دعوى إبطال القسمة الرضائية

 دعوى إبطال القسمة الرضائية

دعوى بطلان القسمة
أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء.

من المعلوم ان القسمة الجبرية أو القضائية إذا شابتها اوجه بطلان فانه يتم الطعن في الحكم الذي قضى بها، اما القسمة الرضائية فإنها عقد مثل غيرها من العقود. فقد عرَّف القانون المدني اليمني القسمة الرضائية : بأنها عقد مثل غيرها من العقود، اذ نصت المادة (1200) مدني على أن (القسمة عقد لازم لجميع الشركاء )، فالقسمة الرضائية أو الاختيارية عقد بين الورثة المتقاسمين على تقسيم تركة مورثهم بحسب الفرائض الشرعية ، وتبعاً لذلك فإن عقد القسمة له أركان وشروط مثل غيره من العقود.

وأركان عقد القسمة ثلاثة: الاول: صيغة عقد القسمة وهي الايجاب والقبول، والثاني: المتعاقدون وهم الورثة المتقاسمون للتركة ، والركن الثالث: محل عقد القسمة ، وهي اموال التركة التي يتقاسمها الورثة.

ويشترط في كل ركن من أركان القسمة شروط يجب توفرها، فركن صيغة عقد القسمة وهو الإيجاب والقبول المتبادل بين الورثة على إجراء القسمة بحسب ما هو مقرر في النصوص الشرعية ، ويشترط في صيغة عقد القسمة أن يكون الايجاب والقبول متوافقين ومنجزين، ويشترط في الورثة المتعاقدين المتقاسمين في عقد القسمة أن يكون الوارث بالغاً عاقلاً راشدا حراً غير مكره ، كما يشترط ان لايكون بين الورثة في القسمة الرضائية قاصر أو غائب.
 ويشترط في ركن محل عقد القسمة وهو أموال التركة التي يتقاسمها الورثة يشترط فيها أن تكون تلك الاموال مملوكة للمورث ملكية صحيحة، ويشترط أيضا أن تكون هذه الأموال مشروعة وفقاً لأحكام الشريعة الإسلامية، فلا تجوز شرعاً قسمة الخمور والخنازير والأموال التي سرقها المورث أو نهبها أو استولى عليها أو تلك التي صارت للمورث بطريقة غير مشروعة مثل الأموال المتحصلة من الغناء أو الرشوة وغيرها، ويشترط في أموال التركة أن تكون موجودة وقت القسمة وأن تكون خالية من النزاع، فإذا تخلف ركن أو شرط من هذه الأركان والشروط فان القسمة تكون باطلة ، ولذلك يجوز للمقاسم صاحب الصفة والمصلحة أن يقوم بتقديم دعوى إبطال عقد القسمة إلى المحكمة المختصة؛
حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة الشخصية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 31-7-2017م في الطعن رقم (59458)، وقد ورد ضمن أسباب ذلك الحكم أنه:
(وحيث أن الحكم الاستئنافي المطعون فيه قد جاء موافقاً من حيث النتيجة للشرع والقانون لقضائه بإلغاء ما قضى به الحكم الابتدائي برفض الدفع بسبق القسمة المؤرخة.....، التي أدعى المدعي المطعون ضده حالياً بأنها باطلة لعدم توفر أركانها وشروطها ، وعدم رضاء جميع الورثة بها وعدم حضورهم إجراءات القسمة)، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية: 

الوجه الأول: القسمة الرضائية والقسمة الاختيارية في القانون المدني اليمني: 

وفقاً للمادة (1211) من القانون المدني فهناك نوعان من القسمة؛ قسمة بالتراضي بين الورثة انفسهم من غير ان يختاروا قسام ، وقسمة عن طريق إختيار الورثة لقسام يتولى إجراء القسمة بينهم.
 وبيان نوعي القسمة المشار إليهما كما ياتي:

النوع الأول: القسمة بالتراضي أو القسمة الرضائية: وهي تلك القسمة التي يقوم بها الورثة انفسهم من غير أن يختاروا قسام للقيام بإجراءاتها، ففي هذا النوع يقوم الورثة انفسهم جميعهم أوتكليف بعضهم بإجراءات القسمة بموافقة ورضاء جميع الورثة ، وقد يستعين الورثة في هذه الحالة بعدول لمساحة الأموال وتثمينها أو يستعينوا بمحاسبين لاحتساب بعض اموال التركة ، كما قد يستعين الورثة بخبراء يبصرونهم بالإجراءات الصحيحة للقسمة الشرعية، كما قد يستعين الورثة في هذا النوع بأمين شرعي لتحرير وثائق ومستندات القسمة، لكن يجب على جميع الورثة في هذا النوع من القسمة يجب عليهم جميعا التوقيع على كافة وثائق ومستندات القسمة كالحصر والتركيز والفصول، فهذه الوثائق تكون صادرة من الورثة المتراضين وتكون هذه المستندات باسم الورثة جميعا، وهذا النوع من القسمة هو الذي يطلق عليه (قسمة التراضي) أو القسمة الرضائية، ويشترط في هذا النوع من القسمة ان لايكون بين الورثة قاصرا أو غائبا.

النوع الثاني: قسمة الإختيار: وهي القسمة التي يتفق فيها جميع الورثة المتقاسمين على إختيار قسام لمباشرة إجراءات القسمة بنظره ، إذ يقوم الورثة قبل مباشرة إجراءات القسمة بإختيار قسام للقيام بمباشرة إجراءات القسمة كالحصر والتثمين وتحرير التركيز والفصول وتمييز وفرز الأنصبة وغيرها من اجراءات القسمة الشرعية، وقد يقترن إختيار الورثة للقسام بإختيارهم للعدول في وقت واحد، وقد يترك الورثة ذلك وهو الأفضل للقسام الذي يختارالعدول لاحقاً بحسب الاقتضاء.

وفي هذا النوع من القسمة تكون كافة مستندات ووثائق القسمة مذيلة بتوقيع القسام المختار من الورثة بصفته المختار والمكلف منهم بإجراء القسمة، وقد يقوم الورثة الذين اختاروه بالتوقيع على وثائق القسمة إلى جانبه أولاً بأول للتأكيد على موافقتهم على كافة إجراءات القسمة التي قام بها القسام المختار ، ولقطع الطريق على أي إعتراضات بشأن إجراءات القسمة أو التشكيك فيها.

ويتحدد نطاق عمل القسام في القسمة الاختيارية يتحدد بحسب الصلاحيات المحددة له في وثيقة إختياره من قبل الورثة المتقاسمين، فقد يقتصر عمل القسام على إجراء القسمة فقط دون تخويله الحق في الفصل في اية خلافات قد تظهر بين الورثة أثناء اجراءات القسمة، وقد يخوَّل الورثة القسام في إتفاق إختياره يخوَّلونه الفصل في أية مطالبات أو خلافات قد تنشب بينهم خلال إجراءات القسمة، ففي هذه الحالة يتحقق مصطلح (القسام المحكم) الذي سبق لنا التعليق عليه بتعليق مستقل مفصل، وخلاصة ذلك: أنه يجوز للقسام المحكم أن يفصل في أية خلافات قد تقع بين الورثة أثناء إجراءات القسمة، إذ يصدر القسام المحكم أحكام تحكيم في تلك الخلافات.

وحسبما سبق القول فإن القانون المدني اليمني قد حدد مفهوم قسمة التراضي أو القسمة الرضائية وكذا مفهوم قسمة الإختيار وذلك في المادة (1211) مدني التي نصت على أنه (للشركاء البالغين أن يقسموا المال المشترك بينهم اختياراً بالطريقة التي يرتضونها ويجوز فيها جمع الأشياء المتماثلة والمختلفة، كما يجوز فيها جمع نصيب اثنين أو أكثر في قسم واحد، ولهم أن يقسموا بأنفسهم أو بواسطة عدلين، كما يحق لهم تعديل الحصص بالنقد، ولا تسمع من حاضر دعوى غبن في القسمة إلا لأمر قطعي، ولا تجوز قسمة إختيارية فيها قاصر أو مجنون أو غائب). 

الوجه الثاني: القسمة العقدية (قسمة التراضي): 

سبق القول في الوجه الأول أن القسمة الودية بين الورثة تقع بطريقتين؛ الأولى: قيام الورثة أنفسهم بقسمة التركة الشائعة، والطريقة الثانية: تكليف قسامين عدول، وعلى هذا الأساس فإن القسمة العقدية هي التي تتم بموجب عقد بين الورثة البالغين العاقلين الحاضرين فلا يجوز في القسمة العقدية أن يكون بين الورثة المتقاسمين صغير أو مجنون أو غائب، وقد اشار القانون المدني إلى القسمة العقدية وذلك في المادة (1200) التي نصت على أن (القسمة عقد لازم لجميع الشركاء فلا يجوز لأحدهم الرجوع فيه إلا برضاء سائر الشركاء أو بحكم القضاء...إلخ)، وبما أن قسمة التراضي التي تتم بين الورثة أنفسهم من غير تكليف لقسام ، بما أن هذه القسمة عقد فأنه يجب أن يكون لعقد القسمة أركان وشروط مثلها في ذلك مثل أي عقد، وبيان هذه الأركان والشروط على النحو الآتي:

الركن الأول من أركان عقد القسمة وهو صيغة العقد: وصيغة عقد القسمة ، حسبما هو معروف في الفقه الإسلامي هي الإيجاب والقبول المتوافقين المنجزين، وتتم صيغة الإيجاب والقبول في عقد القسمة عن طريق تصريح جميع الورثة المتقاسمين على قبولهم بأن يقوموا بأنفسهم بإجراءات قسمة مخلف مورثهم من غير حاجة إلى قسام أو محكمة، وقد يتم الايجاب والقبول بمناسبة كل اجراء من إجراءات القسمة، وهو الافضل ، على وقد يتم الإيجاب والقبول في عقد القسمة الذي يتضمن تحديد نصيب كل وارث من أموال التركة. 
الركن الثاني من أركان عقد القسمة: المتعاقدون: وهم الورثة المتقاسمون: ويشترط أن يكون جميع الورثة المتقاسمين بالغين عاقلين مختارين عالمين غير جاهلين وأن لا يشوب رضاهم أي غبن أو تدليس أو غلط، ويشترط أن لا يكون بينهم صغير أو مجنون أو غائب.

الركن الثالث من أركان عقد القسمة: محل العقد أو محل القسمة: وهو أموال المخلف المطلوب قسمته بين الورثة المتقاسمين ، ويشترط في هذه الأموال أن تكون مملوكة يقيناً للمورث، ويشترط أيضا أن تكون جائزة شرعاً ، فلا تجوز قسمة المخدرات أو الخمور أو الأموال المتحصلة من طرق غير شرعية كالأموال المغصوبة أو المنهوبة أو المسروقة أو المتحصلة من الغناء والمعازف أو المتحصلة من الرشوة وغيرها من الوسائل المحرمة شرعا.

فإذا تحققت هذه الأركان والشروط في عقد القسمة ، فإن هذا العقد يكون صحيحاً منتجاً لأثاره الشرعية والقانونية، وتسري عليه أحكام القسمة المقررة في المادة (16) من قانون الإثبات اليمني التي نصت على أنه (لا تسمع الدعوى من المقاسم أو وارثه في قسمة مستوفية شروط صحتها إلا من القاصر بعد بلوغه والغائب بعد حضوره ويشترط أن لا تمضي سنة من وقت البلوغ أو الحضور). 

الوجه الثالث: دعوى إبطال القسمة: 

في الوجه السابق ذكرنا أركان القسمة الشرعية وذكرنا الشروط الواجب توفرها في كل ركن من تلك الأركان، وذكرنا أيضاً أنه إذا تحققت أركان وشروط عقد القسمة فإن القسمة تكون صحيحة منتجة لأثارها وملزمة لجميع الورثة المتقاسمين عملاً بالمادة (1200) مدني التي صرحت بأن القسمة عقد ملزم لا يجوز لأي من المتقاسمين المطالبة بإبطاله إلا برضاء الورثة المتقاسمين الآخرين. 
أما إذا تخلف ركن من أركان القسمة أو شرط من شروط عقد القسمة السابق ذكرها فإن القسمة لا تكون صحيحة وتكون قابلة للإبطال، ولذلك يحق للمقاسم صاحب الصفة والمصلحة أن يقوم بتقديم دعوى إبطال عقد القسمة التي لم تستوف اركانها أو شروطها بإعتبارالقسمة عقد مثل غيره من العقود، ويتم تقديم دعوى إبطال عقد القسمة إلى المحكمة المختصة ، وهي المحكمة الابتدائية المختصة مكانياً بنظر دعوى القسمة الجبرية وهي المحكمة التي يقع ضمن دائرة إختصاصها المكاني أكبر أموال التركة قيمة، ويتم تقديم دعوى إبطال القسمة بالطرق المعتادة لرفع الدعاوى ، ويجب على المدعي ببطلان عقد القسمة أن يثبت صفته ووجه البطلان في عقد القسمة. 

اما إذا كانت القسمة الاختيارية قد تمت بنظر القسام (العدل) المختار من قبل الورثة فإن القسمة لا تكون عقدا في هذه الحالة إلا إذا قام جميع الورثة بالتوقيع جميعاً على وثائق القسمة مع القسام المختار، اما إذا لم يقم الورثة بالتوقيع إلى جانب توقيع القسام، فإن عمل القسام في هذه الحالة يكون بمثابة حكم التحكيم تسري عليه احكام التحكيم، والله اعلم.

© 2024 أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين - جميع الحقوق محفوظة.

تابعنا على: تيليغرام