الحكم بإلزام الورثة بإختيار قسام وعدول لإجراء القسمة
أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدينالأستاذ بكلية الشريعة والقانون - جامعة صنعاء.
في تعليق سابق ذكرنا أن طلب القسمة الجبرية يجعل القاضي المختص بمثابة قسام، ومؤدى ذلك أن المحكمة عند نظرها في طلب القسمة الجبرية يجب عليها أن تباشر إجراءات القسمة، وأن تكلف الورثة بإختيار العدول الذين يباشروا إجراءات القسمة بإشراف المحكمة التي تحكم بعد انتهاء تلك الاجراءات تحكم في منطوق حكمها بتمام إجراءات القسمة الجبرية بنظرها وفقا للاجراءات المحددة في مدونة الحكم، ويجب أن يتضمن الحكم كافة اجراءات القسمة التي تمت بنظر المحكمة، فلا ينبغي للمحكمة عند نظرها في دعوى القسمة الجبرية أن تحكم بإلزام الورثة المتنازعين بإختيار قسام وعدول لإجراء القسمة بعد صدور حكمها ، فلا يجوز للمحكمة ذلك الا اذا كان محل الطلب أو الدعوى المطالبة بقسمة اموال محل خلاف بين الورثة بشأن ملكية المورث لها.
وقد أشار إلى هذه المسألة الحكم الصادر عن الدائرة الشخصية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 28-1-2017م في الطعن رقم (58705)، وقد ورد ضمن أسباب الحكم المشار إليه: (فقد وجدت الدائرة: أن حكم الاستئناف موافق في نتيجته للشرع والقانون لما علل به واستند إليه في قضائه بتأييد الحكم الابتدائي بإلزام المدعي والمدعى عليهم بإختيار عدلين خبيرين وقسام لغرض مسح وتثمين وقسمة تركة المورث وإستخراج السدس المعين شرعاً وقانوناً لوالدته وبطلان المحررين المذكورين في الحكم الابتدائي)، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:
الوجه الأول: ماهية طلب القسمة الجبرية وبياناته ومستنداته:
لا تنظر المحكمة المختصة في القسمة الجبرية إلا بموجب طلب يتقدم به صاحب الصفة والمصلحة وهو: الوارث شريطة ان يثبت الوارث في الطلب وفاة المورث وصلة الوارث الطالب بالمورث واسماء الورثة الآخرين، ويذكر الطالب في طلبه أموال المورث الأكثر قيمة المطلوب قسمتها ، ولايشترط ان يذكر كافة اموال المخلف ، ويجب ذكر أكثر اموال المورث قيمة حتى تتأكد المحكمة من إختصاصها بنظر الطلب، ويتم تقديم طلب إجراء القسمة الجبرية وفقاً للإجراءات المقررة في قانون المرافعات لرفع الدعاوى، ويتم إعلان الورثة الآخرين بطلب القسمة بإعتبارهم المدعى عليهم وفقا للاجراءات المقررة في القانون، غير انه تاكد للمحكمة ان طالب القسمة الجبرية وارث وان هناك تركة خلفها المورث وثبت للمحكمة اسماء الورثة الآخرين فان المحكمة تكلف الورثة بإختيار عدول لحصر أموال التركة ومساحتها وتثمينها وحصر مستنداتها وتحرير مستندات ووثائق القسمة.
الوجه الثاني: المحكمة المختصة بنظر طلب القسمة:
محل القسمة الجبرية: هي أموال التركة المطلوب قسمتها، فهذه الأموال هي موضوع طلب القسمة ومحله، ولذلك فإن المحكمة المختصة بنظر طلب القسمة الجبرية هي المحكمة التي يقع ضمن إختصاصها المكاني أموال التركة المطلوب قسمتها، وإذا كانت أموال التركة موزعة ضمن الإختصاص المكاني لأكثر من محكمة فإن المحكمة المختصة بنظر طلب القسمة الجبرية هي المحكمة التي يقع ضمن إختصاصها المكاني أكبر أموال التركة قيمة.
الوجه الثالث: معنى القسمة الجبرية:
معنى ذلك أن المحكمة تملك إجبار الوارث المتمرد عن القيام بإجراءات القسمة فإن لم يتم ذلك قامت المحكمة بالتنصيب عن الوارث المتمرد.
فإجراءات القسمة كثيرة ومتعاقبة ومتتالية ومتنوعة مثل: حصر الورثة وحصر أموال التركة وحصر المخلف وحصر المستندات ومساحة العقارات وتثمين أموال التركة وتحرير وثيقة التركيز أو الأمية وتحرير محاضر التخارج والقرعة ثم تحرير الفصول وتطبيقها أو تمييز وتسليم الأموال المذكورة فيها إلى كل وارث على حدة، وهذه الإجراءات تستدعي إختيار الورثة المتنازعين لخبراء وعدول، كما أن الأمر يتطلب توقيع الورثة على كل الوثائق المتضمنة إجراءات القسمة السابق ذكرها.
وغالباً ما يتمرد بعض الورثة عن مباشرة ، بعض إجراءات القسمة ، كرفض الوارث إختيار عدول أو إمتناعه عن التوقيع على وثيقة من الوثائق المتضمنة إجراءات القسمة السابق ذكرها، ففي هذه الحالة تقوم المحكمة بالتنصيب عن الوارث المتمرد أو الغائب أو القاصر في إختيار العدول والموافقة على نتائج أعمالهم والتوقيع على وثائق القسمة ومحاضرها.
فلا تعني القسمة الجبرية قيام المحكمة بإجبار كافة الورثة على الإجراءات وإنما تعني إجبار المتمرد منهم على المضي في الإجراءات وعدم تعطيلها، والإجبار للمتمرد يتم عن طريق التنصيب عنه ، فعلى المحكمة أن تكلف المتمرد بالتوقيع بما يفيد الموافقة على إجراءات القسمة التي أو إختيار العدول فإذا تمرد عن ذلك تقوم المحكمة بالتنصيب عن المتمرد، فلا يحق للمحكمة أن تنصب عن المتمرد من يقوم نيابة عنه بإجراءات القسمة كلها مسبقاً وانما بمناسبة كل إجراء على حدة.
كما أن القسمة الجبرية لا تعني قيام القاضي نفسه بإجراءات القسمة المختلفة كالحصر والتثمين والمساحة وتحرير وثائق القسمة، وإنما يكلف القاضي الورثة المتنازعين بإختيار عدول لمباشرة تلك الإجراءات، فإذا تمرد أحدهم قام القاضي بالتنصيب عنه، وبعد الإنتهاء من إجراءات القسمة وتحرير وثائقها والتوقيع عليها من قبل الورثة أو المنصبين عنهم ، فبعد ذلك يحكم القاضي بتمام القسمة الجبرية على النحو المبين في اجراءات القسمة المضمنة في مدونة الحكم.
الوجه الرابع: متى يجوز للقاضي الحكم بإلزام الخصوم بإختيار قسام وعدول؟:
قضى الحكم محل تعليقنا بإلزام الورثة المتنازعين بإختيار قسام وعدول لإجراء القسمة، وهذا القضاء صحيح، لأن الأموال محل الدعوى أو الطلب ليست محل اتفاق بين الورثة على إنها من أموال أو مخلف مورثهم وانما كانت محل خلاف من حيث ملكية المورث لها ومدى دخولها ضمن أموال التركة القابلة للقسمة.
فعندما يطلب الوارث من القاضي في طلب أو دعوى مستقلة قسمة أموال محل خلاف بشأن ملكية المورث لها فعندئذٍ يجب على القاضي الفصل أولا في الخلاف بشأن ملكية هذه الأموال للمورث، فإذا ثبت أمام القاضي من خلال التداعي أن الأموال محل الخلاف ملك للمورث وأنها من مخلفه ، فعندئذٍ يحكم القاضي في منطوق الحكم بثبوت أن الأموال المختلف بشأنها من أموال المورث ثم يحكم القاضي في الفقرة الثانية من المنطوق بإلزام الورثة المتنازعين بشأنها على إختيار قسام وعدول لقسمة الأموال التي ثبت أنها من مخلف مورث المتنازعين، وهذا ما فعله الحكم محل تعليقنا.
الوجه الخامس: متى لا يجوز للقاضي الحكم بإلزام الخصوم بإختيار قسام وعدول لإجراء القسمة:
سبق القول أن القاضي في القسمة الجبرية يكون بمثابة قسام، ولذلك فأنه إذا تم تقديم طلب إجراء القسمة الجبرية إلى القاضي ، وثبت للقاضي ان طالب القسمة وارث وان هناك اموال تركها المورث وان ملكية المورث لتلك الأموال ثابتة ، وثبت للقاضي اسماء الورثة الشرعيين ، فاذا ثبت للقاضي كل ذلك فان هذا الأمر يخوّل القاضي إتخاذ قرارات بشان مباشرة اجراءات القسمة الجبرية مثل : تكليف الخصوم بإختيار العدول كلٍ بحسب مقدار نصيبه، فإذا تمرد أحد الورثة المتنازعين قام القاضي بالتنصيب عنه، حتى إذا انتهى العدول من إجراءات القسمة وتم تحرير وثائق القسمة اللازمة، فعندئذٍ يحكم القاضي في منطوق حكمه بتمام القسمة الجبرية وفقا لاجراءات القسمة المدونة في الحكم، ففي هذه الحالة لا يجوز للقاضي أن يحكم بإجراء القسمة وإختيار عدول، لأن ذلك من أهم أسباب إطالة إجراءات القسمة الجبرية في اليمن، والله اعلم.