ماهية مؤخر التركة


ماهية مؤخر التركة

أ.د. عبد المؤمن شجاع الدين

الاستاذ بكلية الشريعة والقانون جامعة صنعاء 

اشار القانون اليمني ونعني به القانون المدني وقانون الاحوال الشخصية الى التركة اشارات عابرة مجملة وعامة ومجردة ومبهمة ؛ مع ان قانون الاحوال الشخصية اهتم بمسائل الميراث والفرائض وتحديد اصحابها ومراتبهم واحوالهم, ومع ان القانون المدني قد نظم احكام القسمة الرضائية والقسمة الجبرية الا ان القانونين المدني والاحوال الشخصية قد احجما عن بيان ماهية التركة وانواعها وكيفية التمييز بين انواعها واجراءات اثبات اموالها ؛ فضلا عن بيان كيفية واجراءات القسمة ذاتها ولذلك تحدث الخلافات وتطول النزاعات في قضايا القسمة؛ وقد سبق لنا الاشارة الى كيفية واجراءات القسمة عند تعليقنا على احد احكام المحكمة العليا, ولذلك نكتفي في هذا التعليق على الاشارة الى بيان ماهية مؤخر التركة واسباب تاخير قسمته وكيفية اثبات امواله  وعلاقته بالتركة التي سبق قسمتها  واجراءات قسمته وغير ذلك, وعلى هذا الاساس فقد اخترنا التعليق على الحكم الصادر عن الدائرة الشخصية في جلستها المنعقدة بتاريخ 23/2/2011م رقم (41641) لسنة 1432هـ وتتلخص وقائع الدعوى التي تناولها هذا الحكم ان احد الاخوة قام برفع دعوى على اخيه امام المحكمة الابتدائية المختصة مدعيا بان المنزل الذي يقيم فيه اخوه المدعى  عليه مؤخر تركة مورثهما ابيهما حيث لم يتم قسمة المنزل  هو و الموضع المجاور له كما ان المدعى عليه قد قام ببناء منزل ثان له على رهق الموضع المجاور للمنزل القديم مؤخر التركة الذي يتم قسمته, وطلب المدعي في دعواه قسمة مؤخر التركة, فقام المدعي بتقديم دفع بعدم قبول الدعوى لسبق ما يكذبها محضا لان القسمة قد تمت صحيحة في حضور ومشاركة المدعي, وقد حكمت المحكمة الابتدائية بقبول الدفع وعدم صحة الدعوى حيث جاء في اسباب الحكم الابتدائي انه قد ثبت لدى المحكمة من خلال الفروز والفصول المبرزة ما يؤكد تمام القسمة وتنفيذها قبل اكثر من ثلاثين سنة, فلم يقبل المدعي  بالحكم الابتدائي حيث بادر الى استئناف الحكم امام محكمة الاستئناف التي قبلت الاستئناف وابطلت الحكم الابتدائي وقد جاء في اسباب الحكم الاستئنافي (انه تبين ان صدور الحكم الابتدائي مشوب بعيب القصور في التسبيب حيث تناقضت اسباب ومنطوق الحكم مع الوقائع فموضوع الدعوى طلب قسمة مؤخر مورث الطرفين وهو موضع (....) والبيت القائم عليه والمجاور له فقط وكان الاحرى بالحكم الابتدائي الفصل في هذه الجزئية فقط وان يتحقق مما اذا كان المدعى به من املاك مورثهما وهل سبقت قسمته ام لا, وكان ينبغي ان يتأكد الحكم اذا كان موضع (....) موضع مستقل وليس من مراهق احد المواضع التي سبق قسمتها بين الورثة فيتم الحكم في ضوء ذلك لان الدعوى اساس الحكم) فلم يقبل المدعى عليه بالحكم الاستئنافي حيث بادر الى الطعن بالنقض في الحكم الاستئنافي امام الدائرة الشخصية بالمحكمة العليا التي رفضت الطعن واقرت الحكم الاستئنافي وقد جاء في اسباب حكم المحكمة العليا (انه بعد الاطلاع على الطعن المشار اليه والرد عليه وبعد الاطلاع على الحكم الابتدائي والحكم الاستئنافي الذي تبعه الذي ابطل الحكم الابتدائي حيث وجدت الدائرة ان الحكم الاستئنافي في قضائه واسبابه موافق للشرع والقانون) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم بحسب ما هو مبين في الاوجه الاتية :

الوجه الاول : ماهية مؤخر التركة :

اطلق الحكم محل تعليقنا مصطلح مؤخر التركة ربما اخذه الحكم من المسمى الذي استعمله المدعي في دعواه, ومصطلح مؤخر التركة مصطلح شائع في مناطق كثيرةمن اليمن , وهناك مصطلحات اخرى مرادفة لمصطلح مؤخر التركة؛ ومن ذلك مصطلح (المتروك) و (المترك) وهذه المصطلحات وان تعددت الا ان مدلولها واحد, حيث يقصد بمؤخر التركة او المتروك او المترك : اموال المورث التي تتم قسمتها عند اجراء القسمة الاصلية للتركة  , حيث تظل بعض اموال التركة بعد القسمة الاصلية بدون ان تقسم فتظل شائعة بين الورثة.

الوجه الثاني : اسباب وجود مؤخر التركة او المتروك او المترك :

1-  اتفاق الورثة على بقاء بعض الاموال: مثل بقاء المنزل الذي تقيم فيه امهم بعد وفاة مورثهم ابيهم, كما حصل في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا, او بقاء منزل المورث بدون قسمة على اساس انه بيت العائلة الذي ولد وعاش فيه الورثة او كونه رمزا للمورث ولأسرته, او اتفاق الورثة على عدم قسمة محل ابيهم التجاري او جنبيته او سلاحه ومتعلقاته الشخصية لرمزيتها .

2-  وجود خلاف بشأن بعض اموال التركة: حيث تكون بعض اموال التركة محل خلاف سابق بين المورث وبين الغير وقد لا تكون في اثناء القسمة في حيازة المورث.

3-  ظهور بعض اموال وحقوق المورث بعد قسمة تركته: حيث تظهر في غالب الاحيان اموال للمورث لم تكن موجودة او محققة في اثناء القسمة, فقد يقوم بعض الاشخاص بسداد ديون للمورث لم يكن للورثة علم بها عند اجراء القسمة او لم تكن مثبتة في وثائق المورث ؛ كما قد تظهر له حقوق او اموال لدى الغير لم يتم حصرها وقسمتها فمثلا عندما وضع البنك المركزي يده على احد البنوك في اليمن ظهرت ارصدة لموتى لم يكن لورثتهم علما بها .

4-  وجود اموال ثابتة للمورث ولكنها ليست في حيازة المورث او الورثة .

الوجه الثالث : الاجراءات الواجب اتباعها عند قسمة المؤخر :

من المؤكد ان المتروك او المترك او المؤخر هو جزء من التركة لم تتم قسمته بين الورثة في حينه ولذلك فان قسمته لاحقا تتم بحسب الفرائض والانصبة والاجراءات السابق اتباعها في القسمة الاصلية؛حيث يتم اتباع الاجراءات والطرق ذاتها بالنسبة لقسمة المؤخر فتكون قسمته  على غرار الاجراءات التي تم الاتفاق عليها عند القسمة الاصلية للتركة, ولذلك اشار الحكم محل تعليقنا الى انه كان يجب على المحكمة الابتدائية ان تتأكد اولا من ان المال المدعى انه من المؤخر  كان يجب على المحكمة ان تتاكد من ملكية المورث للمال الموخر بحسب الطرق المحددة للاثبات وبحسب الاجراءات التي تم اتباعها عند القسمة الاصلية كما اشار الحكم الى انه يجب على المحكمة ان تتأكد من ان المال المدعى انه مؤخر لم تتم قسمته بالفعل في اثناء القسمة الاصلية اضافة الى التأكد من الاسماء المترادفة للموضع محل الخلاف فربما يكون له اكثر من اسم وهذا شائع في اليمن وكذا يجب التأكد مما اذا كانت الارض محل النزاع موضعا اصلا ام رهقا لموضع اصلي سبقت قسمته في القسمة الاصلية, كما ينبغي ان يقف القاضي على سبب ترك هذا المال او الموضع بدون قسمة لان ذلك يعين القاضي عند قسمة المتروك.

الوجه الرابع : امكانية سريان التقادم والحيازة للمتروك :

وفقا لأحكام الشريعة الاسلامية التي تحرم اكل اموال الناس بالباطل والتي تقرر انه لا يحل مال امرئ مسلم الا بطيب من نفسه لذلك لا يحق للحائز للمتروك التمسك بالتقادم والحيازة في مواجهة الورثة الاخرين, وكذلك الحال في القانون فلا يحق له التمسك بالحيازة للمؤخر او المتروك من التركة في مواجهة الورثة اصحاب الحق لا سيما عندما تتأكد المحكمة من ملكية المورث لذلك المال المؤخر الذي لم تتم تقسيمة في حينه على النحو السابق بيانه في الوجه الثالث لان صفة االحائز للموخر في هذه الحالة انه نائب عن الورثة فهو واضع يده على الموخر بهذه الصفة فيده ليست يد مالك , ولذلك نجد ان محكمة الاستئناف والمحكمة العليا لم تقبل دفاع المدعى عليه الذي تمسك بانه حائز وثابت على المنزل والموضع من غير منازعة, علما بانه من الشائع في اليمن ان يتمسك الوارث الحائز للمؤخر بالتقادم في مواجهة الورثة الاخرين, والدليل على ذلك ان القضاء يقوم بقسمة المؤخر بين احفاد الورثة الذين كان المتروك مستحقا لهم، والله اعلم.