إمتناع القاضي إذا سبق له نظر المنازعة التنفيذية
أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء.
المنازعات التنفيذية لا تتعرض ولاتمس اصل الحق الذي سبق ان حسمه الحكم سند التنفيذ ، فهي منازعات تتعلق بإجراءات تنفيذ الحكم (السند التنفيذي) عدا دعاوى الإستحقاق الموضوعية.
وعلى هذا الأساس فإن منازعات التنفيذ لا يتم فيها عقد جلسات أو تقديم أدلة بشأن الحق الذي سبق ان حسم امره الحكم سند التنفيذ، فإجراءات التنفيذ لا تتم إلا بموجب سند تنفيذي من السندات التنفيذية المحددة في المادة (328) من قانون المرافعات اليمني ، ومن هذه السندات التنفيذية الحكم الهائي أو البات الذي سبق أن فصل في النزاع الموضوعي بعد ان تمكن الخصوم خلال نظر الدعوى الموضوعية وقبل الحكم من تقديم كافة أدلتهم ودفوعهم وأوجه دفاعهم.
ولذلك فإن قاضي التنفيذ عندما يصدر قرار أمراً في المنازعة التنفيذية حينما يكون رئيسا للمحكمة الابتدائية ثم بعد ذلك قد يقوم القاضي نفسه بنظر الطعن في القرار أو الأمر الذي سبق له ان اصدره في المنازعة التنفيذية حينما كان رئيسا للمحكمة الادنى، ، ففي هذه الحالة لا يسري بشأنه الإمتناع الوجوبي عن نظر القضية المقرر بمقتضى الفقرة (7) من المادة (128) مرافعات حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة الشخصية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 22-1-2012م في الطعن رقم (43837)، وقد ورد ضمن أسباب الحكم المشار إليه: (فقد وجدت الدائرة: أن ما اثاره الطاعن في عريضة طعنه بشأن رئيس الشعبة وإنه سبق أن صدر منه القرار في المنازعة التنفيذية عندما كان قاضيا بالمحكمة الابتدائية، فذلك الحكم ليس في الخصومة وإنما هو في إجراءات التنفيذ، وهذا لا يتفق مع نص المادة (128) مرافعات فقرة (7) )، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:
الوجه الأول: الإمتناع الوجوبي للقاضي عن نظر النزاع في ضوء الفقرة (7) من المادة (128) من قانون المرافعات اليمني:
نصت الفقرة (7 ) من المادة (128) مرافعات على إنه (يكون القاضي أو عضو النيابة ممنوعاً من نظر الدعوى (الخصومة)، ويجب عليه التنحي عن نظرها من تلقاء نفسه ولو لم يطلب الخصوم ذلك في الأحوال الآتية: -7- إذا كان قد افتى في الدعوى أو ترافع فيها عن أحد الخصوم أو كتب فيها ولو كان قبل إشتغاله بالقضاء أو كان قد سبق له نظرها قاضياً وحكم فيها في درجة أدنى أو نظرها خبيراً أو محكماً وابدى رأيه فيها أو أدى شهادة فيها قبل عمله بالقضاء أو كان لديه علم خاص بها)، ومن خلال إستقراء هذا النص يظهر أن المنع يتناول سبق قيام القاضي بالنظر في الدعوى وقيامه بالحكم فيها ، فإذا قام القاضي بذلك امتنع عليه نظر الدعوى بعد ذلك امام الدرجة الاعلى.
الوجه الثاني: هل وصف الدعوى ينطبق على المنازعة التنفيذية؟، وهل القرار الصادر فيها بمثابة حكم في دعوى؟:
سبق ان عرضنا في الوجه الأول الفقرة (7) من المادة (128) مرافعات التي نصت بأن القاضي يمتنع عليه النظر في القضية إذا كان قد سبق له أن نظر الدعوى المرفوعة فيها واصدر حكمه فيها وذلك في درجة أدنى، وهذا يقتضي الإشارة بإيجاز عما إذا كان هذا المفهوم ينطبق على نظر قاضي التنفيذ في المنازعة التنفيذية وإصداره للقرار فيها ثم قيامه بعد ذلك بنظر الطعن في قراره اوحكمه عند الطعن فيه امام الدرجة الاعلى، حتى يمكن القول بأن سبق النظر والحكم في المنازعة التنفيذية في المحكمة الابتدائية مانع وجوبي للقاضي من نظرها بعد ذلك في الشعبة الاستئنافية إذ تم بعد ذلك تعيينه رئيساً أو عضواً في الشعبة الاستئنافية.
فالمنازعة التنفيذية وان لم تكن دعوى موضوعية إلا أنه يطلق عليها أيضاً الخصومة التنفيذية ، لأنها تنعقد بين طالب التنفيذ والمطلوب التنفيذ ضده، ويتم خلال نظرها تقديم الخصوم مذكرات وادلة واوجه دفاع بشانها والرد عليها وفي ضوء ذلك يصدر قاضي التنفيذ قراره في المنازعة التنفيذية (الاستشكال)، وبحسب هذه المفهوم فأن المنازعة التنفيذية عبارة عن: دعوى يرفعها المنفذه ضده المستشكل تتضمن وقائع معينة من شأنها تعطيل إجراءات التنفيذ ، ولا تكون هذه المنازعات مقبولة إلا إذا توفرت فيها شروط الدعوى كالصفة والمصلحة ، وافلح المطلوب التنفيذ ضده المدعي أو المستشكل من إثبات صحة الوقائع أو الإدعاءات التي ساقها في الإستشكال الذي يكون بمثابة دعوى يتم رفعها في مواجهة طالب التنفيذ الذي يقوم بالرد عليها ، ويقوم أطراف الخصومة التنفيذية بتقديم أدلتهم ودفوعهم وأوجه دفاعهم ، وفي ضوء ذلك يقوم رئيس المحكمة قاضي التنفيذ بإصدار قراره المتضمن فصله في المنازعة التنفيذية، وبعد صدور القرار الفاصل في المنازعة التنفيذية ، فإن هذا القرار يكون قابلاً للطعن فيه أمام شعبة الاستئناف وفقاً للمادة (501) مرافعات، وبناءً على ذلك فإن المنازعة التنفيذية تكون بمثابة دعوى ،كما أن القرار الصادر فيها يكون بمثابة حكم وفقا لماورد في الفقرة (7) من المادة (128) مرافعات السابق ذكرها.
الوجه الثالث: العلة من الإمتناع الوجوبي للقاضي من نظر القضية إذا كان قد سبق له أن نظرها وحكم فيها في درجة أدنى:
من المعروف أن العلة من ذلك هي انه يتولد لدى القاضي حينما ينظر في الدعوى ويفصل فيها في درجة ادنى تتولد لديه قناعات مسبقة من خلال تداعي الخصوم امامه عند نظره للدعوى وحكمه فيها، اذ يصدر القاضي حكمه لصالح من يرى انه المحق وفقا لاوراق الدعوى التي نظرها، كما يتولد لدى القاضي علم مسبق بتفاصيلها وأدلة الخصوم ومواقفهم من حيث القوة والضعف والمحق والمبطل منهما، وكل ذلك يؤدي إلى وجود العلم الشخصي لدى القاضي بالمحق والمبطل في الدعوى ، علاوة على أن القاضي عندما يسبق له نظر القضية والفصل فيها في درجة ادنى تترسخ لديه مواقف معينة إزاء أدلة الخصوم وطلباتهم والمحق والمبطل منهم، وبسبب ذلك يكون القاضي في محكمة الطعن في موقف المدافع عن حكمه السابق الذي اصدره في الدرجة الادنى ، فيعمد القاضي من حيث يدري أو من حيث لا يدري يعمد إلى الدفاع المستميت عن حكمه الذي سبق له أن اصدره حينما كان قاضياً في درجة أدنى، فعندئذ تتعطل الحكمة والغاية المبتغاة من الطعن في الاحكام ، وتتحصن الاحكام الظالمة. (الطعن بالاستئناف، د. نبيل اسماعيل عمر، ص71).
وعلى أساس ما تقدم في هذا الوجه فإن علة الإمتناع الوجوبي متحققة في المنازعة التنفيذية والحكم فيها مثل تحققها في الدعوى الموضوعية، والله اعلم.
![]() |
إمتناع القاضي إذا سبق له نظر المنازعة التنفيذية |