دعوى القسمة الجبرية بين المدنية والشخصية
أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين، الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء.
نظم القانون المدني اليمني إجراءات القسمة الرضائية والإختيارية والجبرية بصفة عامة أي سواءً أكان محل القسمة أموال تركة أو أموال شراكة، فالقانون المدني نظم قسمة الاموال الشائعة بصفة عامة بصرف النظر عن مصدر الشيوع، وتبعاً لذلك صارت مسألة قسمة الأموال الشائعة مسألة من مسائل القانون المدني يتم تدريسها والتأليف فيها على أنها من مسائل القانون المدني.
ومن جهته نظم قانون الأحوال الشخصية اليمني أحكام المواريث الشرعية ونظم ايضا التصرفات التي يكون محلها التركة الشائعة التي تنفذ بعد وفاة المورث، ومن هذه التصرفات الوصية والهبة لما بعد المو ت والوصية الواجبة ، وحدد القانون كيفية إستخراج تلك التصرفات من التركة الشائعة، وتبعاً لذلك صارت أحكام المواريث والوصية والوقف والهبة والنذر وغيرها من مسائل الأحوال الشخصية التي يتم التأليف فيها وتدريسها للطلبة والباحثين على أنها من مسائل الأحوال الشخصية التي يختص بنظرها القاضي الشخصي.
بيد أن دعوى القسمة الجبرية إذا كان محلها قسمة تركة شائعة فإن الدعوى عندئذٍ تكون شخصية يختص بنظرها القاضي الشخصي، اما إذا كان موضوع دعوى القسمة حصرا هو قسمة شراكة مدنية فإن هذه الدعوى تكون مدنية يختص بنظرها القاضي المدني، وإذا كان موضوع الدعوى حصرا قسمة شركة نظامية (تجارية) وهو ما يسمى (تصفية الشركة) إذا تحققت اسباب تصفيتها فإن هذه الدعوى تكون تجارية يختص بنظرها القاضي التجاري .
وقد أشار إلى هذه المسألة الحكم الصادر عن الدائرة الشخصية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 1-7-2012م في الطعن رقم (45491)، المسبوق بالحكم الاستئنافي الذي ورد ضمن أسبابه: (ولما كان ما اثاره المستأنف لا يؤثر في صحة الحكم وصحة سببه وشرعيته ، لان القضية أحوال شخصية ميراث حسب ماورد في الدعوى، فلم يثبت أي إختصاص مدني، وان الشهادات المستدل بها لم تكن ثابتة)، وعند الطعن بالنقض في الحكم الاستئنافي، أقرت الدائرة الشخصية الحكم الاستئنافي، وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا: (فقد ظهر للدائرة: أن الحكم الاستئنافي قد ناقش شهادة الشهود مناقشة مستفيضة، اما الأدلة والمستندات فمردود عليها بما جاء في أسباب الحكم الاستئنافي: أن المستندات خاصة بأرض أخرى غير محل النزاع، وقد أثار الطاعن ذلك أمام محكمتي الموضوع اللتين ناقشتا ذلك في حكميهما مما يستوجب رفض الطعن موضوعاً)، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:
الوجه الأول: موضوع طلب أو دعوى القسمة الجبرية للتركة الشائعة:
طلب القسمة الجبرية للتركة الشائعة يتقدم به أحد الورثة بصرف النظر عن قدر نصيبه، إذ يتقدم به طالب القسمة إلى القاضي الشخصي المختص طالباً فيه من القاضي إجراء القسمة الجبرية بنظر المحكمة لتعذر إجراء القسمة بين الورثة بالتراضي او بإختيار قسام لإجراء القسمة، وبموجب طلب القسمة الجبرية فإن الطالب يطلب من المحكمة تسليمه نصيبه الشرعي من تركة مورثه، وينبغي على طالب القسمة أن يثبت في طلبه وفاة مورثه وانحصار الورثة وصفته كوارث في التركة ، وينبغي أن يشير إلى أموال التركة المطلوب قسمتها ومكان وجودها، وعلى هذا الأساس فإن موضوع طلب قسمة التركة الشائعة هو تقسيم التركة بحسب الفرائض الشرعية المقررة في قانون الأحوال الشخصية، وبناءً على ذلك فإن الإختصاص بنظر طلب قسمة التركة الشائعة مسألة شخصية يختص بنظرها القاضي الشخصي.
الوجه الثاني: دعوى تصفية الشركة المدنية وقسمة أموالها الشائعة بين شركائها:
نظم القانون المدني اليمني الشركة العرفية (شركة الواقع) ، وذلك في المواد (من 611 وحتى نهاية المادة 667) ، ويترتب على هذه الشركة شيوع أموالها واصولها بين الشركاء فيها بحسب نسبة مشاركة كل شريك، وعلى هذا الأساس إذا طالب أحد الشركاء تصفية الشركة أو الحصول على حصته فيها فإن موضوع هذه الدعوى يستند إلى أحكام القانون المدني الذي نظم الشركة العرفية او شركة الواقع شريطة أن لا يكون نشاط هذه الشركة عملا تجاريا ، اما إذا كان نشاط الشركة العرفية أعمالاً تجاريةً فإنها تكون شركة تجارية يختص القضاء التجاري بنظر تصفيتها وقسمة اموالها، وعلى هذا الأساس فإن طلب أو دعوى قسمة او تصفية أموال الشركة العرفية التي لا تباشر أعمالاً تجارية تكون دعوى مدنية يختص بنظرها القاضي المدني.
الوجه الثالث: دعوى تصفية الشركة التجارية النظامية (كشركة التضامن او المحدودة...إلخ):
الشركات النظامية هي تلك التي يتم إنشاؤها وفقاً لأحكام قانون الشركات (كشركات التضامن وشركة التوصية البسيطة والتوصية بالاسهم والشركة المحدودة والشركة المساهمة المفتوحة والشركة المساهمة المقفلة)، فطلبات تصفية هذه الشركات وقسمتها موجوداتها الشائعة بين شركائها يكون موضوعها تجارياً، لأن أسباب واحكام تصفية الشركات التجارية قد وردت ضمن قانون الشركات وهو قانون تجاري ، ولذلك فإن القاضي التجاري هو المختص بنظر طلبات تصفيتها وقسمة اموالها بين شركائها.
الوجه الرابع: الارتباط بين دعوى القسمة الجبرية حينما يكون ضمن اموال التركة حصص في شركات تجارية ومدنية:
في تعليق سابق ذكرنا انه عند قسمة تركة المورث وكان من ضمن أموال التركة حصص أو اسهم يملكها المورث في الشركات النظامية كالشركات المساهمة وغيرها، فعندئذ لايتم تصفية الشركة وإنما يتم تقييم قيمة الاسهم لمعرفة القيمة الحقيقية لها ويتم احتسابها وقسمتها ضمن منقولات التركة، وعندئذ يكون الاختصاص بقسمتها للقاضي الشخصي ، وكذلك الحال عند يكون من ضمن التركة اسهم في شركة نظامية عائلية بين المورث وورثته إذا لم يطلب الشركاء الاخرين تصفيتها طالما لم يطلب الشركاء تصفيتها ، اما اذا طلبوا تصفيتها فان الإختصاص بنظرها يكون للمحكمة التجارية، ويسري هذا الوضع على الشركة العرفية التي تباشر اعمالا تجارية ، وكذلك الحال بالنسبة للمؤسسة التجارية الفردية الخاصة بالمورث والمسجلة باسم المورث لدى الجهة المختصة فانه اذا اتفق الورثة على استمرارها فانه يتم تقسيم حصصها بين الورثة بحسب الفرائض الشرعية، ويتم ذلك من قبل قاضي الاحوال الشخصية، وعلى هذا الاساس فان القاضي التجاري لا يختص بنظر قسمة الشركة التجارية أو العرفية الا إذا كانت اعمالها تجارية وكان الورثة الشركاء قد طلبوا تصفيتها وقسمة اموالها ، اما كانت الشركة العرفية مدنية تباشر اعمالا مدنية وطلب الورثة الشركاء تصفيتها وقسمتها فيكون المختص بنظرها هوالقاضي المدني. والله اعلم.
![]() |
دعوى القسمة الجبرية بين المدنية والشخصية |
مقالات ذات صلة: