تطور القضاء في اليمن وتطويره
أ.د. عبد المؤمن شجاع الدينالأستاذ بكلية الشريعة والقانون جامعة صنعاء والمعهد العالي للقضاء
![]() |
تطور القضاء في اليمن وتطويره |
مقدمة :
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده محمد وعلى آله وصحبه :
أما بعد فيتكون هذا البحث من فصلين الفصل الأول نشير بصورة موجزة إلى القضاء في اليمن من حيث علاقته بالسلطة التنفيذية ومدى استقلاليته وذلك خلال الفترات السابقة وفي العصر الحاضر, ويكون هذا الفصل من المباحث الآتية :
المبحث الأول : القضاء في اليمن في عصر الدويلات الإسلامية التي قامت في اليمن .
المبحث الثاني : القضاء في اليمن قبل ثورتي سبتمبر وأكتوبر .
المبحث الثالث : القضاء في اليمن قبل الوحدة .
المبحث الرابع : القضاء في اليمن بعد الوحدة وقبل صدور حكم الدائرة الدستورية .
اما الفصل الثاني فيتضمن الموجهات العامة لتطوير القضاء ويتكون هذا الفصل من المباحث الآتية:
المبحث الأول: تطوير القضاء ام اصلاحه
المبحث الثاني: تطوير القاضي المبحث الثالث: تطوير التأهيل القضائي
المبحث الرابع: تطوير أعوان القضاء
المبحث الخامس: تطوير الادارة القضائية
المبحث السادس: تطوير القوانين ذات الصلة بالقضاء
المبحث السابع: تطوير إجراءات التقاضي
المبحث الثامن: تطوير اعمال جهات الضبط والتنفيذ القضائي.
الفصل الأول: مراحل تطور القضاء في اليمن
وسوف نعرض هذه المراحل في المباحث الآتية:
المبحث الأول : القضاء في اليمن في عصر الدويلات الإسلامية التي قامت في اليمن .
المبحث الثاني : القضاء في اليمن قبل ثورتي سبتمبر وأكتوبر .
المبحث الثالث : القضاء في اليمن قبل الوحدة .
المبحث الرابع : القضاء في اليمن بعد الوحدة وقبل صدور حكم الدائرة الدستورية.
المبحث الأول: القضاء في اليمن خلال العصر الإسلامي
اتسم القضاء في اليمن بالسمات التي اتسم بها القضاء الإسلامي عامة لأن اليمن كانت إقليماً من أقاليم الدولة الإسلامية, فالقضاء في الإسلام كان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم متداخلاً مع السلطات الأخرى في الدولة, فالنبي صلى الله عليه وسلم كان رسولاً نبياً يتلقى التشريع الرباني عن الله تعالى كما كان رئيساً للدولة الإسلامية يتولى إقامة الدين وسياسة الدين كما كان قاضياً يفصل في الخصومات ، وقد كان الأمر على هذا النحو لحداثة الدولة الإسلامية في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وبساطتها فضلاً عن عصمة النبي صلى الله عليه وسلم التي تمنعه من الخطأ والزلل والتعسف والجور في الحكم عند الجمع بين السلطات إلا أن وظيفة القضاء استقلت بعد ذلك عن غيرها من السلطات عندما تطورت الدولة الإسلامية حيث تم استحداث منصب قاضي القضاة (المحكمة العليا) في عهد الدولة العباسية واستحداث قضاء المظالم (القضاء الإداري) وقد فرضت هذه التطورات ذاتها على اليمن حيث تم استحداث نظام قاضي القضاة في عهد دولة بني زياد التي كانت تتخذ من زبيد عاصمة والتي كانت تحكم اليمن بنوع من الاستقلال مع أنها كانت تابعة صورياً للدولة العباسية - ومع استقلال القضاء طوال فترة العصر الإسلامي إلا أنه لم يكن استقلالاً تاماً على النحو المعمول به في العصر الحاضر حيث ظل هناك نوع من التداخل بين القضاء والسلطة التنفيذية فالقاضي يباشر بعض الولايات العامة التي هي أصلاً من اختصاص السلطة التنفيذية مثل (أدارة أموال القصر - الولاية على من لا ولي له وغيرها) وقد ذكر الماوردي (11) وظيفة تنفيذية يقوم بها القاضي في الإسلام ، وبالفعل كان يقوم بها القاضي في اليمن خلال عصر الدويلات الإسلامية في اليمن ، ولا يتسع المجال الحصر تلك الوظائف ، في حين كانت السلطة التنفيذية (الإمام - السلطان - ولي الأمر - أمير المؤمنين) يباشر بعض صلاحيات القضاء كالتعقيب على أحكام القضاء وغير ذلك . ولا زال بعض هذا الإرث موجوداً في القضاء في اليمن حيث لا زال يطلق على القاضي (الحاكم) لأن له ولايات تنفيذية بالإضافة إلى الفصل في الخصومات . ونؤكد هنا أن روح الشريعة الإسلامية الغراء تأمر باستقلال القضاء لأنه السبيل إلى الوصول إلى العدل الذي توجبه الشريعة الإسلامية ، فالعدل واجب في الشريعة الإسلامية والقاعدة الشرعية تقضي (بأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب) و لم يقل أحد من المؤرخين أو الفقهاء بأن تداخل السلطات جائز فى الشريعة الإسلامية لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجمع بين السلطات بما فيها القضاء ، فذلك من خصوصيات النبي صلى الله عليه وسلم باعتباره نبياً معصوماً - والدليل على ذلك أن الخلفاء الراشدين رضوان الله عليهم جميعاً قد فصلوا وظيفة القضاء بعد ذلك وكذلك الحال في العصور التالية ولم يعترض أو ينكر ذلك أحد وتلقت الأمة ذلك بالقبول حتى اليوم. وفي عصر الدويلات الإسلامية التي قامت باليمن كان هناك تداخلاً بين القضاء والسلطات الأخرى.
المبحث الثاني: القضاء في اليمن قبل ثورتي سبتمبر وأكتوبر
كان الشطر الجنوبي من اليمن محتلاً من قبل بريطانيا، في حين كان الشطر الشمالي تحت الحكم العثماني الذي كان يتداخل مع حكم الأئمة، ولذلك من المناسب أن نتناول في المطلب الأول القضاء في الشطر الجنوبي قبل الاستقلال في حين نذكر في المطلب الثاني القضاء في الشطر الشمالي قبل ثورة سبتمبر.
المطلب الأول: القضاء في الشطر الجنوبي قبل الاستقلال
ويذهب الأستاذ الدكتور صالح بامعلم في كتابه تنظيم السلطة القضائية في الجمهورية اليمنية ((إلى أنه خلال هذا الفترة لم يكن هناك قضاء موحد حيث كان الشطر الجنوبي مقسما إلى دويلات وسلطنات ولا توجد قوانين موحدة - وإنما هناك قضاة جزئيون ومحاكم تختلف باختلاف السلطات والدويلات كما انه لم يكن هناك محكمة عليا هذا بالنسبة للسلطنات والدويلات والمحميات ، أما بالنسبة لمستعمرة عدن التي كانت تحكمها بريطانيا مباشرة فقد كانت توجد بها محاكم جزئية وهي محاكم درجة أولى لها صلاحيات ابتدائية وسلطتها القضائية محدودة وكانت تتواجد في أحياء كريتر والتواهي والشيخ عثمان والبريقة كما كانت هناك محكمة رئيس القضاة الجزئين ومقرها كريتر وكان لها اختصاص ابتدائي أوسع من اختصاص المحاكم الجزئية السابق ذكرها ولا تتعدى سلطة حكمها على الحبس لمدة سنتين في القضايا الجنائية أو الغرامة المالية أو العقوبتين معاً على الجاني أو المخالف وكان يتم استئناف أحكام المحاكم الجزئية جميعها أمام المحكمة العليا لمستعمرة عدن والتي كان مقرها كريتر)) وكانت تتكون من شعبتين جنائية ومدنية وكانت تجري المحاكمات في الشعبتين من قبل قاض واحد وهيئة من المحلفين لها اختصاص ابتدائي في القضايا المدنية والجنائية الكبيرة ذات الأهمية وكانت محاكم عدن تطبق مجموعة قوانين عدن 1955م وهي مأخوذة من القوانين التي كانت بريطانيا تطبقها في الهند عندما كانت مستعمرة تابعة لها .
أما الطعون في أحكام المحكمة العليا لمستعمرة عدن فكانت ترفع إلى محكمة الاستئناف البريطانية في شرق إفريقيا التي كانت مقرها في نيروبي عاصمة كينيا وكان يتم تعيين قضاة المحاكم في مستعمرة عدن من الانجليز وذلك بقرارات تصدر عن المندوب السامي البريطاني بعدن (حاكم المستعمرة) وكانت لغة التقاضي أمام المحاكم بمستعمرة عدن باللغة الانجليزية - أما بالنسبة لمسائل الأموال الشخصية كالزواج والطلاق والميراث والوصية والوقف، فكان الناس في مستعمرة عدن يلجاؤن إلى العلماء و أئمة المساجد للفصل فيها.
ومن خلال ما تقدم يظهر أن المندوب السامي أو حاكم المستعمرة الذي كان يمتلك سلطات واسعة ومطلقة كان يتدخل في شئون القضاة الذين يعينهم. وقد ذهب القاضي عبد الجليل نعمان وكذا القاضي محمد راشد عبد المولى في بحثيهما إلى ما ذهب إليه الدكتور صالح با معلم حسب ما هو ثابت في بحثيهما (القضاء في اليمن بين الواقع والطموح).
المطلب الثاني: القضاء في الشطر الشمالي قبل ثورة سبتمبر 1962م
ذكرنا فيما سبق القضاء في عهد الدويلات التي كانت سادت في اليمن وبعدئذ دخل العثمانيون اليمن و احتلوا اغلب مناطق حيث تم ضم اليمن إلى الدولة العثمانية الإسلامية إلا أن دخول العثمانيين إلى اليمن لم يحل دون سيطرة الأئمة على بعض أنحاء الشطر الشمالي من اليمن ، وقد وصف الدكتور فاروق أباظة النظام القضائي ووضع القضاء في اليمن عام 1872م بأنه ( كان يعتمد على تطبيق تتضمن أراء مختلفة للفقهاء وترتب على ذلك اختلاف أحكام القضاء في القضية الواحدة أو القضايا المتشابه كما أن حق الاستئناف لم يكن محدداً وقد شجع التقاضي بهذا الشكل على أن تظل القضايا معلقة لأمد طويل ) كما وصف الأمام محمد بن علي الشوكاني (1173 هـ - 1250 هـ) الذي كان قاضي القضاة وصف القاضي في عصره بأنه ( عبارة عن رجل جاهل للشرع فغاية ما يعرفه هو الحضور في مواقف الخصومات وسماع الدعوى والإجابة وطلب اليمين والبيئة و ليس له من العلم غير هذا لا يعرف حقاً ولا باطلاً ولا دليلاً ولا مدلولاً ولا يعقل من أمور الشرع فضلاً عن غيره من أمور العقل ) ومن وجهة نظرنا ان القضاء في اغلب الدول العربية والإسلامية كان على هذه الشاكلة لان القضاء كان يطبق اقوال الفقهاء قبل ان يتم تقنين احكام الفقه الإسلامي كما ان المذهب الزيدي يشترط في القاضي أن يكون مجتهداً إضافة انه يحسب الى الامام يحيي حميد الدين رحمه الله انه قد قام باختيار القول الذي يجب على القضاة الحكم به وقد كانت هذه الاختيارات النواة الأولى للقوانين التي صدرت في العصر الجمهوري كما ان الواقع أن الدولة بعد ثورة 26 سبتمبر 1962م قد اعتراها الضعف مما أدى إلى طغيان أعراف القبائل على أحكام الشريعة وطغيان وتدخل المشائخ في شئون القضاء كما ان هناك أمثلة وشواهد استقلال القضاة في اليمن في عصر الإمامة حيث كان الأمام الشوكاني قاضياً في عهد المنصور علي بن المهدي عباس أواخر الدولة القاسمية وكان معروفاً بالذكاء والقوة والعزم وقول الحق الذي اشترط على المنصور على المهدي قبل موافقته على تولى القضاء شروطاً كلها تنصب في ضمان استقلاليته منها أنه .
سيحكم على من ظهر الحق عليه حتى ولو كان المحكوم عليه هو احد أولاد الإمام أو احد أخوته أو غيرهم بالحبس إذا كان يستحق الحبس في مسالة شرعية وليس لأحد من موظفي الدولة أن يأمر بإطلاقه كائنا من كان حتى ولو كان الأمر بالإطلاق وزيراً, ومنها أن له الحق في إطلاق من كان محبوساً في . مسالة شرعية حتى ولو كان الذي أمر بالحبس أميراً أو وزیری وفي إحدى أو شيخ من مشايخ قبيلة بني حشيش إجابة القاضي الشوكاني الذي أرسل له إشعارا خطياً بالحضور لمقابلة من يدعي عليه حقاً أمامه ولم يكتف الشيخ برفض أمر الإحضار الإشعار الخطي بل عمل الإحضار في عرض عود من قصب الذرة الذي تأكله البقر وربطة ببعض أغضان القصب في شكل ما تسميه الناس بالعصابة والقم الثور العصابة ليأكل ورقة (الإحضار) مع هذه العصابة تحدياً للقاضي الشوكاني وتكبراً على غريمه الذي طلب حضوره أمامه . فما كان من محضر المحكمة غير أن استشهد الحاضرين بما عمله هذا الشيخ المطلوب ، ورجع إلى صنعاء وأخبر الشوكاني بما حصل من تحد لأمره ، ثم أخبر المهدي عبدالله ابن المتوكل أحمد بن منصور علي الذي فوضه في جميع المسائل المتعلقة بالقضاء والقضاة بعد وفاة والده والذي كان ينزل ضيفاً على الشريف الحسن بن ناصر الجوفي وما أن تلقى هذا النبأ حتى ترك بيت مضيفه وخرج مسرعاً مع من لديه من الجنود متوجها شطر بني حشيش وطلب من صنعاء إرسال ثلة من الجيش مع المدفع . وما مضت ساعة حتى كان الجميع أمام دار هذا الشيخ الذي رفض أمر القاضي الشوكاني بالحضور وأمر بضرب داره بالمدفع وبإخراج الثور الذي كان قد أكل الإحضار وسط العصابة) وذبحه ، وأخرج الإحضار من بين لفرث كما أمر بإلقاء القبض على هذا الشيخ و أرسله مكبلاً بالسلاسل الحديدية من عنقه الى يده ثم إلى رجله إلى حبس القلعة بصنعاء .
وبعد مقاومة الأمام يحيى حميد الدين للأتراك توصل الطرفان إلى صلح ( دعان ) 1911م الذي تضمنت بعض بنوده ما يأتي :
-1- تشكيل محكمة استئناف في صنعاء للنظر في الشكاوي التي يعرضها الأمام عليها.
-2- أحكام القصاص لا تنفذ إلا بعد عرضها على الدولة العثمانية ومصادقتها عليها.
-3- يحق للدولة العثمانية أن تعين قضاة من غير المذهب الزيدي في المناطق التي يتمذهب سكانها بالمذهب الشافعي او الحنفي.
4- تشكل محاكم مختلفة من قضاة الشافعية والزيدية للنظر في دعاوى المذاهب المختلفة.
وسواء في عصر الحكم العثماني لليمن أو في عهد الأمام يحيي فقد كان تعيين القضاة وعزلهم ونقلهم وكافة شئونهم خاضع للسلطة التنفيذية أو الأمام باعتبار القاضي نائبا للأمام وكانت الأحكام تخضع لمراجعة الأمام نفسه أو من يكلفه بذلك أو الهيئة الشرعية التابعة له لاسيما في عهد الأمام أحمد حميد الدين رحمه الله الذي شكل الهيئة الشرعية التي كانت بمثابة محكمة استئناف عليا ومجلس قضاء اعلى.
المبحث الثالث: القضاء في اليمن قبل الوحدة
قبل الوحدة كان يسود في اليمن نظامان مختلفان في شمال اليمن وجنوبه ، ولذلك فمن المناسب أن نبين في المطلب الأول القضاء في الشطر الجنوبي قبل الوحدة ثم تبين في المطلب الثاني القضاء في الشطر الشمالي قبل الوحدة.
المطلب الأول: القضاء في الشطر الجنوبي قبل الوحدة
أحرز الشطر الجنوبي استقلاله عن بريطانيا في 30 نوفمبر 1967م وقد ذكر الدكتور صالح با معلم بأنه بقيت أوضاع المحاكم في المحافظات الجنوبية كما هي دون تغيير لفترة من الزمن بعد نيل الشطر الجنوبي من اليمن استقلاله وجلاء المستعمر ، حيث لم يكن بالإمكان و المستطاع فوراً إعادة تنظيم وتوحيد المحاكم ، فبعد جلاء المستعمر بأيام أصدرت الدولة الفتية جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية المرسوم الجمهوري رقم (5) لعام 1967م الذي نص على استمرارية بقاء جميع أجهزة الدولة الإدارية بما فيها المحاكم و الدوائر القانونية في ممارسة أعمالها و أن تظل جميع القوانين والأنظمة والأوامر سارية المفعول بنفس الطريقة كما كانت مطبقة في أي جزء من الجمهورية قبل الاستقلال مباشرة شريطة عدم تعارضها مع مصالح الثورة وأهدافها ، وكذلك سيادة الجمهورية حتى إصدار قوانين أخرى .. وتلى ذلك صدور قانون رقم 19 لعام 1969م بشأن تطبيق بعض قوانين عدن لعام 1955م على المحافظة الأولى (عدن)، أي تطبيق القوانين التي كانت سارية المفعول في عهد الاستعمار البريطاني في مدينة عدن على محافظة عدن فقط. وهكذا فقد اقتضت الضرورة والظروف والأوضاع الداخلية (آنذاك إبقاء الوضع : تركها المستعمر من ناحية القوانين حتى لا يحدث فراغاً قانونياً ، فتعم الفوضى والاضطراب في البلاد ، بل وقد تطلب الأمر إنشاء محاكم خاصة استثنائية) مثل محاكم الشعب في عواصم المحافظات الست ومحكمة الشعب العليا في العاصمة عدن وقد ظلت لغة محاكم عدن لعدة سنوات بعد الاستقلال هي اللغة الإنجليزية إلى أن صدر قرار تعريب إجراءات المحاكمة رقم (62) لعام 1971م الصادر من وزارة العدل والأوقاف ، حيث نص على ضرورة استعمال اللغة العربية في إجراءات المحاكم الجزئية ومحكمة رئيس قضاة الجزئيين و المحكمة العليا لعدن ، وخاصة بعد صدور قانون رقم (4) لعام 1969م الذي نص على أن تكون اللغة العربية هي اللغة الرسمية في المعاملات في جميع الأجهزة و المرافق التابعة للدولة.
إما الطعون في أحكام محاكم عدن إلى الخارج ( إلى شرق أفريقيا - كينيا - ولندن ) فقد توقفت لتعارضها مع سيادة الدولة و الاستقلال الوطني وقد شرعت وزارة العدل والأوقاف وتحديداً في عام 1972م وحتى عام 1978م بإعادة تنظيم وتوحيد المحاكم وقامت باتخاذ الإجراءات التالية :
-1- تغيير تسميات المحاكم الموجودة آنذاك من محاكم شرعية وعرفية ومدنية إلى محاكم جزئية درجة أولى تنظر في القضايا ابتدءاً ، وتغيير تسمية المحاكم الاستئنافية إلى محاكم المحافظات بموجب منشور وزير العدل والأوقاف رقم (1) لعام 1972م.
-2- تحديد اختصاصات المحاكم الجزئية كمحكمة درجة أولى واختصاصات محاكم المحافظات كمحكمة درجة ثانية استئنافية (بموجب منشور وزير العدل و الأوقاف) رقم (2) لعام 1972م.
-3- توحيد إجراءات التقاضي والتحقيق الابتدائي في الدعاوى الجنائية بإصدار لائحة الإجراءات الجنائية بالقرار الوزاري رقم 116 في يناير 1976م.
-4 المدنية المرافعات في يناير 1975م ..
-5- إنشاء هيئة الاستئناف العليا مؤقتاً لتعمل بديلاً عن المحكمة العليا المزمع إنشاؤها توحيد إجراءات التقاضي في الدعاوي المدنية بإصدار لائحة موحدة للإجراءات بعد تشكيل مجلس الشعب الأعلى (البرلمان) وذلك عن طريق انتاب أعضاء المحكمة من قبل أعضاء مجلس الشعب وفقان 60 لما نص عليه الدستور المعدل في عام 1978م.
-6- إنشاء المحكمة العليا للجمهورية في عام 1978م ...
-7- إعداد مشروع قانون تنظيم المحاكم حيث تم إصداره في عام 1980م ، وبموجبه ألغي القانون الإنجليزي رقم 17 لعام 1961م مع تعديلاته .
و أصبح النظام القضائي (المحاكم) في المحافظات الجنوبية وفيما كان يسمى بجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية وفقاً للقانون رقم (7) لعام 1980م بشأن تنظيم المحاكم و إلى ما قبل قيام دولة الوحدة - الجمهورية اليمنية - وصدور قانون السلطة القضائية رقم (1) لعام 1991م على النحو التالي:
المحكمة الجزائية:
وهي محكمة درجة أولى تنشأ على مستوى المديريات، ويحدد مقرها واختصاصها المكاني بقرار من وزير العدل بالتنسيق مع رئيس المحكمة العليا ، لها اختصاص ابتدائي تنظر وتفصل في القضايا و الدعاوى الجنائية و المدنية و الأحوال الشخصية وغيرها ، وهي مسئولة عن أعمالها أمام محكمة المحافظة وتتكون المحكمة الجزئية من رئيس وعدد من القضاة ويتم تقسيم الاختصاصات داخلياً فيما بينهم.
-1- محكمة المحافظة:
محكمة استنافية تنشأ على مستوى المحافظات مقرها . أعلى جهاز قضائي في المحافظة وتشمل دائرة اختصاصها المكاني حدود المحافظة محك عاصمة المحافظة وهي وتشرف على نشاط المحاكم الجزئية الواقعة في نطاق المحافظة لضمان الالتزام الأمثل في تطبيق نصوص وأحكام القانون في إجراءاتها . وتتكون محكمة المحافظة من رئيس ونائب وعدد من القضاة ، وتمارس نشاطها : عبر الهيئة العامة للمحكمة وعبر الدوائر التي تتشكل منها وهي :
أ. دائرة القضايا الجنائية.
ب. دائرة القضايا المدنية والمحكمة المحافظة اختصاص ابتدائي و استئنافي ، كما أنها تختص بالفصل في أي نزاع بشأن تنازع الاختصاص بين محكمتين جزئيتين مختصتين في نطاق المحافظة، أو بشأن تنفيذ حكمين نهائيين متناقضين صادرين من محكمتين جزئيتين مختصتين في نطاق المحافظة
2- المحكمة العليا :
وهي أعلى جهاز قضاني ومقرها عاصمة الجمهورية عدن ، وهي محكمة نقض و استئناف بالنسبة للأحكام الصادرة من محاكم المحافظات ، و كمحكمة درجة أولى بالنسبة لبعض القضايا الجنائية الكبيرة والخطيرة ذات الظروف شديدة التعقيد والأهمية الاجتماعية و السياسية بمبادرتها الذاتية أو بمبادرة المدعي العام للجمهورية ، وفي القضايا المدنية لها صلاحية سحب أية قضية داخلة في اختصاص أية محكمة أخرى ، و أن تنظر فيها بصفتها محكمة درجة أولى و تكون أحكامها قابلة التصحيح . وتمارس المحكمة العليا التوجيه والرقابة على جميع المحاكم بما فيها المحاكم العسكرية وتقوم بدراسة تطبيق القوانين من قبل المحاكم ووضع الاستخلاصات وتقديم المقترحات لمجلس الشعب الأعلى بشأن تفسير القوانين والقرارات الصادرة من المجلس ، كما يحق للمحكمة اقتراح و تقديم مشاريع القوانين للمجلس .
وتتكون المحكمة العليا من الدوائر التخصصية التالية :
-1- دائرة القضايا المدنية .
-2 دائرة القضايا الجنائية - دائرة القضايا الجنائية والعسكرية .
وتمارس المحكمة العليا نشاطها عبر الدوائر أعلاه ، الهيئة العامة للمحكمة العليا و التي يدخل في عضويتها رئيس المحكمة العليا ونوابه و جميع قضاة المحكمة العليا . وينص قانون تنظيم المحاكم رقم (7) لعام 1980م على وجوب اشتراك المدعي العام في اجتماعات الهيئة العامة للمحكمة العليا (المادة 17 فقرة 2).
و تقدم المحكمة العليا تقاريرها لمجلس الشعب الأعلى ، وهي مسؤولة أمامه و امام هيئة رئاسة المجلس بين دورات انعقاده . وتفسير ذلك أن المشرع لم يأخذ بمبدأ فصل سلطة الدولة إلى ثلاث سلطات تشريعية وتنفيذية وقضائية إلى جانب أنه قد اتبع في اختيار القضاة نظام الانتخاب عن طريق مجالس الشعب المحلية و مجلس الشعب الأعلى ولذلك فإن المحاكم القضاة) مسؤولون أمام المجالس التي انتخبهم إلى جانب أن دستور جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية لعام 1978م ، وقانون تنظيم المحاكم لعام 1980م لم ينصا على تشكيل مجلس خاص للقضاة - مجلس القضاء الأعلى - بخلاف قانون السلطة القضائية رقم 28 لعام 1979م الصادر في الشطر الشمالي من اليمن - الجمهورية العربية اليمنية - و المعمول به آنذاك و المتأثرة بالنظام القضائي المصري والفرنسي.
المطلب الثاني: القضاء في الشطر الشمالي قبل الوحدة
بعد ثورة 26 سبتمبر 1962م وقيام الجمهورية العربية اليمنية صدر القرار الجمهوري رقم 25 لعام 1963م بتكليف وزارة العدل بإعادة تنظيم الجهاز القضائي بغية ضمان إقامة العدل بين الناس وكفالة حقوق المواطنين في حدود الشرائع و القوانين.
وفي هذا الاتجاه قامت وزارة العدل باتخاذ مجموعة من الإجراءات منها :
-1- إعادة النظر في تنظيم وتشكيل وزارة العدل نفسها بحيث اشتملت على إدارة للتفتيش القضائي وإدارة عامة للمحاكم .
-2- تم فتح مكاتب للوزارة في كل لواء بالتدريج .
-3- إعادة تنظيم محكمة الاستئناف العليا والتي هي عبارة عن المحكمة العليا للجمهورية بقرار وزير العدل رقم 5 لعام 1966م، حيث حدد هذا القرار الفروع التي تتألف منها المحكمة واختصاصاتها بحيث يعتبر حكم محكمة الاستئناف العليا نهائياً ، أما اختصاصاتها : فهي مطالعة الأحكام الشرعية الصادرة من المحاكم الأدنى درجة وهي محاكم الألوية والأقضية والنواحي وكذلك محاكم التراضي المعترف بها رسمياً المرفوعة إليها والبت فيها نقضاً أو إبراماً .
وبناء عليه فإن النظام القضائي في الجمهورية العربية اليمنية آنذاك كان يتكون من المحاكم التالية :
أ- محكمة الاستئناف العليا : وتتشكل من أربعة فروع (دوائر).
ب - محاكم الألوية .
ت محاكم الأقضية .
ت محاكم النواحي إلى جانب محاكم التراضي .
ج محاكم خاصة استثنائية.
وقد استمرت وزارة العدل في سعيها إلى تطوير وتنظيم عمل الأجهزة القضائية فقامت في عام 1970م بإعادة تشكيل الهيكل التنظيمي لمحكمة الاستئناف العليا حيث تم أنشاء ادارة جديدة فيها وهي : الأمانة العامة للمحكمة تكون مهمتها القيام بتحرير قرارات المحكمة وأحكامها, وتسجيل وحفظ الأحكام و مسودات القرارات .
كذلك فقد حددت اختصاصات المحكمة وصلاحياتها, ودورها وعلاقتها بوزارة العدل بالقرار الجمهوري رقم 27 لعام 1970م حيث نص القرار على تبعية المحكمة الاستئنافية العليا لوزير العدل ، على أن يتم تعيين رئيس وأعضاء المحكمة بقرارات جمهورية ، ويتم ترشيحهم من قبل الوزير بعد استيفاء الشروط اللازمة لشغل هذه الوظائف .
وفي عام 1971م قامت وزارة العدل بإدخال الإصلاحات الأولية لتوحيد قواعد وأحكام عمل القضاة بإصدارها لعدد من القرارات الخاصة نظرا لعدم وجود القوانين المدونة ، واختلاف تطبيقات القضاء بين المذاهب الفقهية المختلفة العاملة بإحكام الشريعة الإسلامية: لتنظيم الأمور المتعلقة بالأحوال الشخصية كالمهر والديات وكذلك أحكام النكاح والطلاق والمعاملات الأخرى كالبيع والشفعة والإجارة والرهن والوقف والشهادة والاستدلال والصلح في جرائم الحدود والجنايات ، وذلك ليكون عبارة عن قواعد وأحكام لهم يسترشد جميع القضاة بها عند النظر وحل النزاعات بين المواطنين وقد بدأ العمل بموجبه من قبل القضاة ( الحكام ) بعد إصداره بشكل قرار من رئاسة محكمة الاستئناف العليا وقد صدرت عدة قرارات بقوانين منذ عام 1976م وحتى عام 1979م، منها ما يتعلق بتنظيم شؤون القضاء والإثبات و إجراءات التقاضي والتجارة وحركة وسائل النقل في المدن حيث شهدت البلاد بعد عام 1976م إنشاء محاكم جديدة متخصصة للنظر في القضايا التجارية (محاكم تجارية ) ومحاكم المرور يقوم فيها بالادعاء ضباط شرطة يعينون بقرار من وزير الداخلية .
وقد توالت إصدارات القوانين الأساسية ، ففي نفس العام صدر قانون المرافعات بقرار مجلس القيادة رقم 121 ، وتم في 21 فبراير 1976م إصدار أول قانون لتنظيم السلطة القضائية بقرار مجلس القيادة رقم 3 لعام 1976م ، حيث أجريت التعديلات عليه عدة مرات ثم صدر قانون الإثبات الشرعي وواجبات القاضي بقرار مجلس القيادة رقم 90 ، وفي العام التالي ( أي : عام 1977م ) صدر القانون رقم 39 بشأن إنشاء وتنظيم النيابة العامة ، وقانون رقم 5 بشأن السلطة القضائية رقم (18) بالقرار الجمهوري رقم (5) لعام 1979م ، وتشريعات أخرى لا مجال لحصرها هنا . ومع ذلك كان النظام القضائي في البلد لا يزال غير موحد ، فقد أبقى قانون السلطة القضائية العام 1979م وقانون الإجراءات الجزئية لعام 1979م بعض المحاكم أو الهيئات القضائية تنظر وتفصل في بعض أنواع من المنازعات خارجة عما ينظمه قانون السلطة القضائية وقانون الإجراءات الجزئية ، أي أن نصوص هذين القانونين لا يسري عليها ، وذلك كاستثناء إلى أن يتم تنظيمه بقانون خاص ولقد كان النظام القضائي أنذاك قائماً على الخلط والازدواجية سواء من حيث الاختصاص أو تعدد الأجهزة المشرفة أو تبعية المحاكم كانت إلى جانب المحاكم العادية التي كانت تخضع لإشراف مزدوج ، توجد محاكم خاصة استثنائية بل وجهات أخرى تمارس التقاضي ، ومن هذه المحاكم :
محاكم الجيش ، محاكم الأوقاف ، محاكم المغتربين ، حاكم المحافظة ، حاكم البلدية ، حاكم الأملاك ، حاكم المباحث ، حاكم الداخلية .
وبعد اتضاح سلبية وجود هذه المحاكم والجهات الأخرى التي تمارس التقاضي أقر مجلس القضاء الأعلى إلغاء بعضها ، وتنفيذاً لذلك أصدر وزير العدل قرارا ( رقم (3) لسنة 1980م ) بإلغاء محاكم الأوقاف ومحاكم الجيش والأمن ومحاكم المغتربين و المحافظة في كل مناطق الجمهورية ، وأحيلت كافة القضايا التي كانت منظورة أمام هذه المحاكم والتي لم تصدر فيها أحكام إلى المحاكم الابتدائية العادية . وبصدور قانون السلطة القضائية رقم 28 العام 1979م الذي كان ساري المفعول حتى عام 1990م أعيد تنظيم المحاكم وتسمياتها ، حيث أصبح النظام القضائي (المحاكم) في المحافظات الشمالية على النحو التالي (حسب ترتيب درجاتها):
-1- المحكمة العليا للنقض والإقرار.
-2- محاكم استئناف الألوية.
3- المحاكم الابتدائية.
المحكمة العليا للنقض والإقرار مقرها عاصمة الجمهورية (صنعاء)، وتشكل من رئيس ونائبين للرئيس ، وعدد من القضاة يتم تحديد عددهم عند التشكيل أو عند اللزوم بقرار من وزير العدل بالتشاور مع رئيس المحكمة العليا بعد موافقة مجلس القضاء الأعلى.
وكانت المحكمة العليا تتشكل من الشعب التخصصية التالية :
1- الشعبة المدنية
2 - الشعبة التجارية - شعبة الأحوال الشخصية
4- الشعبة الجزئية
5- شعبة فحص الطعون.
وأجاز قانون عام 1979م أن تتكون الشعبة من دائرة واحدة أو أكثر، وتتم المداولة في جميع الأحوال بين خمسة قضاة إلا في أحكام القتل قصاصاً أو حداً فتتم المداولة في الجمعية العمومية للمحكمة عدا شعبة فحص الطعون التي تتشكل من ثلاث قضاة وتصدر الأحكام بأغلبية الآراء.
المادة 3 من القانون.
ويتم تكوين الدوائر في المحكمة العليا بقرار يصدره وزير العدل بالتشاور مع رئيس المحكمة.
وللمحكمة العليا مكتب فني ، وجمعية عمومية يترأسها رئيس المحكمة يدخل في عضويتها نائبيه و قضاة المحكمة العليا .
المحكمة الاستئنافية :
تنشأ المحكمة الاستئنافية في كل لواء ، وتسمى محكمة استئناف اللواء ، ويكون مقرها عاصمة اللواء . وتشكل من رئيس وعدد كاف من القضاة يصدر بتحديد عددهم قرار من وزير العدل بالتشاور مع رئيس المحكمة وموافقة مجلس القضاء الأعلى .
ولم يحدد القانون الأقسام أو الدوائر التي تتكون منها المحكمة الاستئنافية وإنما نص على أن لوزير العدل صلاحية تشكيلها عند الحاجة بقرار يصدره بعد التشاور مع رئيس المحكمة العليا وتتم المداولة في محاكم استئناف اللواء من ثلاثة قضاة وتصدر الأحكام بالأغلبية
المادة (7)
المحكمة الابتدائية:
تنشأ المحاكم الابتدائية في عواصم الألوية والنواحي وتتألف من قاض فرد ويكون إنشاء هذه المحاكم وتعيين مقرها وتحديد اختصاصها المكاني بقرار من وزير العدل بالتشاور مع رئيس المحكمة العليا للنقض وبعد موافقة مجلس القضاء الأعلى. وقد أجاز القانون إنشاء محاكم ابتدائية متخصصة في عواصم الألوية تختص كل منها بنوع معين من القضايا . المادة (9).
المبحث الرابع: القضاء في اليمن بعد الوحدة
النواحي التي ينظر منها إلى القضاء كثيرة ولا يتسع المجال إلى الإشارة إلى جميع هذه النواحي ولذلك فمن المناسب الإشارة بإيجاز إلى النواحي المتعلقة باستقلال القضاء ، وذلك على النحو التالي:
أولاً: استقلال القضاة وخضوعهم للقانون هذا المبدأ تنص عليه دساتير دول العالم المتحضر ، ويقصد به أن القضاة مستقلون عند النظر والفصل في المنازعات عن أية سلطة أو موظف صغيراً كان أو مسؤولاً في الدولة أو مواطناً عادياً ، فلا يجوز لأحد إلزام القاضي أو توجيهه لإصدار قرار أو حكم في دعوى منظورة أمامه كإدانة مواطن أو تبرئة آخر و إصدار قرار أو حكم لصالح طرف من أطراف الدعوى خلافاً للقانون ولقناعته الذاتية .. وبمعنى آخر لا يخضع القاضي في حكمه إلا لسلطة القانون ، وهذا ما أكده نص المادة 147 من الدستور اليمني بأن : القضاء سلطة مستقلة قضائياً ومالياً و إدارياً.......) والقضاة مستقلون لا سلطان عليهم في قضائهم لغير القانون و لا يجوز لأية جهة وباية صورة التدخل في القضايا أو في شأن من شؤون العدالة ، ويعتبر مثل هذا التدخل جريمة يعاقب عليها القانون ، و لا تسقط الدعوى فيها بالتقادم؛ ولأهمية هذا المبدأ وما يحتله من مكانة خاصة بين مبادئ تنظيم السلطة القضائية - تنظيم المحاكم والنيابة العامة - فقد خص قانون السلطة القضائية في مادته الأولى التأكيد على استقلالية القضاة فهم مستقلون في أداء مهامهم عن السلطة التنفيذية المركزية والمحلية ( الحكومة - مجلس الوزراء - والمكاتب والمجالس المحلية في المحافظات ). وكذلك عن السلطة التشريعية ( مجلس النواب ) حيث أكد الدستور اليمني في المادة 78 بأنه : (( لا يجوز لعضو مجلس النواب أن يتدخل في الأعمال التي تكون من اختصاص السلطتين التنفيذية والقضائية )) .
إن مبدأ استقلال القضاة يعتبر الترجمة العملية لمبدأ فصل السلطات ( التشريعية ، التنفيذية ، القضائية ) وهو في الوقت ذاته ركن أساسي في مبدأ الشرعية وسيادة القانون ، فاستقلالية القضاء تعني عدم تبعية سلطة القائمين فيه القضاة) للسلطة التنفيذية أو التشريعية ، وعدم خضوعهم إلا للقانون و أن يمارس القاضي مهامه دون تدخل أو تأثير من أية جهة ، فلا يجوز لشخص ما أو موظف في الدولة أن يفرض رأيه أو جهة نظره أو يصدر التعليمات أو التوجيهات للقاضي لكي يتخذ إجراء ، أو لكي يتبع طريقة معينة أو أسلوباً محددا في معالجة نزاع أو دعوى منظورة أمامه بهدف إصدار قرار أو حكم على نحو معين لصالح أحد الأطراف أو الامتناع عن تنفيذ قراراته أو أحكامه أو التحريض على عدم تنفيذها . ويؤكد الأستاذ د. محمود نجيب حسني بأن استقلال القاضي يعرض من زوايا متعددة ، ليس فقط استقلاله إزاء السلطة التنفيذية والهيئات القضائية الأخرى والمتقاضين ، بل استقلاله إزاء الرأي العام ويفهم من ذلك أن القضاة مستقلون ليس فقط عن أجهزة الدولة التشريعية والتنفيذية المركزية منها والمحلية في المحافظات ، بل وعن النيابة العامة والمجلس الأعلى وعن الهيئات القضائية الأعلى درجة. وهذا يعني بالضرورة استقلال القضاة: أعضاء هيئة الحكم بعضهم عن بعض في طرح أراءهم واستنتاجاتهم ، فلا يجوز لرئيس المحكمة أو هيئة توجيه قضاة محكمته بشأن مصير دعوى منظورة أمامهم خلافاً للقانون ولقناعتهم الذاتية .
ومع ذلك يجب أن لا يفهم أن للقاضي الحرية المطلقة في اتخاذ ما يريد عند ممارسة اختصاصاته وصلاحياته تبعاً لأهوائه أو لرغباته ، بل يجب عليه أن يمارس مهامه واختصاصاته في نطاق ما ينص عليه القانون ، فكل حكم أو قرار يصدره أو إجراء يتخذه يجب عليه تقديم ما يبرره ، أي ذكر أسبابه وإلا اعتبره القانون باطلاً. ولضمان استقلال القضاة وضع المشرع ضمانات قانونية تكفل - في حالة تنفيذها بدقة وحزم - للقاضي استقلاليته .
وتعتبر حماية استقلال القضاء من الموضوعات ذات الأهمية القصوى وتولى الحكومات والدول ذات الأنظمة الديمقراطية اهتماماً خاصاً بتوفير أكبر قدر من الضمانات للقضاة. فالقضاء هو الملاذ العادل للمواطن لحماية مصالحة واسترجاع حقوقه حيث يلجأ إليه طالباً الأنصاف والعدل وينظر إليه بثقة وعلى أنه جهة محايدة فإذا لم توفر الدولة الضمانات الفعلية لاستقلال القاضي وحمايته, فإن أفراد المجتمع سيفقدون ثقتهم بالأمان والاستقرار وبعدالة القضاء كجهاز للدولة وبالتالي يفقد الثقة بسلطات الدولة والنظام القائم في البلد ، ويترتب على ذلك بأن يأخذ كل شخص حقه بنفسه فتحل حينئذ الفوضى محل الأمن والاستقرار وحكم الغاب بدلا من حكم القانون. وقد ذكر كبير القضاة الأمريكيين بأنه : "لا توجد في الحكومات البشرية سوى قوتين ضابطتين : قوة السلاح وقوة القانون . وإذا لم يتول قوة القانون قضاة فوق الخوف و فوق كل ملامة, فان قوة السلاح هي التي ستسود حتماً، وذلك يؤدي إلى سيطرة النظم العسكرية على المدنية ..
ثانياً : الضمانات الدستورية والقانونية لاستقلال القضاة :
أ- لقد اعتبر الدستور اليمني وقانون السلطة القضائية أي تدخل في القضايا المنظورة أمام المحاكم أو في أي شأن من شؤون العدالة جريمة لا تسقط الدعوى فيها بالتقادم ، وهذا تفسير لمدى خطورة التدخل في عمل القضاة الذي يمس العدالة ، وقد اعتبرها المشرع من الجرائم الخطرة التي لا تنقضي فيها الدعوى بمرور الزمن ، وقد نص قانون الجرائم والعقوبات اليمني الصادر في عام 1994م بالقرار الجمهوري رقم 14 من المادة 187 على معاقبة كل موظف أو كل شخص ذي وجاهة تدخل لدى قاض أو محكمة لصالح أحد الخصوم أو أضر به بطريقة الأمر أو الطلب أو الرجاء أو التوجيه ، بالحبس لمدة لا تزيد على ثلاث سنوات .
ب - نص الدستور على عدم قابلية القضاة وأعضاء النيابة العامة للعزل من مناصبهم بعد التعيين المادة (149) وهذا يعتبر ضمانة أخرى لاستقلال القضاة وحمايتهم من التهديد بالعزل أو التلويح به من أي شخص أو موظف مسؤول في الدولة بعزله أو إقالته من الوظيفة أو نقله إلى وظيفة أخرى غير قضائية خلافاً للقانون ودون أخذ موافقته ، بسبب رفضه تنفيذ أمر أو توجيه أو طلب مخالف القانون ولقناعته الذاتية التي تكونت لديه . إلا أن الصراع بين السلطة القضائية والسلطتين التشريعية والتنفيذية صراع لا ينقطع وخاصة بين السلطة القضائية و السلطة التنفيذية حيث تزعم الأخيرة لنفسها دائماً المسؤولية عن أمن ومصالح الدولة.
وهذا ما يتعارض مع مصالح الناس وحرياتهم وأمنهم وأرواحهم ، وتارة أخرى تصادر الأموال بحجة مساسها بمصالح البلاد ، بل وقد تقتل البعض بحجة أن ذلك في سبيل إحياء الباقين وهنا لا تجد السلطة التنفيذية من يقف لها ويحول دون طغيانها سوى القضاء .
وقد لا تكون الغلبة في هذا الصراع للسلطة القضائية التي تقف إلى جوار الحق والعدل لأن ذلك يتوقف على مدى جرأة رجالها واستعدادهم للتضحية في سبيل استقلالهم ومدى تماسكهم وتكاتفهم في الوقوف صفاً واحداً أمام طغيان السلطة التنفيذية . وأساليب السلطة التنفيذية في حربها مع السلطة القضائية في سبيل النيل من استقلالها كثيرة منها :
ما تتذرع به من أنها تريد إعادة تشكيل المحاكم وتحت هذا الستار تقوم بإسقاط بعض أسماء رجال القضاء ممن ترى فيهم عقبة في سبيل تحقيق أغراضها .
وهذا ما يسمى بالعزل التعسفي خلافاً للقانون . وقد حدث ذلك في دول عديدة مثل: الارجنتين في عام 1958م وفرنسا في عام 1981م في عهد الرئيس جيسكار ديستان ، وقد قوبل قرار السلطة التنفيذية في الارجنتين وفرنسا من قبل رجال القضاء بالإضراب العام تضامنا مع زملاءهم الذين ابعدوا من مناصبهم خلافا للقانون ودفاعاً عن استقلالهم، وقد أدى وقوف القضاة صفاً واحداً في وجه ممارسة السلطة التنفيذية الماسة باستقلالهم إلى توقف المحاكم عن العمل ، مما أدى إلى حدوث الإرباكات وتعطل المصالح وردود فعل معادية في الصحافة ولدى الرأي العام والمواطنين ضد تصرف السلطة التنفيذية ووضعت الحكومة نفسها أمام مشكلة كبيرة, فهي لا تستطيع الاستمرار في إدارة شؤون البلاد بدون القضاء ورجاله, وهكذا انتهت المشكلة والنزاع في فرنسا و الأرجنتين بين السلطة القضائية والسلطة التنفيذية بتراجع السلطة التنفيذية عن تنفيذ قرارها.
ح وهناك ضمانة أخرى وضعها الدستور وقانون السلطة القضائية لحماية القضاة تتمثل في منحهم الحصانة القضائية بعد تعيينهم وذلك لحمايتهم من أية اتهامات ودعاوى وبلاغات كيدية ترفع ضدهم, ومن الاجراءات التعسفية التي قد تتخذ في حقهم انتقاماً أو تهديداً لهم بسبب نزاهتهم وحياديتهم في تنفيذ مهامهم وواجباتهم . ووضع القانون نظاماً خاصاً لمراقبة أعمالهم والتفتيش عليهم ومحاسبتهم عبر مجلسهم الخاص مجلس القضاء الأعلى : وهيئة التفتيش القضائي, حيث ينص القانون على عدم جواز القبض على القاصي أو عضو النيابة العامة أو احتجازه أو حبسه احتياطياً أو تفتيشه أو تفتيش منزله أو رفع دعوى جزائية عليه إلا بعد الحصول على إذن من مجلس القضاء الأعلى باستثناء ضبطه متلبساً في ارتكاب جريمة .
خ ومن الضمانات التي وفرها القانون لحماية استقلال القضاء وحياده ونزاهته هي أنه : "يجب على القضاة أن يكونوا نزهاء ومستقلين وأن يتحرروا من أية قيود أو نفوذ أو إغراءات أو ضغوط أو تهديدات أو تدخلات مباشرة أو غير مباشرة ويجب أن تتوفر فيهم صفات الوعي والتوازن والشجاعة والموضوعية والتسامح و الإنسانية والمعرفة لأن هذه الصفات هي المستلزمات الأساسية للمحاكمة العادلة والجديرة التي توفر الثقة بالأحكام التي يمكن الاعتماد عليها ، والنزاهة تفترض البعد عن التحيز والتعصب والمحاباة وتعني عدم تفضيل شخص على آخر وتفيد ضمناً الموضوعية والبعد عن العواطف وسوء النية .....
لقد وضع المشرع اليمني ضوابط لضمان عدم تحيز القاضي لمصلحة أحد من الخصوم عند النظر والفصل في الدعوى, حيث حدد القانون قواعد التنحي والرد فلا يجوز له النظر في الدعوى إذا كانت له مصلحة تربطه بالدعوى أو علاقة قرابة أو مصاهرة بأحد الخصوم أو بأحد أفراد تشكيل المحكمة أو ممثل أحد الخصوم .
و إذا وجد نفسه في هذا الوضع عليه أن يبادر ذاتياً إلى التنحي عن القضية وان لم يفعل أجاز القانون الأطراف الدعوى طلب رده عن نظر الدعوى إلى جانب ذلك فقد منع الدستور وقانون السلطة القضائية اليمني القضاة الاشتغال بالسياسة والانتماء إلى أي حزب سياسي ، فلا يجوز لهم الترشيح لانتخابات مجلس النواب أو أية هيئة أخرى بما فيها التنظيمات السياسية إلا بعد تقديم استقالتهم ، وكذلك يحظر عليهم الجمع بين عملهم وبين ممارسة الأعمال التجارية لأن ذلك سيتطلب منهم الاحتكاك والدخول في معاملات بينهم وبين الناس قد ينتج عنها خلافات ومنازعات مالية أو تعاقدية مما يخل بهيبة ومكانة القاضي ، أو شغل وظيفة أو أي عمل لا يتفق مع واجبات القاضي واستقلال وكرامة القضاة باستثناء المشاركة في الأنشطة الخيرية الاجتماعية والثقافية ، وكذلك التدريس في معهد القضاء أو الجامعات التي لا تتعارض مع واجبات القضاء وهيبته وحيدته ، وقد أوجب القانون أيضاً على كل من يتولى وظيفة من وظائف السلطة القضائية وقبل مباشرته لأعماله تقديم كشف بما يملكه من مال وعقار وأن تراجع هذه المعلومات من قبل جهة الاختصاص في مجلس القضاء الأعلى بصورة سنوية .
ثالثاً : تعيين القضاة وعدم قابليتهم للعزل :
وفقاً لقانون السلطة القضائية اليمني يتم اختيار من سيشغل ويتولى وظيفة السلطة القضائية عن طريق التعيين، بقرارات يصدرها رئيس الجمهورية، بما فيها تعيين رئيس وقضاة المحكمة العليا للجمهورية ، ورئيس وقضاة محاكم الاستئناف في المحافظات ، وقضاة المحاكم الابتدائية في المديريات ، والمحاكم المتخصصة كالمحاكم العسكرية ومحاكم الأحداث والمحاكم التجارية ومحاكم الأموال العامة....إلخ.
ويجب على من يتم اختيارهم لشغل هذه الوظائف أن يحلفوا اليمين قبل اشتغالهم بوظائفهم أمام رئيس الجمهورية أو مجلس القضاء الأعلى كل حسب درجته الوظيفية ودرجة المحكمة التي سيوظف فيها .
إن ميزة تعيين القضاة بقرارات يصدرها رئيس الدولة دلالة على المكانة الخاصة والأهمية الكبيرة التي تحتلها وظيفة القضاة من بين الوظائف الأخرى في أجهزة وهيئات الدولة .
وتنص المادة 59 من قانون السلطة القضائية على شروط وإجراءات التعيين على النحو التالي :
أولاً : فيما يتعلق برئيس ونواب وقضاة المحكمة العليا ، يتم تعينهم بقرارات يصدرها مجلس الرئاسة ، وذلك بناءً على ترشيح من مجلس القضاء الأعلى، ويتم اختيارهم من بين قائمة أسماء تتولى هيئة التفتيش القضائي إعدادها للعرض على المجلس متضمنة كافة البيانات والمعلومات مع تقارير الكفاءة المتعلقة بمن شملتهم القائمة.
ثانياً : يكون التعيين في وظائف السلطة القضائية - في المحاكم الاستئنافية والابتدائية - بقرار من رئيس الجمهورية بناءً على ترشيح وزير العدل ، وموافقة مجلس القضاء الأعلى. أما بالنسبة لمساعدي القضاة، فيتم تعيينهم بقرارات من وزير العدل ، ولا يتطلب ذلك الحصول على موافقة مجلس القضاء الأعلى ، ذلك لأنهم أساساً ليسوا قضاة فلا يحق لهم ممارسة التقاضي ، أي النظر في الدعاوي والفصل فيها ، وبالتالي لا يحق لهم إصدار القرارات والأحكام ، ومهمتهم الأساسية تتمثل في مساعدة القاضي في عمله تحت إشرافه ومراقبته في كتابه محاضر الجلسات والقرارات والأحكام .
أما تعيين أعضاء النيابة العامة فيتم بقرارات يصدرها رئيس الجمهورية بناء على ترشيح وزير العدل بعد التشاور وأخذ رأي النائب العام وموافقة مجلس القضاء الأعلى عدا مساعدي النيابة العامة ، فيتم تعيينهم بقرار يصدره وزير العدل بناء على ترشيح النائب العام .
وهنا نجد أن النائب العام يشارك في إبداء رأيه عند اختيار من سيتم تعيينهم في وظائف النيابة العامة ، كتعيين وكلاء ومساعدي النيابة العامة ، وهو ما نراه عند رئيس المحكمة العليا عند تعيين قضاة المحاكم الاستئنافية والابتدائية .
نظراً خصوصية وطبيعة عمل النيابة العامة ، حيث يكون تحت الاختبار لمدة عامين ، ويصدر مجلس القضاء الأعلى بعد انتهاء المدة وبعد ثبوت صلاحية المعين قراراً بتثبيته كمساعد قاض أو مساعد نيابة ، فإذا ثبت عدم صلاحيته قبل انتهاء هذه المدة يتعين الاستغناء عنه بقرار من مجلس القضاء الأعلى.
أما النائب العام والمحامي العام الأول فيتم تعيينهم كما نصت المادة 60 من القانون بقرار من رئيس الجمهورية .
وهناك نظامان رئيسيان متبعان لاختيار الشخص لوظيفة القضاء :
النظام الأول : عن طريق الانتخاب وهذا متبع في الولايات المتحدة الأمريكية ، حيث يتم اختيار القضاة عن طريق الانتخاب ، وكذلك في الاتحاد السوفيتي سابقاً ، والدول التي نهجت نهجه مثل : جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية قبل قيام دولة الوحدة .
النظام الثاني : عن طريق التعيين ، وهذا النظام هو الأكثر انتشاراً ، وهو الذي أخذت به أغلب الدول العربية مثل : جمهورية مصر العربية والأردن وسوريا والسعودية والسودان والمغرب والعراق ودولة الإمارات العربية المتحدة والجمهورية اليمنية .
وقد فصل المشرع اليمني كما رأينا العمل بنظام التعيين في القضاء عند اختيار القضاة بدلاً من الانتخاب ، وذلك لأسباب عدة ذكرها الدكتور صالح با معلم منها يتعلق بالظروف والأوضاع القائمة التي يعيشها المجتمع اليمني بسبب التخلف ، حيث لا تزال العلاقات والولاءات الشخصية والقبلية والمناطقية هي السائدة التي تهيمن على البلاد ، ونظام التعيين يهدف إلى إبعاد القضاء عن التأثيرات السياسية وحمايته حتى لا يكون خاضعاً للفكر السياسي للحزب أو المنظمة التي رشحته لهذا المنصب وحتى لا يهدر استقلال القاضي ونزاهته ، إلى جانب أن الانتخاب يعني اختيار القاضي لشغل هذا المنصب لفترة محددة تنتهي بانتهاء فترة عمل المجلس أو الهيئة التي انتخبته والتي عادة ما تتراوح بين 2-5 سنوات، وهي فترة انتخاب مجلس النواب (البرلمان) أو المجالس المحلية .
وهذه المدة تعتبر قصيرة لا تلبي متطلبات اكتساب القاضي الخبرة العملية في القضاء ، والتي لا تتم إلا من خلال استمرار عمله في وظيفته لفترة طويلة .
وفي الحقيقة فإن هذا النظام إذا كان يصلح لبعض البلدان التي لها ظروف خاصة بها إلا أنه لا يصلح في كل بلدان العالم ، خاصة دول العالم الثالث التي لم يصل فيها نظام الانتخاب حتى الآن إلى درجة من النزاهة تمكن من حسن اختيار المرشحين للمناصب العامة فضلاً عن القضاة حسب ما يرى الدكتور صالح با معلم .
ومع ذلك فأن نظام التعيين في القضاء له عيوب إلى جانب مزاياه وهذا ما نراه في واقعنا الملموس في اليمن . ومن أهم وأخطر هذا العيوب : ظاهرة تعرض استقلال القضاء للانتهاك والإهدار من قبل السلطة التنفيذية المركزية والمحلية التي يعود فضل ترشيح وتعيين القاضي إليها ، حيث تستطيع هذه السلطة استخدام الحركة القضائية التي تتم دوريا وعبر هيئة التفتيش القضائي التي تخضع لوزارة العدل بل ومجلس القضاء الأعلى الذي يدخل في عضويته أعضاء من السلطة التنفيذية بحكم مناصبهم العليا التي يحتلونها كوزير العدل من التأثير والتدخل غير المباشر في مهام القضاء وعمله بإفادات هيئة التفتيش التابعة لوزير العدل في تقاريرها لوزير العدل والمجلس القضاء الأعلى عن كفاءة كل قاض في تنفيذ واجباته ، فإما أن يكون التقرير إيجابياً أو سلبياً .
ويترتب عن الحركة القضائية نقل القضاة من محكمة إلى أخرى أو منطقة إلى أخرى نائية وبقاء البعض الآخر منهم في نفس المحافظة.
وهذه العملية لا يستبعد استخدامها بهدف الضغط وإخضاع البعض من القضاة والتأثير عليهم ، كما أنها تستطيع استخدامها لاختيار أنصارها والمتعاطفين معها عند الترشيح للتعيينات في هذه المناصب.
ومع ذلك فإن العيوب الموجودة في نظام التعيين يمكن التغلب عليها والتقليل من سلبياتها ، إذا ما وجدت في السلطة التنفيذية والتشريعية معاً الرغبة الجادة والحرص الحماية استقلال القضاء لخدمة العدالة بحسبما ذكر الدكتور بامعلم .
ولنأخذ مثالاً من تجارب من سبقونا في هذا المجال وبمن تأثرنا بتشريعاتهم التي نوهت إلى مخاطر ووسائل تدخل السلطة التنفيذية منذ عشرات السنين.
ففي المذكرة الإيضاحية لقانون استقلال القضاء رقم 66 لعام 1943م المصري بما سجله - العلامة - الشيخ محمد عبده في تقرير له : ((من أن الأمن من العزل عند جميع الناس يشمل الأمن من الوسائل التي تلجأ إليه ، كنقل الموظف إلى منطقة يصعب عليه أن يقيم فيها الأسباب صحية أو عائلية . ولو نقل إليها بالرغم من إرادته ، اضطر يوماً من الأيام إلى الاستقالة أو إلى محاباة من بيده الأمر في نقله أو إبقائه يتأثر بما يناله ، ولهذا اتفقت حكومات العالم العادلة على أن يكون للقضاة هذه المزية - مزية الأمن من العزل وما يلجأ إليه - بل الأمان من أن كون زمام راحة القاضي بيد شخص آخر غير مجتمع أخوته)) .
ويتطلب فيمن يراد تعيينه قاضياً توفر الشروط والمواصفات التي حددها القانون .
وهذه الشروط يمكن تقسيمها إلى نوعين :
-1- الكفاية العلمية : وتتعلق بتوفر الاستعداد المهني للشخص ، ويشمل علمه بالقانون والعلوم الشرعية إلى جانب اكتسابه الخبرة العملية من تطبيقه . وعادة يطلب قبل تثبيت الشخص لشغل منصب في القضاء مرور فترة زمنية محددة تحت التدريب بإشراف قاض متمرن ومتمرس في مجال القضاء .
2 السلوك والأخلاق : توافر صفة الأمانة والنزاهة والتحقق من حسن السلوك والسمعة في الشخص المرشح لولاية القضاء إلى جانب أن يكون معروفاً بحيدته.
الفصل الثاني: الاتجاهات العامة لتطوير القضاء في اليمن
يتناول هذا الفصل اجمالاً الاتجاهات العامة لتطوير القضاء في اليمن بإعتبار الإتجاهات العامة أو الموجهات هي الخطوات الأولى في مسيرة تطوير القضاء، حيث تشير هذه الموجهات إلى الجهات أو الأطراف التي ينبغي تطويرها وهي أطراف العملية القضائية كما أن هذه الموجهات قد تضمنت إشارات موجزة إلى بعض إشكاليات ومعوقات تطوير القضاء والمقترحات لتجاوزها، وتمت هذه الموجهات بأسلوب سهل ومختصر حتى يسهل للمعنيين مطالعتها والاستفادة منها، وعى أساس أن هذه الموجهات تخاطب أصلاً رجال القانون والقضاء الذين يفهمون مدلول هذه المفاهيم العامة ويدركون تفاصيلها ومفرداتها، ويتضمن هذا البحث المباحث الآتية:
المبحث الأول: تطوير القضاء ام اصلاحه
المبحث الثاني: تطوير القاضي
المبحث الثالث: تطوير التأهيل القضائي
المبحث الرابع: تطوير أعوان القضاء
المبحث الخامس: تطوير الادارة القضائية
المبحث السادس: تطوير القوانين ذات الصلة بالقضاء
المبحث السابع: تطوير اجراءات التقاضي
المبحث الثامن تطوير اعمال جهات الضبط والتنفيذ القضائي.
المبحث الأول: تطوير القضاء ام اصلاحه
من المهم للغاية اختيار المصطلح المناسب لعملية تحسين وتجويد وتجديد القضاء وقد رأينا ان المصطلح المناسب هو مصطلح تطوير القضاء لأن استعمال مصطلح (اصلاح القضاء يوحي بان القضاء فاسد ينبغي إصلاحه، وهذا المدلول غير مقبول لأسباب عدة منها أن عمل القضاء مرتبط بأداء جهات وأطراف عدة، فاذا شابت اعمال القضاء اوجه اختلال أو قصور أو انحراف أو غيرها فان القضاء لا يكون مسئولاً عنها وحده كما سنرى ، كما ان استعمال مصطلح (اصلاح القضاء يؤدي الى اثارة وإذكاء روح المقاومة لأية محاولات لتطوير القضاء والارتقاء به ، اضافة الى أن مصطلح (تطوير القضاء) اكثر اتساعاً من حيث مجالاته ونطاقه وأفاقه من مصطلح (الاصلاح) اذ ان مصطلح (التطوير) يهدف الى دراسة واقع القضاء ومستقبله للارتقاء به إضافة إلى أن التطوير يهدف إلى الإستفادة من الجوانب الإيجابية وتجاوز الجوانب السلبية، و التطوير نتائجه وجدواه قابلة للقياس للتأكد من أنه قد حقق الأغراض والأهداف المحددة له إضافة إلى أن استعمال مصطلح التطوير سوف يجذب انصاراً كثرين لمساعي تطوير القضاء.
المبحث الثاني: تطوير القاضي
العملية القضائية لها اطراف تتأثر وتؤثر فيها ، فهذه الأطراف هي القاضي واعوان القضاء والمحامين والخبراء والعدول بالإضافة إلى أن تطوير القضاء يستوجب تطوير وتحديث عملية اعداد وتأهيل القضاة والتأهيل القضائي المستمر ، بالإضافة الى تطوير القوانين الاجرائية ذات الصلة بالقضاء فضلاً عن تطوير اجراءات التقاضي وكذا تطوير وترشيد اعمال جهات الضبط القضائي والجهات المناط بها تنفيذ الاحكام.
ومن هذا المنطلق فسوف نخصص هذا المبحث للإشارة فقط الى تطوير القاضي، في حين نشير إلى جوانب التطوير في المباحث القادمة إن شاء الله وبما أن هذا المبحث المبحث الثاني) سوف يقتصر على الإشارة إلى تطوير القاضي، فإن ذلك يقتضي الاشارة الى مجالات تطوير القاضي في المطالب الآتية:
المطلب الأول: مفهوم التقاضي
ينصرف مفهوم القاضي الى الشخص الذي تم تعيينه للفصل في الخصومات (قاضي منصة الحكم) وهذا المفهوم محل اتفاق ، وهذا المفهوم يثير جدلية انطباق هذا المفهوم على جهات عدة اصبغ عليها الدستور أو القانون صفة القضاء او اصبغ على اعمالها الصفة القضائية مثل اعضاء النيابة العامة واللجان التحكيمية الاجبارية المنصوص عليها في قانون العمل والاستثمار وقوانين الموافقة على اتفاقيات استثمار البترول والغاز ومراكز وهيئات التحكيم والوطنية ، والقصد من ذلك انه عند الشروع في اجراءات من شأنها تطوير القاضي ينبغي ان لا تكون هذه الجهات غائبة عن هذا التطوير.
المطلب الثاني: مداخل اجراءات تطور القاضي
ينبغي تحديد مداخل اجراءات تطوير القاضي وتحديد الأولوية من بينها ، فلاشك ان تحسين وتطوير القاضي يستدعي مداخل ينبغي الاتجاه اليها والاهتمام بها ، ويمكن تحديدها في الآتي:
أولاً: تطوير مهارات القاضي الذهنية واليدوية.
ثانياً : توفير الحد الادنى من حقوق القاضي وتوفير الرضاء لديها.
ثالثاً : توفير الضمانات الكافية والمناسبة لاستقلال القاضي وحياديته.
رابعاً : تطوير اليات ووسائل تقييم وتقويم اعمال القاضي.
وسوف نعرض ذلك على الوجه الآتي:
أولاً : تطوير مهارات القاضي الذهنية واليدوية
من المعلوم ان القضاة في اليمن لا يجدون فسحة من الوقت لتطوير مهاراتهم اليدوية والذهنية لانشغالهم صباحاً بجلسات المحاكمة ومساءً بمطالعة ملفات القضايا الكثيرة، ولاشك أن القضاة يكتسبون مهارات ذهنية ويدوية في اثناء مباشرته لاعمالهم في محاكم ومناطق مختلفة ، ولكن هذه المهارات ليست كافية لتطوير القضاء والارتقاء فلو كانت كافية لتطور القضاء خلال الفترات الماضية ، ولكن الملاحظ أن كثيراً من القضاة لا يحسنون مهارة أو قيادة الحاسوب مع أنه من الوسائل التقنية التي يجب على القاضي أن يحسن استعمالها وان يستعملها في ادائه لعمله ، كما أن كثيراً من مهارات التقاضي الحديث ووسائله الالكترونية لا يتم تطبيقها في غالبية المحاكم مع انها توفر كثيراً من الوقت والجهد والمال ، بل ان القضاء لا يفكر حتى مجرد التفكير بالوسائل البديلة للاعلانات القضائية اليدوية ولم يبحث حتى مجرد بحث امكانية تطبيق الاعلانات القضائية الالكترونية عن طريق sms والواتس وغيرها ، وقد قدم كاتب هذه الاسطر دراسة للبرنامج الإنمائي للأمم المتحدة في صنعاء 2012م دراسة قانونية بشأن امكانية تطبيق الاعلانات القضائية للوسائل الالكترونية كما انه لا وجود للأرشفة الالكترونية الملفات القضايا مع انها توفر كثيراً من الجهد والوقت والمال ، ولذلك ينبغي ان لا تغيب هذه المسائل وغيرها عن برامج وخطوات تطوير القضاء في اليمن ، كما ان المراجع القانونية الحديثة والمعمقة والتخصصية غائبة عن اذهان بعض القضاة مع اهميتها لأعمالهم كما بعض ان بعض القضاة لا يجدون فسحة من الوقت للرجوع الى هذه المراجع لكثرة الجلسات وملفات القضايا المناطة بهم, كما أن برامج التدريب والتأهيل المستمر للقضاة محدودة وكذا الدورات التنشيطية للقضاة إضافة الى عدم استعمال ووسائل التواصل الاجتماعي في نشر المفاهيم والإجراءات الحديثة للتقاضي بصورة هادفة وفاعلة .
ثانياً : توفير الحد الأدنى من حقوق القاضي
الهدف الثاني لتطوير القضاء وهو توفير العدالة وتسهيل الوصول اليها ، ولن يتحقق هذا الهدف اذا كان القاضي نفسه يشعر انه يعامل معاملة غير عادلة وان حقوقة مهضومة ، وفي الظروف الاعتيادية ينبغي توفير الحد الأعلى من حقوق القاضي ولكن في الظروف الراهنة التي تعيشها اليمن يكون توفير الحد الأدنى من هذه الحقوق خطوة في الاتجاه الصحيح لتطوير القضاء ، ونظراً لشحة الموارد اللازمة لتوفير حقوق القضاة في الظروف الراهنة ينبغي التفكير الجدي والعاجل في تنمية موارد القضاء كالرسوم وغيرها لتوفير الحد الأدنى من تلك الحقوق ، كما ينبغي ان يكون ارتباط بين مستوى الحقوق وبين مستوى الانجاز الذي يحققه القاضي ، فالمساواة عند التفاوت ظلم.
ثالثاً: توفير الحماية والضمانات الكافية لقيام القاضي بحيادية واستقلالية النصوص الدستورية والقانونية تكفل للقضاء والقضاة الضمانات والحماية للقيام بأعمال القضاء بحيادية واستقلالية بعيداً عن المؤثرات والتدخلات والضغوط والتهديدات، ولكن الواقع العملي يشهد ان هذه الضمانات مجرد نصوص دستورية وقانونية لا تجد طريقها في التطبيق في غالب الاحيان مع ان القاضي عندما يتوصل الى قناعته في الحكم في قضية ما ينبغي ان لا يخضع لأية ضغوط او مؤثرات او اغراءات لما لها من تأثير سلبي على العدل.
رابعاً: تطوير اليات ووسائل تقييم وتقويم اعمال القاضي:
هيئة التفتيش القضائي من اهم حلقات تطوير القاضي بالنظر الى الدور المسند لها في تقييم وتقويم اعمال القضاة فهي التي تضع معايير الكفاءة والانجاز وتحدد مستويات وقياس اداء القضاة وتحدد الوسائل والاليات المناسبة والكافية لهذه الغاية، ومن خلال عمل هيئة التفتيش تتوصل الى مكامن الخلل والقصور في اعمال القضاة وفي ضوء ذلك تحدد الاحتياجات اللازمة لتدريب القضاة ومحاسبة المقصرين منهم ، ومن خلال عمل هيئة التفتيش ونشاطها تستطيع تحديد وتشخيص اشكاليات القضاء وتعقيداته ولكثرة هذه الاشكاليات ولأسباب اخرى فان الهيئة لا تقوم بالدراسة الوافية لهذه الاشكاليات بأسلوب علمي لاقتراح المعالجات اللازمة لها على المدى البعيد ، وتقتصر معالجات الهيئة لهذه الاشكاليات على المعالجات الوقتية: نقل القاضي / محاسبة القاضي إحالة القاضي لعمل اداري.... الخ.
خامساً: تطعيم المحكمة العليا والمحاكم الاستئنافية
يألف القضاة طريقة ومنهج معين ووسائل وإجراءات معينة في التعامل مع القضايا ولذلك عندما يترقي القاضي الى محكمة الاستئنافية أو العليا تظل معه تلك المفاهيم والوسائل التي اعتادها فلا يحدث التجديد والتطوير ولا تتغير العملية القضائية التي تظل راكدة, ولذلك من المناسب لتطوير القضاء اختيار بعض الاكاديميين والمحامين المشهود لهم بالنزاهة والخبرة لتطعيم القضاء لا يجاد وسائل ومفاهيم جديدة .
المبحث الثالث: تطوير التأهيل القضائي
يقوم المعهد العالي للقضاء باليمن بدور محمود ومشهود في تأهيل القضاة، حيث يدرس الطالب المطلوب تأهيله للقضاء ثلاثة دبلومات في الدراسات العليا الأول في مجال الشريعة الاسلامية والثاني في مجال القانون العام والثالث في مجال والثالث في مجال القانون الخاص، وكان المعهد العالي للقضاء من خلال هذه الدبلومات يقدم للطلبة مواد معمقة تخصصية يحتاجها القضاة في عملهم القضائي باعتبار المعهد معهد عال يدرس دراسات عليا وباعتباره أيضاً معهد متخصص بتأهيل القضاة ، إلا أن المعهد في الأونة الأخيرة قد عمد الى تقديم مواد غير معمقة وغير تخصصية عبارة عن عناوين ومفردات عامة مثلها في ذلك مثل تلك التي يتم تدرسها في المستوى الأول من كليات الشريعة والقانون (مقاصد شرعية - قواعد فقهية ... الخ) بدلاً من مواد معمقة تخصصية يحتاجها القضاة في الواقع العملي الغصب - الفسخ - اجارة التصرفات . الخ) ولأن الدراسة في المعهد دراسة عليا وفي الوقت ذاته دراسة تخصصية للقضاة ينبغي تحقيق الاعتبارين معاً سواء عند اختيار المواد الدراسية ومفرداتها وعند اختيار المدرسين من الاكاديميين والقضاة فالاكاديمي المختص يتولى التدريس للجانب النظري في حين يتولى القاضي المتخصص الجانب التطبيقي للمادة، وذلك للحفاظ على مستوى شهادة الماجستر التي المعهد وحتى لا تكون عريضة للتشكيك او عدم اعتمادها من الجهات المعينة, كما ينبغي تنشيط دور المعهد العالي للقضاء في التعليم المستمر للقضاة وربط الترقيات للقضاة بدورات تخصصية ، كما ينبغي بعث الدور البحثي للمعهد العالي للقضاء، كما ينبغي أن لا يغيب عن البال مواصلة المعهد الدوره في فتح برنامج دكتوراه للقضاة الذين يتم تخصصيهم للأقضية المختلفة بحسب حاجة القضاء تجاري - جنائي - شخصي - اموال عامة ... الخ) حتى يدرس هؤلاء في رسائل علمية معمقة مشاكل واشكاليات القضاء وحتى يفرغ هؤلاء خبراتهم المتراكمة ومهاراتهم في رسائل علمية تفيد للغاية في تطوير القضاء والارتقاء به لانه ينبغي ان يكون القاضي عالماً مجتهداً ولا يتحقق ذلك في العصر الا بحصول القاضي على إجازة الدكتوراة لأنها الشهادة في العصر الحاضر على ان القاضي او غيره عالم ، كما انه ينبغي التفكير الجدي في استبدال البحوث الثلاثة التي يقدمها الطلبة في كل دبلوم من دبلومات المعهد الثلاثة برسالة ماجستير يبدأ الطالب بإعدادها بعد اجتيازه المستوى الأول والمستوى الثاني ويناقشها بعد اجتيازه الامتحان النهائي للسنة الثالثة ، بالإضافة الى تفعيل دور المعهد فيما يتعلق بالدراسات والبحوث القضائية لدراسة الاشكاليات والمعوقات واوجه القصور التي يعاني منها القضاء في اليمن ، كما ينبغي الاهتمام بدور المعهد في تدريب القضاة العاملين في المحاكم وتنمية قدراتهم بين الفينة والأخرى التعليم المستمر) لاطلاعهم على المعارف والمهارات والتجارب الحديثة في المجال القضائي.
المبحث الرابع: تطوير اعوان القضاء
مفهوم الاعوان في هذا البحث يتسع لكل من له صلة وعلاقة مباشرة بعمل القضاء ، ولذلك ينصرف مفهوم الاعوان الى الكادر الاداري المعاون للقضاء وكذا العاملين في مجال التوثيق بالإضافة الى المحامين والخبراء والعدول ، فهؤلاء جميعهم لهم علاقة بتطوير القضاء والارتقاء به بدرجات متفاوتة ، فمن القصور ان تتداعى الجهات المختلفة الى اصلاح القضاء وتطويره دون النظر الى الاطراف الكثيرة المشاركة في القضاء والتقاضي ، ولذلك كانت كل محاولات تطوير القضاء عرجاء لانها تنظر الى القاضي فقط وكأنه السبب في ركود القضاء في حين دور القاضي يقتصر على ادارة عملية التقاضي والفصل فيها فلا يحق له حتى مجرد الافصاح عن قناعاته ، ولذلك من العدل ادخال اعوان القضاء في أي مساع لتطوير القضاء حتى تؤتي هذه المساعي ثمارها، ويمكن الاشارة الى تطوير الاعوان بإيجاز على النحو الآتي:
أولاً: تطوير الكادر الاداري المعاون للقضاء:
من غير الممكن تطوير القضاء دون الاهتمام بالكادر الاداري المعاون للقضاء فنياً ومالياً وادارياً حيث ينبغي اكسابهم المهارات اللازمة لتسريع وتبسيط اعمالهم وتنظيمها وفقاً للمفاهيم الحديثة في الادارة القضائية لتحسين وتجويد اعمالهم ونزاهتها ، وحتى تنتهي مظاهر الرشوة وضياع الملفات ونزع المستندات من بعض الملفات والتحوير في محاضر بعض الجلسات وحتى تتم اجراءات التقاضي في المواعيد المقررة لها ، فأغلب أمناء السر يصرحون بأنهم يقومون بأغلب العمل القضائي من تحرير المحاضر وتحرير الاحكام وتحصيلها ... الخ في حين ان رواتبهم ضئيلة جداً قياساً برواتب القضاة الذين يعاونونهم فالفارق شاسع بين رواتب هؤلاء وهؤلاء ، وبعض الاعوان يستغلون هذه الفجوة في تبرير اخذهم لاجور تحرير الاحكام والمذكرات من الخصوم كما ان بعضهم لا يحسن ولا يستعمل الوسائل الحديثة كالطباعة للأحكام والمحاضر عن طريق الحاسوب المحمول فتتم الاستعانة بغير هؤلاء فتطول الاجراءات وتتعثر القضايا إضافة الى ان غالبية هؤلاء لا يفقهون اساليب الادارة القضائية الحديثة ومنها ادارة ملفات القضايا وحفظها وفهرستها الكترونياً.
ثانياً: تطوير أداء المحامين
المحامون ام المتحكمون بسير اجراءات التقاضي ، فهم الذين يفتحون الدعاوى وهم الذين يردون عليها او يدفعونها او يقابلوها بدعاو اخرى وهم الذين يوجهون الخصوم ويرشدونهم ، في حين أن دور القاضي في هذه المسائل سلبي فلا يجوز أن يوجه الخصوم او يلقنهم او پرشدهم ولذلك يتلقف القضاء كثير من الدعاوى التي تختل اركانها وشروطها ، كما ان الاعيب بعض المحامين وتقاضيهم الكيدي يسهم في ركود القضايا وتعقيدها ومن ثم ركود القضاء ، ومع ذلك ظل المحامون والمحاماة بعيداً عن أي مساع لتطوير القضاء ، في حين أن دولاً كثيرة حينما قررت تطوير القضاء اعتبرت المحاماة ركناً من أهم أركان التطوير والاصلاح القضائي.
وتتمثل مظاهر تطوير المحاماة عن طريق الوسائل الآتية:
-1- عدم قبول القضاء أية دعوى الا اذا كانت موقعة من قبل محام مجاز حتى تتوفر في الدعاوى المرفوعة امام القضاء الشروط الخاصة بالدعاوى فكثير من الدعاوى تكون مجهولة او لا تتوفر فيها الشروط اللازمة ولذلك يستغرق تصحيحها امام القضاء وقتاً وجهداً ومالاً.
-2- تفعيل دور نقابة المحامين فيما يتعلق بمسائلة المحامين المخالفين لقانون المحاماة او الذين يمارسون التقاضي الكيدي او يتعمدون إطالة اجراءات التقاضي.
-3- عقد ورش عمل لتثقيف المحامين في مناقشة دور المحاماة والمحامين في تطوير القضاء.
ثالثاً: دور الخبراء والعدول في تطوير القضاء:
يعتمد القضاء على الخبراء والعدول في تفسير وبيان المسائل الفنية الدقيقة ولذلك ينبغي عدم إغفال دور هؤلاء عند التخطيط لتطوير القضاء، ومن مظاهر دور الخبراء والعدول في تطوير القضاء ما يأتي:
-1- اعداد مشروع قانون الخبرة واصداره بحيث يتضمن تعريف الخبير وشروطه ومؤهلاته ومدة الخبرة النوعية التي اكتسبها ونوعها وكيفية تصميم جدول الخبراء في المحاكم وكيفية اختيارهم والتزكيات اللازمة لادراجهم في جداول الخبراء - علماً بأن مسائل الخبرة تناولها قانون الاثبات في ثلاث مواد اقتصرت على بيان كيفية استعانة القضاء بهم وكيفية تقديم تقاريرهم وحجيتها والسلطة التقديرية للقاضي إزاء هذه التقارير.
2 إلزام المحاكم بمسك سجل الخبراء والعدول تدرج فيه اسماء الخبراء وخبراتهم ومؤهلاتهم وكافة البيانات اللازمة عنهم وتصنيفهم بحسب نوع الخبرة في صفحات مستقلة ومرتبة (المهندسون / المحاسبون / ... الخ) كما ينبغي وضع معايير وقواعد لتحديد اتعاب واجور الخبراء حتى لا تكون خاضعة للمبالغة والمجازفة.
رابعاً: دور الامناء والموثقين في تطوير القضاء
الامناء والموثقون يتولون انشاء وتحرير وتوثيق العقود والتصرفات المختلفة ، ولو قام هؤلاء بالمهمة المناطة بهم على نحو سليم يوافق القانون لما حدثت اغلب النزاعات المنظورة امام القضاء ، وعلى هذا الاساس فان دور هؤلاء مهم في عملية تطوير القضاء. فاصلاح وتطوير وترشيد عمل الامناء والموثقين سيكون له حتماً دور ايجابي في تطوير اداء القضاء وتجفيف منابع الخلافات والنزاعات التي تحدث بسبب القصور والخلل في تحرير وتوثيق التصرفات ، ولاريب ان تطوير عملية تحرير العقود والتصرفات وتوقيعها سيكون له مردود في تطوير القضاء.
ومن مظاهر تطوير عملية تحرير العقود وتوثيقها
-1- دراسة وبحث الحاق السجل العقاري بقطاع التوثيق بوزارة العدل ، لأن الغالب في اعمال السجل العقاري انها اعمال قانونية عدلية وليس هندسية.
-2- دراسة وبحث انشاء سجل عيني للعقارات ، لأن النظام المتبع في اليمن في حقيقة الأمر ليس سجل عقاري بل شهر عقاري لا يسمن ولا يغني من جوع فهو يقتصر على شهر التصرف العقاري كما هو على علاقة.
-3- تشديد الرقابة على الامناء الشرعيين للتأكد من سلامة العقود والتصرفات التي يباشرونها ومدى موافقتها للقوانين والانظمة النافذة.
-4- تدريب الامناء والموثقين على الاشكاليات العملية والواقعية التي يتكرر حدوثها عند تحرير العقود او توثيقها.
5- الحد من قيام الموثقين بانشاء العقود لانه في هذه الحالة تغيب الرقابة من مستوى اعلى ، فالامين تتم الرقابة على اعماله وتصويبها عن طريق عملية التوثيق في حين قيام بانشاء الموثق للمحرر يجعله محرر العقد وموثقه في أن واحد.
-6- الاستفادة من تجارب الدول المماثلة في مجال تحرير العقود والتصرفات وتوثيقها.
المبحث الخامس: تطوير الادارة القضائية
من اهم اشكاليات القضاء في اليمن هي الادارة القضائية التي لم يتفهم الكثير خصوصيتها وأهميتها في تطوير اداء القضاء فربما ان غالبية اشكاليات القضاء ترجع الى هذه المسألة ، فالقاعدة ان الادارة الجيدة تنقذ الخطط الردينة ، واشكالية الادارة القضائية انها تتداخل عند القضاة مع الادارة العامة الوظيفية حيث ان ادارة شئون الموظفين في المحكمة من اختصاص رئيس المحكمة (القاضي) بموجب القوانين واللوائح النافذة وهذا يؤدي الى تداخل الادارتين العامة والقضائية ، في حين ان المفهوم الصحيح للإدارة القضائية انها تلك المتصلة فقط بعملية التقاضي ادارة الدعاوى عند ورودها الى المحكمة + ادارة الدعاوى بعد قيدها وتصنيفها وتوزيعها + ادارة ملف الدعوى + ادارة الجلسات + إدارة الإعلانات القضائية + ادارة المداولة + ادارة تحرير الاحكام واصدارها + ادارة الطعون + ادارة التنفيذ للأحكام والقرارات وكل ادارة من هذه الادارات القضائية لها ادواتها ووسائلها, كما ان لها وسائل تطوير وتحديث، واشكر المعهد العالي للقضاء الذي يهتم الى حد ما بهذا المفهوم للإدارة القضائية فقد اسند الينا المعهد في مرات كثيرة تدريب طلاب المعهد على ادارة ملف الدعوى ادارة الجلسات .... الخ ، ولاشك ان تطوير الادارة القضائية سوف يسهل للقضاة التفرغ للنظر في القضايا والفصل فيها بيسر وسهولة وبطريقة نظامية مرتبة ، ويترتب على ذلك حتماً سرعة النظر والفصل في القضايا ورفع مستوى الانجاز ، ولذلك تكتسب الادارة القضائية اهميتها في تطوير القضاء وتجويد اعماله وترشيدها.
ومن مظاهر تطوير الإدارة القضائية ما يأتي:
-1- تحديث وتطوير مادة الإدارة القضائية التي يتم تدريسها لطلبة المعهد العالي للقضاء حتى تنطلق من محبسها الى رحاب الادارة القضائية بمفهومها الحديث وحتى تلبي هذه الإدارة احتياجات القضاء في مراحل سير الدعاوى والحكم فيها بالإضافة الى استيعاب الاساليب والوسائل الحديثة في الادارة القضائية بما فيها ذلك الوسائل التقنية بالإضافة الى التأصيل القانوني لها، فمثلاً لازال الخلاف على اشده بين قضاة اليمن بشان ماهية نسخة الحكم الاصلية الالكترونية مسودة الحكم المطبوعة !!.
-2- دراسة ظاهرة ضياع ملفات القضايا او نزع بعض مستنداتها واقتراح المعالجات المناسبة لها.
-3- استحداث السجلات الالكترونية في الادارة القضائية.
-4- استعمال الوسائل التقنية في تحرير محاضر الجلسات وتحصيل الاحكام وتحريرها وكذا الحفظ الكتروني والفهرسة لملفات القضايا المنظورة والمنتهية.
-5- التدريب المستمر للعاملين في مجالات الادارة القضائية لتزويدهم بين فترة وأخرى بالمفاهيم والإجراءات والوسائل الحديثة في الإدارة القضائية.
-6- تنميط الادارة القضائية وايجاد النماذج المناسبة والكافية للارتقاء بها حتى لا تكون عرضة للاجتهادات غير الصائبة.
المبحث السادس: تطوير القوانين الاجرائية ذات الصلة بالقضاء
هناك قوانين إجرائية تنظم اجراءات التقاضي, وتحدد مواعيد اجرائية لو تم الالتزام بها التحسن القضاء والعدل كما أن هناك اجراءات كثيرة لم يحدد لها القانون مواعيد او سقوف زمنية كما أن هناك نصوص تعيق تطوير القضاء ولا شك أن هناك قصور في هذه القوانين لو تم تلافيها لتطور القضاء وارتقى وحقق الاهداف المنوطة به ، ولاننا قد خصصنا هذا البحث لبيان الاتجاهات العامة وليس التفاصيل فسوف نكتفي بالإشارة الى امثلة أو نماذج على ذلك من اهم قانونين اجرائيين وهما قانون المرافعات وقانون الإجراءات الجزائية.
وعلى النحو الآتي:
أولاً: قانون المرافعات
هناك بعض النصوص تنظم الاجراءات دون تحديد مواعيد لهذه الاجراءات مما يؤدي الى اطالة اجراءات التقاضي ، كما ان القانون قد نص على تحصين الاحكام الاستئنافية في القضايا التنفيذية من الطعن بالنقض الذي يحمي الانحراف في اجراءات التنفيذ ويحصنها من الطعن بالنقض ، كما ان القانون يتيح للقاضي الفرد في الشعبة الاستئنافية أو المحكمة العليا ان يقدم تقريراً عن القضية الموزعة عليه حيث يتم توزيع قضايا الشعبة او الدائرة على أعضائها بحيث يقوم كل عضو بتقديم تقرير مستقل عن كل قضية تم توزيعها عليه وتتم مناقشة ما ورد في تقريره وليس ما ورد في ملف القضية وهذا الوضع يجعل القاضي الفرد هو المتحكم في الحكم الذي تصدره الشعبة او الدائرة في حين ان الاختصاص معقود بالشعبة او الدائرة كاملة ، والمتبع في دول العالم المختلفة ان ملف القضية يتم تصويره بعدد اعضاء الشعبة او الدائرة حيث يقوم كل عضو من القضاة بدراسة ملف القضية كاملاً ويقدم تقريراً يتضمن نتائج الدراسة وتتم المداولة في نقاط الخلاف التي ترد في تقارير الاعضاء ، كما أن قانون المرافعات قد اناط دراسة الدعاوى عند رفعها الى المحاكمة بقلم الكتاب في حين ان دراسة الدعاوى وفحصها يحتاج الى خبرات ومهارات قضائية حيث ان اصول صحف الدعاوى قد تحول في الأونة الأخيرة الى علم مستقل، فدراسة الدعاوى وفحصها يحتاج الى مهارة وخبرة اضافة الى انه من الطموحات المشروعة لتطوير القضاء اليمني استحداث نظام قاضي التحضير الذي يتولى دراسة الدعاوى والتأكد من توفر اركانها وشروطها واسانيدها قبل احالتها الى قاضي الموضوع ومن الطموحات لتطوير القضاء ايضاً استحداث قاضي الصلح والعيادة القانونية المعاونة للمحكمة وذلك يحتاج الى تعديل قانون المرافعات لاستيعاب هذه الطموحات ، كما أن هناك نصوص هامة في قانون المرافعات لا يتم تنفيذها مثل حالات التدخل الجوازي للنيابة في دعاو القصر والفسوخ وغيرها مع أهميتها فلم يحدث ان تدخلت النيابة العامة في أي منها مع أهمية التدخل في حماية حقوق الضعفاء والنظام العام.
ثانياً : قانون الاجراءات الجزائية
حمل قانون الاجراءات النافذ النيابة العامة اعباء قانونية وقضائية تثقل كاهلها فالنيابة العامة طبقاً لهذا القانون تباشر السلطات الآتية:
1. سلطة الاشراف على مأموري الضبط القضائي الذي يتبعونها فيما يتعلق بضبط الجرائم وإحالة مرتكبيها الى النيابة.
2 سلطة التحقيق حيث تباشر اجراءات التحقيق من قبض وتفتيش ورقابة وتحرير محاضر التحقيق وندب الخبراء والمعاينة . وغير ذلك كثيراً.
3 سلطة قضاء حيث تنصرف في القضايا بعد تحقيقها إما بالإدانة قرار الاتهام) واما بحفظ القضية او القرار بأن لا وجه لإقامة الدعوى وهذه القرارات قضائية تخضع للطعن فيها امام المحاكم الاستئنافية.
4 سلطة ادعاء او اتهام فعند ان تقوم النيابة بإصدار قرار بإحالة القضية الى المحكمة تباشر النيابة سلطة الاتهام.
5. سلطة تنفيذ قرارات المحكمة في اثناء سير اجراءات المحكمة : فغالبية قرارات واجراءات المحكمة تتولى النيابة العامة تنفيذها.
6. سلطة تنفيذ العقوبات : فالنيابة العامة تتولى تنفيذ الاحكام الجزائية وتشرف على تنفيذها وبالمقابل فان النيابة لا تتدخل في دعاو القاصرين والفسوخ والغائبين والمفقودين مع ان قانون المرافعات قد اجاز للنيابة التدخل فيها.
ومع هذه الأعباء الجسيمة الملقاة على عاتق النيابة فان عدد كوادر النيابة قليلون لاسيما الدرجات الأولى في سلم النيابة.
لا ريب ان معالجة هذه المسائل تقتضي التعديل في قانون الاجراءات الجزائية ، كما ان من الطموحات التي ظلت تراود القانونيين في اليمن استحداث نظام قاضي التحقيق الذي يشرف على اجراءات التحقيق المساسها بالحريات الشخصية حتى تكون تلك الاجراءات رشيدة ومطابقة للقانون إضافة الى ان قانون الإجراءات قد رتب على عدم حضور النيابة جلسة المحاكمة بطلان الجلسة وهذا النص مثار انتقاد وذلك يقتضي التعديل في قانون الاجراءات.
المبحث السادس: تطوير اجراءات التقاضي
الهدف من تطوير اجراءات التقاضي: هو تقريب العدالة للمواطنين وتبسيط اجراءاتها وسرعة وصول اصحاب الحقوق الى حقوقهم وتوفير الضمانات الكافية للتقاضي العادل والحكم العادل، ولذلك يكتسب تطوير اجراءات التقاضي اهميته البالغة، ولذلك ينبغي ان تكون لتطوير اجراءات التقاضي الأولوية في اهتمام من يطمح الى تطوير القضاء، وهناك معوقات واشكاليات عدة تحول دون تطوير اجراءات التقاضي، ومن هذه الاشكاليات والمعوقات ما يأتي:
أولاً: قلة القضاة وكثرة القضايا في اليمن
عند المقارنة بين عدد السكان وعدد القضاة تظهر مفارقات خطيرة فغالبية الدول الأوروبية تخصص قاض واحد لعدد ما بين (6) و (9) الف نسمة وفي بعض الدول العربية مثل مصر يكون القاضي الواحد لعدد (29) الف نسمة وفي اليمن يكون القاضي الواحد لأكثر من (165) الف نسمة ، وهذا مؤشر خطير اضافة الى كثرة القضايا في اليمن بسبب عدم التزام الشركات والمؤسسات بتعيين مستشارين يضعون الانظمة والإجراءات ويراجعوا العقود والتصرفات للحد من كثرة القضايا بالإضافة الى ضعف التوعية القانونية وكثرة اخطاء الامناء والموثقين والسجل العقاري وغيرها من الجهات التي تتسبب في كثرة القضايا ، ومشكلة قلة القضاة وكثرة القضايا من اخطر المشكلات التي يعاني منها القضاء في اليمن والتي تحول دون تطور القضاء والارتقاء به وهذه المشكلة هي الصخرة التي كانت تتحطم عليها طموحات من كان يسعى الى تطوير القضاء ، فكثرة القضايا تجعل القاضي لا يحيط بتفاصيل اغلب القضايا التي ينظرها فقد كان القاضي التجاري في اليمن الى وقت قريب ينظر في أكثر من (6000) الف قضية كما كان الفارق الزمني بين الجلسة والجلسة التالية لها يصل الى ثلاثة أشهر وكان معدل القضايا التي ينظرها القاضي في اليوم الواحد (30) قضية ، وهذه مؤشرات غاية في الخطورة تجعل اتصال القاضي وفهمه للقضايا التي ينظرها ضعيفاً، في حين ان المعايير الدولية تحدد الفارق الزمني بين الجلسة والأخرى لا يزيد على عشرة ايام حتى تظل تفاصيل القضايا حاضرة في ذهن القاضي ، وقد ادرك المعنيون هذه الاشكاليات الخطيرة حيث قام المعهد العالي للقضاء باستيعاب اعداد كبيرة منذ الدفعة (16) حيث كان عدد الطلبة كانت ما بين (100 و 126 و 226) طالباً وقد ساهم ذلك في كثرة القضاة حيث تراجعت المدد ما بين الجلسة والجلسة وكذا اعداد القضايا التي يُعهد بها الى القاضي ، ومع هذا تظل المشكلة قائمة لانه ما زال عدد القضاة لا يتناسب مع عدد القضايا ، والحل لذلك هو استيعاب أكبر عدد ممكن من الطلبة في المعهد العالي للقضاء لتلبية الاحتياجات الملحة وتطعيم المحكمة العليا والمحاكم الاستئنافية بعدد من الاكاديميين وكبار المحامين من ذو الخبرة والنزاهة كما ينبغي تضمين العقود والاتفاقيات (شرط التحكيم) لتخفيف القضايا الواردة على المحاكم بالإضافة الى انشاء مراكز تحكيم وطنية تتضمن محكمين من كافة المناطق ومن كافة التخصصات من القضاة والمستشارين القانونيين والتجار والخبراء كما ينبغي الزام الشركات والمؤسسات العامة والخاصة بتعيين مستشارين لمراجعة تصرفاتها طبقاً لقانون المحاماة واعداد النظم واللوائح اللازمة التي تجد من حدوث القضايا مستقبلاً كما ينبغي استحداث قاضي الصلح الذي يتولى التوفيق والتصالح بين الخصوم فتقل القضايا فاذا انتهت بالتصالح وان لم فيقوم بأعداد تقرير عن إجراءات التصالح التي لم تفلح يتم تضمينه ملف القضية قبل احالته الى قاض الموضوع.
ثانياً: بطء اجراءات التقاضي
العدالة البطيئة ظلم ، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (مطل الغني ظلم والمماطلة اينما كانت وممن كانت ظلم وهذا هو مفهوم الحديث الشريف السابق ، وبطء اجراءات التقاضي له اسباب عدة من اهمها قلة القضاة وكثرة القضايا والتي اشرنا اليها فيما سبق بالإضافة الى التقاضي الكيدي ، اضافة الى تركيب فاغلب القضايا لا تكون دعوى ورد وتعقيب ومرافعة ختامية وانما تكون دعوى تقابلها دعوى مقابلة أو دعوى يواجهها دفع كما أن الدعاوى الاصلية تتفرع منها دعاو فرعية وهكذا تتركب القضايا وتتعقد وتصدر فيها اجراءات وقرارات متنافرة تزيدها تعقيداً وغموضاً ، وكذلك التأجيل الاداري للقضايا والتأجيل من قبل الاطراف فضلاً عن أن كثيراً من الدعاوي عند تقديمها تعتريها الجهالة وتحتاج الى التصحيح فيلزم القاضي الخصوم بتصحيحها ولوكان هناك قاضي تحضير لتأكد من صحة الدعوى قبل احالتها الى قاضي الموضوع، كما ان كثيراً من الاجراءات لم يحدد لها القانون أجلاً معيناً وغير ذلك من اسباب ظاهرة بطء اجراءات التقاضي ، ولذلك لابد من وضع سقوف زمنية محددة لكل اجراءات التقاضي بالإضافة الى الاخذ بالتدابير المشار اليها سابقاً لاستحداث قاضي التحضير وقاضي الصلح ومراكز التوثيق والتحكيم وزيادة اعداد القضاة واعداد الكتبة المعاونين للقضاة. وادخال الوسائل الالكترونية في التقاضي التي تسهم في تسريع الاجراءات بالإضافة الى ايجاد التأصيل القانوني لحلول الوسائل الالكترونية في اجراءات التقاضي مثل مسودة الحكم التي تكون بخط القاضي ومثل نسخة الحكم الأصلية الالكترونية وغير ذلك.
المبحث السابع: تطوير اعمال جهات الضبط والتنفيذ
تتولى الجهات الأمنية والعسكرية ضبط الجناة كما تتولى تنفيذ الاحكام بالقوة ان لزم ذلك بحسب القانون ، وتطوير وترشيد اجراءات الضبط وفقاً للقانون بصبغ الشرعية على الادلة المتحصلة من عملية الضبط ، ولذلك ينبغي التوعية والتدريب المأموري الضبط حتى تتم أعمالهم بحسب القانون ، ومن ضمن المعوقات في مجال الضبط تعدد جهات الضبط وعدم الالتزام بنطاق الاختصاص المكاني المأموري الضبط وممارسة الضبط من غير مأموري الضبط إضافة الى عدم الالتزام بالضمانات القانونية للضبط وكذا المدد اللازمة لإحالة الاشياء المضبوطة والاشخاص المضبوطين الى النيابة في الميعاد المحدد في القانون ، اما فيما يتعلق بتطوير اعمال الجهات المعنية بتنفيذ الاحكام والقرارات القضائية فهذه الجهات متعددة وليست تابعة للقضاء كما هو الحال بالنسبة لمأموري الضبط القضائي ولذلك ينبغي ان يتضمن تكليف هذه الجهات بالتنفيذ تحديد دور الجهة المنوط بها تنفيذ الحكم أو القرار وحدوده بدقة بالغة حتى لا يترك التنفيذ لاجتهاد هذه الجهات التي لا تحسن الاجتهاد في هذه المسألة القضائية ، حيث تحدث تجاوزات كثيرة من قبل جهات التنفيذ بسبب هلامية وضبابية أوامر التنفيذ الصادرة لهذه الجهات كما ينبغي أن تتم كافة اجراءات التنفيذ بإشراف مباشر من قاضي التنفيذ على هذه الجهات حتى لا تنحرف اجراءات التنفيذ عن المسار المحدد لها في الحكم سند التنفيذ وأمر التنفيذ.
الخاتمة
تتضمن الخاتمة نتائج البحث وتوصياته وذلك على النحو الآتي:
أولاً: نتائج البحث:
وتتلخص اهم النتائج على النحو الآتي:
-1- ينبغي اعتماد مصطلح تطوير القضاء وليس اصلاح القضاء لما للمصطلح الاخير من حساسية اذ انه يوحى كما لو ان القضاء فاسد.
-2- الموجهات العامة لتطوير القضاء هي عبارة عن تحديد الخطوات الأولى لتطوير القضاء حتى تتجه في الطريق الصحيح وهناك تفصيلات عدة ضمن نطاق كل موجه هذه الموجهات سيتم مناقشتها وبحثها من قبل المعنيين بعملية التطوير.
الموجهات ليست على درجة واحدة من حيث اهميتها ولذلك ينبغي على المعنيين تحديد وترتيب الموجهات بحسب ما هو مبين ضمن نطاق كل موجه.
4 بينت الموجهات الجهات والاطراف التي ينبغي أن تتجه اليها عملية تطوير القضاء كما اشارت بإيجاز الى الخطوات الأولى التي ينبغي سلوكها في كل موجه.
- اشارت الموجهات الى بعض الاشكاليات والمعوقات التي تعترض طريق تطور القضاء وبعض المقترحات لمعالجتها.
ثانياً: التوصيات
من خلال ما ورد في البحث فأننا نوصي بالآتي:
-1- تحديد الجهات المعنية التي سيناط بها تطوير القضاء وتحديد دور كل جهة من هذه الجهات.
-2 شرح وبيان اهداف تطوير القضاء.
-3- اعداد استراتيجية وطنية لتطوير القضاء على المدى البعيد.
- 4- اعداد خطط سنوية لتطوير القضاء واعداد برامج تفصيلية تنفيذية لهذه الخطط.
-5- اعداد دليل ارشادي للتطوير وادلة تنفيذية لضمان سير عملية التطوير في الطريق المحدد لها والاتجاه السليم.
-6- عقد ورش عمل ولقاءات عملية لمناقشة اهداف تطوير القضاء وعائداته لايجاد بيئة مشجعة ومناصرة لعملية التطوير.
7- اعداد خطط جزئية للتطوير على مستوى كل جهة معنية بالتطوير تتضمن المهام المناطة بها وآليات التنفيذ ووسائله وبرامجه الزمنية.
والحمد لله في البدء والختام والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله الكرام.
صنعاء المحروسة
غرة ربيع الأول 1437هـ
مقالات ذات صلة: