دعوى صحة عقد الصلح ولزومه
أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء
حدد القانون الحالة
التي يكون فيها عقد أو اتفاقية الصلح سنداً تنفيذياً وبين شروط ذلك واجراءاته إلا
أنه في كثير من الأحيان يتم التعامل مع اتفاقية الصلح على انها سنداً تنفيذيا حتى
ولو لم تتم المصادقة عليها امام المحكمةً حيث تشرع المحكمة بإجراءات تنفيذ اتفاقية
صلح دون تحقيق او تمحيص في طبيعة اتفاقية الصلح مثلما حصل في الحكم محل تعليقنا،
ولذلك اقتضى الأمر التوعية بكيفية تعامل المحكمة مع اتفاقية الصلح العادية التي لم
تتم المصادقة عليها أمام المحكمة خاصة وان عقد الصلح وان كان من جملة العقود الا
انه عقد له وضعيته ااشرعية والقانونية التي تميزه عن غيره من العقود باعتباره عقدا
يرفع النزاع ويحسمه في حين ان العقود
الاخرى قد تكون سببا في حدوث النزاع ،
ولذلك فقد اخترنا التعليق على الحكم الصادر من الدائرة الشخصية بالمحكمة العليا في
جلستها المنعقدة بتاريخ 6/1/2010م في الطعن الشخصي رقم (37916) لسنة 1430هـ وتتلخص
وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم ان اخوين اختلفا مع عمهما بشأن قسمة تركة
الجد ثم تدخل بين الطرفين المختلفين بعض
المصلحين فأثمرت مساعيهم إلى الاصلاح بين الطرفين حيث تم تحرير عقد صلح بينهما تم
بموجبه حسم النزاع وبعد حين تجدد الخلاف بين الطرفين بشأن الموضوع ذاته حيث
قام الاخوان باللجوء الى المحكمة
الابتدائية المختصة مطالبينً تنفيذ عقد
الصلح باعتبار ان النزاع قد تم حسمه بموجب ذلك الصلح حيث أصدرت المحكمة الابتدائية
(قراراً تنفيذياً بالزام العم المدعى عليه بتسليم المواضع التي تحت يده بموجب عقد
الصلح وتعيين خبيرين لتقدير العناء المستحق للعم مقابل الغرس في المواضع المطلوب
التنفيذ عليها بحسب ماورد في عقد الصلح) فقام العم المدعى عليه باستئناف القرار
التنفيذي وذكر في استئنافه ان عقد الصلح الجاري تنفيذه قد تم الغاؤه، إلا أن
الشعبة الاستئنافية رفضت الاستئناف وقضت بتأييد القرار الصادر عن المحكمة
الابتدائية، فلم يقنع المدعى عليه بالحكم الاستئنافي فقام بالطعن فيه بالنقض فقبلت
الدائرة الشخصية الطعن وحكمت بنقض الحكم الاستئنافي، وقد ورد ضمن اسباب حكم
المحكمة العليا (وبعد اطلاع الدائرة على الأوراق مشتملات الملف فقد تبين للدائرة
ان الحكم المطعون فيه غير موافق للشرع والقانون حيث وجدت الدائرة انه ليس هناك دعوى أو اجابة وانما اتفاق بين الطاعن
والمطعون ضده وهو عقد لازم وفقاً للمادة (144) مدني وفي هذه الحالة فان الامر
يقتضي تقديم دعوى بشان عقد الصلح ولذلك فان الطعن في محله) وسيكون تعليقنا على هذا
الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية :
الوجه الأول : عقد الصلح غير المصادق عليه لازم :
عقد الصلح عقد لازم
حسبما قررت المادة (144) مدني كما انه عقد يترتب عليه رفع النزاع وحسمه بين
المختلفين حسبما هو مقرر في الشرع والقانون، وبما ان الصلح عقد قد حسم النزاع
ورفعه وبما انه عقد لازم أي ملزم لطرفيه فيجب على أطرافه الالتزام به وتنفيذ بنوده
اختيارياً من غير حاجة الى اللجوء الى القضاء أو السلطة العامة، فاذا امتنع أي من
المتصالحين عن تنفيذ التزامه فيحق للطرف الأخر أن يلجاء إلى القضاء لحمل الممتنع
على تنفيذ التزاماته العقدية، ووسيلة ذلك هي دعوى موضوعية طالما ان عقد الصلح لم
تتم المصادقة عليه امام المحكمة.
الوجه الثاني : عقد الصلح غير المصادق عليه لا يكون سنداً تنفيذياً :
حدد قانون المرافعات
في المادة (228) السندات التنفيذية على سبيل الحصر والقصر وذكر منها (4- اتفاقات
الصلح المصدق عليها من المحاكم) وبناءً على هذا فان اتفاقات الصلح غير المصدق
عليها من المحاكم لا تكون سندات تنفيذية ولذلك لايجوز لأي طرف من اطراف اتفاق أو
عقد الصلح غير المصدق عليه من المحكمة اللجوء الى القضاء للشروع في اجراءات تنفيذه
باعتباره سنداً تنفيذياً لانه ليس كذلك.
الوجه الثالث : دعوى الالزام بتنفيذ عقد الصلح غير المصادق عليه :
ذكرنا فيما سبق ان
القانون قرر ان عقد الصلح لازم وانه حاسم للنزاع ولكنه لا يكون سنداً تنفيذياً اذا
لم تتم المصادقة عليه أمام المحكمة، وبناءً على ذلك فان أي طرف من أطراف العقد لا
يستطيع اللجوء الى القضاء للمطالبة بتنفيذه باعتباره سنداً تنفيذياً، ولذلك فانه
اذا امتنع أي من اطراف عقد الصلح عن تنفيذ بنود عقد الصلح أو ما تم الاتفاق عليه
فانه يحق لأي من اطراف العقد اللجوء الى القضاء عن طريق دعوى موضوعية وليس
تنفيذية، وتختلف هذه الدعوى الموضوعية باختلاف موقف الممتنع عن تنفيذ عقد الصلح
غير المصادق عليه فان كان ينكر أو يطعن في صحة هذا العقد فان الدعوى تكون دعوى صحة
ونفاذ عقد الصلح وان كان موقفه مقصور على الامتناع عن تنفيذ اتفاق الصلح غير
المصادق عليه دون التشكيك في العقد ذاته فتكون الدعوى المناسبة هي دعوى الزام
المدعى عليه بتنفيذ التزامه المذكور في عقد الصلح، ومن خلال ذلك يظهر الفرق بين
عقد الصلح المصادق عليه وغير المصادق عليه فالصلح المصادق عليه يتم اللجوء الى
المحكمة بطلب تنفيذ بعد استكمال اجراءات التنفيذ التمهيدية وبناءً على ذلك لا يجوز
للمطلوب التنفيذ ضده المنازعة في صحة الالتزام الوارد في عقد الصلح لان المنازعة
التنفيذية لا يجوز ان تمس أصل الموضوع
المتصالح عليه بصلح تمت المصادقة عليه امام المحكمة اما دعوى صحة ونفاذ عقد
الصلح غير المصادق عليه فانها دعوى موضوعية مثل غيرها من الدعاوى الموضوعية التي
يتناول النزاع فيها موضوع عقد الصلح من حيث صحة اركانه وشروطه وبنوده وتفسيرها
ويكون الحكم الصادر في هذه الخصومة الموضوعية حكم موضوعي وليس قراراً تنفيذياً،
وقد كان هذا الأمر السبب الرئيسي لنقض الحكم الاستئنافي المؤيد لحكم محكمة أول
درجة من قبل المحكمة العليا حسبما سبق
بيانه عند عرض مضمون الحكم محل تعليقنا.
الوجه الرابع : نطاق السلطة التقديرية للقاضي فيما يتعلق بعقد الصلح غير المصادق عليه :
الصلح في الشريعة
الاسلامية وفي القانون اليمني يرفع النزاع وهو عقد لازم حسبما قررت الشريعة
والقانون والحكم محل تعليقنا، ولان هذا العقد يحسم النزاع فان له خصوصية تميزه عن
غيره عن العقود الاخرى، فالعقود الاخرى تكون سبباً للخلاف من حيث تنفيذها وسريانها
وتفسيرها...الخ اما عقد الصلح فموضوعه وغرضه هو رفع وحسم النزاع بشأن موضوع معين
قد يكون عقد قسمة مثلما حصل في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا كما قد يحسم عقد الصلح
نزاعا بشأن عقد توريد او عقد ايجار او غيرهما ولذلك فان عقد الصلح يحسم
النزاعات بشأن العقود الاخرى، ولذلك ينبغي ان لا يتم النظر اليه أو التعامل معه
كأي عقد اخر تماماً، ولذلك فان سلطة القاضي التقديرية الذي ينظر في دعوى الالزام
بعقد الصلح أو دعوى صحته ونفاذه تكون محدودة في التأكد من صحة العقد كما لو ان
القضية كانت منظورة لديه وتصالح بشانها الخصوم امامه وهو ينظرها ؛ فلو تم التعامل
مع عقد الصلح في هذه الحالة مثل غيره من العقود لما كانت لعقد الصلح فائدة.
الوجه الخامس : توصيتنا للمقنن اليمني بشأن اعتبار العقود المسجلة سندات تنفيذية :
كان قانون المرافعات السابق يجعل العقود المسجلة امام المحاكم سندات تنفيذية حاسمة للنزاعات مثل قوانين المرافعات في العالم اجمع، وفي تعديل قانون المرافعات عام 2002م شذ القانون اليمني انفرد في قصر الأمر على اتفاقيات الصلح المصادق عليها أمام المحاكم حيث فتح قانون المرافعات بذلك الباب واسعاً امام المنازعات والخصومات الموضوعية في كل شيء تقريباً لان العقود المسجلة تنظم علاقات الافراد في كل شيء وحيث كان الاشخاص يتراضوا على اعتبارها سندات تنفيذية حرصا منهمً على مصالحهم من كثرة النزاعات ولكن الدولة حينما اهدرت العقود المسجلةامام القاضي لم تحرص على مصلحتها ومصلحة شعبها فقد اصدرت قانون المرافعات الجديد الذي اهدر العقود المسجلة ومنع الاشخاص من اعتبارها سندات تنفيذية، والله اعلم.