إمتناع الخصم عن دفع إجرة الخبير في القانون والقضاء اليمني

إمتناع الخصم عن دفع إجرة الخبير في القانون والقضاء اليمني

أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

إمتناع الخصم عن دفع إجرة الخبير لا يجيز لمحكمة الموضوع العدول عن قرارها بتعيين الخبير، فسقوط حق الخصم في الاستشهاد بخبير بسبب إمتناع الخصم عن دفع إجرة الخبير لايعني مصادرة حق المحكمة في تعيين خبير سيما إذا كانت المسألة المنظورة امام فنية دقيقة يتعذر الاحاطة بها ، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 26-2-2015م في الطعن رقم (55136)، الذي ورد ضمن أسبابه: ((أن البين من الأوراق: أن محكمة أول درجة سبق لها أن قررت تكليف محاسب قانوني، وأن هذا المحاسب قد قدم تقريراً أولياً إلا أن المحكمة ذاتها الغت قرارها بحجة عجز الطاعن عن تسديد أتعاب المحاسب، وقد كان الأولى بالمحكمة أن تكلف البنك المطعون ضده بدفع كافة أتعاب المحاسب، وعندما تصدر حكمها تحتسب الأتعاب على الملزم بها وفقاً للقانون، الأمر الذي يتعين معه قبول الطعن موضوعاً ونقض الحكم المطعون فيه جزئياً لما عللناه وإعادة الأوراق إلى محكمة الاستئناف لمعاودة النظر في القضية بجلسات متتالية في ضوء الملاحظات السابقة))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:

الوجه الأول: تعيين الخبير في المسائل الفنية الدقيقة وتوصيتنا للمقنن اليمني بسرعة إصدار القانون الخاص بتنظيم أعمال الخبرة:

مع تزايد أهمية الخبرة الفنية في العصر الحاضر نتيجة  الاكتشافات والاختراعات والتطور التقني الهائل الذي ارتاد كافة مجالات الحياة المعاصرة، لذلك  قامت غالبية الدول بإصدار قانون مستقل خاص لتنظيم مسائل الخبرة الا اليمن التي لم تصدر قانون الخبرة حتى الآن، فمازال مشروع قانون تنظيم الخبرة  حبيس الادراج يراوح مكانه منذ 2009م، وبدلا  من إصدار قانون مستقل وخاص ينظم مسائل الخبرة ، فقد تضمن  قانون الإثبات اليمني  تنظيم بعض مسائل الخبرة  تنظيما قاصرا  لا يشمل غالبية مسائل الخبرة، فقد اكتفى قانون الإثبات اليمني بتنظيم بعض مسائل الخبرة، وذلك في (11) مادة من مواد القانون، وفي هذا الشأن فنحن نوصي المقنن اليمني بسرعة إصدار قانون خاص ينظم أعمال الخبرة .

و القاضي هو خبير الخبراء وعلى هذا الأساس فإن تعيين الخبير يخضع للسلطة التقديرية لقاضي الموضوع، وكذلك الحال بالنسبة لتقرير الخبير الذي يخضع أيضا  للسلطة التقديرية لمحكمة الموضوع، فلها ان تأخذ  بكل ماورد في تقرير الخبير أو بعضه او تطرح كل ماورد في التقرير وفقا لضوابط السلطة التقديرية في هذا الشأن، فهذا الأمر كله تطبيق  لقاعدة القاضي خبير الخبراء ، بيد أنه بالنسبة للمسائل الفنية المحضة الدقيقة التي لا يحيط بها ولا يعرف دقائقها وتفاصيلها الا أصحاب الخبرة والاختصاص الفني، فهذه المسائل تحكمها قاعدة :لايجوز للقاضي ان يحل نفسه محل الخبير، لأن الوقوف على الحقيقة في المسائل الفنية الدقيقة يحتاج إلى فحص وتدقيق من خبير فني مختص بحسب أصول وقواعد المهنة التي يقدم الخبير رأيه فيها،لذلك فلا يجوز للقاضي نفسه أن يحل نفسه محل الخبير في المسائل الفنية الدقيقة حتى لو كان القاضي لديه الخبرة الكافية في هذه المسائل، لأن ذلك سوف يولد لدى القاضي العلم السابق على الحكم، وهذا يتعارض مع مبدأ من اهم المبادئ الحاكمة لإجراءات التقاضي وهو مبدأ :أنه لايجوز للقاضي ان يحكم بعلمه الشخصي.(الوجيز في شرح قانون تنظيم أعمال الخبرة، د. وائل صفي الدين شعلان، ص68).

ولاعمال الخبرة في المسائل الفنية الدقيقة أهمية بالغة في وقوف القاضي على حقيقة النزاع، فيتعذر على القاضي الوقوف على الحقيقة بنفسه من غير تعيين خبير مختص يقوم بدراسة وفحص المسائل وتقديم خبرته للقاضي، ولذلك ينبغي على القاضي عندما تكون المسائل الفنية محل الخلاف دقيقة ان  يقوم بتعيين خبير عدل حسبما ألمح الحكم محل تعليقنا.

الوجه الثاني: محكمة الموضوع هي المختصة بتقدير أجرة الخبير:

اطلق قانون الإثبات اليمني على اجور الخبراء مسمى الأمانة أو العدال للتأكيد على أنه يجب تقديرها والزام الخصم بدفعها مقدما كأمانة أو عدال بحسب تعبير القانون اليمني، كما صرح قانون الإثبات  بأن محكمة الموضوع هي المختصة  بتقدير أجور الخبراء العدول،  وفي هذا المعنى نصت المادة (167) من قانون الإثبات اليمني على أن (يكون تعيين الخبراء (العدول) من تلقاء نفس المحكمة أو بناء على طلب الخصوم، وتعين المحكمة الخصم الذي يلزم بأداء الامانة (العدال) التي تقدرها لصرف أتعاب الخبراء منها ويجب على الخصم الذي عينته المحكمة أن يدفع الامانة في الميعاد الذي تحدده المحكمة فان لم يفعل سقط حقه في الاستشهاد بالخبراء (عدول) مالم يقم خصمه بدفعها، ويجوز للمحكمة أن تقسم الامانة بين الخصوم).

وفيما يتعلق بإجرة الخبير فقد صرح النص القانوني السابق أن تقدير إجرة الخبير من إختصاص المحكمة، وذلك ظاهر في النص القانوني السابق سيما من كلمة (التي تقدرها) الواردة في النص المشار إليه، فالضمير في هذه الكلمة عائد إلى المحكمة، ونظرا لعدم وجود معيار في قانون الإثبات لتقدير إجرة الخبير فإن القضاء في اليمن يجتهد لتقدير إجرة الخبير، وتختلف الاجتهادات، فهناك من يقوم بتقديرها من خلال الرجوع إلى القضايا المنظورة امام المحكمة أو التي كانت  منظورة في المحكمة في فترة سابقة، وهناك من يقوم بتقديرها بناء على طلب الخبير مسترشدا بالمادة (163) إثبات التي تناولت تقدير إجرة الخبير في المعاينة ومسترشدا بالقانون المصري، وهناك من يتثبت في هذه المسألة فلا يقوم بتقدير اجور الخبير إلا بعد أن يتم تكليف المحكمة للخبير بان يعد ويقدم إليها تقرير اولي عن المهمة التي سيقوم فيها من حيث مدتها والخطوات والإجراءات التي سيقوم بها الخبير  ومتطلبات المهمة ومن ضمن ذلك بيان الأجور التي يرى الخبير انها المناسبة مع طبيعة المهمة ومدتها وخطواتها وإجراءاتها، وفي ضوء ذلك يستطيع القاضي الوقوف على مدى سلامة تقدير الخبير لأجره.

وفي كل الأحوال فإن القاضي يملك ان ينقص إجرة  الخبير إلى مبلغ أقل من المبلغ الذي قدره الخبير، اما الزيادة عما قدره الخبير فلايحق للقاضي ذلك، لأن الخبير قد ارتضى بالاجر الذي حدده بنفسه، إضافة إلى ماسبق فإن القاضي يسترشد في تقديره لإجرة الخبير بأجر مثله من الخبراء  سيما ان المحكمة وفقا لما متبع تحتفظ بسجل الخبراء العدول الذي يفترض ان يتضمن القضايا التي  قدم فيها  الخبير خبرته والأجر الذي يتقاضاه نظير تقديم خبرته مع مراعاة إختلاف طبيعة المهام وزمانها ونوعية الخبرة ومكانة الخبير، وقد أسند النص القانوني إلى القاضي تقدير إجرة الخبير حتى يكون تقدير القاضي للإجرة عادلاً  ومناسبا للمهمة المناطة بالخبير سيما ان  المبالغة في تقدير اجور الخبراء محل للنقد والشك في كثير من الدول.

الوجه الثالث: تحديد الخصم الذي يدفع إجرة الخبير:

  صرحت المادة (167) إثبات السابق ذكرها في الوجه السابق بأن المحكمة هى التي تتولى تحديد الخصم الذي يجب عليه دفع إجرة الخبير، فقد نصت المادة المشار إليها على أنه (وتعين المحكمة الخصم الذي يلزم بأداء الامانة (العدال) التي تقدرها لصرف أتعاب الخبراء منها، دويجب على الخصم الذي عينته المحكمة أن يدفع الامانة في الميعاد الذي تحدده المحكمة فان لم يفعل سقط حقه في الاستشهاد بالخبراء (عدول) مالم يقم خصمه بدفعها ويجوز للمحكمة أن تقسم الامانة بين الخصوم).

وغالبا مايكون الخصم الذي يطلب من المحكمة تعيين خبير هو الذي تلزمه المحكمة بدفع أجر الخبير، مع ان القانون لم ينص على ذلك في باب الخبرة بالنسبة لأعمال الخبرة، الا انه نص على ذلك في باب المعاينة في المادة (163) إثبات التي نصت على أنه (يقدر أجر الخبير بناء على طلبه بأمر يصدر من المحكمة يكون نافذا على الخصم  طالب  الإثبات وينفذ فورا مما دفعه الخصم طبقا للمادة السابقة فإن بقى له شئ رجع به على الخصم)،  وكانت المادة  السابقة لهذه المادة قد نصت على تقدير اجور الخبراء في المعاينة ووضع مبلغ أمانة في صندوق المحكمة، وبناءً على ماورد في باب المعاينة يتم تحميل الخصم الذي طلب الاستشهاد بأعمال الخبرة يتم تحميله إجرة الخبير الذي طلب الإستدلال بخبرته ، فالخصم  الذي يطلب الأستدلال بأعمال الخبرة يقدر أن نتيجة أعمال  الخبرة  ستكون دليلا له في مواجهة خصمه،بيد أن القاضي غير متقيد بهذا الأمر، لأن الخبير محايد يقدم نتيجة خبرته إلى القاضي الذي كلفه، فالخبير لا يقدم خبرته لصالح الخصم الذي طلب من المحكمة الإستعانة بالخبير، وإنما يقدم نتيجة خبرته للقاضي لمصلحة العدالة حتى يكون القاضي على بينة من أمره بالنسبة للمسائل الفنية التي يدق على القاضي الوقوف على حقيقتها،اما إذا كانت المحكمة هي التي قامت بتعيين الخبير من تلقاء ذاتها من غير طلب الخصم فإن المحكمة تكون طليقة في تحديد الطرف الذي ينبغي عليه دفع إجرة الخبير، وفي كل الأحوال فإن المحكمة تكون طليقة في  توزيع  أجر الخبير على الخصوم بالتساوي أو بالتفاوت بموجب ما ورد في المادة (167) إثبات السابق ذكرها.

ومن خلال إطلاعناعلى مجموعة كبيرة من الأحكام في اليمن ، نلاحظ  أن من أهم المعايير المعتمدة في تحديد الخصم الذي يدفع إجرة الخبير هو أن المدعي الذي يطلب تعيين الخبير هو الملزم  بدفعها إذا كانت نتيجة تقرير الخبير هي الدليل الرئيس لدعواه، وفي غير ذلك يذهب القضاء إلى توزيع إجرة الخبير على الخصوم حسبما سبق بيانه.

وتندرج إجرة الخبير ضمن المصروفات القضائية مثلها في ذلك مثل أتعاب المحاماة, والرسوم، فيتحملها الخصم الذي يحكم عليه بالمصروفات, باستثناء النيابة العامة إذا كانت خصماً في الدعوى, فلا تلزم بدفع أجرة الخبير. (قوانين الرسوم القضائية، د. معوض عبده التواب، صـ130).

الوجه الرابع: سقوط الحق في الاستشهاد بالخبير بالنسبة للخصم الممتنع عن دفع اجرة الخبير:

 نصت المادة (167) إثبات  في نهايتها على أنه (ويجب على الخصم الذي عينته المحكمة أن يدفع الامانة في الميعاد الذي تحدده المحكمة فان لم يفعل سقط حقه في الاستشهاد بالخبراء (عدول) مالم يقم خصمه بدفعها، ويجوز للمحكمة أن تقسم الامانة بين الخصوم)، وقد كان هذا السقوط  محل النقاش في الحكم محل تعليقنا، فقد فسر الحكم الاستئنافي هذا السقوط بأنه سقوط الحق في الإستعانة بالخبير مطلقا حتى بالنسبة للمحكمة التي تنظر النزاع، ومؤدى ذلك  سقوط حق المحكمة في الإستعانة بالخبير إذا امتنع الخصم عن دفع اجرة الخبير ، في قضى الحكم محل تعليقنا  بأن المقصود بالسقوط  المذكور في النص السابق هو سقوط حق الخصم فقط في المطالبة بتعيين خبير، اما حق المحكمة في الإستعانة بالخبير فلايسقط، فيحق للمحكمة الإستعانة بالخبير في كل الأحوال، ولكن عندما تكون المسألة الفنية دقيقة فيتعين على المحكمة أن تندب خبيرا لدارستها وتقديم الرأى بشانها حتى لو سقط حق الخصم في الاستشهاد بخبير .

 الوجه الخامس: طريقة دفع إجرة الخبير:

 الظاهر من نصوص قانون الإثبات اليمني ان الأصل أن يقوم الخصم أو الخصوم بإيداع إجرة الخبير مقدما، ولذلك أطلق عليها القانون (العدال أو الأمانة)، والأمانة التي وردت في النص القانوني هي عبارة عن مبلغ من المال, تقدره المحكمة لحساب مصروفات الخبير أو الخبراء, وتلزم أحد الخصمين أو كليهما بإيداعه مقدماً خزانة المحكمة، فقد نصت المادة (167) إثبات على أنه (وتعين المحكمة الخصم الذي يلزم بأداء الامانة (العدال) التي تقدرها لصرف أتعاب الخبراء منها)، وبعد إيداع إجرة الخبير تستدعي المحكمة الخبير المعين لأداء اليمين قبل قيامه بالمهمة، وعندئذٍ يجوز للمحكمة أن تدفع  للخبير جزءا من أجره مقدما كما يجوز للمحكمة أيضا أن تدفع للخبير اتعابه كاملة إذا كان في ذلك مصلحة في القضية كسرعة القيام بالمهمة اوقصر الفترة المحددة لانجاز المهمة وكذا أمانة الخبير وسمعته وقدرته على إنجاز المهمة والوفاء بالتزاماته في الوقت المحدد ، حسبما ورد في المادة (168) التي نصت على أنه (يجوز للمحكمة أن تقدر جزء من الأمانة يصرف للخبير مقدماً للإستعانة به في أداء المهمة التي كلف به كما يجوز أن تصرفها له كلها مقدما مع تحقق المصلحة)، وكذا نصت المادة (169) على أنه (بمجرد دفع الأمانة تستدعي المحكمة الخبير وتعرض عليه المهمة فإن قبلها تحلفه اليمين إن رأت ذلك بأن يؤديها بالذمة والأمانة والصدق، وتقدر المبلغ الذي يصرف له مقدماً إن لم تكن قدرته من قبل ويكون صرفه له في الحال وتصرح له بكل ما يلزم من إنتقال وإطلاع وغيره لأداء المهمة المكلف بها).

الوجه السادس: إجرة الخبير في القانون المصري: 

 نصت المادة(12) من قانون الخبراء  المصري على أن (تقدر المحكمة أجور الخبراء باعتبار الوقت الذي يقضونه في أداء مهمتهم, ويجوز للمحكمة أن تنقص عدد الأيام والساعات المبينة بالكشف المقدم من الخبراء, إذا كانت غير متناسبة مع العمل الذي قام به, كما يجوز أن تقدر للخبراء أتعابا إضافية بسبب أهمية النزاع طبيعته), ومؤدي ذلك إن واجب القاضي عند التقدير أن يراجع مدة العمل الذي قام به الخبير كما بينها في تقريره, فإذا وجد القاضي فيها مبالغة خفضها إلى القدر الذي يرى فيه الكفاية لأداء العمل, واتخاذ ذلك أساسا لتقدير الأجر، فمعيار تقدير اتعاب الخبير في القانون المصري واضح منضبط، اما القانون اليمني فقد سبق أن ذكرنا أنه لم يضع اي معيار لتقدير اجرة الخبير وترك ذلك لاجتهاد القاضي . 

ففي مصر تقوم المحكمة التي ندبت الخبير بتقدير أتعابه ومصروفاته بمجرد صدور الحكم في موضوع القضية المنتدب فيها, كما يجوز ذلك قبل صدور الحكم إذا لم يصدر خلال الثلاثة الأشهر التالية لإيداع التقرير لسبب لا دخل للخبير فيه, ويتم تقرير اجرة الخبير والمصروفات بأمر يصدر على عريضة مقدمة من الخبير إلى رئيس الدائرة التي عينته, أو القاضي الجزائي الذي عينه, ويستوفي الخبير مستحقاته من الأمانة المودعة لحسابه, ويكون أمر التقدير فيما زاد عليها واجب التنفيذ على من طلب تعيينه من الخصوم, وعلى الخصم الذي طلب قضى بإلزامه بالمصروفات. (أصول المرافعات المدنية والتجارية، د. نبيل إسماعيل عمر,صـ865).

  وفي هذا السياق نصت المادة(233) من قانون المرافعات المصري على أن (تقرير أجرة الخبير يكون نافذا على الخصم الذي طلب تعين أهل الخبرة, ومن بعد صدور الحكم في الدعوى يكون نافذا أيضاً على من حكم عليه بالمصروفات).

الوجه السابع: إجرة الخبير في القانون العماني: 

نظم المقنن العماني أعمال الخبرة ومسائلها في مدونة الخبراء لائحة الخبراء وكذا في قانون الإثبات في المعاملات المدنية والتجارية وكذا لائحة الخبراء ، فقد تضمّن الباب الثامن من قانون الإثبات في المعاملات المدنية والتجارية العماني الصادر بالمرسوم السلطاني رقم (68/2008) على أربعة وعشرين مادة خاصة بأحكام الخبير والخبرة الفنية أمام المحاكم مما يدل على أهمية الخبرة الفنية  لتحقيق العدالة القضائية في السلطنة، حتى أصبح يقال إنه "لا توجد دعوى دون خبرة"، لأن الخبرة الفنية  بمثابة إجراء من الإجراءات التحقيقية التي تتمتع بالطبيعة الفنية المتخصصة، والتي تأمر المحكمة بها بغرض الوصول إلى معلومات مهمة للفصل في مسألة فنية لا تلم بها المحكمة، ويكون ذلك عن طريق ذوي الخبرة والاختصاص. (مبادئ الإثبات في المواد المدنية والتجارية، رمضان أبو السعود- دار الجامعة الجديدة، بيروت 2007، ص 159).

 وعرّفت المادة رقم (1) من لائحة تنظيم أعمال الخبرة العمانية الصادرة بالقرار الوزاري رقم (52/2022) الخبير بأنه "كل شخص طبيعي أو اعتباري من ذوي الاختصاص أو الخبرة في مجال معين أو أكثر يعهد إليه بعمل من أعمال الخبرة، ويكون مقيدًا في السجل".

ويذهب بعض الباحثين في عمان إلى أن الخبراء سيما خبراء جدول وزارة العدل والشؤون القانونية العمانية يواجهوا تحديات عدة من أهمها عدم تقدير أتعابهم تقديرًا جيدًا مناسبًا لجهودهم ولأوقاتهم القيّمة وأيضًا التأخير في صرفها من قبل المحاكم التي تندبهم لبيان آراءهم الفنية حسب التكليف المطلوب منهم بإعتبار ذلك الهم الأكبر الذي يؤرق مضاجعهم وتكثر حوله الشكاوى والتذمر، وبالتالي يتسبب ذلك في عزوف الكثير منهم عن هذا المجال الذي لا يحبذه الكثير منهم ، الأمر الذي بالتأكيد سينعكس سلبًا على العدالة وحقوق الناس .

وبهدف تنظيم إجراءات الخبرة الفنية أمام المحاكم، فقد نصت المادة (83) من قانون الإثبات في المعاملات المدنية والتجارية العماني على أن يتضمن الحكم الصادر بالاستعانة بخبير إيداع مبلغ الأمانة لحساب مصروفاته، وكذلك جاءت المادة (105) بأن يكون تقدير أتعاب الخبراء ومصروفاتهم من قبل المحكمة، ونصت على أن "تقدر أتعاب الخبير ومصروفاته بأمر يصدر على عريضة من رئيس الدائرة التي كلفته بمجرد صدور الحكم في الدعوى أو بعد انقضاء ثلاثة أشهر من إيداع التقرير إذا لم يصدر الحكم في هذه المدة لأسباب لا دخل للخبير فيها. ويستوفي الخبير ما قدر له من الأمانة، ويكون أمر التقدير فيما زاد عليها واجب التنفيذ على من طلب تعيينه من الخصوم، وكذلك على الخصم الذي قضي بإلزامه المصروفات".

ومما لا شك فيه أن منح القانون العماني المحكمة الصلاحية الكاملة في تحديد مبلغ الأمانة هو تحقيق العدالة والإنصاف في التقدير لثقة القانون في تولي القضاة لهذه المسؤولية، والقيام بتقدير عادل ومنصف لأجرة الخبير بحسب نوعية تخصص الخبير ودرجته وطبيعة الخبرة وسنواتها وأيضًا مراعاة حجم المأمورية وطبيعة المنازعات ومطالبات طرفي النزاع ونوعية الدعوى حتى لو كان الحكم بتحديد مبلغ الأمانة مبدئيا وليس نهائيا، و يقرر الباحثون في عمان بأنه من الملاحظ في الواقع العملي هو أن التقدير غير منصف لمبلغ الأمانة حسبما يذكر بعض الباحثين العمانيين .

ويتعين على المحكمة أن تحكم بزيادة مبلغ الأمانة بناء على طلب الخبير قبل البدء في إجراءات الخبرة  أو عند الانتهاء من تقديم التقرير بعد النظر في الجهد الاضافي والوقت الذي استغرقه الخبير في إعداده وبإلتزام التقرير الفني بما نصت عليه المادة (30) من مدونة قواعد سلوك الخبراء وخبراء الإفلاس الصادرة بالقرار الوزاري رقم (113/ 2022) لوزارة العدل والشؤون القانونية بالسلطنة، وعلى ضوء ذلك فلا يجدر بالقاضي أن يرفض الطلب ولا أن يخفّض من مبلغ الأمانة المقدرة من باب أولى إذا جاء التقرير متكاملًا من كل النواحي ومشتملًا على ما ذكرته المادة من التزامات واضحة في تقارير الخبرة .

بيد أن أعمال الخبرة ينبغي أن ولا يكون الهدف منها هو الربح البحت، بحيث تكون طلبات زيادة الأتعاب بصورة مبالغ فيها يحسب فيها الخبير كل شاردة واردة، وبالمقابل  لاينبغي ان يكون الهدف منها هو العمل الإنساني دون مقابل؛ بل المطلوب هو الاعتدال بين هذا وذاك.

ويتبين من نص المادة (105) من مدونة الخبراء  أنه لا يمكن بحال من الأحوال التأخير في صرف أجر الخبير أكثر من 3 أشهر من إيداع تقريره في المحكمة أو أن يتم الصرف بمجرد صدور الحكم النهائي في الدعوى أيهما أسبق، باعتبارها مددا محددة قانونًا لا يجوز مجاوزتها بدون أي مبررات قوية تستحق التأخير .

 ويذهب بعض الباحثين في عمان إلى القول: بأنه تمر السنة والسنتان؛ بل أحيانًا أكثر من ذلك، ولا يتم صرف أتعاب الخبير بالرغم من إيداعه لتقريره بحجة أن المحكمة لم تفصل في الخصومة بحكم نهائي،  وذلك لا يستقيم  مع ما حث عليه نبينا الكريم صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث الصحيح "أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه" (صحيح ابن ماجه 1995)؛ أي بمعنى المسارعة بتأدية أجر الأجير بعد فراغه من عمله جزاءَ عناءه وكدّه وتعبه جزاءً مستحَقًا دون مماطلة أو تأخير.

ويذهب هولاء الباحثون إلى أن الصرف بعد انقضاء مدة 3 أشهر من إيداع التقرير في المحكمة تعد مُدة طويلة يترتب عليه ضرر وخسائر يتكبدها الخبير للنفقات والمصروفات وإلتزامات أخرى لإدارة إجراءات الخبرة الفنية .

ولتفادي مشكلات التأخير في صرف اجور الخبراء ، فيرى هولاء الباحثون أنه من الافضل تطبيق إحدى هذه الطرق وهي؛ أن يتم صرف الأتعاب كاملةً عند إيداع التقرير أو أن يتم صرف نصف الأتعاب مقدمًا قبل البدء في إجراءات الخبرة والنصف الآخر عند إيداع التقرير أو أن يتم صرف نصف مبلغ الأتعاب عند إيداع التقرير والنصف الآخر بمجرد صدور الحكم النهائي أو بعد انقضاء مدة 3 أشهر من إيداع التقرير.

وقد طلب بعض الباحثين في عمان من المجلس الأعلى للقضاء العماني ، دراسة هذا الموضوع  من جميع الجوانب، ومراجعته لاتخاذ صيغة تقديرية مرضية من خلال آلية مناسبة لتحديد أتعاب الخبراء مقابل تعبهم وحل معضلة التأخير في صرفها، (اتعاب الخبير الفني، أنور بن خميس العريمي، مجلة الرؤية العمانية ، ص3)، والله اعلم.

إمتناع الخصم عن دفع إجرة الخبير في القانون والقضاء اليمني
إمتناع الخصم عن دفع إجرة الخبير في القانون والقضاء اليمني