المدعى عليه في دعوى القسمة الجبرية
أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين، الأستاذ بكلية الشريعة والقانون - جامعة صنعاء.
اشترطت المادة (6) من قانون الإثبات اليمني أن يقوم المدعي بتوجيه الدعوى إلى الشخص الثابت على الحق المدعى به او الواضع اليد على الحق المدعى به حقيقة او حكماً، إذ نصت هذه المادة على إنه يشترط في الدعوى من حيث الإثبات والإجابة عليها ما يأتي: -1- ثبوت يد المدعى عليه على الحق المدعى به حقيقة أو حكماً، بيد ان طلب او دعوى القسمة الجبرية لها وضعية خاصة ، لان اطراف الخصومة في هذه الدعوى هم الورثة حصرا المطلوب قسمة التركة بينهم ، فالغرض من طلب القسمة الجبرية المرفوع أمام المحكمة وموضوعه هو إجراء القسمة الجبرية بين الورثة بنظر المحكمة بعد تعذر إجراء القسمة بالتراضي بين الورثة، هذا اذا كانت اموال التركة تحت ايادي الورثة أو بعضهم، واذا تمسك احد الورثة في مواجهة الورثة الآخرين بأن المال الذي تحت يده ملك خاص به فيمكن للمحكمة عندئذ ان تفصل في دعاوى الاختصاص مع طلب القسمة الجبرية بحكم واحد على اساس ان موضوع دعوى الإختصاص هو بعض اموال التركة المطلوب قسمتها وعلى أساس ان اطراف دعوى الإختصاص هم الوارث المدعي بالاختصاص وبقية الورثة اطراف دعوى القسمة الجبرية.
اما اذا كانت بعض أموال التركة المطلوب قسمتها بحوزة غاصبين من خارج الورثة فيتم رفع دعاوى مستقلة من قبل الورثة ضد الغاصبين لها ، فاذا تمت إستعادتها فتتم قسمتها بين الورثة .
فالخصوم في طلب القسمة الجبرية هم الورثة فقط اما الغاصبون الأموال التركة أو المستاجرين أو المستعيرن لأموال التركة فلا يجوز اختصامهم أو إدخالهم في دعوى القسمة الجبرية ، وانما يتم اختصامهم بدعاوى أخرى غير دعوى القسمة الجبرية.
وعلى هذا الاساس فإنه يحق لطالب القسمة الجبرية أن يوجه دعوى الغصب او الإسترداد في مواجهة الغاصب او الحائز غير القانوني لأي من أموال التركة المطلوب قسمتها ، وهذا الأمر يقتضي تاجيل قسمة أموال التركة المغصوبة أو التي تكون محل نزاع حتى يتم الفصل في النزاعات المتعلقة بها.
وقد أشار إلى هذه المسألة الحكم الصادر عن الدائرة الشخصية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 29-2-2012م في الطعن رقم (44029)، المسبوق بالحكم الابتدائي الذي ورد ضمن أسبابه بأن مورث المتداعين توفي وهو مالك ثابت على المواضع المذكورة في الدعوى وهي بحسب تسميتها (موضع.. وموضع ... وموضع .. الخ) ، وإن مورث المذكور كان مالكاً وثابتاً على تلك المواضع ومن بعده ثبت ورثته على تلك المواضع حتى الآن، ولذلك فاللازم قسمتها بين الورثة وتمكين المدعين من نصيبهم من بعد مورثهم في ذلك، اما بقية المواضع المدعى بها فلم يثبت لدى المحكمة ببرهان جلي أنها تحت يد المدعى عليه، ولذلك فللمدعين رفع دعواهم على واضع اليد عليها إن أرادوا)، وعند إستئناف الحكم الابتدائي قضت الشعبة الاستئنافية بتأييد الحكم الابتدائي ، لأن الاستئناف لم يأت بجديد، وعند الطعن بالنقض في الحكم الاستئنافي أقرت الدائرة الشخصية الحكم الاستئنافي، وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا: (اما من حيث الموضوع فقد تبين للدائرة أن الطعن غير مؤثر في الحكم الاستئنافي محل الطعن، لخلو عريضة الطعن من أسباب الطعن بالنقض الواردة في المادة (292) مرافعات، فما ورد في الطعن عبارة عن وقائع موضوعية ناقشتها محكمة الموضوع ، ولا حاجة لإثارتها مرة أخرى امام المحكمة العليا، فقد ناقشت محكمة الاستئناف تلك الوقائع، ومن خلال ذلك توصلت في حكمها إلى تأييد الحكم الابتدائي لموافقته صحيح الشرع والقانون مما يستوجب رفض الطعن موضوعاً)، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:
الوجه الأول: طلب القسمة الجبرية ودوره في تحديد المدعى عليه
من المعروف أن طلب القسمة الجبرية يتم رفعه امام المحكمة المختصة من أي وارث بصرف النظر عن مقدار نصيبه في التركة، إذ يطلب الطالب أو المدعي من القاضي مباشرة إجراءات القسمة في مواجهة الورثة الآخرين، ويلجأ الوارث إلى طلب القسمة الجبرية حينما تخفق محاولاته مع الورثة الآخرين في إجراء القسمة الرضائية.
وعلى هذا الأساس فإن طالب القسمة الجبرية يختصم في دعواه بقية الورثة جميعاً حتى لو كان بعضهم موافقاً على إجراء القسمة الرضائية، لأنه من المعروف أن القسمة الرضائية لا تصح إذا كان أحد الورثة رافضاً لإجراء القسمة الرضائية فالقسمة الرضائية لا تصح إلا برضاء جميع الورثة، وبناءً على ذلك فأنه يجب على طالب القسمة الجبرية أن يختصم في طلبه جميع الورثة حتى يتم تمثيلهم امام المحكمة ومباشرة إجراءات القسمة الجبرية في مواجهتهم.
ويتضمن طلب القسمة الجبرية الإشارة بصفة أولية إلى أسماء وصفات واماكن أموال التركة المطلوب قسمتها والثابتين عليها من الورثة، ولا يشترط لقبول طلب القسمة ان يقدم طالب القسمة الجبرية المستندات اللازمة عن كل أموال التركة ، لأن ذلك سيظهر عند مباشرة المحكمة إجراءات الحصر للاموال والمستندات ، فيكفي ان يثبت طالب القسمة الجبرية صفته الأكيدة كوارث.
فطالب القسمة الجبرية يطلب غالباً من المحكمة حصر أموال التركة توطئة لقسمتها بين الورثة، وهذا يعني أن البيانات التي يذكرها طالب القسمة الجبرية في طلبه عن أموال التركة ليست نهائية وإنما الغرض منها هو التدليل على وجود تركة للمورث ينبغي قسمتها.
وبناءً على طلب القسمة الجبرية فأن المحكمة تقوم بعد التأكد بما لا يدع مجالا للشك من صفة طالب القسمة ومن انه وارث حقيقي ، وبعد ان تتثبت المحكمة من جدية طلب القسمة تقوم للمحكمة بتكليف الورثة او بعضهم او شخص آخر بحصر جميع أموال التركة وبيان مواضعها والأشخاص الثابتين عليها سواءً أكانوا من الورثة او من الغير، فضلا عن حصر وثائق ومستندات اموال التركة.
ونخلص من هذا الوجه إلى القول بأن المدعى عليه في طلب القسمة الجبرية هم جميع الورثة المطلوب إجراء القسمة الجبرية لتركة مورثهم بينهم بحسب الفرائض الشرعية، فلا يصلح ان يكون المدعى عليه في طلب القسمة الجبرية هو الغاصب او الثابت على أي من أموال التركة، فلا يصح أن يكون خصماً في دعوى او طلب القسمة الجبرية إلا الورثة فقط.
ومن خلال مباشرة المحكمة لإجراءات القسمة الجبرية سيما حصر أموال التركة ومعرفة البيانات اللازمة عنها فعندئذ قد يظهر أن بعض أموال التركة واقعة تحت ايادي أشخاص غير الورثة ، وإنه ينبغي إختصام هؤلاء الغاصبين او الثابتين بدعاوى مستقلة وليس دعوى او طلب القسمة الجبرية ، حسبما ألمح الحكم محل تعليقنا، وخلاصة ما تقدم أن الخصوم في طلب القسمة الجبرية منحصرون في طالب القسمة او المدعي وجميع الورثة الآخرين المطلوب إجراء القسمة الجبرية بينهم، ولذلك يجب إختصام أو إدخال كافة الورثة في طلب او دعوى القسمة الجبرية.
الوجه الثاني: الوضعية القانونية للغاصبين او الثابتين على بعض أموال التركة أثناء نظر المحكمة لطلب القسمة الجبرية
في قسمة تركات كثيرة تكون بعض أموال التركة الجاري قسمتها تكون في قبضة الغاصبين لها او الثابتين عليها الجاحدين ملكية المورث لها الرافضين إعادة هذه الأموال إلى الورثة لقسمتها بواسطة المحكمة، ففي هذه الحالة فأنه يجب على المحكمة ان تشرع في إجراءات القسمة الجبرية للأموال التي مات المورث وهو مالك لها وثابت عليها، وتترك أموال التركة الثابت عليها الغير أو الغاصب لها حتى يقوم الورثة برفع دعاوى في مواجهة الغاصبين او الثابتين عليها ويقدم الورثة خلالها الأدلة والمستندات اللازمة التي تدل على ملكية مورثهم لتلك الأموال وبالمقابل يقوم الغاصبون والثابتون بتقديم أدلتهم وأوجه دفاعهم وفي ضوء ذلك تقوم المحكمة بالفصل في النزاع بشأن تلك الأموال ، فإذا حكم القضاء بأن تلك الأموال ملك للمورث وأنها من أموال تركته فتتم عندئذ قسمتها بين الورثة في مرحلة أخرى بعد القسمة الأولى للأموال التي كان المورث ثابتاً عليها.
وتطول إجراءات القسمة الجبرية كثيراً ، لأن بعض المحاكم تنتظر في إجراءات القسمة الجبرية حتى يتم الفصل في النزاع بشان الاموال الواقعة تحت أيادي الغاصبين او الثابتين عليها أو بعض أموال التركة المتنازع عليها.
علماً بأنه لا يجوز للمحكمة التي تباشر إجراءات القسمة الجبرية إدخال الغاصبين او الثابتين في دعوى طلب القسمة الجبرية ، لأن الخصوم في دعوى القسمة الجبرية منحصرون في طالب إجراء القسمة الجبرية وبقية الورثة فلا مدخل للثابتين او الغاصبين لبعض أموال التركة، وللأسف الشديد فقد طالعت بعض الاحكام التي تضمنت قيام المحكمة بإدخال الغاصبين او الثابتين لبعض أموال التركة، ولذلك فإن هذا الأمر يؤدي إلى إطالة إجراءات القسمة الجبرية وتعقيدها.
الوجه الثالث: الغاصبون والثابتون على أموال التركة من الورثة أنفسهم (دعاوي الاختصاص)
قد تكون بعض أموال التركة المطلوب قسمتها في قبضة بعض الورثة الذين يجحدوا ملكية مورثهم لها ويرفضوا تسليمها كي تتم قسمتها ضمن أموال التركة في القسمة الجبرية، إذ يدعي الورثة الثابتون على بعض أموال التركة أن تلك الأموال مملوكة لهم خاصة وليست من ضمن أموال التركة، فينطبق على هذه الدعاوى مفهوم دعاوى الإختصاص، وفي مواجهة هذه الوضعية فإن المحاكم في اليمن تسلك منهجين المنهج الأول وهو الأفضل وهو إجراء القسمة الجبرية الفورية في أموال التركة الخالية من النزاع أو من دعاوى الإختصاص ، وتجنيب الأموال محل دعاوى الإختصاص من القسمة حتى يفصل القضاء في ملكيتها، والمنهج الثاني وهو الفصل في دعاوى الإختصاص مع طلب القسمة في حكم واحد، ويؤخذ على هذا المنهج إنه يفضي إلى إطالة إجراءات القسمة الجبرية.
غير أنه من الناحية القانونية فأن المنهجين صحيحا ، لأن المدعين بالإختصاص من الورثة ومن ضمن أطراف خصومة القسمة الجبرية، ولذلك فإن وضعهم يختلف عن الغاصبين او الثابتين على أموال التركة من غير الورثة.
الوجه الرابع: معنى الثابت على مال التركة حقيقة أو حكماً
الثابت على مال التركة حقيقة هو الشخص الذي يظهر على مال التركة بمظهر المالك للمال المتصرف فيه والمجاهر بملكيته لذلك المال الذي تحت يده، اما الثابت حكماً فهو الشخص الذي ثبت على مال عيني من أموال التركة وظهر عليه بمظهر المالك وقام بالتصرف فيه إلى الغير بعقد إيجار او عارية ، إذ يكون المستأجر او المستعير قد وضع يده على المال العيني لحساب المؤجر أو المعير، طبعاً هذا المعنى بالنسبة للحقوق العينية، اما الحقوق الشخصية فإن الملتزم بالحق يكون هو الثابت على الحق الشخص الذي يكون محله عملاً يقوم به الشخص نفسه.
وعلى هذا الأساس فأن الدعوى توجه إلى الثابت على المال حكماً وهو المؤجر او المعير وليس المستأجر، والله اعلم.
![]() |
المدعى عليه في دعوى القسمة الجبرية |