نظرة في القضاء باليمن

 

-1-

 

 

نظرة في القضاء باليمن

د . عبد المؤمن شجاع الدين

الأستاذ المشارك بكلية الشريعة والقانون

جامعة صنعاء

 

 

ورقة عمل مقدمة لمركز إسناد

يوليو 2013م

 


 

-2-

 

مقدمة :

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده محمد وعلى آله وصحبه : أما بعد

ففي هذه العجالة نشير بصورة موجزة إلى القضاء في اليمن من حيث علاقته بالسلطة التنفيذية  ومدى استقلاليته  وذلك خلال الفترات السابقة  وفي العصر الحاضر بحسب الوقت المتاح , لاسيما وانه قد تم تكليفي بأعداد هذه الورقة قبل الميعاد المحدد لتسليمها بثلاثة أيام فقط , وسيكون تناولنا لهذا الموضوع على وفق التبويب الآتي :

المبحث الأول : القضاء في اليمن في عصر الدويلات الإسلامية التي قامت في اليمن .
المبحث الثاني : القضاء في اليمن قبل ثورتي سبتمبر وأكتوبر .

المبحث الثالث : القضاء في اليمن قبل الوحدة .

المبحث الرابع : القضاء في اليمن بعد الوحدة وقبل صدور حكم  الدائرة الدستورية .

 

 

المبحث الأول

القضاء في اليمن خلال العصر الإسلامي

 

اتسم القضاء في اليمن بالسمات التي اتسم بها القضاء الإسلامي عامة لأن اليمن كانت إقليماً من أقاليم الدولة الإسلامية , فالقضاء في الإسلام كان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم  متداخلاً مع السلطات الأخرى في الدولة , فالنبي صلى الله عليه وسلم كان رسولاً نبياً يتلقى التشريع الرباني عن الله تعالى كما كان رئيساً للدولة الإسلامية يتولى إقامة الدين وسياسة الدين كما كان قاضياً يفصل في الخصومات ، وقد كان الأمر على هذا النحو لحداثة الدولة الإسلامية في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وبساطتها فضلاً عن عصمة النبي صلى الله عليه وسلم التي تمنعه من الخطأ والزلل و التعسف والجور في الحكم عند الجمع بين السلطات , إلا أن وظيفة القضاء استقلت بعد ذلك عن غيرها من السلطات عندما تطورت الدولة الإسلامية حيث تم استحداث منصب قاضي القضاة ( المحكمة العليا ) في عهد الدولة العباسية واستحداث قضاء المظالم ( القضاء الإداري ) وقد فرضت هذه التطورات ذاتها على اليمن حيث تم استحداث نظام قاضي القضاة في عهد دولة بني زياد التي كانت تتخذ من زبيد عاصمة والتي كانت تحكم اليمن بنوع من الاستقلال مع أنها كانت تابعة صورياً للدولة العباسية – ومع استقلال القضاء طوال فترة العصر الإسلامي إلا أنه لم يكن استقلالاً تاماً على النحو المعمول به في العصر الحاضر حيث ظل هناك نوع من التداخل بين القضاء والسلطة التنفيذية فالقاضي يباشر بعض الولايات العامة التي هي أصلاً من اختصاص السلطة التنفيذية مثل ( أدارة أموال القصر – الولاية على من لا ولي له وغيرها ) وقد ذكر الماوردي (11) وظيفة تنفيذية يقوم بها القاضي في الإسلام ، وبالفعل كان يقوم بها القاضي في اليمن خلال عصر الدويلات الإسلامية في اليمن ، ولا يتسع المجال لحصر تلك الوظائف ، في حين كانت السلطة التنفيذية ( الإمام – السلطان – ولي الأمر- أمير المؤمنين ) يباشر بعض صلاحيات القضاء كالتعقيب على أحكام القضاء وغير ذلك .

ولا زال بعض هذا الإرث موجوداً في القضاء في اليمن حيث لا زال يٌطلق على القاضي ( الحاكم ) لأن له ولايات تنفيذية بالإضافة إلى الفصل في الخصومات .

ونؤكد هنا أن روح الشريعة الإسلامية الغراء تأمر باستقلال القضاء لأنه  السبيل إلى الوصول إلى العدل الذي توجبه الشريعة الإسلامية ، فالعدل واجب في الشريعة الإسلامية والقاعدة الشرعية  تقضي ( بأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب ) و لم يقل أحد من المؤرخين أو الفقهاء بأن تداخل السلطات جائز في الشريعة الإسلامية لان النبي صلى الله عليه وسلم كان يجمع بين السلطات بما فيها القضاء ، فذلك من خصوصيات النبي صلى الله عليه وسلم باعتباره نبياً معصوماً – والدليل على ذلك أن الخلفاء

 

 

-3-

 

الراشدين رضوان الله عليهم جميعاً قد فصلوا وظيفة القضاء بعد ذلك وكذلك الحال في العصور التالية ولم يعترض أو ينكر ذلك أحد وتلقت الأمة ذلك بالقبول حتى اليوم .

وفي عصر الدويلات الإسلامية التي قامت باليمن كان هناك تداخلاً بين القضاء والسلطات الأخرى .

 

 

 

المبحث الثاني

القضاء في اليمن قبل ثورتي سبتمبر وأكتوبر

 

كان الشطر الجنوبي من اليمن محتلاً من قبل بريطانيا ، في حين كان الشطر الشمالي تحت الحكم العثماني الذي كان يتداخل مع حكم الأئمة ، ولذلك من المناسب أن نتناول في المطلب الأول القضاء في الشطر الجنوبي قبل الاستقلال  في حين نذكر في المطلب الثاني القضاء في الشطر الشمالي قبل ثورة سبتمبر.

 

 

المطلب الأول

القضاء في الشطر الجنوبي قبل الاستقلال

 

ويذهب الأستاذ الدكتور صالح بامعلم في كتابه ((تنظيم السلطة القضائية في الجمهورية اليمنية )) إلى أنه خلال هذا الفترة لم يكن هناك قضاء موحد حيث كان الشطر الجنوبي مقسما إلى دويلات وسلطنات ولا توجد قوانين موحدة - وإنما هناك قضاة جزئيون ومحاكم تختلف باختلاف السلطات والدويلات كما انه لم يكن هناك محكمة عليا هذا بالنسبة للسلطنات والدويلات والمحميات ، أما بالنسبة لمستعمرة عدن التي كانت تحكمها بريطانيا مباشرة فقد كانت توجد بها محاكم جزئية وهي محاكم درجة أولى لها صلاحيات ابتدائية وسلطتها القضائية محدودة وكانت تتواجد في أحياء  كريتر والتواهي والشيخ عثمان والبريقة كما كانت هناك محكمة رئيس القضاة الجزئين ومقرها كريتر وكان لها اختصاص ابتدائي أوسع من اختصاص المحاكم الجزئية السابق ذكرها ولا تتعدى سلطة حكمها على الحبس لمدة سنتين في القضايا الجنائية أو الغرامة المالية أو العقوبتين معاً على الجاني أو المخالف وكان يتم استئناف أحكام المحاكم الجزئية جميعها أمام المحكمة العليا لمستعمرة عدن والتي كان مقرها (كريتر ) وكانت تتكون من شعبتين جنائية ومدنية  وكانت تجري المحاكمات في الشعبتين من قبل قاضٍ واحد وهيئة من المحلفين لها اختصاص ابتدائي في القضايا المدنية و الجنائية الكبيرة ذات الأهمية  وكانت محاكم عدن تطبق مجموعة قوانين عدن 1955م وهي مأخوذة من القوانين التي كانت بريطانيا تطبقها في الهند عندما كانت مستعمرة تابعة لها .

أما الطعون في أحكام المحكمة العليا لمستعمرة عدن فكانت ترفع  إلى محكمة الاستئناف البريطانية في شرق إفريقيا التي كانت مقرها في نيروبي عاصمة كينيا .

وكان يتم تعيين قضاة المحاكم في مستعمرة عدن من الانجليز وذلك بقرارات تصدر عن المندوب السامي البريطاني بعدن ( حاكم المستعمرة ) وكانت لغة التقاضي أمام المحاكم بمستعمرة عدن باللغة الانجليزية – أما بالنسبة لمسائل الأموال الشخصية كالزواج والطلاق والميراث والوصية والوقف

فكان الناس في مستعمرة عدن يلجاؤن إلى العلماء و أئمة المساجد للفصل فيها .

ومن خلال ما تقدم يظهر أن المندوب السامي أو حاكم المستعمرة الذي كان يمتلك سلطات واسعة و مطلقة كان يتدخل في شئون القضاة الذين يعينهم .

 

-4-

 

 

وقد ذهب القاضي عبد الجليل نعمان وكذا القاضي محمد راشد عبد المولى في بحثيهما إلى ما ذهب إليه  الدكتور صالح بامعلم حسب ماهو ثابت في بحثيهما ( القضاء في اليمن بين الواقع والطموح ) .

 

 

 

 

المطلب الثاني

القضاء في الشطر الشمالي قبل ثورة سبتمبر 1962م

 

ذكرنا فيما سبق القضاء في عهد الدويلات التي كانت سادت في اليمن وبعدئذ دخل العثمانيون اليمن و احتلوا اغلب مناطق حيث تم ضم اليمن إلى الدولة العثمانية الإسلامية إلا أن دخول العثمانيين إلى اليمن لم يحل دون سيطرة الأئمة على بعض أنحاء الشطر الشمالي من اليمن ، وقد وصف الدكتور فاروق أباظة النظام القضائي ووضع القضاء في اليمن عام 1872م بأنه ( كان يعتمد على تطبيق مقولات جامدة للفقهاء تمت صياغتها منذ قرون كما كانت هذه النصوص غامضة تتضمن أراء مختلفة للفقهاء وترتب على ذلك اختلاف أحكام القضاء في القضية الواحدة أو القضايا المتشابه كما أن حق الاستئناف لم يكن محدداً وقد شجع التقاضي بهذا الشكل على أن تظل القضايا معلقة لأمد طويل ) كما وصف الأمام محمد بن علي الشوكاني ( 1173 ه – 1250 ه )الذي كان قاضي القضاة وصف القاضي في عصره بأنه ( عبارة عن رجل جاهل للشرع فغاية ما يعرفه هو الحضور في مواقف الخصومات وسماع الدعوى و الإجابة وطلب اليمين والبينة و ليس له من العلم غير هذا لا يعرف  حقاً ولا باطلاً  ولا دليلاً ولا مدلولاً ولا يعقل من أمور الشرع فضلاً عن غيره من أمور العقل ) كما أن ضعف الدولة قد أدى إلى طغيان أعراف القبائل على أحكام الشريعة وطغيان و تدخل المشائخ في شئون القضاء .

ومع ذلك فهناك أمثلة وشواهد استقلال القضاة  في اليمن حيث كان الأمام الشوكاني قاضياً في عهد المنصور علي بن المهدي عباس أواخر الدولة القاسمية وكان معروفاً بالذكاء والقوة والعزم وقول الحق الذي اشترط على المنصور علي المهدي قبل موافقته على تولى القضاء شروطاً كلها تنصب في ضمان استقلاليته, منها أنه سيحكم على من ظهر الحق عليه (حتى ولو كان المحكوم عليه هو احد أولاد الإمام أو احد أخوته أو غيرهم)بالحبس إذا كان يستحق الحبس في مسالة شرعية وليس لأحد من موظفي الدولة أن يأمر بإطلاقه كائنا من كان حتى ولو كان الآمر بالإطلاق وزيراً, ومنها أن له الحق في إطلاق من كان محبوساً في مسالة شرعية حتى ولو كان الذي أمر بالحبس أميراً أو وزيراً .

 وفى إحدى أو شيخ من مشايخ  قبيلة بني حشيش إجابة القاضي الشوكاني الذي أرسل له إشعارا خطياً بالحضور لمقابلة من يدعي عليه حقاً أمامه, ولم يكتف الشيخ برفض أمر الإحضار (الإشعار الخطي) بل عمل الإحضار في عرض عود من قصب الذرة الذي تأكله البقر وربطة ببعض أغضان القصب في شكل ما تسميه الناس بالعصابة ,وألقم  الثور العصابة ليأكل ورقة (الإحضار) مع هذه العصابة تحدياً للقاضي الشوكاني وتكبراً على غريمه الذي طلب حضوره أمامه . فما كان من محضر المحكمة غير أن استشهد الحاضرين بما عمله هذا الشيخ المطلوب ، ورجع إلى صنعاء وأخبر الشوكاني بما حصل من تحد لأمره ، ثم أخبر المهدي عبدالله ابن المتوكل أحمد بن منصور علي (الذي فوضه في جميع المسائل المتعلقة بالقضاء والقضاة بعد وفاة والده) والذي كان ينزل ضيفاً على الشريف الحسن بن ناصر الجوفي وما أن تلقى هذا النبأ حتى ترك بيت مضيفه وخرج مسرعاً مع من لديه من الجنود متوجهاًًًًًًًًً شطر بني حشيش وطلب من صنعاء إرسال ثلة من الجيش مع المدفع . وما مضت ساعة حتى كان الجميع أمام دار هذا الشيخ الذي رفض أمر القاضي الشوكاني بالحضور وأمر بضرب  داره بالمدفع وبإخراج الثور

-5-

 

 

الذي كان قد أكل الإحضار وسط (العصابة) وذبحه ، وأخرج الإحضار من بين لفرث كما أمر بإلقاء القبض على هذا الشيخ و أرسله مكبلاً بالسلاسل الحديدية من عنقه ألى يده ثم إلى رجله إلى حبس القلعة بصنعاء .

 

وبعد مقاومة الأمام يحيى حميد الدين للأتراك توصل الطرفان إلى صلح ( دعان ) 1911م الذي تضمنت بعض بنوده ما يأتي :

 

1-   تشكيل محكمة استئناف في صنعاء للنظر في الشكاوي التي يعرضها الأمام عليها.

2-   أحكام القصاص لا تنفذ إلا بعد عرضها على الدولة العثمانية ومصادقتها عليها.

3- يحق للدولة العثمانية أن تعين قضاة من غير المذهب الزيدي في المناطق التي يتمذهب سكانها بالمذهب الشافعي اوالحنفي .

4-   تشكل محاكم مختلفة من قضاة الشافعية والزيدية للنظر في دعاوى المذاهب المختلفة .

 

وسواء في عصر الحكم العثماني لليمن أو في عهد الأمام يحيي فقد كان تعيين القضاة وعزلهم ونقلهم وكافة شئونهم تخضع للسلطة التنفيذية ،بل أن الأحكام كانت تخضع لمراجعة الأمام نفسه أو من يكلفه بذلك أو الهيئة الشرعية التابعة له لاسيما في عهد الأمام أحمد حميد الدين كما أن حجية أحكام القضاء لم تكن محترمة في ذلك العصر بل حتى في العصور التالية لذلك العصر(عصر الجمهورية ) كما سنرى لاحقاً .

 

 

المبحث الثالث

القضاء في اليمن قبل الوحدة

 

قبل الوحدة كان يسود في اليمن نظامان مختلفان في شمال اليمن وجنوبه ، ولذلك فمن المناسب أن نبين في المطلب الأول القضاء في الشطر الجنوبي قبل الوحدة ثم نبين في المطلب الثاني القضاء في الشطر الشمالي قبل الوحدة .

 

 

 

 

 

المطلب الأول

القضاء في الشطر الجنوبي قبل الوحدة

 

أحرز الشطر الجنوبي استقلاله عن بريطانيا في 30 نوفمبر1967م وقد ذكر الدكتور صالح بامعلم بأنه  بقيت أوضاع المحاكم في المحافظات الجنوبية كما هي دون تغيير لفترة من الزمن بعد نيل الشطر الجنوبي من اليمن استقلاله وجلاء المستعمر ، حيث لم يكن بالإمكان و المستطاع فوراً إعادة تنظيم وتوحيد المحاكم ، فبعد جلاء المستعمر بأيام أصدرت الدولة الفتية جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية المرسوم الجمهوري رقم (5) لعام 1967م الذي نص على استمرارية بقاء جميع أجهزة الدولة الإدارية

-6-

 

 

بما فيها المحاكم  و الدوائر القانونية  في ممارسة أعمالها و أن تظل جميع القوانين والأنظمة و الأوامر سارية المفعول بنفس الطريقة كما كانت مطبقة في أي جزء من الجمهورية قبل الاستقلال  مباشرة شريطة عدم تعارضها مع مصالح الثورة و أهدافها ، وكذلك سيادة الجمهورية حتى إصدار قوانين أخرى . وتلى ذلك صدور قانون رقم 19 لعام 1969م بشأن تطبيق بعض قوانين عدن لعام 1955م  على المحافظة الأولى (عدن) ، أي تطبيق القوانين التي كانت سارية المفعول في عهد الاستعمار البريطاني في مدينة عدن على محافظة عدن فقط .

وهكذا فقد اقتضت (الضرورة والظروف و الأوضاع الداخلية) آنذاك إبقاء الوضع كما تركها المستعمر (من ناحية القوانين) حتى لا يحدث فراغاً قانونياً ، فتعم الفوضى والاضطراب في البلاد ، بل وقد تطلب الأمر إنشاء محاكم خاصة (استثنائية) مثل محاكم الشعب في عواصم المحافظات الست ومحكمة الشعب العليا في العاصمة عدن وقد ظلت لغة محاكم عدن لعدة سنوات بعد الاستقلال هي اللغة الإنجليزية إلى أن صدر قرار تعريب إجراءات المحاكمة رقم (62) لعام 1971م الصادر من وزارة العدل والأوقاف ، حيث نص على ضرورة استعمال اللغة العربية في إجراءات المحاكم الجزئية ومحكمة رئيس قضاة الجزئيين و المحكمة العليا لعدن ، وخاصة بعد صدور قانون رقم (4) لعام 1969م الذي نص على أن تكون اللغة العربية هي اللغة الرسمية في المعاملات في جميع الأجهزة و المرافق التابعة للدولة .

إما الطعون في أحكام محاكم عدن إلى الخارج ( إلى شرق أفريقيا – كينيا – ولندن ) فقد توقفت لتعارضها مع سيادة الدولة و الاستقلال الوطني .

وقد شرعت وزارة العدل و الأوقاف و تحديداً في عام 1972م وحتى عام 1978م بإعادة تنظيم و توحيد المحاكم  و قامت باتخاذ الإجراءات التالية :

1- تغيير تسميات المحاكم الموجودة آنذاك من محاكم شرعية وعرفية و مدنية  إلى محاكم جزئية    (درجة أولى) تنظر في القضايا ابتدءاً ، وتغيير تسمية المحاكم الاستئنافية إلى محاكم المحافظات بموجب منشور وزير العدل و الأوقاف رقم (1) لعام 1972م .

2- تحديد اختصاصات المحاكم الجزئية كمحكمة درجة أولى و اختصاصات محاكم المحافظات كمحكمة درجة ثانية استئنافية ( بموجب منشور وزير العدل و الأوقاف رقم (2) لعام 1972م ).

3- توحيد إجراءات التقاضي و التحقيق الابتدائي في الدعاوى الجنائية بإصدار لائحة الإجراءات الجنائية بالقرار الوزاري رقم 116 في يناير 1976م .

4- توحيد إجراءات التقاضي في الدعاوي المدنية بإصدار لائحة موحدة للإجراءات المدنية ( المرافعات) في يناير 1975م .

5- إنشاء هيئة الاستئناف العليا مؤقتاً لتعمل بديلاً عن المحكمة العليا المزمع إنشاؤها بعد تشكيل مجلس الشعب الأعلى (البرلمان) وذلك عن طريق انتاب أعضاء المحكمة من قبل أعضاء مجلس الشعب وفقاًًًَ لما نص عليه الدستور المعدل في عام 1978م .

6-   إنشاء المحكمة العليا للجمهورية في عام 1978م .

7- إعداد مشروع قانون تنظيم المحاكم حيث تم إصداره في عام 1980م ، وبموجبه ألغي القانون الإنجليزي رقم 17 لعام 1961م مع تعديلاته .

 

و أصبح النظام القضائي (المحاكم) في المحافظات الجنوبية وفيما كان يسمى بجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية وفقاً للقانون رقم (7) لعام 1980م بشأن تنظيم المحاكم و إلى ما قبل قيام دولة الوحدة – الجمهورية اليمنية – وصدور قانون السلطة القضائية رقم (1) لعام 1991م على النحو التالي :

 

-7-

 

 

المحكمة الجزئية :

 

وهي محكمة درجة أولى تنشأ على مستوى المديريات ، ويحدد مقرها واختصاصها المكاني بقرار من وزير العدل بالتنسيق مع رئيس المحكمة العليا ، لها اختصاص ابتدائي تنظر وتفصل في القضايا و الدعاوى الجنائية و المدنية  و الأحوال الشخصية وغيرها ، وهي مسئولة عن أعمالها أمام محكمة المحافظة وتتكون المحكمة الجزئية من : رئيس وعدد من القضاة ويتم تقسيم الاختصاصات داخلياً فيما بينهم .

 

1-   محكمة المحافظة :

 

هي محكمة اسئنافية تنشأ على مستوى المحافظات مقرها عاصمة المحافظة وهي أعلى جهاز قضائي في المحافظة وتشمل دائرة اختصاصها المكاني حدود المحافظة وتشرف على نشاط المحاكم الجزئية الواقعة  في نطاق المحافظة لضمان الالتزام الأمثل في تطبيق نصوص وأحكام القانون في إجراءاتها . وتتكون محكمة المحافظة من رئيس و نائب وعدد من القضاة ، وتمارس نشاطها : عبر الهيئة العامة للمحكمة وعبر الدوائر التي تتشكل منها وهي :

أ‌-       دائرة القضايا الجنائية.

ب‌- دائرة القضايا المدنية .

 

ولمحكمة المحافظة اختصاص ابتدائي و استئنافي ، كما أنها تختص بالفصل في أي نزاع بشأن تنازع الاختصاص بين محكمتين جزئيتين مختصتين في نطاق المحافظة ، أو بشأن تنفيذ حكمين نهائيين متناقضين صادرين من محكمتين جزئيتين مختصتين في نطاق المحافظة .

 

2-   المحكمة العليا :

 

وهي أعلى جهاز قضائي ومقرها عاصمة الجمهورية عدن ، وهي محكمة نقض و استئناف بالنسبة للأحكام الصادرة من محاكم المحافظات ، و كمحكمة  درجة أولى بالنسبة لبعض القضايا الجنائية الكبيرة والخطيرة ذات الظروف شديدة التعقيد والأهمية الاجتماعية و السياسية بمبادرتها الذاتية أو بمبادرة المدعي العام للجمهورية ، وفي القضايا المدنية لها صلاحية سحب أية قضية داخلة في اختصاص أية محكمة أخرى ، و أن تنظر فيها بصفتها محكمة درجة أولى و تكون أحكامها قابلة التصحيح . و تمارس المحكمة العليا التوجيه والرقابة على جميع المحاكم بما فيها المحاكم العسكرية و تقوم بدراسة تطبيق القوانين من قبل المحاكم ووضع الاستخلاصات و تقديم المقترحات لمجلس الشعب الأعلى بشأن تفسير القوانين و القرارات الصادرة من المجلس ، كما يحق للمحكمة اقتراح و تقديم مشاريع القوانين للمجلس .

وتتكون المحكمة العليا من الدوائر التخصصية التالية :

 

1-   دائرة القضايا المدنية .

2-   دائرة القضايا الجنائية .

3-   دائرة القضايا الجنائية و العسكرية .

 

 

-8-

 

 

 

وتمارس المحكمة العليا نشاطها عبر الدوائر أعلاه ، الهيئة العامة للمحكمة العليا و التي يدخل في عضويتها رئيس المحكمة العليا و نوابه و جميع قضاة المحكمة العليا . وينص قانون تنظيم المحاكم رقم (7) لعام 1980م على وجوب اشتراك المدعي العام في اجتماعات الهيئة العامة للمحكمة العليا (المادة 17 فقرة 2 ). و تقدم المحكمة العليا تقاريرها لمجلس الشعب الأعلى ، وهي مسؤولة  أمامه و أمام هيئة رئاسة المجلس بين دورات انعقاده . وتفسير ذلك أن المشرع لم يأخذ بمبدأ فصل سلطة الدولة إلى ثلاث سلطات تشريعية و تنفيذية و قضائية إلى جانب أنه قد اتبع في اختيار القضاة نظام الانتخاب عن طريق مجالس الشعب المحلية و مجلس الشعب الأعلى .

ولذلك فإن المحاكم (القضاة) مسؤولون أمام المجالس التي انتخبهم إلى جانب أن دستور جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية لعام 1978م ، وقانون تنظيم المحاكم لعام 1980م لم ينصا على تشكيل مجلس خاص للقضاة – مجلس القضاء الأعلى – بخلاف قانون السلطة القضائية رقم 28  لعام 1979م الصادر في الشطر الشمالي من اليمن – الجمهورية العربية اليمنية – و المعمول به آنذاك و المتأثرة بالنظام القضائي المصري والفرنسي .

 

 

المطلب الثاني

القضاء في الشطر الشمالي قبل الوحدة

 

بعد ثورة 26 سبتمبر 1962م  وقيام الجمهورية العربية اليمنية صدر القرار الجمهوري رقم 25 لعام 1963م بتكليف وزارة العدل بإعادة تنظيم الجهاز القضائي بغية ضمان إقامة العدل بين الناس وكفالة حقوق المواطنين في حدود الشرائع و القوانين .

وفي هذا الاتجاه قامت وزارة العدل باتخاذ مجموعة من الإجراءات منها :

 

1- إعادة النظر في تنظيم و تشكيل وزارة العدل نفسها بحيث اشتملت على إدارة للتفتيش القضائي و إدارة عامة للمحاكم .

2-   تم فتح مكاتب للوزارة في كل لواء بالتدريج .

3- إعادة تنظيم محكمة الاستئناف العليا والتي هي عبارة عن المحكمة العليا للجمهورية بقرار وزير العدل رقم 5 لعام 1966م ، حيث حدد هذا القرار الفروع التي تتألف منها المحكمة و اختصاصاتها بحيث يعتبر حكم محكمة الاستئناف العليا نهائياً ، أما اختصاصاتها : فهي مطالعة الأحكام الشرعية الصادرة من المحاكم الأدنى درجة وهي محاكم الألوية والأقضية والنواحي وكذلك محاكم التراضي المعترف بها رسمياً المرفوعة إليها والبت فيها نقضاً أو إبراماً .

 

وبناء عليه فإن النظام القضائي في الجمهورية العربية اليمنية آنذاك كان يتكون من المحاكم التالية :

 

أ‌-       محكمة الاستئناف العليا : وتتشكل من أربعة فروع (دوائر).

ب‌- محاكم الألوية .

ت‌- محاكم الأقضية .

ث‌- محاكم النواحي إلى جانب محاكم التراضي .

ج‌-   محاكم خاصة استثنائية.

-9-

 

 

 وقد استمرت وزارة العدل في سعيها إلى تطوير وتنظيم عمل الأجهزة القضائية,فقامت في عام 1970م بإعادة تشكيل الهيكل التنظيمي لمحكمة الاستئناف العليا ,حيث تم أنشاء أدارة جديدة فيها وهي : الأمانة العامة للمحكمة  تكون مهمتها القيام بتحرير قرارات المحكمة و أحكامها , وتسجيل وحفظ الأحكام و مسودات القرارات .

كذلك فقد حددت اختصاصات المحكمة وصلاحياتها , ودورها وعلاقتها بوزارة العدل بالقرار الجمهوري رقم 27 لعام 1970م حيث نص القرار على تبعية المحكمة الاستئنافية العليا لوزير العدل ، على أن يتم تعيين رئيس و أعضاء المحكمة بقرارات جمهورية ، ويتم ترشيحهم من قبل الوزير بعد استيفاء الشروط اللازمة لشغل هذه الوظائف .

وفي عام 1971م قامت وزارة العدل بإدخال الإصلاحات الأولية لتوحيد قواعد وأحكام عمل القضاة بإصدارها لعدد من القرارات الخاصة (نظراً لعدم وجود القوانين المدونة ، واختلاف تطبيقات القضاء بين المذاهب الفقهية المختلفة العاملة بإحكام الشريعة الإسلامية ) لتنظيم الأمور المتعلقة بالأحوال الشخصية كالمهر والديات وكذلك أحكام النكاح والطلاق والمعاملات الأخرى كالبيع والشفعة والإجارة والرهن والوقف والشهادة والاستدلال والصلح في جرائم الحدود والجنايات ، وذلك ليكون عبارة عن قواعد وأحكام لهم يسترشد جميع القضاة بها عند النظر وحل النزاعات بين المواطنين .

وقد بدأ العمل بموجبه من قبل القضاة ( الحكام ) بعد إصداره بشكل قرار من رئاسة محكمة الاستئناف العليا .

وقد صدرت عدة ً قرارات بقوانين منذ (عام 1976م وحتى عام 1979م ) منها ما يتعلق بتنظيم شؤون القضاء والإثبات و إجراءات التقاضي والتجارة وحركة وسائل النقل في المدن حيث شهدت البلاد بعد عام 1976م إنشاء محاكم جديدة متخصصة للنظر في القضايا التجارية (محاكم تجارية ) ومحاكم المرور يقوم فيها بالادعاء ضباط شرطة يعينون بقرار من وزير الداخلية .

وقد توالت إصدارات القوانين الأساسية ، ففي نفس العام صدر قانون المرافعات بقرار مجلس القيادة رقم 121 ، وتم في 21 فبراير 1976م إصدار أول قانون لتنظيم السلطة القضائية بقرار مجلس القيادة رقم 3 لعام 1976م ، حيث أجريت التعديلات عليه عدة مرات ثم صدر قانون الإثبات الشرعي وواجبات القاضي بقرار مجلس القيادة رقم 90 ، وفي العام التالي ( أي : عام 1977م ) صدر القانون رقم 39 بشأن إنشاء وتنظيم النيابة العامة ، وقانون رقم 5 بشأن السلطة القضائية رقم (18) بالقرار الجمهوري رقم (5) لعام 1979م ، وتشريعات أخرى لا مجال لحصرها هنا .

ومع ذلك كان النظام القضائي في البلد لا يزال غير موحد ، فقد أبقى قانون السلطة القضائية لعام 1979م وقانون الإجراءات الجزئية لعام 1979م بعض المحاكم أو الهيئات القضائية تنظر وتفصل في بعض أنواع من المنازعات خارجة عما ينظمه قانون السلطة القضائية وقانون الإجراءات الجزئية ، أي أن نصوص هذين القانونين لا يسري عليها ، وذلك كاستثناء إلى أن يتم تنظيمه بقانون خاص .

ولقد كان النظام القضائي آنذاك قائماً على الخلط والازدواجية سواء من حيث الاختصاص أو تعدد الأجهزة المشرفة أو تبعية المحاكم كانت إلى جانب المحاكم العادية التي كانت تخضع لإشراف مزدوج ، توجد محاكم خاصة استثنائية بل وجهات أخرى تمارس التقاضي ، ومن هذه المحاكم : محاكم الجيش ، محاكم الأوقاف ، محاكم المغتربين ، حاكم المحافظة ، حاكم البلدية ، حاكم الأملاك ، حاكم المباحث ، حاكم الداخلية .

وبعد اتضاح سلبية وجود هذه المحاكم والجهات الأخرى التي تمارس التقاضي أقر مجلس القضاء الأعلى إلغاء بعضها ، وتنفيذاً لذلك أصدر وزير العدل قرارا ً( رقم (3) لسنة 1980م ) بإلغاء محاكم الأوقاف ومحاكم الجيش و الأمن ومحاكم المغتربين و المحافظة في كل مناطق الجمهورية ، وأحيلت كافة القضايا التي كانت منظورة أمام هذه المحاكم والتي لم تصدر فيها أحكام إلى المحاكم الابتدائية

-10-

 

العادية . وبصدور قانون السلطة القضائية رقم 28 لعام 1979م الذي كان ساري المفعول حتى عام 1990م أعيد تنظيم المحاكم وتسمياتها ، حيث أصبح النظام القضائي (المحاكم) في المحافظات الشمالية على النحو التالي ( حسب ترتيب درجاتها ):

 

 

1-   المحكمة العليا للنقض والإقرار .

2-   محاكم استئناف الألوية .

3-   المحاكم الابتدائية .

 

 

المحكمة العليا للنقض والإقرار :

 

مقرها عاصمة الجمهورية (صنعاء) ، وتشكل من رئيس ، ونائبين للرئيس ، وعدد من القضاة يتم تحديد عددهم عند التشكيل أو عند اللزوم بقرار من وزير العدل بالتشاور مع رئيس المحكمة العليا بعد موافقة مجلس القضاء الأعلى .

وكانت المحكمة العليا تتشكل من الشعب التخصصية التالية :

1-   الشعبة المدنية .

2-   الشعبة التجارية .

3-   شعبة الأحوال الشخصية .

4-   الشعبة الجزئية .

5-   شعبة فحص الطعون .

 

وأجاز قانون عام 1979م أن تتكون الشعبة من دائرة واحدة أو أكثر ، وتتم المداولة في جميع الأحوال بين خمسة قضاة إلا في أحكام القتل قصاصاً أو حداً فتتم المداولة في الجمعية العمومية للمحكمة عدا شعبة فحص الطعون التي تتشكل من ثلاث قضاة وتصدر الأحكام بأغلبية الآراء ( المادة 3 من القانون). ويتم تكوين الدوائر في المحكمة العليا بقرار يصدره وزير العدل بالتشاور مع رئيس المحكمة . وللمحكمة العليا مكتب فني ، وجمعية عمومية يترأسها رئيس المحكمة يدخل في عضويتها نائبيه و قضاة المحكمة العليا .

 

المحكمة الاستئنافية :

 

تنشأ المحكمة الاستئنافية في كل لواء ، وتسمى محكمة استئناف اللواء ، ويكون مقرها عاصمة اللواء . وتشكل من رئيس وعدد كافٍ من القضاة يصدر بتحديد عددهم قرار من وزير العدل بالتشاور مع رئيس المحكمة و موافقة مجلس القضاء الأعلى . ولم يحدد القانون الأقسام أو الدوائر التي تتكون منها المحكمة الاستئنافية وإنما نص على أن لوزير العدل صلاحية تشكيلها عند الحاجة  بقرار يصدره بعد التشاور مع رئيس المحكمة العليا وتتم المداولة في محاكم استئناف اللواء من ثلاثة قضاة وتصدر الأحكام بالأغلبية (المادة 7) .

 

المحكمة الابتدائية :

 

-11-

 

 

تنشأ المحاكم الابتدائية في عواصم الألوية والنواحي وتتألف من قاضٍ فرد ويكون إنشاء هذه المحاكم وتعيين مقرها وتحديد اختصاصها المكاني بقرار من وزير العدل بالتشاور مع رئيس المحكمة العليا للنقض وبعد موافقة مجلس القضاء الأعلى . وقد أجاز القانون إنشاء محاكم ابتدائية متخصصة في عواصم الألوية تختص كل منها بنوع معين من القضايا (المادة 9) .

 

 

 

المبحث الرابع

القضاء في اليمن بعد الوحدة

 

النواحي التي ينظر منها إلى القضاء كثيرة ولا يتسع المجال إلى الإشارة إلى جميع هذه النواحي ولذلك فمن المناسب الإشارة بإيجاز إلى النواحي المتعلقة باستقلال القضاء ، وذلك على النحو التالي :

 

 

أولاً : استقلال القضاة وخضوعهم للقانون :

 

هذا المبدأ تنص عليه دساتير دول العالم المتحضر ، ويقصد به أن القضاة مستقلون عند النظر والفصل في المنازعات عن أية سلطة أو موظف صغيراً كان أو مسؤولاً في الدولة أو مواطناً عادياً ، فلا يجوز لأحد إلزام القاضي أو توجيهه لإصدار قرار أو حكم في دعوى منظورة أمامه كإدانة مواطن أو تبرئة آخر و إصدار قرار أو حكم لصالح طرف من أطراف الدعوى خلافاً للقانون ولقناعته الذاتية .

وبمعنى أخر لا يخضع القاضي في حكمه إلا لسلطة القانون ، وهذا ما أكده نص المادة 147 من الدستور اليمني بأن : القضاء سلطة مستقلة قضائياً ومالياً و إدارياً ......(( والقضاة مستقلون لا سلطان عليهم في قضائهم لغير القانون و لا يجوز لأية جهة وبأية صورة التدخل في القضايا  أو في شأن من شؤون العدالة ، ويعتبر مثل هذا التدخل جريمة يعاقب عليها القانون ، و لا تسقط الدعوى فيها بالتقادم )) ولأهمية هذا المبدأ وما يحتله من مكانة خاصة بين مبادئ تنظيم السلطة القضائية – تنظيم المحاكم والنيابة العامة – فقد خص قانون السلطة القضائية في مادته الأولى التأكيد على استقلالية القضاة فهم مستقلون في أداء مهامهم عن السلطة التنفيذية المركزية والمحلية ( الحكومة – مجلس الوزراء – والمكاتب والمجالس المحلية في المحافظات ). وكذلك عن السلطة التشريعية ( مجلس النواب )

حيث أكد الدستور اليمني في المادة 78 بأنه : (( لا يجوز لعضو مجلس النواب أن يتدخل في الأعمال التي تكون من اختصاص السلطتين التنفيذية والقضائية )) .

إن مبدأ استقلال القضاة يعتبر الترجمة العملية لمبدأ فصل السلطات ( التشريعية ، التنفيذية ، القضائية )  وهو في الوقت ذاته ركن أساسي في مبدأ الشرعية وسيادة القانون ، فاستقلالية القضاء تعني عدم تبعية سلطة القائمين فيه (القضاة) للسلطة التنفيذية أو التشريعية ، وعدم خضوعهم إلا للقانون و أن يمارس القاضي مهامه دون تدخل أو تأثير من أية جهة ، فلا يجوز لشخص ما أو موظف في الدولة أن يفرض رأيه أو جهة نظره أو يصدر التعليمات أو التوجيهات للقاضي لكي يتخذ إجراء ، أو لكي يتبع طريقة معينة أو أسلوباً محددا في معالجة نزاع أو دعوى منظورة أمامه بهدف إصدار قرار أو حكم على نحو معين لصالح أحد الأطراف أو الامتناع عن تنفيذ قراراته أو أحكامه أو التحريض على عدم تنفيذها .

ويؤكد الأستاذ د.محمود نجيب حسني بأن استقلال القاضي يعرض من زوايا متعددة ، ليس فقط استقلاله إزاء السلطة التنفيذية والهيئات القضائية الأخرى والمتقاضين ، بل استقلاله إزاء الرأي العام

-12-

 

ويفهم من ذلك أن القضاة مستقلون ليس فقط عن أجهزة الدولة التشريعية و التنفيذية المركزية منها والمحلية في المحافظات ، بل وعن النيابة العامة والمجلس الأعلى وعن الهيئات القضائية الأعلى درجة. وهذا يعني بالضرورة استقلال القضاة (أعضاء هيئة الحكم) بعضهم عن بعض في طرح آراءهم واستنتاجاتهم ، فلا يجوز لرئيس المحكمة أو هيئة توجيه قضاة محكمته بشأن مصير دعوى منظورة أمامهم خلافاً للقانون ولقناعتهم الذاتية .

ومع ذلك يجب أن لا يفهم أن للقاضي الحرية المطلقة في اتخاذ ما يريد عند ممارسة اختصاصاته وصلاحياته تبعاً لأهوائه أو لرغباته ، بل يجب عليه أن يمارس مهامه واختصاصاته في نطاق ما ينص عليه القانون ، فكل حكم أو قرار يصدره أو إجراء يتخذه يجب عليه تقديم ما يبرره ، أي ذكر أسبابه وإلا اعتبره القانون باطلاً.

ولضمان استقلال القضاة وضع المشرع ضمانات قانونية تكفل – في حالة تنفيذها بدقة وحزم – للقاضي استقلاليته .

وتعتبر حماية استقلال القضاء من الموضوعات ذات الأهمية القصوى ,وتولى الحكومات والدول ذات الأنظمة الديمقراطية اهتماماً خاصاً بتوفير أكبر قدر من الضمانات للقضاة.

فالقضاء هو الملاذ العادل للمواطن  لحماية مصالحة واسترجاع حقوقه حيث يلجأ إليه طالباً الأنصاف والعدل وينظر إليه بثقة وعلى أنه جهة محايدة ,فإذا لم توفر الدولة الضمانات الفعلية لاستقلال القاضي وحمايته , فإن أفراد المجتمع سيفقدون ثقتهم بالأمان والاستقرار وبعدالة القضاء كجهاز للدولة وبالتالي يفقد الثقة بسلطات الدولة والنظام القائم في البلد ، ويترتب على ذلك بأن يأخذ كل شخص حقه بنفسه فتحل حينئذ الفوضى محل الأمن والاستقرار ,وحكم الغاب بدلا ًمن حكم القانون . وقد ذكر كبير القضاة الأمريكيين بأنه :"لا توجد في الحكومات البشرية سوى قوتين ضابطتين : قوة السلاح ,وقوة القانون . وإذا لم يتول قوة القانون قضاة فوق الخوف و فوق كل ملامة , فان قوة السلاح هي التي ستسود حتماً,وذلك يؤدي إلى سيطرة النظم العسكرية على المدنية .

 

الضمانات الدستورية والقانونية لاستقلال القضاة : ثانياً :

                                                                         

أ‌-   لقد اعتبر الدستور اليمني وقانون السلطة القضائية أي تدخل في القضايا المنظورة أمام المحاكم أو في أي شأن من شؤون العدالة جريمة لا تسقط الدعوى فيها بالتقادم ، وهذا تفسير لمدى خطورة التدخل في عمل القضاة   الذي يمس العدالة ، وقد اعتبرها المشرع من الجرائم الخطرة التي لا تنقضي فيها الدعوى بمرور الزمن ، وقد نص قانون الجرائم و العقوبات اليمني الصادر في عام 1994م بالقرار الجمهوري رقم 14  من المادة 187 على معاقبة كل موظف أو كل شخص ذي وجاهة تدخل لدى قاضٍ أو محكمة لصالح أحد الخصوم أو أضر به بطريقة الأمر أو الطلب أو الرجاء أو التوجيه ، بالحبس لمدة لا تزيد على ثلاث سنوات .

ب‌- نص الدستور على عدم قابلية القضاة وأعضاء النيابة العامة للعزل من مناصبهم بعد التعيين (المادة 149) وهذا يعتبر ضمانة أخرى لاستقلال القضاة وحمايتهم من التهديد بالعزل أو التلويح به من أي شخص أو موظف مسؤول في الدولة بعزله أو إقالته من الوظيفة أو نقله إلى وظيفة أخرى غير قضائية خلافاً للقانون ودون أخذ موافقته ، بسبب رفضه  تنفيذ أمر أو توجيه أو طلب مخالف القانون ولقناعته الذاتية التي تكونت لديه .

إلا أن الصراع بين السلطة القضائية والسلطتين التشريعية والتنفيذية صراع لا ينقطع وخاصة بين السلطة القضائية و السلطة التنفيذية حيث تزعم الأخيرة لنفسها دائماً المسؤولية عن أمن ومصالح الدولة

 

-13-

وهذا ما يتعارض مع مصالح الناس وحرياتهم وأمنهم وأرواحهم ، وتارة أخرى تصادر الأموال بحجة مساسها بمصالح البلاد ، بل وقد تقتل البعض بحجة أن ذلك في سبيل إحياء الباقين وهنا لا تجد السلطة التنفيذية من يقف لها ويحول دون طغيانها سوى القضاء .

وقد لا تكون الغلبة في هذا الصراع  للسلطة القضائية التي تقف إلى جوار الحق والعدل لأن ذلك يتوقف على مدى جرأة رجالها واستعدادهم للتضحية في سبيل استقلالهم ومدى تماسكهم وتكاتفهم في الوقوف صفاً واحداً أمام طغيان السلطة التنفيذية . وأساليب السلطة التنفيذية  في حربها مع السلطة القضائية في سبيل النيل من استقلالها كثيرة منها : ما تتذرع به من أنها تريد إعادة تشكيل المحاكم وتحت هذا الستار تقوم بإسقاط بعض أسماء رجال القضاء ممن ترى فيهم عقبة في سبيل تحقيق أغراضها .

وهذا ما يسمى بالعزل التعسفي خلافاً للقانون . وقد حدث ذلك في دول عديدة مثل:الارجنتين في عام 1958م وفرنسا في عام1981م في عهد الرئيس جيسكار ديستان ، وقد قٌوبل قرار السلطة التنفيذية في الارجنتين وفرنسا من قبل رجال القضاء بالإضراب العام تضامنا مع زملاءهم الذين ابعدوا من مناصبهم خلافا للقانون ودفاعاً عن استقلالهم .

وقد أدى وقوف القضاة صفاً واحداً في وجه ممارسة السلطة التنفيذية الماسة باستقلالهم إلى توقف المحاكم عن العمل ، مما أدى إلى حدوث الإرباكات وتعطل المصالح وردود فعل معادية  في الصحافة ولدى الرأي العام والمواطنين ضد تصرف السلطة التنفيذية ,ووضعت الحكومة نفسها أمام مشكلة كبيرة , فهي لا تستطيع الاستمرار في إدارة شؤون البلاد بدون القضاء ورجاله, وهكذا انتهت المشكلة والنزاع في فرنسا و الارجنتين بين السلطة القضائية والسلطة التنفيذية بتراجع السلطة التنفيذية عن تنفيذ قرارها

ح‌- وهناك ضمانة أخرى وضعها الدستور وقانون السلطة القضائية لحماية القضاة ,تتمثل في منحهم الحصانة القضائية بعد تعيينهم وذلك لحمايتهم من أية اتهامات ودعاوى وبلاغات كيدية ترفع ضدهم , ومن  الاجراءات التعسفية التي قد تتخذ في حقهم انتقاماً أو تهديداً لهم بسبب نزاهتهم و حياديتهم في تنفيذ مهامهم وواجباتهم , ووضع القانون نظاماً خاصاً لمراقبة أعمالهم والتفتيش عليهم ومحاسبتهم عبر مجلسهم الخاص (مجلس القضاء الأعلى ) وهيئة التفتيش القضائي ,حيث ينص القانون على عدم جواز القبض على القاصي أو عضو النيابة العامة أو احتجازه أو حبسه احتياطياً أو تفتيشه أو تفتيش منزله أو رفع دعوى جزائية عليه إلا بعد الحصول على إذن من مجلس القضاء الأعلى ,باستثناء ضبطه متلبساً في ارتكاب جريمة .

خ‌- ومن الضمانات التي وفرها القانون لحماية استقلال القضاء وحياده ونزاهته هي أنه :"يجب على القضاة أن يكونوا نزهاء ومستقلين وأن يتحرروا من أية قيود أو نفوذ أو إغراءات أو ضغوط أو تهديدات أو تدخلات مباشرة أو غير مباشرة ويجب أن تتوفر فيهم صفات الوعي و التوازن والشجاعة والموضوعية والتسامح و الإنسانية والمعرفة لأن هذه الصفات هي المستلزمات الأساسية للمحاكمة العادلة والجديرة التي توفر الثقة بالأحكام التي يمكن الاعتماد عليها ، و النزاهة تفترض البعد عن التحيز والتعصب والمحاباة وتعني عدم تفضيل شخص على آخر وتفيد ضمناً الموضوعية والبعد عن العواطف وسوء النية...."

-14-

 

لقد وضع المشرع اليمني ضوابط لضمان عدم تحيز القاضي لمصلحة أحد من الخصوم عند النظر والفصل في الدعوى , حيث حدد القانون قواعد التنحي والرد, فلا يجوز له النظر في الدعوى إذا كانت له مصلحة تربطه بالدعوى أو علاقة قرابة أو مصاهرة بأحد الخصوم أو بأحد أفراد تشكيل المحكمة , أو ممثل أحد الخصوم .

و إذا وجد نفسه في هذا الوضع عليه أن يبادر ذاتياً إلى التنحي عن القضية وان لم يفعل أجاز القانون لأطراف الدعوى طلب رده عن نظر الدعوى .
إلى جانب ذلك فقد منع الدستور وقانون السلطة القضائية اليمني القضاة الاشتغال بالسياسة والانتماء إلى أي حزب سياسي ، فلا يجوز لهم الترشيح لانتخابات مجلس النواب أو أية هيئة أخرى بما فيها التنظيمات السياسية إلا بعد تقديم استقالتهم ، وكذلك يحظر عليهم الجمع بين عملهم وبين ممارسة الأعمال التجارية لأن ذلك سيتطلب منهم الاحتكاك والدخول في معاملات بينهم وبين الناس قد ينتج عنها خلافات ومنازعات مالية أو تعاقدية مما يخل بهيبة ومكانة القاضي ، أو شغل وظيفة أو أي عمل لا يتفق مع واجبات القاضي واستقلال وكرامة القضاة باستثناء المشاركة في الأنشطة الخيرية الاجتماعية والثقافية ، وكذلك التدريس في معهد القضاء أو الجامعات التي لا تتعارض مع واجبات القضاء وهيبته وحيدته ، وقد أوجب القانون أيضاً على كل من يتولى وظيفة من وظائف السلطة القضائية وقبل مباشرته لأعماله تقديم كشف بما يملكه من مال وعقار وأن تراجع هذه المعلومات من قبل جهة الاختصاص في مجلس القضاء الأعلى بصورة سنوية .

 

ثالثاً : تعيين القضاة وعدم قابليتهم للعزل :

 

وفقاً لقانون السلطة القضائية اليمني يتم اختيار من سيشغل ويتولى وظيفة السلطة القضائية عن طريق التعيين ، بقرارات يصدرها رئيس الجمهورية ، بما فيها تعيين رئيس وقضاة المحكمة العليا للجمهورية ، ورئيس وقضاة محاكم الاستئناف في المحافظات ، وقضاة المحاكم الابتدائية في المديريات ، والمحاكم المتخصصة كالمحاكم العسكرية ومحاكم الأحداث والمحاكم التجارية ومحاكم الأموال العامة .......الخ .

ويجب على من يتم اختيارهم لشغل هذه الوظائف أن يحلفوا اليمين قبل اشتغالهم بوظائفهم أمام رئيس الجمهورية أو مجلس القضاء الأعلى كل حسب درجته الوظيفية ودرجة المحكمة التي سيوظف فيها .

إن ميزة تعيين القضاة بقرارات يصدرها رئيس الدولة دلالة على المكانة الخاصة والأهمية الكبيرة التي تحتلها وظيفة القضاة من بين الوظائف الأخرى في أجهزة وهيئات الدولة .

وتنص المادة 59 من قانون السلطة القضائية على شروط وإجراءات التعيين على النحو التالي :

 

-15-

 

أولاً : فيما يتعلق برئيس ونواب وقضاة المحكمة العليا ، يتم تعينهم بقرارات يصدرها مجلس الرئاسة ، وذلك بناءً على ترشيح من مجلس القضاء الأعلى ، ويتم اختيارهم من بين قائمة أسماء تتولى هيئة  التفتيش القضائي إعدادها للعرض على المجلس متضمنة كافة البيانات والمعلومات مع تقارير الكفاءة المتعلقة بمن شملتهم القائمة.

ثانياً : يكون التعيين في وظائف السلطة القضائية – في المحاكم الاستئنافية والابتدائية – بقرار من رئيس الجمهورية بناءً على ترشيح وزير العدل ، وموافقة مجلس القضاء الأعلى .

أما بالنسبة لمساعدي القضاة ، فيتم تعيينهم بقرارات من وزير العدل ، ولا يتطلب ذلك الحصول على موافقة مجلس القضاء الأعلى ، ذلك لأنهم أساساً ليسوا قضاة فلا يحق  لهم ممارسة التقاضي ، أي النظر في الدعاوي والفصل فيها ، وبالتالي لا يحق لهم إصدار القرارات  والأحكام ، ومهمتهم الأساسية تتمثل في مساعدة القاضي في عمله تحت إشرافه ومراقبته في كتابه محاضر الجلسات والقرارات والأحكام .

أما تعيين أعضاء النيابة العامة فيتم بقرارات يصدرها رئيس الجمهورية بناء على ترشيح وزير العدل بعد التشاور وأخذ رأي النائب العام وموافقة مجلس القضاء الأعلى عدا مساعدي النيابة العامة ، فيتم تعيينهم بقرار يصدره وزير العدل بناء على ترشيح النائب العام .

وهنا نجد أن النائب العام يشارك في إبداء رأيه عند اختيار من سيتم تعيينهم في وظائف النيابة العامة ، كتعيين وكلاء ومساعدي النيابة العامة ، وهو ما نراه عند رئيس المحكمة العليا عند تعيين قضاة المحاكم الاستئنافية والابتدائية .

نظراً خصوصية وطبيعة عمل النيابة العامة ، حيث يكون تحت الاختبار لمدة عامين ، ويصدر مجلس القضاء الأعلى بعد انتهاء المدة وبعد ثبوت صلاحية المعين قراراً بتثبيته كمساعد قاضٍ أو مساعد نيابة ، فإذا ثبت عدم صلاحيته  قبل انتهاء هذه  المدة  يتعين الاستغناء عنه بقرار من مجلس القضاء الأعلى.

أما النائب العام والمحامي العام الأول فيتم تعيينهم كما نصت المادة 60 من القانون بقرار من رئيس الجمهورية .

وهناك نظامان رئيسيان متبعان لاختيار الشخص لوظيفة القضاء :

 النظام الأولً : عن طريق الانتخاب وهذا متبع في الولايات المتحدة الأمريكية ، حيث يتم اختيار القضاة عن طريق الانتخاب ، وكذلك في الاتحاد السوفيتي سابقاً ، والدول التي نهجت نهجه مثل : جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية قبل قيام دولة الوحدة .

النظام الثاني : عن طريق التعيين ، وهذا النظام هو الأكثر انتشاراً ، وهو الذي أخذت به أغلب الدول العربية مثل : جمهورية مصر العربية والأردن وسوريا والسعودية والسودان والمغرب والعراق ودولة الإمارات العربية المتحدة والجمهورية اليمنية .

 

-16-

 

وقد فصل المشرع اليمني كما رأينا العمل بنظام التعيين في القضاء عند اختيار القضاة بدلاً من الانتخاب ، وذلك لأسباب عدة ذكرها الدكتور صالح بامعلم منها يتعلق بالظروف والأوضاع القائمة التي يعيشها المجتمع اليمني بسبب التخلف ، حيث لا تزال العلاقات والولاءات الشخصية والقبلية و المناطقية هي السائدة التي تهيمن على البلاد ، ونظام التعيين يهدف إلى إبعاد القضاء عن التأثيرات السياسية وحمايته حتى لا يكون خاضعاً للفكر السياسي للحزب أو المنظمة التي رشحته لهذا المنصب وحتى لا يهدر استقلال القاضي ونزاهته ، إلى جانب أن الانتخاب يعني اختيار القاضي لشغل هذا المنصب لفترة محددة تنتهي بانتهاء فترة عمل المجلس أو الهيئة التي انتخبته  والتي عادة ما تتراوح بين 2- 5 سنوات ، وهي فترة انتخاب مجلس النواب (البرلمان) أو المجالس المحلية .

 وهذه المدة تعتبر قصيرة لا تلبي متطلبات اكتساب القاضي الخبرة العملية في القضاء ، والتي لا تتم إلا من خلال استمرار عمله في وظيفته لفترة طويلة . ((وفي الحقيقة فإن هذا النظام إذا كان يصلح لبعض البلدان التي لها ظروف خاصة بها إلا أنه لا يصلح في كل بلدان العالم ، خاصة دول العالم الثالث التي لم يصل فيها نظام الانتخاب حتى الآن إلى درجة من النزاهة تمكن من حسن اختيار المرشحين للمناصب العامة فضلاً عن القضاة حسب ما يرى الدكتور صالح بامعلم .

ومع ذلك فأن نظام التعيين في القضاء له عيوب إلى جانب مزاياه وهذا ما نراه في واقعنا الملموس في اليمن . ومن أهم وأخطر هذا العيوب : ظاهرة تعرض استقلال القضاء للانتهاك والإهدار من قبل السلطة التنفيذية المركزية والمحلية التي يعود فضل ترشيح وتعيين القاضي إليها ، حيث تستطيع هذه السلطة استخدام الحركة القضائية التي تتم دوريا ًوعبر هيئة التفتيش القضائي التي تخضع لوزارة العدل بل ومجلس القضاء الأعلى الذي يدخل في عضويته أعضاء من السلطة التنفيذية بحكم مناصبهم العليا التي يحتلونها كوزير العدل من التأثير والتدخل غير المباشر في مهام القضاء وعمله بإفادات هيئة التفتيش التابعة لوزير العدل في تقاريرها لوزير العدل ولمجلس القضاء الأعلى عن كفاءة كل قاضٍ في تنفيذ واجباته ، فإما أن يكون التقرير إيجابياً أو سلبياً .

ويترتب عن الحركة القضائية نقل القضاة من محكمة إلى أخرى أو منطقة إلى أخرى نائية وبقاء البعض الآخر منهم في نفس المحافظة . وهذه العملية  لا يستبعد استخدامها بهدف الضغط وإخضاع البعض من القضاة والتأثير عليهم ، كما أنها تستطيع استخدامها لاختيار أنصارها والمتعاطفين معها عند الترشيح للتعيينات في هذه المناصب.

ومع ذلك فإن العيوب الموجودة في نظام التعيين يمكن التغلب عليها والتقليل من سلبياتها ، إذا ما وجدت في السلطة التنفيذية والتشريعية معاً الرغبة الجادة والحرص لحماية استقلال القضاء لخدمة العدالة بحسبما ذكر الدكتور بامعلم .

ولنأخذ مثالاًَ من تجارب من سبقونا في هذا المجال وبمن تأثرنا بتشريعاتهم التي نوهت إلى مخاطر ووسائل تدخل السلطة التنفيذية منذ عشرات السنين .

 

 

-17-

 

ففي المذكرة الإيضاحية لقانون استقلال القضاء رقم 66 لعام 1943م المصري بما سجله – العلامة – الشيخ محمد عبده في تقرير له : ((من أن الأمن من العزل عند جميع الناس يشمل الأمن من الوسائل التي تلجأ إليه ، كنقل الموظف إلى منطقة يصعب عليه أن يقيم فيها لأسباب صحية أو عائلية . ولو نقل إليها بالرغم من إرادته ، اضطر يوماً من الأيام إلى الاستقالة أو إلى محاباة من بيده الأمر في نقله أو إبقائه يتأثر بما يناله ، ولهذا اتفقت حكومات العالم العادلة على أن يكون للقضاة هذه المزية – مزية الأمن من العزل وما يلجأ إليه – بل الأمان من أن كون زمام راحة القاضي بيد شخص آخر غير مجتمع أخوته)) .

ويتطلب فيمن يراد تعيينه قاضياً توفر الشروط والمواصفات التي حددها القانون . وهذه الشروط يمكن تقسيمها إلى نوعين :

1- الكفاية العلمية : وتتعلق بتوفر الاستعداد المهني للشخص ، ويشمل علمه بالقانون والعلوم الشرعية إلى جانب اكتسابه الخبرة العملية من تطبيقه . وعادة يطلب قبل تثبيت الشخص لشغل منصب في القضاء مرور فترة زمنية محددة تحت التدريب بإشراف قاضٍ متمرن ومتمرس في مجال القضاء .

2- السلوك والأخلاق : توافر صفة الأمانة والنزاهة والتحقق من حسن السلوك والسمعة في الشخص المرشح لولاية القضاء إلى جانب أن يكون معروفاً بحيدته .

 

 

وختاماً نسأل من التوفيق والسداد

 

 

                                                                                 أ.د / عبد المؤمن شجاع الدين

                                                                      الأستاذ المشارك بكلية الشريعة والقانون

                                                                                       جامعة صنعاء

                                                                                  صنعاء يوليو 2013م