تعقيد واطالة اجراءات القسمة القضائية


تعقيد واطالة اجراءات القسمة القضائية

أ.د. عبد المؤمن شجاع الدين

الاستاذ بكلية الشريعة والقانون جامعة صنعاء

تتسم اجراءات القسمة القضائية بطول اجراءاتهابسبب دعاوى الاختصاص التي تعطل قسمة الاموال التي لاخلاف بشانها, اضافة الى ان القانون المدني الذي نظم احكام القسمة الرضائية والقضائية لم يحدد  اجراءات القسمة الرضائية او القضائية وكيفية خذه الاجراءات  وترتيبها حيث ترك القانون ذلك لاجتهادات القسامين والقضاة, واطالة وتعقيد  اجراءات القسمة في اليمن طويلة وهي ظاهرة تختص بها اليمن, فهذه الاجراءات طويلة وان كانت اجراءات القسمة القضائية اكثر طولا وتعقيدا من القسمة الرضائية, مع انه كان بوسع القانون المدني ان يحدد اجراءات القسمة وترتيبها في نصوص واضحة وملزمة لتجفيف منابع النزاعات التي تستمر لسنوات عدة والتي تورث الاحقاد والضغائن بين الورثة وهم الاقارب الذين امر الشارع بصلتهم والبر بهم والاحسان اليهم .ولذلك فان كثرة النزاعات في قضايا القسمة وكثرتها وتعقيدها  يرجع الى اسباب عدة من اهمها سكوت القانون وعدم  تنظيمه لاجراءات القسمة اضافةالى دعاوي الاختصاص وعدم التعامل معها بتبصر وحكمة اضافة الى ان القانون لم ينظم اتعاب القسامين واجورهم وترك ذلك لاجتهاد القسامين وتقديراتهم الجزافية حيث يقدرها بعضهم بمبالغ تفوق انصبة بعض الورثة ؛؛؛  , وقد كان هذا الامر هو الباعث على التعليق على الحكم الصادر عن الدائرة الشخصية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 1/1/2011م في الطعن الشخصي رقم (40262) وتتلخص وقائع القضية التي قضى فيها هذا الحكم ان احد الورثة قام برفع دعوى قسمة امام المحكمة الابتدائية المختصة حيث رد بقية الورثة وهما اخواه الشقيقان  على شقيقهما المدعى بانهما موافقان على قسمة كامل  تركة والدهما بحسب الانصبة الشرعية باستثناء بعض مفردات التركة التي ذكروا انها املاك تخصهم, وقد خلصت المحكمة الابتدائية الى الحكم بثبوت اختصاص الاخوين المدعى عليهما ببعض الاملاك المدعى بانها من التركة وقسمة ماعدا ذلك حسبما ورد في منطوق الحكم الابتدائي اي ان الحكم اوجب على الورثة قسمة التركة ولكن الحكم لم يقسم التركة  , فقام المدعي المحكوم عليه باستئناف الحكم الا ان محكمة الاستئناف قضت بتأييد الحكم الابتدائي فقام المحكوم عليه بالطعن امام المحكمة العليا حيث قررت الدائرة رفض الطعن بالنقض وتأييد الحكم الاستئنافي مسببة  حكمها بأن (طعن الطاعن قد تركز على الحكم بقنوعه عن المطالبة بقسمة الاموال المحكوم باختصاص شقيقيه بها في حين ان محكمة الموضوع قد تحققت من صحة وسلامة دعوى الاختصاص بتلك الاموال المحكوم باختصاص شقيقيه بها وذلك من السلطةالتقديرية لمحكمة الموضوع) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم بحسب ما هو مبين في الاوجه الاتية :

الوجه الأول : اجراءات القسمة  :

 من خلال الوقوف على الدراسات المختصة في ضوء الاحكام العامة للقسمة المنصوص عليها في القانون المدني وقانون الاحوال الشخصية ومن خلال دراسة وثائق القسمة التي تتم في الواقع العملي يمكن تلخيص اجراءات  القسمة كما يأتي :

1-     تحرير وثيقة اختيار المتولي للقسمة المتضمنة الاجراءات الواجب عليه اتباعها وتحديد صلاحياته فيما يتعلق بإدارة التركة في اثناء فترة القسمة وان لم تكن للقسام صلاحية ادارة التركة فيجب تحرير وثيقة تعيين الورثة لمدير التركة,  وينبغي ان تتضمن وثيقة اختيار القسام كافة  الاجراءات التي يتراضى الورثة على ان تتم القسمة  بموجبها طالما وهي موافقة لأحكام الشرع والقانون هذا بالنسبة للقسمة الرضائية اما بالنسبة للقسمة القضائية او الجبرية فان اجراءاتها تتم جبرا حيث تحل المحكمة والقاضي محل القسام  وكدلك الحال بالنسبة لادارة التركة عند القسمة القضائية فان القاضي يعين احد الورثة  حارسا قضائيا او يقوم بتكليف حترسا قضائيا من غير الورثة  يتولى ادارة اموال  التركة في اثناء اجراءات القسمة  حيث تعد دعوى القسمة الجبرية او القضائية بمثابة تفويضا للمحكمة بمباشرة اجراءات القسمة كاملة .

2-     حصر كافة موجودات ومكونات التركة : حيث ينبغي جرد وحصر كافة موجودات التركة من منقولات وعقارات وان يتم ترتيب كل نوع منها على حدة. مثلا المنقولات / نقود – ريالات يمنية  دولارات امريكية, والاسهم والسندات  على حدة. والاسلحة على حدة, وبالنسبة للعقارات يتم ترتيبها بحسب انواعها واماكنها (عمارات – فلل – ارض فضاء – ارض متنازعة عليها محجوزة) ويتم ترتيبها بحسب اماكنها (عقارات صنعاء / عقارات عدن .....الخ) . وفي كل الاحوال يجب ان يتضمن  كشف الحصر كافة البيانات وهي رقم تسلسل الموجودات, بيان الموجودات او مفردات التركة التي يتضمن نوع الموجودات   التي تجعلها معلومة علما نافيا للجهالة ثم قيمة الموجودات وبعد ذلك تتم كتابة مقابل كل مفردة من مفردات التركة كتابة اسماء الورثة مرتبين بحسب الترتيب الشرعي اصحاب الفرائض ثم الذين يلونهم, وفي نهاية الكشف يتم تدوين مصادقة الورثة على صحة الحصر وانه قد اشتمل على كل مفردات وموجودات التركة وعلى صحة التثمين وان الورثة يقبلون بان تتم القسمة على اساس ما ورد في هذا الكشف, ولا يتم التوقيع على هذا الكشف الا بعد استكمال اجراءات التثمين وتدوين الاثمان قرين كل موجود من موجودات التركة .

3-     تثمين موجودات او مفردات التركة : فكل نوع من موجودات التركة يحتاج الى خبراء عارفين لتقييمها فمثلا العقارات تختلف اثمانها بحسب اختلاف المكان ولذلك ينبغي ان يكون المثمنون من اهل الخبرة وكذلك يجب ان يكون الخبراء مختصون بحسب انواع الاشياء التي يقومون  بتثمينها, كما ينبغي ان يكون الخبراء اكثر من واحد, لان التثمين شهادة فلا مجال كقبول شهادة الواحد, ولان موجودات التركة متنوعة فيجب عند التثمين ان يستل القسام من كشف الحصر كل نوع على حدة في كشف مستقل حتى يتم تسليمه الى المثمن, وكذا يجب ان يتم صدور تكليف المثمن بالتثمين وذلك من قبل القسام اذا كان مفوضا بالقيام بكافة اجراءات القسمة او من قبل الورثة اذا كان دور القسام ادارة اجراءات القسمة والاشراف عليها واذا كانت القسمة جبرية فان التكليف يصدر من القاضي المختص .

4-     بعد وصول تقارير التثمين المكتوبة والموقعة من المثمنين يقوم متولي القسمة بتدوين الاثمان في كشف  حصر موجودات او مفردات التركة ويقوم بتوزيع ثمن كل مفردة على اسماء الورثة المثبتة قرين كل صنف من اصناف التركة بحسب الانصبة الشرعية ثم تجمع المبالغ التي تخص كل واحدمن الورثة من اجمالي موجودات التركة وذلك في ادنى الكشف وتحت هذا المبلغ الاجمالي تكون خانة تظهر فيها المبالغ التي سيتم خصمها من نصيبه من ديون والتزامات المورث واتعاب ومصارف القسام والخبراء العدول وبعد ذلك يظهر المبلغ الصافي المستحق لكل وارث, وبعد ذلك يقوم الورثة جميعهم بالتوقيع على هذا الكشف المشتمل على حصر موجودات التركة واثمانها بما يفيد مصادقتهم على صحة الحصر والتثمين وقبولهم تمام القسمة في ضوء ما ورد في هذا الكشف الجامع, ويجب توقيع جميع الورثة على كشوف الحصر والتثمين. وهذا هو اهم اجراء من اجراءات القسمة حيث تترتب عليه بقية الاجراءات او تكون تنفيذية له .

5-     التخارج والفرز والتعيين : ويتم في هذه المرحلة التخارج بين الورثة عن طريق التراضي فيما بينهم حيث يحدد كل واحد منهم من الموجودات ما يقابل المبلغ الاجمالي الصافي نصيبه الذي ظهر في كشف الحصر والتثمين .وغالبا ما يختلف الورثة في هذه المرحلة حيث تتلاقى رغبات الورثة على بعض الموجودات ذات الاهمية فعندئذ يتم حسمه عن طريق القرعة حسبما اشار القانون .

6-     تحرير الفصول : وهي كتابة الوثائق التي تتضمن بيان  المفردات اوالموجودات التي الت الى كل  وارث على حدة .

7-     النزع لبعض الموجودات التي تحتاج الى وثائق مستقلة : ولاتتم هذه المرحلة الا في التركات الكبيرة حيث يقوم القسام نفسه بتحرير وثائق مستقلة لبعض المفردات الكبيرة. وغالبا ما تكون العقارات حتى يتمكن الوارث الذي صارت من نصيبه التصرف بها استقلالا عن بقية امواله المذكورة في  الفصل, علما بان السجل العقاري يقوم بتسجيل الفصول وعندما يتم البيع لعقارات شملها الفصل يتم التعطيل  بظاهر الفصل بما يفيد انتقالها الى المشتري الا ان العقارات الواردة ضمن الفصل لا تقبل البنوك رهنها لان الفصول حجيتها قاصرة على اطرافها, ولذلك يلجأ بعض الاشخاص وخاصة التجار الى نزع العقارات من فصولهم . ومن وجهة نظرنا انه ينبغي ان يتم الزع للعقارات من الفصول حتى يتم تسجيلها في السجل العقاري لان كل عقار له موقعه وخصوصيته فتسجيل الفصول هي عبارة عن مصادقة عليها ليس الا.

الوجه الثاني : دعاوي الاختصاص ودورها في اطالة اجراءات القسمة القضائية :

من خلال الدراسة لأحكام قضائية كثيرة جدا نجد ان دعاوى الاختصاص هي التي تتسبب في تعطيل اجراءات القسمة القضائية واطالة اجراءات القسمة والتقاضي فيها, حيث يعمد بعض الورثة في غالب التركات ان لم يكن كلها الى الادعاء بان بعض موجودات التركة ليست من التركة وانما هي ملك خاص بهم, وعندئذ تلتفت المحكمة عن القسمة وتنصرف الى النظر في دعاوى الاختصاص على اساس ان الواجب اولا تحديد مايعد من التركة, وهذه الدعاوى موضوعية مثل غيرها من الدعاوى الموضوعية حيث تستغرق اجراءات النظر والفصل فيها سنوات طويلة, وبعد ان يتم الفصل فيها من قبل المحكمة الابتدائية والمحكمة العليا حيث تنتهي هذه الدعاوي بعد وقت طويل جدا الى الحكم بصحة او عدم صحة الاختصاص وكذا الحكم بإجراء القسمة !!! الذي يعني انه بعد صدور حكم المحكمة تبدأ اجراءات القسمة من غالبية الورثة قد تقدموا اصلا امام المحكمة الابتدائية بدعوى قسمة طلبوا فيها مباشرة اجراءات القسمة في ذلك الحين, علما بان الهدف من اغلب دعاوى الاختصاص هو تعطيل اجراءات القسمة وابتزاز الورثة لبعضهم بعضا – مع ان القضاة المتقدمين وكذلك القسامين في القديم كانوا يشرعون في اجراءات القسمة بالنسبة للموجودات التي ليس فيها دعاوى اختصاص والتي فيها دعاوى اختصاص يتم تأجيلها حتى يتم الفصل في تلك الدعاوى فاذا ظهر انها خاصة بالمدعين بها وان تم الحكم بانها من ضمن  التركة فتتم قسمتها على اساس الاجراءات والطريقة التي تمت بها قسمة التركة التي لا خلاف بشأنها – علما بان القانون اجاز القسمة الجزئية أي  فسمة اجزاء من التركة – فلماذا تتعطل اجراءات القسمة الجبرية والقضائية بسبب دعوى احد الورثة بان بعضها ملك خاص به وليس من التركة. حيث تتعطل اجراءات قسمة غالبية موجودات التركات  لأكثر من ثمان سنوات بسبب دعوى الاختصاص بالمتر والدكان !!! فو الله ان هناك دعاوى قسمة جبرية منذ ستين  سنة بسبب تعليق القسمة على الفصل في دعاوى الاختصاص, علما بان اغلب من يرفع دعاوى الاختصاص يكون المستفيد من عدم القسمة حيث يتعمد وضع العقدة في المنشار, ولذلك اوصى بان تتم قسمة موجودات التركة التي لاتتعلق بها دعاوى الاختصاص .

الوجه الثالث : ضرورة تنظيم اجراءات القسمة في القانون المدني :

نظم القانون المدني القسمة الرضائية والقضائية باعتبار ان القسمة تكون للأملاك الشائعة عموما سواء بسبب الشراكة او بسبب الارث ولا حرج في ذلك, الا ان الدراسة لنصوص القانون اليمني نجد انها لم تتضمن اجراءات القسمة وكيفيتها واجور القسامين !!! علما بان بعض القسامين يتعمدون اطالة اجراءات القسمة لاستنزاف الورثة, كما ان القسامين في العصر الحديث والقديم كانوا من كبار الاثرياء حيث انهم ينزعوا اجورهم من راس التركة عينا او نقدا  فالاموال التي تؤول للقسامين كأجرة اكثر مما يحصل عليه بعض الورثة وهذا الامر لا يستقيم مع قواعد الشريعة واحكام القانون علما بان نسبة عشرة في المائة المذكورة في كتاب شرح الازهار كان المقصود بها التركات كثيرة الاشكاليات التي يستغرق الفصل فيها وقسمتها سنوات عدة. وهناك في هذه المسالة تعليق لطيف للسيد العلامة عبد الوهاب الوريث رحمه اللهالذي كان يتولى قسمة التركات في محافظتي ذمار واب , ولذلك لابد من تدخل القانون لتحديد هذه الاتعاب على اساس الجهد والوقت واجراءات القسمة المحددة في القانون, والله اعلم.