مخاصمة القرار الإداري

 

مخاصمة القرار الإداري

أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

 عند تقديم المدعي لدعوى إلغاء القرار الإداري المخالف للقانون ينبغي عليه  أن يختصم القرار الإداري الذي يطالب بإلغائه لمخالفته للقانون أو عدم مشروعيته، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة الإدارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 18-3-2017م في الطعن رقم (58057)، الذي ورد ضمن أسبابه: ((فقد تبين أن مناعي الطاعن غير واردة، إذ أنه من المعلوم أن موضوع دعوى الإلغاء هو القرار الإداري أياً كانت السلطة التي اصدرته، فدعوى الإلغاء لا تخاصم جهة الإدارة أو الشخص مصدر القرار بل توجه الدعوى ضد القرار الإداري ذاته، ولذا يقال أن الطعن بالإلغاء هو طعن موضوعي ينصب على القرار الإداري بهدف تحديد  مدى مطابقته أو مخالفته للقواعد القانونية النافذة، ومن ثم فإن المدعى عليه في هذه القضية ليس الشخص الذي اصدر القرار بل القرار ذاته))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية :

الوجه الأول:  دعوى الإلغاء وسيلة مخاصمة القرار الإداري غير المشروع:

 تتم مخاصمة القرار الإداري عن طريق دعوى إلغاء القرار الإداري، وهذا الأمر يستدعي الإشارة بإيجاز إلى تعريف دعوى إلغاء القرار الإداري وبيان طبيعتها و مميزاتها، فهناك عدة تعريفات فقهية  لدعوى الإلغاء ،  إذ يذهب جانب من الفقه إلى تعريف دعوى الالغاء بأنها دعوى قضائية تهدف الى إلغاء قرار غير مشروع صادر من سلطة إدارية بواسطة القاضي الإداري، و يذهب جانب آخر الى  تعريف دعوى الإلغاء بأنها :الدعوى التي تهدف الى إلغاء القرار الإداري الذي أصدرته الإدارة ، وتقتصر سلطة القاضي الإداري على بحث مشروعية القرار الإداري ومدى أتفاقه مع قواعد القانون وإلغاءه اذا كان مخالفاً القانون.

وهناك من يعرف دعوى الإلغاء  بأنها دعوى ترفع الى القضاء لإعدام قرار أداري صدر بخلاف ما يقضي به القانون.  

 اما من حيث طبيعة دعوى الإلغاء  فإنها دعوى موضوعية أو عينية تقوم على مخاصمة قرار أداري غير مشروع ، وهي موجهة  ضد القرار الإداري ، ويتعين لقبولها أن يكون  القرار قائماً ومنتجاً لآثاره عند أقامه الدعوى.

وعلى هذا الأساس فأن دعوى الإلغاء تعتبر بمثابة مخاصمة للقرار الإداري ذاته ولا تخاصم فيها جهة الإدارة ، بمعنى أن الطعن فيها يكون محله القرار الإداري ، وليس السلطة الإدارية التي أصدرته حسبما أشار الحكم محل تعليقنا .

ولهذا فأن المنازعة التي تنشأ عن دعوى الإلغاء منازعة موضوعية لا شخصية ، أي انه لا يشترط لقبول هذه الدعوى أن يكون الطاعن في مركز قانوني يكسبه حقاً شخصياً إزاء السلطة الإدارية كما لو كان طرفاً في عقد معها ، بل يكفي أن يكون المدعي في مركز قانوني عام يستند الى قاعدة قانونية بقدره ، كالقاعدة التي تقرر حق للأفراد في المساواة في الانتفاع بخدمات المرافق العامة .

وكذلك تتسم دعوى الإلغاء في أن الحكم بإلغاء القرار الإداري غير المشروع ينحصر في التحقق من صحة ومشروعية القرار الإداري ومدى موافقته للقانون.

وتتميز دعوى الإلغاء ببعض المميزات التي تميزها عن غيرها من الدعاوى وبيان هذه المميزات على النحو الآتي :-

 اولاً :- تتميز دعوى الإلغاء بأنها تهدف الى إلغاء القرار الإداري ، فموضوعها قرار أداري  أياً كانت السلطة التي أصدرته سواء كانت رئيس الجمهورية او الوزير والقرار المراد الغاؤه بدعوى الإلغاء قد يكون قراراً فردياً يخاطب شخصاً معيناً بذاته مثل القرارات الفردية ، أو يكون القرار الإداري تنظيمياً لائحياً يضع قاعدة عامة مجردة تنطبق على أشخاص غير معينين  مثل لوائح الضبط.

ثانياً :- يتميز الحكم الصادر بإلغاء قرار أدارى بأن له حجية مطلقة من مواجهة الكافة ، لذلك يلغى القرار الإداري محل الطعن والذي ثبت للمحكمة عدم مشروعيته ويزيل أثاره بالنسبة للجميع ليس فقط بالنسبة للخصوم في الدعوى بل غيرهم أيضا ، حيث يتمسك به كل من له مصلحة ولو لم يكن من أطراف النزاع .

ثالثاً :- دعوى الإلغاء دعوى تنتمي الى قضاء المشروعية ، فحيثما يلغي القاضي الإداري قراراً أدارياً فهذا يعني ان القرار غير مشروع  ، حيث يقوم قضاء الإلغاء أساساً على حماية مبدأ المشروعية من خلال دعوى الإلغاء التي ترفع ضد قرار أداري مخالف لهذا المبدأ ، وتستهدف استصدار حكم بإلغائه كلياً أو جزئياً.

ويكون قاضي الإلغاء هو نفسه قاضي المشروعية ، حيث يبحث في مشروعية القرار المطعون فيه ، فاذا ظهر له أن القرار المطعون به قرار سليم يتفق مع القانون قضى برفض الطعن ، وأن تبين له أن القرار الإداري غير مشروع، قضى بإلغائه .( : التظلم الإداري باعتباره شرطا من شروط قبول الدعوى امام القضاء الادارى، زينب عباس محسن الإبراهيمي، : ص30-33(

الوجه الثاني: القرار الإداري الذي يتم اختصامه في دعوى الإلغاء:

عرف الفقه الفرنسي القرار الإداري بعدة من تعريفات لعل أهمها ما ذهب إليه الفقيه Maurice Hauriou حيث عرفه بأنه " إعلان للإدارة بقصد إحداث أثر قانوني إزاء  الأفراد، يصدر عن سلطة إدارية في صورة تنفيذية أي في صورة تؤدي إلى التنفيذ المباشر". إلا أن هذا التعريف وإن أشار فيه بوضوح إلى أبرز خاصية في القرار الإداري كونه يتمتع بالطابع التنفيذي، إلا أنه جاء خاليا من الإشارة إلى الخاصية الانفرادية أي  أنه يصدر بصفة انفرادية عن الإدارة، إضافة إلى أن هذا التعريف يقصر خطاب القرار الإداري و يحصره في مواجهة الأفراد فقط دون الإدارة العمومية والمؤسسات الأخرى.

أما Léon Duguit فقد عرف القرار الإداري على أنه " التصرف الإداري الذي يصدر بقصد تعديل الاوضاع القانونية"، وهو تعريف غير دقيق كون تصرفات الإدارة متعددة فمنها  ما هو انفرادي أي تتخذه بصفة انفرادية ومنها ما تتخذه بتلاقي إرادتين كالعقود الإدارية، إضافة إلى كون أثر القرار الإداري لا يقتصر فقط على تعديل المراكز القانونية بل يتعدى  ذلك إلى إنشاء مراكز قانونية جديدة، كما قد يكون ملغي للمراكز قانونية القائمة.

أما الفقه العربي فقد عرف سليمان الطماوي القرار الإداري: " إن القرار هو أبرز مظهر يتجسد فيه سلطان الإدارة و أهم مظهر لاتصال الإدارة بالأفراد". وعرفه فؤاد مهنا أنه: "عمل قانوني من جانب واحد يصدر بإرادة أحد السلطات ا لإدارية في الدولة ويحدث أثارا قانونية بإنشاء وضع قانوني جديد أو تعديل أو إلغاء وضع قانوني قائم". ويبدوا أن هذا التعريف قد استفاد من الانتقادات الموجهة للتعريفات الفقهية السابقة للقرار الإداري ، وهو ما دفع  الفقهاء إلى الالتفاف حول هذا التعريف وتزكيته، وفي الجزائر لم يضع التشريع أي تعريف محدد للقرار الإداري، إلا أنه إكتفى بالنص عليه في بعض النصوص، لتبرز بعض الاجتهادات التي حاولت وضع تعريف محدد يبرز موقفه من الجدل الفقهي المقارن، فعرف الأستاذ عمار عوابد القرار الإداري أنه: "كل عمل قانوني انفرادي، يصدر بإرادة إحدى الجهات الإدارية المختصة، وتحدث أثار قانونية بإنشاء مركز قانوني جديد أو تعديل أ و إلغاء مركز قانوني قائم". وهو تعريف يشمل كافة عناصر القرار الإداري مما يجعله مكملا لما توصل إليه الفقه المقارن.

من خلال التعريفات السابقة نخلص إلى أن القرار الإداري ينفرد بجملة من الخصائص تميزه عن باقي الأعمال الإدارية الشبيهة به، ومن هذه الخصائص ماياتي :

1. القرار ا لإداري صادر عن سلطة إدارية:فجوهر دعوى الإلغاء أنها دعوى لمخاصمة القرار الإداري، بهدف إلغاء القرارات الإدارية المخالفة للقانون، و من ثم فإنها تدور و جودا و عدما مع القرار الإداري، فلا يمكن قبول دعوى الإلغاء إذا كان الأمر لا يتعلق بقرار إداري، و يجب أن يكون القرار الإداري موضوع أو محل دعوى الإلغاء صادرا عن سلطة إدارية مختصة، فلا تقبل الدعاوى المنصبة على القرارات الصادرة من سلطات قضائيّة أو تشريعيّة بمختلف أنواعها و صورها من قوانين، أوامر وأعمال قضائيّة، ومؤدى ذلك أن يكون القرار الإداري محل الطعن بالإلغاء صادرا عن هيئة إدارية في النظام القانوني للدولة، سواءا  كانت هذه الهيئة مركزية أو محلية أو مرفقية على أن يحدث هذا القرار أثر قانوني، وعلى هذا الأساس يخرج عن  مفهوم القرار الإداري الأعمال والتصرفات القانونية الصادرة عن  السلطات التشريعية والقضائية.

2. القرار الإداري عمل قانوني يصدر بالإرادة المنفردة للإدارة: القرار الإداري  عمل قانوني يصدر با لإرادة المنفردة للإدارة، وهذا العنصر يعتبر أساس التفرقة بين القرار الإداري والعقد الإداري، ذلك أن العمل القانوني في العقد لا يظهر أثره إلا إذا تلاقت إرادة الإدارة وإرادة الفرد أو الجهة المتعاقدة، في حين أن العمل  القانوني في القرار الإداري يظهر أثره دون تدخل من جانب الأفراد بل بالإرادة المنفردة للإدارة، وعليه فإن العقود الإدارية التي تبرمها السلطات الإدارية مع الغير ليست من قبيل القرارات الإدارية مما يجعلها غير قابلة للطعن بالإلغاء، بل تكون محلا لدعاوى إدارية أخرى كدعوى القضاء الكامل.

وإذا كان الطابع الانفراد يعني أن هذا القرار يصدر دون إرادة المخاطبين به، لكن في حالات كثيرة يكون المعنيون بالقرار موافقين مسبقا على إصداره، أو يكون تطبيقه متوقفا على إرادتهم ، أو على صدور تصرف إيجابي من طرفهم، مثل القرارات الإدارية الصادرة بناءا على طلب، و القرارات التي تتطلب واجب الإعلام  ،والقرارات الصادرة بعد سماع المعنيين بها و غيرذلك .

3. القرار الإداري يحدث أثرا قانوني:إن من موجبات دعوى الإلغاء أن يحدث القرار الإداري محل الدعوى أثر قانوني، فهذا الأثر هو الذي يتمم بنيان القرار الإداري ولولاه لما لجأ المعني للقضاء للطعن فيه، ويكون ذلك إما بإحداث أثر قانوني كقرار تعيين شخص في وظيفة، أو تعديل مركز قانوني قائم كقرار ترقية موظف إلى درجة أعلى، أو إلغاء مركز قانوني قائم كقرار فصل موظف، و قد لا يحدث القرار أي تغيير، بل يكتفي فقط بعدم المساس بها كرفض منح ترخيص معين، فهذه الأثار تتجسد إما في إحداث قاعدة ذات طابع عام أو خلق وضع قانوني، ويجدر القول أن القرار يجب أن يكون نافذاً ، ومعنى هذا أن القرار يجب أن يصدر بصفة تنفيذية نهائية فلا يجب أن يكون محلا التصديق أو التعقيب من جهة إدارية أعلى أي أنه قد استنفذ كافة مراحل التدرج لوجوده قانونا، وهذا ما يجعل باقي الأعمال الأخرى مستبعدة من الطعن بالإلغاء كالأعمال التحضيرية  للقرارات، والأعمال التمهيدية .(الوسيط في دعوى الإلغاء، سامي الوافي، ص،92-96).

الوجه الثالث:  معنى مخاصمة القرار الإداري:

تتجه دعوى إلغاء القرار الإداري غير المشروع إلى القرار المراد إلغائه، فهذه الدعوى تخاصم القرار الإداري وليست مخاصمة للسلطة الإدارية التي قامت بإصداره، ومعنى ذلك أن دعوى الإلغاء أو  الطعن بالإلغاء يوجه أصلا ضد القرار الإداري وليس ضد السلطة الإدارية التي أصدرته، فدعوى الإلغاء هي دعوى قضائية ترفع إلى القضاء لإعدام قرار إداري صدر بخلاف ما يقضي به القانون، ولذلك لاحظنا أن الحكم محل تعليقنا قد قضى بأن دعوى الإلغاء تخاصم القرار المعيب وان نعي الطاعن على المسئول الذي أصدر القرار واتهامه بالفساد غير مقبول، لان دعوى الإلغاء تخاصم القرار وليس الشخص أو السلطة التي اصدرت القرار،والله اعلم.

مخاصمة القرار الإداري
مخاصمة القرار الإداري


تعليقات