الملكية العامة والخاصة للدولة
أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء
قضى الحكم محل تعليقنا بأن : هناك املاك للدولة تكون عامة، وهي تلك المخصصة للمنفعة العامة كي ينتفع بها انتفاعاً مشتركاً كافة الأفراد كالمراهق العامة، كما ان هناك املاك للدولة تكون خاصة لقيام الدولة ذاتها بواجباتها الدستورية والقانونية كمقار الجهات الحكومية، ولذلك فإن أحكام كل نوع منها مختلف عن الاخر بما في الغصب لأي منهما، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 9-4-2003م في الطعن رقم (5189) الذي ورد ضمن أسبابه: ((فالدائرة تجد أن نعي الطاعن في غير محله ومخالف لصحيح القانون فالمادة (120) من القانون المدني أو ضحت ان المال العام هو ما كان مخصصاً للمنفعة العامة بالفعل أو صدر قانون أو قرار جمهوري بتخصيص المال العام للمنفعة العامة...إلخ، وبما أن الأرض محل النزاع لم تتوفر فيها إحدى الحالات السابق ذكرها في المادة (120) مدني، فالأرض محل النزاع ليست من الأموال العامة، حسبما أوضحت الفقرة الأخيرة من المادة (120) مدني حيث نصت تلك الفقرة على أنه: (ما عدا ذلك فهو مال خاص سواء تملكته الدولة أو الأشخاص الاعتبارية العامة تملكه الأفراد))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية:
الوجه الأول: الملكية العامة والخاصة في القانون المدني:
بينت الملكية العامة والخاصة للدولة المواد (118 و119 و120) من القانون المدني، فقد نصت المادة (118) على ان (ينقسم المال الى قسمين عام وخاص، فالمال العام هو كل مال تملكه الدولة او الاشخاص الاعتبارية العامة ويكون مخصصا للمنفعة العامة بالفعل او بمقتضى قانون او قرار وهذا المال لا يجوز التصرف فيه والحجز عليه ولا تملك الاشخاص له باي وسيلة مهما بقى عامّا ويجوز للأشخاص الانتفاع به فيما اعد له طبقا للقانون وما عدا ذلك من المال فهو مال خاص سواء تملكه الدولة او الاشخاص الاعتبارية العامة او تملكه احاد الناس)، فقد تناول هذا النص المال العام المخصص للمنفعة العامة بالفعل أو بطبيعته كالمراعي والمحاطب والسوائل والمنحدرات والساحات وغيرها من المراهق والمرافق العامة التي ينتفع بها الأفراد على نحو مشترك دون اختصاص لأي منهم، اما النوع الثاني من الأموال العامة المخصصة للمنفعة العامة فهي الأموال التي يتم تخصيصها للمنفعة بموجب قانون مثل الأموال التي نص قانون أراضي وعقارات الدولة على اعتبارها مخصصة للمنفعة العامة كالصحارى والشواطئ أو تلك التي يصدر قرار باستملاكها للمنفعة العامة بمقتضى قانون الاستملاك للمنفعة العامة، وقد أشار النص القانوني السابق إلى أن غير الأموال العامة المخصصة للمنفعة العامة يجوز للأفراد تملكها، أما المادة (119) مدني فقد بينت مصير الأموال العامة المخصصة للمنفعة العامة إذا انتهى تخصيصها فقد نصت المادة (119) على أنه (تفقد الاموال العامة صفتها بانتهاء تخصيصها للمنفعة العامة بالفعل او بمقتضى قانون او قرار لمصلحة عامة او بانتهاء الغرض الذي خصصت من اجله من المنافع العامة)، في حين اشارت المادة (120) مدني إلى أنه يجوز للأفراد والدولة تملك الأرض الموات كالجبال والمنحدرات والغابات والصحاري، وهي الأرض الموات التي لم تزرع أو تلك التي تركت زراعتها منذ أمد طويل وليست ملكاً لأحد ولم يتعلق بها حق لأحد ولا ينتفع بها احد، فقد نصت المادة (120) مدني على أنه (يجوز للدولة والاشخاص الاعتبارية العامة التصرف في اموالها الخاصة بجميع اوجه التصرف المبيّنة في القانون وتعتبر الاراضي الموات التي لا يستأثر بحيازتها احد مباحة للجميع، ويجوز للدولة والافراد تملكها بقدر الحاجة طبقا لما ينص عليه القانون في موضوع الاحياء والتحجر)، وما ورد في هذه المادة محكوم بما ورد في المادة (1242) التي نصت على أنه (يجوز للمسلم احياء او تحجر الارض الموات المباحة للكافة وهي التي لم يملكها احد ولا تحجرها احد ولا تعلق بها حق عام او خاص طبقا لما هو منصوص عليه في هذا القانون، وقانون المراهق والمرافق العامة والخاصة)، فهذه المادة اجازت احياء الأرض الموات ولكن بحسب الإجراءات المقررة في قانون أراضي وعقارات الدولة أو قانون المراهق والمرافق العامة حسبما تعبير النص السابق.
الوجه الثاني: الملكية العامة والخاصة للدولة في قانون أراضي وعقارات الدولة:
بينت ذلك المادة (5) من قانون أراضي وعقارات الدولة التي نصت على أنه (-أ- تتكون أراضي وعقارات الدولة من أملاك الدولة العامة وأملاك الدولة الخاصة، ويعتبر من الأملاك العامة كل ما هو مخصص بطبيعته أو تم تخصيصه للمنفعة العامة بعد تعويض من له ملك خاص فيها تعويضاً عادلاً وفقاً لقانون الاستملاك للمنفعة العامة -ب- لا يجوز التصرف في أملاك الدولة العامة بأي نوع من أنواع التصرفات إلا إذا زالت عنها صفة المنقعة العامة بمقتضى قانون خاص أو قرار من مجلس الوزراء أو زالت عنها صفة المنفعة العامة بالفعل)، في حين بينت المادة (6) من القانون ذاته الأموال العامة التي تخضع لأحكام قانون أراضي وعقارات الدولة، فقد نصت المادة (6) من قانون أراضي وعقارات الدولة على أن (تعد من أراضي وعقارات الدولة الخاضعة لأحكام هذا القانون ما يلي: -أ- الأراضي والعقارات التي تكون رقبة الملك فيها عائده للدولة -ب- الأراضي والعقارات التي يثبت أنها مملوكة للدولة بأي سبب من أسباب التملك بموجب وثائق ومستندات وأدلة شرعية -ج- الأراضي والعقارات التي تشتريها الدولة او تستملكها للمنفعة العامة أو تؤول إلى الخزينة العامة استيفاءً لديون مستحقه لها بموجب أحكام شرعية نهائية -د- الأراضي البور والأحراش والغابات مالم يتعلق بها ملك ثابت لأحد -هـ- الأراضي الصحراوية مالم يتعلق بها ملك ثابت لأحد -و- المراهق العامة-ز-الشواطئ ومحارمها والجزر وأشباه الجزر البحرية غير الآهلة بالسكان وسائر المناطق البحرية التي يجف ماؤها وتصبح يابسة وذلك وفقاً لأحكام هذا القانون -ح- الأراضي والعقارات التي لا يعرف مالكها أو لا وارث لها طبقاً لقواعد وأحكام الشريعة -ط- أية أراضي أو عقارات أخرى تعد وفقاً لأحكام القوانين النافذة أنها ملك للدولة).
وحدد قانون أراضي وعقارات الدولة ولائحته التنفيذية إجراءات الإنتفاع والاحياء للأراضي حسبما هو مقرر في القانون ولائحته.
الوجه الثالث: نظرة تاريخية بشأن أموال الدولة العامة والخاصة :
كانت فكرة الأموال العامة في مبدأ أمرها غير معروفة ولما رأى رئيس الدولة أن يحكم اختص بنفسه بملكية كل ما يراه صالحًا لخدمة ملكه وللإدارة الخاصة بعرشه، ولم يكن معروفًا وقتئذٍ من الملكيات الرئيسية إلا أموال الملك وأملاك التاج – ولما غزا الغزاة الدولة اختص الفاتحون أنفسهم كلاً منهم بجزء عظيم من الأملاك والبلاد التي كانوا يفتحونها – فكان يتبع إدارة هذه الأملاك كافة ما هو مخصص الآن للمنفعة العامة ولم تكن هذه الأموال كما هي الآن غير قابلة للتصرف بل تناولها التصرف والتقسيم وآلت من يد إلى يد إما بطريق الإقطاعات أو بطريق الميراث أو بطريق الهبات والوصايا لأشراف الدولة وكبار حكامها وأمرائها، وفي كل ذلك كان من الطبيعي أن تفقد هذه الأموال صفة ما خصص منها للمنفعة العامة وأن لا يستفيد منها الجمهور الذي تمثله الحكومة، ولكن الأمر تطور إلى إصدار الأوامر والقوانين التي تدور بين منع الهبات والإقطاعيات طورًا وبين تحديد التصرفات في حين آخر، وفي فرنسا بالذات فكرة تطور ووجود الأموال العامة هي فكرة عامة في فرنسا بالذات صدر أول قانون هو قانون MOULIN في فبراير سنة 1566 فمنع التصرف في أموال التاج المخصصة للمنفعة العامة وجعلها غير قابلة للتملك بوضع اليد بمضي المدة الطويلة (بند (7) من المرجع الموضح أدناه اللهم إلا في بعض أحوال استثناها القانون وأباح فيها التصرف والتملك بند (10)، وأخيرًا ظهرت فكرة الأموال العامة إلى الوجود بمعناها الحديث وهي تخصيصها للمنفعة العامة على أن تديرها وتستغلها الحكومة أو الدولة التي تمثل الأفراد والجماعات.(الأموال العامة والخاصة للدولة، احمد صلاح الدين، ص ٦).
الوجه الرابع :طبيعة وصفة الأموال العامة:
وأول ما يتبادر إلى الذهن هي أن هذه الأموال هي كل ما يستعمله ويستفيد منه الجمهور وبما أنها للشعب والكافة فلا يمكن أن تكون للفرد الذي يجب أن تفني مصلحته أمام مصلحة المجموع، وقد أخذت هذه الأموال تسميتها من الغرض الذي أعد لها أما لأنها خضعت للخدمة العامة وإما لأن حمايتها وإدارتها بيد القوة العامة تحميها من الاعتداء عليها لصالح الهيئة الاجتماعية ولمصلحة الناس سواء أكانوا وطنيين أم أجانب ما دام للجميع حق الاستفادة منها ومن الخدمات التي تؤديها ، وينتج من هذا أن الحكومة ما هي إلى سلطة عليها واجب حماية هذه الأموال لتؤيد للناس حق تمتعهم جميعًا بهذه الأموال وليس لها حق الملكية في الأموال العامة لأن الحكومة انتدبت لحراسة الناس وحراسة أموالهم المشتركة ذات الفائدة العامة ولحماية ملحقات هذه الأموال وهذه الملحقات شأنها شأن الأموال التي التحقت بها لا تقبل التصرف أيضًا حتى ولو كان التصرف حاصلاً من الحكومة نفسها اللهم إلا إذا كان هذا التصرف بأمر أو قانون ، ولكن هذا لا يمنع من أن تؤجر وتستولي على ريع الأمكنة العامة لتضيف الحكومة المتحصل من الريع إلى الخزينة العامة كما يحصل عند تأجير بعض الأملاك العامة، وكما يحدث في تأجير الشواطئ للذين يريدون أن يروحوا عن أنفسهم في نظير أجر بسيط قد يستخدم في المصلحة العامة. (النظرية العامة للملكية العامة، ا. د. عبد المؤمن شجاع الدين ٢٤٥).
الوجه الخامس : خصائص الأموال العامة:
للأموال العامة خصائص من أهمها :
أولا: هو عدم قابليتها للتصرف.
ثانيًا: وعدم قابليتها لوضع اليد عليها وتملكها بمضي المدة الطويلة.
ثالثًا: ولا يمكن رفع دعاوى اليد بالنسبة إليها من الأفراد ضد الحكومة ولكن للحكومة أن ترفع دعاوى اليد عنها ضد الأفراد.
رابعًا: عدم إمكان تقرير حقوق عينية عليها بارتفاق أو خلافه.
خامسًا: وعدم رفع أحد الأفراد دعوى متعلقة بتملكها أمام المحاكم المدنية إذا ثبتت صفتها العامة
وبيان هذه الخصائص كما يأتي :
اولا : خاصية عدم التصرف فيها:
وخاصية عدم إمكان التصرف في الأموال العامة جاءت من القول بأن كل ما هو قابل للاتجار يمكن التصرف فيه وكل ما لا يقبل الاتجار لا يمكن التصرف فيه – وبما أن الأموال العامة لا يمكن الاتجار فيها لأنها خصصت لخدمة كافة الناس فلهذا يكون التصرف فيها غير متفق مع الغرض الأسمى الذي أعدت له – ويجب أن لا يغيب عن البال أن الأموال العامة وإن كانت تقارب بعض الشيء فيما تحتويه الدنيا من النور والهواء وقد أعدها الله سبحانه وتعالى لفائدة الخلق كافة إلا أنها على كل حال قد نتجت من تفكير الإنسان ووضعه لقانون وضعي يمكن تغييره وتعديله أما النور والهواء فهما من الأشياء الثابتة في الكون لا تتغير وليس للإنسان عليها حول ولا سلطة – وينتج من ذلك أن السلطة التي في مقدورها أن تحدد هذه الأموال ذات المنفعة العامة في استطاعتها أن تضعها في حيز التداول الخاص بند، ولطالما يستمر تخصيصها للمنفعة العامة فهي إذن وملحقاتها أملاك عامة (م(541) فرنسي، وإذا زالت هذه الصفة العامة فهي أملاك خاصة – وتطبيقًا لهذا المبدأ فقد حكم أن محلات العبادة (كالمساجد في مصر) أو الكنائس (في فرنسا) المعدة للعبادة لا يمكن أن تكون محلاً للارتفاق عليها ما دامت صفتها العامة لم تفقد ، ولا يعتبر تصرفًا يخل بالمنفعة العامة إذا تصرفت الدولة في الملك العام من غرض عام إلى غرض عام ومن مصلحة عامة إلى مصلحة عامة، وتصرف الحكومة إلى بعض الأفراد بإعطائهم امتياز الملاحة في قناة لا يعطيهم حق التملك بل هذا يعتبر امتيازًا للملاحة للحصول لأنفسهم على أجر من الجمهور، ولا يعتبر مثل هذه القناة ولا شواطئها ملكًا خاصًا ، والأشخاص الذين أعطى لهم هذا الامتياز بالصيد وإقامة المعامل على الشواطئ ليس لهم الحق أن يأخذوا شيئًا من أتربة هذه الشواطئ، ومثل هذا الامتياز يعتبر مؤقتًا ويمكن سحبه وإلغاؤه إذ أضر بمجموع الكافة، ووفقًا لهذا حكم بأن حق الممتاز الذي له وبمقتضاه أن يأخذ ماء من ما هو إلا حق مؤقت يمكن سحبه إذا أضر هذا بالسكان وبمبانيهم مهما طالت مدة الامتياز، وأن التعدي على الطرق العامة مهما كان قد حصل من مدة طويلة ومهما حصل التسامح فيه من جانب الحكومة فإنه لا يمكن ملكيته لمضي المدة الطويلة ولا يمكن أن يكون هذا الاعتداء محلاً لحق مكتسب لهؤلاء الذين ارتكبوه مهما طالت مدة التعدي، ومهما حصل من بيع الأملاك العامة للأفراد فهو بيع باطل، وإذا كان هذا البيع نتيجة خطأ أو إهمال من رجال السلطة الإدارية فكل ما للمشتري والحائز هو تعويض يطلبه.
ثانيا – عدم قابلية الأموال العامة للملك بوضع اليد بمضي المدة الطويلة:
لا يجوز تملك الأموال العامة بوضع اليد بمضي المدة الطويلة ومثال ذلك الشوارع وملحقاتها فإنها لا تملك بهذه الكيفية ، وكذلك لا يمكن تملك الطرق بوضع اليد عليها ولا الأموال الأثرية، ولكن إذا زال استعمال الأحوال العامة زالت صفة عدم إمكان تملكها بمضي المدة الطويلة ، ولقد صار البحث في ماهية وطبيعة عدم استعمال المؤدي إلى زوال الصفة العامة، فقيل هل يكفي عدم الاستعمال نفسه لإيقاف تخصيص المال للمنفعة العامة أم لا ؟ أم أنه يجب صدور أمر من الجهة المختصة بإيقاف هذا التخصيص ؟ فأجيب على ذلك وعلى هذه المسألة بالذات بأنه إذا كان القانون الوضعي نفسه يمكن إزالته وتعديله باتباع عرف معين فلماذا لا تزول الصفة العامة عن الأموال العامة بعدم استعمالها وعدم رعايتها من الحكومة، أما كيف يكون تقدير عدم الاستعمال المؤدي إلى زوال الصفة العامة وكيف يكون الوصول إلى معرفة الدليل والمعيار الذي يقلب الأموال العامة إلى خاصة بزوال صفتها وعدم استعمالها فقد قيل ما يأتي:
1-حكم بأن دليل تغيير غرض هذه الأملاك العامة يمكن أن ينتج من الحيازة الطويلة التي لا يمكن تذكرها بإثبات التعدي على ملك الحكومة وسكوتها على ذلك واستنتاج رضائها .
2- قيل أن القانون لم يضع نصوصًا خاصة (خصوصًا في مصر) بانقلاب الأموال العامة إلى خاصة وخصوصًا فيما يختص بالطرق العامة والميادين والبوابات ولهذا يجب الاحتراس من الاستنتاج بأن عدم الاستعمال يؤدي إلى نية نقل الأموال العامة إلى خاصة إذ قد ينتج عدم الاستعمال من إهمال مراقبة الموظفين فلا يدل هذا على نية الحكومة في التنازل عن الصفة العامة.
3- وقرر أيضًا أنه يجب صدور الأوامر لإخراج الأموال العامة من حيزها إلى حيز الأموال الخاصة (أن هذا الرأي عسير تطبيقه بالنسبة للأموال العامة التي نشأت من غير قانون، وقد يفهم تطبيقه ويكون معقولاً لو أن الأموال العامة تقررت بقانون إذن لأمكن تركها بقانون ولكن الأصح أنه قد يمكن انقلابها من عام إلى خاص بحسب الأمر الواقع والفعل).
4-ويرى بأن الأموال العامة إذا مر عليها زمن طويل فزالت وتهدم أثرها فإن فكرة عدم تملكها بمضي المدة تزول بزوال معالمها.
5- وقيل أيضًا بأن صفة المنفعة العامة تزول بتملك المال بوضع اليد بمضي المدة الطويلة إذا زالت الصفة العامة إما:
(أ) بصدور قانون.
(ب) وإما بوجود ظروف ظاهرة واضحة) تبيح الاعتقاد بتنازل الحكومة عن الصفة العامة لأموالها بشرط أن لا يكون هناك أي غموض في استنتاج التنازل عن هذه الصفة (لكون أن الحكومة لم تستعمل المال العام لإهمال موظفيها الإداريين).
وقد قرر تطبيقًا لهذا المبدأ أن الطريق العام إذا لم يقف عدم استعماله إطلاقًا (بأن كان يستعمل في فترات متقطعة)، فإنه لا يمكن استنتاج التنازل وتغيير الصفة العامة إذا بدل من جوانبه بواسطة تعد من مجاوريه، وعندئذٍ لا يمكن تملك المناطق والأجزاء المتعدي عليها بمضي المدة الطويلة .
ثالثا – الصفة التي تخول للأفراد رفع دعاوى اليد على الأموال العامة ضد الحكومة:
قد مر ذكر ذلك ولكن هذا لا يمنع الحكومة من أن تدعي وضع يدها على هذه الأموال برفع دعاوى اليد ضد الأفراد.
رابعا – لا يمكن تقرير حقوق عينية على الأموال العامة أو تقرير حقوق ارتفاق عليها اللهم إلا إذا كانت هذه الارتفاقات قد تقررت وقت إنشاء تلك الأموال، كأن يبيع شخص للحكومة أعيانًا تقررها للمنفعة العامة ويشترط عليها تقرير حق الارتفاق( الأموال العامة والخاصة للدولة، أحمد صلاح الدين، ص، ٩).
الوجه السادس :أنواع الأموال العامة:
الأموال العامة إما طبيعية وإما أن تحتاج في إنشائها إلى عمل الفرد والأموال الطبيعية هي الأملاك البحرية ، وشاطئ البحر والأملاك النهرية، والأنهر ذات الملاحة أو ليس فيها ملاحة وتعتبر من الأملاك العامة أذرع الأنهر والنهيرات.
والأملاك غير طبيعية، هي الطرق العامة وملحقاتها كالبوابات والميادين والأرصفة والنباتات التي تنمو على جوانب الطرق، والتماثيل، وشواطئ الأنهر، والأملاك الحربية كالاستحكامات والحصون والمباني العامة، والمنقولات المخصصة للمنفعة العمومية.
الوجه السابع: كيفية إدارة الأموال العامة:
1 – أن السلطات المخولة لها هذه الإدارة لا يهم التشريع المصري بحثها وكل وزارة لها الإدارة فيما يخصها من الأملاك العامة المتعلقة بها.
2 –أما تكوين الأملاك العامة، فلأجل أن يكون المال ملكًا للحكومة أو الدولة يجب أن يقوم الدليل على أن الحكومة تملكه لغرض المنفعة العامة وتطبيقًا لهذا المبدأ قرر ما يأتي:
أولاً: ممكن للحكومة أن تدعي قبل الغير التملك بوضع اليد بمضي المدة الطويلة مهما كان للغير من حق بشرط أن تثبت الحكومة بحكم الواقع أن المال خصص للمنفعة العامة.
ثانيًا: يذهب بعض شراح القانون العام في فرنسا إلى أنه يجب التفرقة بين دعوى وضع اليد التي ترفعها الحكومة على الأفراد ادعاءً منها أن المال خصص للمنفعة العمومية بوضع اليد المدة الكافية، وبين دعوى الملكية استنادًا على وضع اليد بمضي المدة الطويلة، غير أن هذه التفرقة لا سند لها والواقع أن ثبوت الصفة العامة هو أهم ما يجب ملاحظته
ثالثًا: قيل أيضًا إنه يوجد لتكوين الملك العام غير ما مر ذكره من الوسائل وسائل أخرى تؤدي لتملك الحكومة تخصيصًا للمنفعة العمومية ومن هذه الوسائل طريق التملك بالتصرف إلى الحكومة من الأفراد بعوض أو بغير عوض وبالشراء الاختياري أو الجبري وبالمبادلة والهبات وبميراث من لا وارث له، أو بنزع الملكية للمنفعة العامة .
الوجه الثامن: تحديد الأموال العامة:
استقر الفقه والقضاء على أن السلطة الإدارية هي المختصة بالاعتراف وبتحديد الأملاك العامة فيما بين نفسها وفيما بينها وبين الأملاك الخاصة سواء أكانت للحكومة أو للأفراد – ومرجع التحديد في فرنسا هو قانون خاص صادر في 22 ديسمبر سنة 1789م ، وبمقتضاه إذا حصل نزاع في تحديد الملك الخاص أو العام يجب الالتجاء إلى رجال السلطة الإدارية للتحديد قبل الفصل في النزاع القضائي ، ويكون حصول هذا التحديد طبقًا للنصوص المنصوص عليها في القانون المشار إليه، ولا يكون مطلقًا بالطريق الودي بين الهيئة التنفيذية وبين الأفراد المجاورين للملك العام، والتحديد ليس طريقًا موصلاً للتملك العام – إنما هو تقرير لحالة حاصلة وثابتة بالفعل – ولو أنه مقرر لإثبات المنفعة العامة إلا أنه ليس له أثر رجعي ولا أثر له في المستقبل بل أثره في يوم تقريره فقط وقد يتغير التحديد في المستقبل وقد يكون في الماضي خلال ما أنشئ عليه الآن – وهذا التحديد ذاته ليس نزعًا للملكية يترتب عليه التعويض بل الغرض منه تحديد الحد الفاصل بين الأملاك العامة والأملاك الخاصة – ومع ذلك فقد حكمت محكمة النقض الفرنسية بأنه يمكن تعويض أصحاب الأملاك المجاورة إذا ترتب على هذا التحديد نعد على أملاكهم – أما مجلس الدولة الفرنسي – فقد أباح للأفراد الحق في الالتجاء للطعن في الأمر الإداري الخاص بالتحديد بطلب تعويض أمام مجلس الدولة وهو المختص دون غيره بمنح التعويض ، وبقرار صادر في 11 يناير سنة 1873 فصلت محكمة المنازعات في الاختلاف في هذا الرأي بأن أعطت الأمر الإداري صبغته الإدارية مع منع المحاكم من تفسيره أو إلغائه وأعطت المحاكم الحق في أن تمنح الأفراد التعويض إذا اعتدى على أملاكهم أثناء التحديد ، ويمكن للأفراد فقط أما الالتجاء للسلطة الإدارية لتعديل خط التحديد وإما لمجلس الدولة لإلغاء خط التحديد – أما السلطة القضائية فوظيفتها محصورة إما بإعادة ما اعتدى عليه من الملك إذا ثبت أن المعتدى عليه ليس له الصفة العامة ومملوك لأصحاب الأملاك المجاورة وإما بإعطاء تعويض مقابل لهذا الاعتداء .
الوجه التاسع: التخصيص من الملك الخاص إلى الملك العام:
التخصيص للملك العام من الملك الخاص هو الأمر الذي يصدر بإدراج العقار أو المنقول من الملك الخاص إلى الملك العام – وهذا الأمر لا ضرورة له بالنسبة للأملاك العامة بطبيعتها لأنها بذاتها موسومة بصفة المنفعة العامة ومع ذلك فتخصيص الأنهر لبعض المنافع العامة وتخصيص مناطق الصيد في البحار قد صدر به قانون 10 يوليه سنة 1835 – أما كون أن النهر صالح للملاحة أو غير صالح فقد يثبت إما بقانون أو بتقرير الواقع بلا حاجة إلى أمر أو قانون .
أما الأموال التي ليست طبيعية وترجع لعمل الإنسان كالقنوات والطرق والملحقات الطرق (كالميادين والبوابات – والأرصفة – والنباتات التي على الطرق والتماثيل) والطرق الحديدية والاستحكامات والحصون وأبنية الحكومة والجبانات ومحلات العبادة ففي أمرها تفصيل.
أما الطرق العامة وملحقات الطرق فليس هناك ضرورة لإصدار أمر أو قانون لتخصيصها للمنفعة العمومية وهذا ما قضى به مجلس الدولة في فرنسا – وأهم ما يجب مراعاته هو ثبوت صفة المنفعة العامة بشكل حقيقي – وليس هناك ما يمنع من إصدار قانون ويكون صدوره عندئذٍ تقريرًا للواقع وإثباتًا للحقيقة ولتنظيم هذا الواقع وتلك الحقيقة بند (350).
أما الاستحكامات والحصون والميادين الحربية والأراضي الحربية فلا يمكن أن تعتبر من الأملاك العامة إلا بصدور قانون يدرجها في حيز الأملاك العمومية وقد صدر بشأنها قانون 10 يوليو سنة 1851 – كما أن مثل هذه الأموال لا تزول ولا تهدم ولا يقضي على صفتها العامة إلا برأي لجنة الدفاع الوطني وبمقتضى قانون يصدر بذلك.
الوجه العاشر: طرق التصرف في الملك العام :
المقصود بالتصرف هنا ليس البيع ولا الرهن لأن هذا ممنوع لطبيعة تلك الأموال وعدم قابليتها للتصرف إنما التصرف فيها إما أن يكون بطريق بقلبها من الملك العام إلى ملك خاص – وإما بمنح امتيازات خاصة للأفراد.
وأما عن منح الامتيازات الخاصة فهذا يقتضي بيان هذا الامتياز ويُقصد به أنه عقد خاص بمعناه الإداري وغرضه منح شخص معين حق التمتع بجزء من الملك العام وتكون الحكومة قد قامت في تصرفها بالعقد وقتئذٍ لا كأحد الأفراد ولكن يكون قيامها في العقد وقتئذٍ كحارس على المصلحة العامة ونائب عن كافة الجمهور ، وتطبيقًا لهذا المبدأ يكون الامتياز مؤقتًا مهما طالت مدته كاستقرار الأفراد على شاطئ البحر – وكامتياز مد أنابيب الغاز والكهرباء والمياه في ملك الحكومة – وكامتياز مد أشرطة الترام وامتياز الأشغال المؤقت، وهذا لا يمنع من أن يكون الامتياز على ملك الحكومة الخاصة.
وتوجد في فرنسا امتيازات عديدة تمنح للأفراد ودراستها لا تهم إلا بالقدر السالف ذكره.
الوجه الحادي عشر: إيقاف تخصيص الأملاك العامة وقلبها من عامة إلى خاصة:
فقد يكون ذلك إما بقانون يغير صفتها العامة وإما من الواقع الذي يثبت منه عدم الاستعمال، وقد سبقت الإشارة إلى عدم الاستعمال وبيان الأداة التي يفهم منها أن عدم الاستعمال مؤدٍ إلى قلب الأملاك العامة إلى خاصة،وتتبع نفس قواعد الـ عن التفرقة بين أنواع الأموال كما سبق بيانه في تخصيص الأموال من خاص إلى عام .
وزوال الصفة العامة فيما يختص بالأملاك الحربية لا يكون إلا بقانون وكذلك تقليل عرض الطرق الحربية .
أما زوال الصفة العامة الذي ينتج من الواقع والفعل فقد يكون من زوال عمل الملك العام زوالاً تامًا كتهدم القنطرة وانهيار الأثر – وجفاف القناة الطويل – وزوال معالم الطريق .
وعدم الاستعمال المؤدي إلى زوال الصفة العامة يعادل تمامًا صدور قانون بزوال الصفة العامة ومسألة عدم الاستعمال والترك القطعي هي من المسائل الواقعية التي يمكن حلها وفقًا للظروف ، ودليل تغيير الغرض العام الذي أعدت له الأملاك العمومية (كحالة الطريق العمومي) لا يمكن أن يثبت إلا بوضع يد الأفراد من مدة طويلة لا يمكن تذكرها والرجوع إليها.
وطبقت محكمة النقض الفرنسية القاعدة السالفة الذكر بأن قالت إن دليل تغيير الصفة العامة لا يمكن أن يستنتج (فيما يختص بطول الطريق وعرضه) ووضع اليد على جزء منه إلا من وضع اليد الذي لا يمكن تذكره.
وقد صدر في فرنسا قانون في 24 مايو سنة 1842 عن الحالة التي يصبح فيها الطريق غير نافع إلا للمرور المحلي والقروي – أو عن الحالة التي يصبح فيها الطريق غير معدٍ للمنفعة فقضت المادة الأولى منه أنه في الحالة التي تكون فيها أجزاء الطريق قد تركت بعدم الاستعمال العام فإن هذه الأجزاء من الطرق يمكن إعادتها إلى المنفعة العامة بناءً على طلب وموافقة المجلس العامة والمجالس البلدية على أن إدراجها بعد تركها لا يكون إلا بأمر ملكي .
وفي 10 أغسطس سنة 1871 أصبح الأمر في فرنسا فيما يختص بإدراج هذه الطرق بعد تركها ضروريًا بواسطة اجتماع كل المجلس لا جمعيته العمومية – ولا ضرورة لأمر ملكي.
ولا يكون الأمر إلا لإخراج هذا الطريق من منفعته العمومية إلى المنفعة الخاصة إذا ثبت بطريق يقيني أنه عام .
وإذا تحولت الطرق العامة إلى ملك خاص فهل إذا باعتها الحكومة يكون البيع لمصلحة الحكومة نفسها أو لمصلحة المجالس البلدية والقروية، فقد قرر مجلس الدولة الفرنسي أن مال هذا البيع يكون للمجلس المحلي.
الوجه الثاني عشر: إجارات الأملاك العامة:
الأصل أن الأموال العامة لا يمكن التعامل فيها ولكن ذلك ليس معناه عدم إمكان إعطاء حقوق بالمنفعة لآخرين على أن يكون الغرض من هذا الانتفاع للمستأجر انتفاع الجمهور أيضًا .
ومع ذلك فقد قضى من محكمة النقض ومجلس الدولة في فرنسا بأنه غير ممكن للإدارة أن تمنح امتيازات على الأملاك العامة (نقض 7 يوليه سنة 1869)، وبعد هذا الحكم الذي صدر في سنة 1869 صدر قانون في 20 ديسمبر سنة 1872 ذكر بالمادة (2) منه (أنه مصرح للحكومة بالحصول على أجرة الأشغال المؤقت أو بالحصول على الأجرة الناشئة عن تأجير الشواطئ وتأجير كل ملحقات الأملاك العامة البحرية) – ثم صدر قانون في 29 يوليه سنة 881 طبق وشمل أجرة كل أشغال ووضع يد مؤقت أو محلي – كما شمل التصريح للحكومة بالحصول على أجرة كل ما هو متحصل من الأملاك العامة بطبيعتها كحق الصيد في الأنهار، فأصبحت قانونية الحصول على إيجار هذه الأملاك أمرًا لا شك فيه واستقر الفقه والقضاء على ذلك ، وهذه الامتيازات سواء أكانت إجارة أو إشغالاً مؤقتًا – هذه الامتيازات – تقترب في شبهها من عقد الإيجار من وجهة أنها تعطي للممنوح له هذه الامتيازات حق التمتع على شرط أن يدفع الأجر المقابل لهذا التمتع في نظير أن يتمتع الكافة من هذا الامتياز لفائدة تعود على الناس جميعًا – غير أن هذا لا يمنع بأي حال من الأحوال فكرة توقيت هذه الامتيازات فيمكن إلغاؤها في أي وقت للمصلحة العامة إذا كان وجودها يضر المرور العام .
وهذه الامتيازات ولو أنها عقود ثنائية إلا أنها أوامر إدارية يمكن إلغاؤها والعدول عنها – ولا يمكن إلغاء أوامر العدول عنها أمام السلطة القضائية إذ أنه ليس في استطاعتها أن تغير ما تجريه جهة الإدارة في هذا الشأن.
الوجه الثالث عشر: الأملاك الخاصة:
1 – هي كل ما تملكه الحكومة كالأفراد (يمكنها التصرف فيه والأملاك الخاصة يدخل فيها في فرنسا:
1/ أملاك التاج (بخلاف في مصر فإن القصور الملكية من الأملاك العامة) وأملاك التاج كما عرفها العلامة شوبان chopin هي كل ما أعد لأن يصرف منه على مائدة الملك وحشمه وتوابعه وكل ما أعد لأن يكون مشرفًا لصيانة الملك والعرش وكرامته.
2 – ويدخل من ضمن الأملاك الخاصة ما يطلق عليه اسم الأملاك الغير عادية، وهي أملاك الهبات – وأملاك الغزو والفتح.
3 – ويعتبر من الأملاك الخاصة الـ
1/ أو هي الأملاك التي تمنح من الحكومة إلى الضباط وأولادهم الذكور إذا قتلوا في ميدان الحرب – وهي خلاف المعاشات لأنها لا تنتقل إلا من الأولاد الذكور إلى أولادهم ولا تنتهي إلا بانتهاء الخلف وانقطاع الذرية – وأما المعاشات فتنتهي بانتهاء الجيل الثاني وهبات الحكومة هذه لضباطها وأولادهم مقررة محدودة في بعض مناطق فرنسا – في أورليان – وفي جهة القنال دي ميدي.
4 – ويعتبر من الأملاك الخاصة الغابات – وملحقات الأملاك العامة التي أدرجت ضمن الأملاك الخاصة – والوصايا للحكومة – وما ترثه ممن لا وارث له – والهبات التي تمنح للحكومة والأملاك الخالية التي لا مالك لها.
الوجه الرابع عشر: إدارة الأملاك الخاصة:
تكون إدارتها والتصرف فيها بالبيع الاختياري – أو بالمزاد العلني – ويجوز البيع إذا كان الطريق قد زالت صفته العامة ويجوز التصرف في الأموال بطريق المبادلة.
وللمجاورين للطرق الحق في الأخذ بالشفعة عن الأجزاء من الطرق المتروكة والتي زالت صفتها العامة وفقًا للقانون الصادر في فرنسا 20 مايو سنة 1836 بالمادة الرابعة التي تلزم الحكومة بأن تتنازل عن هذه الأجزاء بشروط خاصة.
وقد قررت المادة السالفة الذكر ما يأتي:
(أجزاء الأرض المخلفة عن طرق قديمة غير مطروقة أصلاً – أو أجزاء الطرق التي أصبحت عديمة الفائدة – إما لتعديل مجرى الطريق – وإما لتغيير فتحته – هذا الأجزاء – يمكن بيعها للملاك المجاورين على شرط أن يعتمد ذلك من وزير المالية وشرط هذا القانون واضح وهو عدم الاستعمال المطلق المؤدي إلى زوال الصفة العامة (يراجع في معنى عدم الاستعمال .
أما في مصر فالقانون المختلط قد وصفت الأموال العامة في المادتين (25) و(26) منه وصفًا غير كافٍ إذ قرر أن أملاك الأميري كالاستحكامات والموانئ لا تقبل أن تكون ملكًا لأحد (م 25)، وأن الأشياء المعدة للمنافع العامة كالطرق والقناطر ونحو ذلك لا تقبل أن تكون ملكًا لأحد.
وجاء القضاء المختلط في أحكامه مقررًا أن أموال الحكومة لا يحجز عليها – وأن الأشياء المنقولة ملحقة بالأموال العامة إذا تخصصت للمنفعة العامة.
أما القانون الأهلي فالمادتان (9) و(10) مدني منه قد تكفلتا ببيان ما هو من الأموال العامة على سبيل البيان إلى أن نص في المادة (10) (بأنه يعتبر من الأملاك العامة كافة الأموال الأميرية المنقولة أو الثابتة المخصصة لمنفعة عمومية بالفعل أو بمقتضى قانون أو أمر).
ثم قرر القانون أيضًا في المادة التاسعة عدم جواز تملكها بمضي المدة الطويلة وعدم إمكان التصرف فيها اللهم إلا إذا كان التصرف فيها بمقتضى قانون أو أمر.
الوجه الخامس عشر: وضعية الطرق العامة ضمن الأموال العامة في فرنسا:
ومن بين ما نصت عليه المادة التاسعة الطرق والشوارع وهذه الممرات إذا كانت غير مملوكة لفرد من الأفراد اعتبرت عامة بوجه عام سواء أكانت ببلد يسري عليه قانون التنظيم الصادر في 8 ديسمبر سنة 1889 أو لا يسري – ومسألة الصفة العامة للطرق العامة مرجعها تخصيص الطرق نفسه لمنفعة الجمهور – فإذا كان الفرد يستعمله لمنفعته الخاصة اعتبر مملوكًا ملكًا خاصًا رغم مرور الناس عليه لأن المرور فيه عندئذٍ يعتبر من قبيل التسامح – إلا إذا راعته الحكومة بالرش والكنس والرصف واهتمت به وأهمله صاحبة المدة المكسبة للملكية بالتقادم الطويل وعندئذٍ يصبح عامًا – فكأن الحكومة نفسها تكسب الملكية العامة بالتقادم من الملكية الخاصة ولكن لا تسمح للأفراد بالتملك بمضي المدة على الأملاك العامة.
والأصل في الطريق العام أن يكون مطروقًا – ولو يستعمله الناس في فترات متقطعة – والقرينة المفروضة بالنسبة إليه هو أن الطريق ملك عام (وعلى من يدعي صفته الخاصة إثبات ذلك بكافة أوجه الإثبات) – ولا يهتم بعدم وجود قرار من الحكومة بانقلاب الطريق إلى ملك خاص – لأن انقلاب الأملاك العامة إلى خاصة قد يرجع إلى الواقع أو القانون (م. أ).
وقد حكم بأنه لا يشترط وجود إجراءات التنظيم لاعتبار الشارع عموميًا، وقد حكم بأنه إذا ترتب على تعديل خط التنظيم تحويل شارع من جهة إلى أخرى تنتقل أرض الشارع القديم من ملك الدولة العام إلى الملك الخاص فإذا ترتب على تعديل خط التنظيم إلغاء شارع أو جزء من شارع فإنه يصبح ملكًا خاصًا للحكومة باعتباره من زوائد التنظيم – ويتحول من الملك العام إلى الملك الخاص فيجوز للحكومة أن تتصرف فيه – ويكتسب للأفراد بمضي المدة.
الوجه السادس عشر: وضعية الأرض الأثرية:
فقد حكم فرنسا أنه لا تعتبر الأرض أثرية إلا إذا صدر قرار من السلطة المختصة بإدراجها بالكشف الملحق بقرار وزارة الأشغال الصادر في 7 ديسمبر سنة 1909 – وأن الحجارة والأتربة لا تعتبر من المنافع العامة إلا بعد صيرورتها ملكًا للحكومة وبعد وضعها في محلات الآثار حيث تكون المحاكم الأهلية غير مختصة بالفصل في أصل ملكيتها – وهذا المبدأ أقررته المادة السادسة من القانون الصادر في سنة 1912 الذي وضح به أن الأرض الأثرية هي المقررة فعلاً أو التي ستقرر بمقتضى قرار من السلطة المختصة – وفي هذا قرر أن اعتبار الأرض أثرية هو أمر متعلق بقرار يصدر من وزارة الأشغال وعلى ذلك لا يفيد القول بأن القطعة المتنازع عليها بين الجمهور – والحكومة معينة ومرسومة بخريطة فك الزمام وأن مصلحة الآثار قد أدرجتها في بياناتها ورسومها ولا يقيد ذلك إلا صدور القرار الصادر من الجهة المختصة بعد إدراجها بالكشف الملحق.
الوجه السابع عشر: وضعية الترع والجسور:
صدر بشأنها حكم من محكمة النقض المصرية في 4/ 2/ 1937 بالمجموعة الرسمية السنة 38 صـ 272 رقم (107) قيل فيه إن شرط بقاء الملك العام أن تكون الحكومة دائبة على وضع يدها عليه مظهرة سلطتها فترك الحكومة ترعة أو جزءًا من ترعة حصل تعديل مجراها يعد في ذاته نقلاً لهذه الترعة أو لهذا الجزء من الأملاك العامة إلى الأملاك الخاصة التي يجوز فيها التملك بمضي المدة الطويلة – وقد رجع هذا الحكم إلى الـ صحيفة 243 – نبذة 1376 – 24 ت ب تحت كلمة وإلى أن كثيرًا من الشراح يرون أن الأموال العامة التي لا تقبل التصرف بسبب تخصيصها للمنفعة العامة تكون خاصة إذا وقف وزال هذا التخصيص (يراجع أيضًا أحكام استئناف مصر 2 – 1 – 1907 لسنة 8/ 11/ 110 واستئناف مصر 9/ 4/ 1930 – 11/ 1/ 20).
وقد حكمت محكمة النقض المصرية فيما يختص بثبوت الصفة العامة وعدمها بالنسبة للترع والجسور حكمًا في 14 إبريل سنة 1938 السنة 19 عدد 1 صـ 48 رقم (47) ذكر فيه:
( أ ) أن المحاكم الأهلية ممنوعة من نظر الدعاوى المتعلقة بالأموال الأميرية العامة من وجهة طلب الملكية المدعى بها من الأفراد ضد الحكومة وفقًا للمادة (15) من لائحة ترتيب المحاكم الأهلية إذا خصصت هذه الأموال للمنفعة العامة:
أولاً: بالرغم من أنه يتبين أن ملكية الأفراد لهذه الأعيان ثابتة لم تزل عنهم سبب من الأسباب القانونية.
وثانيًا: بالرغم من أن الحكومة لم تتبع طريقًا رسميًا لنقلها للمنفعة العامة (وهذا معقول لأن الملكية العامة قد تتقرر من الملكية الخاصة إما بالقانون وإما بالواقع وإذا تقررت بالواقع فلا حاجة لإجراء رسمي).
(ب) وقرر هذا الحكم مبدأ هامًا هو أن ثبوت الصفة العامة للأعيان العامة هو أمر جوهري وأساس لمنع المحاكم من سماع الدعوى المتعلقة بها من حيث الملكية – فإن كانت الصفة العامة محل نزاع فإن المحاكم تملك البحث في ثبوت هذه الصفة أو عدم ثبوتها ثم تبني حكمها على نتيجة هذا البحث.
(ج) وقررت أيضًا أن كون ترعة عمومية أو غير عمومية هو وصف قانوني حددت لائحة الترع والجسور معناه فمن واجب المحكمة الرجوع إلى هذه اللائحة والأخذ بها في إثبات هذه الصفة وليس بكافٍ ولا يعتبر الاعتماد على تقرير الخبير وحده المبني على خريطة فك الزمام.
وقد حكم أيضًا بالنسبة للمصارف – أن المصرف الذي يصرف لبلاد متعددة يكون عموميًا بشرط أن تصرف عليه وزارة الأشغال، وبشرط أن يكون مندرجًا في جدول وزارة الأشغال، وقيل بأن حرم الترعة وجوانبها المنصوص عليه بالمادة (9) لا يكون ملكًا خاصًا – ولا يصح الادعاء بأن الترعة بغير حرم ارتكانًا على أن في الحرم مبانٍ للغير لأن تلك المباني إما أن تكون قد حصلت بطريق التعدي وأما أن تكون الحكومة قد أباحتها من طريق التسامح .
وقد حكم بأن الجبانات تعتبر من المنافع العامة وملكًا عامًا حتى ولو منعت الحكومة الناس من الدفن فيها بل تبقى هذه الصفة ما دامت الحكومة لم تقرر إعادتها للأملاك الخاصة بأمر (وهذا الحكم لا يتفق مع الرأي بأن الأموال تتغير إما بقانون أو بالواقع من خاصة إلى عامة والعكس جائز،فهي تبقى كذلك جبانات ما دامت حافظة لمعالمها غير قابلة للتملك بمضي المدة حتى ولو – أوقف الدفق فيها مدة طويلة والعبرة بزوال الصفة العامة وهي لا تزول إلا بزوال المعالم.
ومن المفهوم بداهة أن المنافع العامة تزول بالترك فإذا تركت الحكومة عقارًا من أملاكها العامة ولم تعد معتبرة جزءًا من تلك الأموال بفقد ذلك العقار صفته ويصبح جزءًا من أملاكها الخاصة التي يجوز التصرف فيه وتملكه بمضي المدة بند (861) – المرجع السابق ولا حق للحكومة في هدم المباني التي تشاد على أرض جبانة لإقامة زائري المقابر بشرط أن لا تحول تلك المباني إلى مساكن مستديمة ، ويمكن أن يكتسب بمضي المدة حق المطل على كل الجبانات لا تكون الحكومة قائمة بإدارته أو بالصرف عليه – والمسجد الموقوف والمخصص للعبادة الذي تقوم به الحكومة لا يمكن اكتساب حق المطل عليه ولا يتملك بمضي المدة.
والأملاك العامة من المسلم أنها ني التي تملكها الدولة وللحكومة عليها حق استغلالها وإدارتها والإشراف عليها – ولها حق نقلها إلى أملاك خاصة والتصرف في الملك الخاص – وإذا كانت عامة فهي لا يتصرف فيها – ولا يحجز عليها – ولا تملك بوضع اليد المدة الطويلة – ولا ترفع الدعوى بشأن ملكيتها أمام المحاكم المدنية.
والتفرقة بينهما ليست قديمة بل هي من عمل رجال الفقه الفرنسي ولم يرد نص لا في الفرنسي ولا في المصري في بيان الأداة المميزة للتفرقة بينهما.
وقد اختلف الشراح في بيان هذه الأداة فقال هوريو أن الصفة العامة التي تفرق بينهما هي الوقف والرصد والوجود – وقال أن الأملاك العامة هي ما كانت بحسب طبيعتها وذاتها لا يمكن أن تملك بمضي المدة – ورأى كولان وكابيتان هي أن تكون هذه الأموال لأجل أن تسبغ عليها الصفة العامة – في خدمة المجموع – والواقع أن هذه التعاريف لا تغني عن وجود النص الصريح.
وحق الحكومة على الملك العام لا يأتي من أنها تملك ملكًا خاصًا إنما يأتي من أن الكافة وجمهور الناس هم الملاك للمنفعة العامة وليس للحكومة إلا حق الإشراف والإدارة وعليها جباية هذه الأموال العامة وحفظها وما دام أن الحكومة لا تملكها ملكًا خاصًا فهي لا تستطيع التصرف فيها بالبيع أو بالرهن – إنما لها حق الاستغلال فيجوز لها تأجيرها وضم الإيجار إلى ملك الحكومة.
وتتقرر الملكية العامة من خاصة إلى عامة بمقتضى النص بالمادة (10) إما بفعل الواقع أو بفعل القانون وإما تقرير القانون فالأمر واضح وإما تقريرها بفعل الواقع فمضمونه أن الحكومة تملك الأملاك الخاصة وتقرر عليها المنفعة العامة وتتملكها بمضي المدة الطويلة وتقرير الملك الخاص من عام إلى خاص فيكون بزوال الصفة العامة، وما دام أن القانون يقرر أن اكتساب الملك العام يكون القانون أو الواقع فالعكس صحيح أيضًا أي أن الملك العامة يزول بزوال الصفة العامة وعندئذٍ يترتب للفرد حقوق خاصة على هذا المال ولا يتعارض ذلك مع المبدأ القائل بعدم تملك حقوق عينية على المال العام – لأن محل البحث هو وجود الصفة العامة أو عدم وجودها وليس الأمر خاصًا بوجود حق عيني على المال العام لأن زوال الصفة العامة هو ما يقتضي بحثه أولاً ثم يبحث بعد ذلك فيما إذا كان قد تقرر حق عيني على الملك الخاص أم لا.
وقد اتفق العلم والعمل على أنه إذا فقد العقار صفته العمومية أصبح من الأملاك الخاصة التي يجوز التصرف فيها (ويمكن تملكها بوضع اليد المدة الطويلة) (محاماة 10 سنة 6 صـ 865).
والأملاك الأميرية إذا لم تستمر مخصصة للمنفعة العامة يجوز تملكها بوضع اليد المدة الطويلة مثلها في ذلك مثل ما إذا كانت قد أخرجت من الملك الخاص إلى الملك العام بمقتضى قانون أو أمر (مجموعة رسمية نمرة 91 صـ 195 محاماة سنة 7 عدد 480 صـ 826).
وقد حكم في كيفية انقلاب الصفة العامة وإرجاع المال العام إلى خاص أن الفقه والقضاء توافقا على التفرقة بين الملك الميري بطبيعته والملك الميري حكمًا (يراجع ما ذكر بالحكم المنشور بمجلة المحاماة لسنة 11 صـ 38).
والملك الميري حكما الذي يصير ملكًا ميريًا بمقتضى قانون أو أمر – والأول (الطبيعي) كمجرى النهر والطرق (وهذا خطأ لأن الطرق ليست أموالاً طبيعية بل هي أموال عامة حكمًا)، وهذا النوع الأول لا حاجة به إلى إصدار قانون أو أمر.
(وهذا صحيح بالنسبة للأموال العامة الطبيعية أما أمر الطرق ولو أنها طبيعية فهي ليست في احتياج إلى إصدار أمر أو قانون لتنقلب إلى ملك خاص بل قد تنقلب إلى ملك خاص بحكم الواقع كما مر ذكره في أكثر التشريع المدني) – أما النوع الثاني كالحصون والقلاع فلا يمكن تغيير من صفة عامة إلى صفة خاصة إلا بمقتضى قانون أو أمر (وهذا صحيح لأن الاستحكامات والحصون في فرنسا صدر بشأن إدراجها في الملك العام وبشأن إخراجها من هذا الملك – صدر بشأن ذلك – قانون خاص قيل فيه أن الأملاك الحربية -……… لا تزول ولا تهدم إلا بمقتضى قانون).
(يراجع الحكم المعلق عليه السابق الإشارة إليه بمجلة المحاماة السنة 11 صحيفة 38).
الوجه الثامن عشر : ملكية الطرق العامة :
تناول القضاء المصري هذه المسألة فقد قضت محكمة النقض المصرية في الدعوى رقم (16) لسنة 3 قضائية بالحكم الصادر في 7 ديسمبر سنة 1933 كانت الحكومة قد باعت بمقتضى حجة شرعية بتاريخ 8 إبريل سنة 1886 إلى أحد الأفراد أرضًا على جملة مساحات محددة فيما بينها بطرق لم يشملها البيع فرفعت الحكومة دعوى لأن المشتري اغتصب هذه الطرق وأقام عليها جملة مبانٍ فرفع المجلس المحلي دعوى تثبيت ملكية للقدر المغتصب وإزالة هذه المباني في ظرف مدة معينة وإلا تجري الحكومة إزالتها بمصاريف ترجع بها على المغتصب فقضت المحكمة الابتدائية بالطلبات فاستأنف المغتصب الحكم بالاستئناف رقم (1130) سنة 45 قضائية، وقضت محكمة الاستئناف الأهلية بإلغاء الحكم المستأنف بعد أن ندبت خبيرًا لأداء الأعمال المبينة بأسباب الحكم التمهيدي.
فطعنت النيابة وبنت طعنها على أن المحكمة الاستئنافية أخطأت في تطبيق القانون لأن الطرق العامة لا تتحول إلى خاصة بمجرد الترك وأنها لا تزول صفتها العامة بفعل الغصب.
وأما محكمة الاستئناف الأهلية فقد قررت في أسباب حكمها:
1 – أن ورود الطرق في حجة المشتري من الحكومة لا يدل في ذاته على تخصيص هذه الطرق للمنفعة العامة بل يجب أن تكون قد خصصت هذه الطرق فعلاً للمنفعة العامة بمرور الأهالي عليها وأن يستمر هذا التخصيص بعد شراء المدعي فإذا أهملت الحكومة هذه الطرق ولم تستعملها للمرور ولم تلاحظها ولم تمنع تعدي الغير عليها زالت عنها الصفة العامة وأصبحت من الأملاك الخاصة التي يجوز تملكها بمضي المدة واستندت في هذا إلى ما جاء بالفقرة (11) من المادة (9)، والمادة (10) من القانون المدني من أن الأملاك العامة تتقرر بمقتضى القانون أو الفعل وبديهي أن الترك وعدم الاستعمال يقلبانها من عامة إلى خاصة، ولكن محكمة النقض رأت أن الحكم المنقوض قد تأثر بأقوال شراح وأحكام المحاكم في فرنسا مع أن نظام القانون المدني في مصر يختلف اختلافًا كليًا عن نظام القانون المدني الفرنسي.
والمادة (538) فرنسي لما نصت عن الطرق اعتبرت الطرق والشوارع والحارات التي على نفقة الحكومة – فكانت هذه العبارة مدعاة للتفسير وللتأويل وأخيرًا أجمع الشراح في فرنسا على أن الطريق يجب أن يكون مخصصًا لمنفعة الجمهور – وأن يكون مطروقًا بصفة عامة – ومستمرة وأن يكون موضع عناية الحكومة من حيث التعبيد والإنارة وغرس الأشجار وإلا اعتبر أنه ليست له صفة الأملاك العامة وجاز تملكه بوضع اليد ومضي المدة الطويلة المكسبة للملكية – وقد جرى قضاء المحاكم المختلطة على ما جرى به القضاء في فرنسا لأن نصوص القانون المدني المختلط في هذا الموضوع مقتضية كما مر ذكره.
أما في القانون الأهلي فقد تفادى الغموض وقرر بصراحة أنه يعتبر من الأملاك العامة المشروحة شرحًا وافيًا في المادة (9) ما يأتي (يعتبر من الأملاك العامة الطرق والشوارع والقناطر والحواري التي ليست ملكًا لبعض أفراد الناس)، ثم خشى المشرع أن يكون قد فاته ذكر نوع من الأنواع فختم الفقرة (11) من المادة (9) بالقول (كافة الأموال الأميرية المنقولة والثابتة المخصصة لمنفعة عمومية بالفعل أو بالقانون)، وإذن الطرق العمومية مهما كانت عناية الحكومة ومهما كان عدم العناية بها فإن الفارق في كون الطريق عموميًا أم خاصًا هو معرفة ما إذا كان للطريق مالك أم لا – ففي الحالة الأولى لا يكون الطريق عموميًا إلا إذا قامت الحكومة بإثبات أنها تملكته وأنها قامت بجميع الإجراءات التي يفرضها القانون بقانون نزع الملكية للمنفعة العمومية – وأما في الحالة الثانية فيعتبر خاصًا إذا كان له مالك.
وبهذا يمكن الاستنتاج من أن الفقرة (11) مادة (9) بالقول من أن الأموال العامة ستخصص بالفعل أو بمقتضى قانون أو أمر لا ينصب على جميع ما ذكر صراحةً في المادة (9)، ولا يتقرر الطريق العمومي بمقتضى الفعل – وليس ثمة شرط الصرف عدا الطريق.
ومتى ثبت أن الطريق ملك للحكومة فلا يمكن زوال الصفة العامة عنه إلا بمقتضى قانون أو أمر.
وبما أن المدعي الملكية قد أقر أن هذه الطرق كانت من ضمن أملاك الحكومة الخصوصية قبل إنشائها – وبما أنه لا ينازع الحكومة في إنشاء هذه الطرق وهو وجودها وقت الشراء فلا يمكنه أن يدعي ملكيتها بوضع اليد مهما طالت المدة لأنها أملاك عامة.( الأموال العامة والخاصة للدولة، احمد صلاح الدين، ١٠)
الوجه التاسع عشر : معيار تخصيص المال للمرفق العام :
يرى جانب من الفقه ان المال العام كل ما هو مخصص لتدبير و تسيير مرفق عام كضابط مميز بين الأموال العامة و الخاصة، هذه الأموال كلما خصصت لخدمة المرافق العامة فهي أموال عامة، فيعد مالا عاما كل عقار أو منقول تملكه الدولة و يكون مخصصا لخدمة مرفق عام، و المرفق العام هو كل نشاط تقوم به الدولة و يستهدف تحقيق منفعة عامة، ووفقا لرأي هذا المعيار تعتبر المباني و المؤسسات الحكومية و ما فيها من أدوات و أثاث مكتبية من الأموال العامة، لأنها جميعا مخصصة لخدمة المرافق العامة.
لكن لا يمكن الأخذ بهذا المعيار لأنه يدخل في مفهوم المال العام، جميع الأموال المخصصة للمرافق العامة. و ذلك معناه الجهل بحقيقة أساسية، والتي يستفاد منها أن كل هذه الأموال ليست لها نفس القيمة و الأهمية في حياة سير المرافق العامة، فهناك من هذه الأموال ما قد يخضعه المشرع من حيث حمايته لأحكام القانون الخاص نظرا لنسبية أهميته.
وتفاديا للانتقادات التي وجهت لهذا الاتجاه أيضا عمد الفقهاء إلى تبني معيار ثالث يقول بتخصيص المال العام للمنفعة العامة.
ونتيجة للانتقادات الكثيرة التي وجهت للمعيارين السابقين يذهب الرأي السائد في الفقه إلى اتخاذ (تخصيص الأموال للمنفعة العامة) معيارا مميزا للأموال العامة، فقد حاول أنصار هذا الرأي و على رأسهم الفقيه " هوريو" تفادي الانتقادات التي وجهت للمعايير السابقة. لذلك ذهبوا إلى أن المعيار المميز للمال العام يكمن في فكرة تخصيص المال العام للنفع العام سواء خصصت الأموال لاستعمال الجمهور أم لخدمة مرفق عام، فوفقا لهذا المعيار المزدوج يعد مالا عاما كل ما تملكه الدولة و يكون مخصصا لاستعمال الجمهور أو لخدمة مرفق عام، و قد وسع هذا المعيار من دائرة الأموال العامة، فاعتبروا أن كل المباني الحكومية المخصصة للمرافق العامة و المنقولات المخصصة للنفع العام كالآثار التاريخية و كتب المكتبات العامة، تعد من قبيل المال العام. حيث أكد الفقيه " هوريو" في هذا الاتجاه أن المال العام يجب أن يكون مخصصا للنفع العام بقرار صريح من الإدارة.
وكمحاولة لتفادي الانتقادات الموجهة لما ذهب إليه هوريو، أكد الأستاذ "والين" أن المال العام المخصص للنفع العام، و الذي تفرض المصلحة العامة أن تطبق في شأنه الأحكام و القواعد الاستثنائية لنظام الدومين العام، و يكون للدولة بصدده سلطة حمايته ضد أي اعتداء من طرف الخواص. و بالتالي حتى يصبح المال عاما، لزوما أن تتوفر فيه بعض الشروط:
ـ أن يكون المال خاصا بإحدى الأشخاص المعنوية العامة، و يخرج عن دائرة الأموال العامة تلك التي يتملكها الأفراد، و التي لا يمكن أن تكتسي صفة العمومية، إلا إذا انتقلت إلى شخص من أشخاص القانون العام، وفق إحدى الطرق المشروعة قانونا مثلا، نزع الملكية بالتراضي.
ـ أن يخصص المال العام لغايات المصلحة العامة، مثلا استعمال المواطنين للطرق العامة أو الاستفادة من خدمات مرفق عام، و لا فرق بين أن تكون تلك الأموال عامة بسبب طبيعتها أو وفق مجهود بشري، فالمعيار الحاسم هو تخصيص المال العام للمنفعة العامة، مما يمكن معه القول و الجزم، أن إخضاعها للمنفعة العامة، يقتضي أن تسري عليها أحكام لا نظير لها في القانون الخاص، و الأحكام المنظمة للأموال العامة أو الأملاك العمومية في تشريع المملكة المغربية منصوص عليها في الظهير الشريف الصادر في 1 يوليوز، 1914. (المعيار القانوني لتمييز الأموال العامة، مروة ابو العلا، ص ٢)، والله اعلم.