضاء الاداري على القرارات الادارية هي رقابة مشروعية تسلطها على القرارات الادارية المطعون فيها لتزنها بميزان القانون والشرعية والمصلحة العامة، فتلغيها او توقف تنفيذها اذا تبين صدورها مخالفة لاحكام القانون بصفة عامة او انحرافها عن الغاية التي حددها الدستور والقانون لسلامة التصرفات الادارية وهي تحقيق الصالح العام، وللقضاء الاداري من تلقاء ذاته التصدي لبحث سبب القرار الاداري لاستظهار صحته من عدمه، اذ ان ذلك هو مقتضى رقابة مشروعية القرارات، ولا يعد هذا حلولاً محل جهة الادارة التي تبقى مسؤولة عن قراراتها، فاللقضاء الإداري ان يستظهر صحة السبب ومدى مطابقته او مخالفته لاحكام القانون...))، ولم تخالف احكام القضاء الاداري العراقي  ما استقرت عليه احكام القضاء الاداري الفرنسي والمصري من الاقرار بحق القاضي الاداري في الزام سلطة الضبط الاداري بالافصاح عن سبب القرار الاداري الذي أصدرته، بغية الوقوف على موافقته للقانون من عدمه، لذا فقد قضت محكمة القضاء الاداري العراقية بان ((.. المحكمة كانت قد امهلت وكيلة المدعى عليهما لتزويدها بالمدونات المطلوبة واجلت المرافعة لامهالها لجلستين متتالتين دون جدوى مما يتضح ان قرار حجز المدعي الاول وحجز واردات علوة الخضار المؤجرة الى المدعي الثاني لم يصدر بصورة مكتوبة، وحيث ان من الجائز في فقه القانون الاداري صدور القرار بصورة شفوية، ومن الجائز ايضا الطعن في مثل هذا القرار بطرق الطعن المقررة قانوناً ومنها الطعن فيه امام القضاء الاداري، وحيث ان وكيلة المدعى عليهما كانت قد اقرت في جلسة المرافعة المؤرخة 15/11/2000 ان اجراءات موكليها وقراره بالحجز على المدعي الاول وحجز واردات علوة الخضار للمدعي الثاني كانت وسيلة للضغط على المدين الاصلي المشار اليه انفاً مما يكون القرار المطعون فيه في هذه الدعوى قد صدر دون سند من القانون فضلاً عن مخالفته للدستور والاصول الجزائية التي تمنع القبض على الاشخاص او توقيفهم الا وفق احكام القانون ناهيك عن مخالفته لحرمة الملكية الخاصة وقواعد حجز اموال الغير التي يكفلها الدستور والقانون، عليه واستناداً لما تقدم قرر الحكم بالغاء القرار الاداري المطعون فيه...))، ويستشف من قرار محكمة القضاء الاداري العراقية المشار اليه اعلاه، بان الزام القاضي الاداري للجهة الإدارية بالإفصاح عن سبب تدخلها يمكن ان يثار بصدد القرارات الادارية التي تصدر مكتوبة أو شفهية، اذ قد تصدر الجهة الادارية قرارات شفهية فيتم إخضاعها لرقابة القاضي الاداري للتحقق من مطابقتها للقانون من عدمه، ومتى ما افصحت الجهة الادارية عن سبب القرارالاداري ، فانه يخضع للرقابة واصدار الحكم بالغاء القرار الاداري في حالة ما اذا  كان سبب القرار غير مشروع قانوناً، لذا فان ممارسة القاضي الاداري لتلك الصلاحية، انما يمثل ضمانة للحيلولة دون تعسف الجهة الادارية  عند ممارستها لاختصاصها في الحفاظ على النظام العام، او إعادته لنصابه عند اختلاله، الا ان ذلك لايمكن ان يكون  مطلقا في كل الاحوال، بل لابد من ان تكون رقابة القضاء الاداري للسبب في قرارات الضبط الإداري ضمن حدود معينة يجب التقيد بها.(سلطة القاضي الإداري في إلزام الإدارة بالإفصاح عن السبب، حبيب الدليمي، ص143)، والله اعلم.*