الوصاية على القاصر ليست مفترضة

الوصاية على القاصر ليست مفترضة

أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء.

القاصر كالصغير والمجنون لا أهلية له ، فهو محجور من التصرف في أمواله، ولذلك يجب أن يقوم الولي الشرعي للقاصر بمباشرة التصرفات نيابة عن القاصر، والولي الشرعي للقاصر الذي يقرره هو الشرع والقانون كالأب بالنسبة لأولاده القصر، فلا يحتاج الولي الشرعي عن القاصر إلى إثبات ولايته التي يستمدها من الشرع والقانون، فأقصى ما يتطلبه القانون لإثبات الولاية على القاصر هو تقديم الوثائق القانونية التي تثبت صفته الشخصية وانه اب القاصر كالبطاقة العائلية او شهادة ميلاد القاصر وغيرها، وقد يقوم الولي على القاصر أثناء حياته بتعيين وصياً على القاصر كي يقوم برعاية القاصر بعد وفاة الولي ، وعندئذٍ يجب على الوصي إثبات الوصاية حتى يتمكن من القيام بأعمال الوصاية ، وإذا لم يكن للقاصر ولياً او وصياً فأنه يجب على القاضي أن يقوم بتنصيب منصوباً ليقوم بأمر القاصر ويرعى حقوقه ومصالحه، ومؤدى ذلك إنه يجب على المدعي بالوصاية على القاصر أن يثبت وصايته على القاصر ، لأن الوصاية على القاصر لا تكون مفترضة بحكم القانون، لان مصدر الوصاية هو الولي وليس القانون ، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة الشخصية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 2-10-2012م في الطعن رقم (45872)، المسبوق بالحكم الاستئنافي الذي ورد ضمن أسبابه: (فقد تبين للشعبة أن المستأنف ضده هو المقاسم عن نفسه وعن إخوته القاصرين بموجب الوكالات، وكذا قول المستانف ضده: بانه وصي على القاصرين، ومن المعلوم أن الوكالة من القاصر غير متصورة شرعاً وباطلة إذا حصلت، كما إنه من المعلوم شرعاً أن الوصاية على القاصر لا تفترض ، وإنما تتم الوصاية عن طريق تعيين المورث شخصاً معيناً لرعاية قصاره وحفظ أموالهم ، وفقاً لنص المادتين (260 و 273) أحوال شخصية ، وهذا مالم يقم المستأنف ضده بإثباته، ولما كانت القسمة تستلزم فيمن يقاسم عن غيره أن يكون ذا صفة بموجب وكالة أو ولاية او وصاية ، حسبما تقضي به المادة (162) مدني، وحيث أن المستأنف ضده لم يثبت وصايته عن القاصرين ، لذلك فإن الاستئناف يكون مقبولاً موضوعاً)، وعند الطعن بالنقض في الحكم الاستئنافي، أقرت الدائرة الشخصية الحكم الاستئنافي، وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا: (فقد تبين: أن أسباب الاستئناف عبارة عن أمور متعلقة بوقائع الموضوع، وقد تمت مناقشتها ضمن أسباب الحكم الاستئنافي، ومن خلال ذلك توصل الحكم الاستئنافي إلى نتيجة موافقة لصحيح الشرع والقانون بإلغاء الحكم الابتدائي وبطلان القسمة المؤرخة.... مما يستوجب رفض الطعن)، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:

الوجه الأول: الولي على القاصر:

القاصر: هو الصغير الذي لم يبلغ او المجنون، والقاصر ليس من أهل التكليف، ولذلك يقوم ولي القاصر أو وصيه بتمثيل القاصر والنيابة عنه في إبرام العقود والتصرفات وكذا تمثيله أمام كافة الجهات، ويكون ولي القاصر هو الأب والجد والإبن، ويستمد الولي ولايته عن القاصر من الشرع والقانون، وبناءً على ذلك يطلق عليه اسم الولي الشرعي، وإذا كان الولي الشرعي للقاصر هو الأب فيجوز له أن يبيع ماله لإبنه القاصر ، كما يجوز له أن يبيع مال أحد ابنائه الآخرين إلى إبنه القاصر، وفي هذا المعنى نصت المادة (464) من القانون المدني اليمني على إنه (يصح بيع الوالد ماله لولده المشمول بولايته وبيعه مال أحد الولدين للآخر بشرط القبول من منصوب القاضي الذي يقبل المبيع عن الصغير ثم يسلمه بعد ذلك لوالده ليحفظه لولده ، ويشترط أن لا يكون البيع منطوياً على حيلة)، وتثبت ولاية الولي على القاصر بمجرد ثبوت إنه والد القاصر او جده او إبنه، فالولاية كما سبق القول ثابتة بحكم الشرع، وقد حدد قانون الأحوال الشخصية مرتبة الولي وصرح بانه مقدم على الوصي والقاضي ، حسبما ورد في المادة (262) التي نصت على أن (الوصي مقدم على القاضي وإذا مات ولم يوص ففي رعاية الصغار وأموالهم يقدم الأب ثم وصيه ثم الجد ثم وصيه ثم القاضي)، وقد كان من الواجب على المقنن اليمني أن يعيد صياغة النص حتى يكون الترتيب واضحاً، فيذكر الولي أولاً وهو الأب والجد ثم يذكر الوصي ثم يذكر القاضي بحسب الترتيب حتى يتسق النص السابق.

الوجه الثاني: الوصي على القاصر:

عرّفت المادة (261) أحوال شخصية الوصي، فقد نصت هذه المادة على أن (الوصي: هو الذي يقيمه المورث في تركته لتنفيذ وصاياه او لقضاء ديونه او إستيفائها او لرعاية قصاره وأموالهم او لكل ذلك، ويجوز للوصي أن يوصي غيره فيما هو وصي فيه فيقوم وصيه مكانه بعد موته)، وقد اشتمل هذا النص على أن من مهام الوصي رعاية القاصرين، كما أوضح النص السابق أن الوصي يستمد وصايته على القاصر من (الولي) وهو الأب او الجد، ويظهر أن الوصاية لا تكون إلا بعد موت الولي على القاصر ، ومن هذه الناحية فان الوصي يختلف عن الوكيل ، لان الوكيل يقوم بعمله نيابة عن الاصيل أو الوصي أثناء حياة الولي ، في حين ان الوصي يقوم بمهامه بعد وفاة الولي.

وعلى هذا الأساس فإنه يجب على الوصي أن يثبت صدور الوصية له من الولي على القاصر، وفي هذا المعنى نصت المادة (273) أحوال شخصية على أن (تثبت الوصاية للوصي بتعيين من جهة الموصي وقبول الوصي لها وتوفر شروط الوصاية فيه).

ومن هذا المنطلق فإن الأخ الكبير للقاصرين ليس ولياً عليهم ، كما إنه ليس وصياً عليهم إلا إذا اثبت صدور الوصية له بذلك من أبيه، فلا تكون الوصاية على الإخوة مفترضة مثلما ورد في الحكم محل تعليقنا.

الوجه الثالث: المنصوب على القاصر:

إذا لم يكن للقاصر ولي او وصي، فإن القاضي ولي من لا ولي له ، فعندئذٍ يجب على القاضي أن يقوم بتعيين منصوب يتولى رعاية القاصر والمحافظة على حقوقه، وتأتي مرتبة القاضي في الولاية على القاصر في آخر السلم ، وفي هذا المعنى نصت المادة (262) أحوال شخصية على ان (الوصي مقدم على القاضي وإذا مات ولم يوص ففي رعاية الصغار وأموالهم يقدم الأب ثم وصيه ثم الجد ثم وصيه ثم القاضي)، كما نصت المادة (263) على أن (تعين المحكمة منصوباً (وصياً) لمن لا وصي له ولا ولي مع مراعاة أحكام المادة (262) ).

الوجه الرابع: وضعية القسمة إذا كان من ضمن الورثة قاصر:

كان جانب من النقاش في الحكم محل تعليقنا بشان إدعاء الاخ الكبير بانه وصي على اخوانه القاصرين ، وعلى هذا الاساس فانه يجوز له تمثيل اخوته القاصرين في إجراءات قسمة مورثهم ، مع انه لاتجوز القسمة الرضائية إذا كان من ضمن الورثة قاصر حتى لو كان هناك وصيا عن القاصر ، عملا بالمادة (1211) من القانون المدني التي نصت في نهايتها على أنه (لا تجوز قسمة إختيارية فيها قاصر او مجنون او غائب) ، وإستناداً إلى هذا النص فقد قضى الحكم محل تعليقنا ببطلان القسمة الاختيارية، لأنه من ضمن الورثة قاصرين، فعند وجود قاصرين بين الورثة فأنه ينبغي اللجوء إلى القضاء لإجراء القسمة الجبرية.

الوجه الخامس: وجوب التثبت من صفات المتقاسمين في إجراءات القسمة:

يجوز للوارث المقاسم ان يحضر بنفسه إجراءات القسمة المختلفة ويقوم بنفسه بالمصادقة على كافة إجراءات القسمة والتوقيع على وثائق القسمة المختلفة كالحصر والتثمين والتركيز كل ذلك بعد التحقق من صفته ، كما يجوز للوارث المقاسم أن يقوم بتوكيل من يقوم نيابة عنه بالحضور والمشاركة في إجراءات القسمة والتوقيع والمصادقة على صحتها، وفي كل الأحوال فأنه يجب على المتولي إجراءات القسمة كالقسام والقاضي أن يتحقق ويتثبت من صفات المتقاسمين في كل إجراء من إجراءات القسمة، لترابط إجراءات القسمة مع بعضها، ولأن بعضها يترتب على بعضها الأخر، فربما أن بطلان بعض هذه الإجراءات يؤدي إلى بطلان الإجراءات الأخرى، ولذلك ينبغي على القاضي او القسام الحرص والاهتمام والتحقق من صفات المتقاسمين في كل إجراء من إجراءات القسمة منذ حصر التركة حتى تطبيق الفصول على الواقع، وإذا كان من بين المقاسمين وكيلاً عن غيره ، فيجب أن يكون التوكيل له توكيل خاص بالنيابة عمن وكله في إجراء القسمة ، كما يجب أن يكون التوكيل مكتوباً، ويجب أيضاً أن يكون التوكيل صريحاً يخول بموجبه الأصيل الوكيل بتمثيله في الحضور والمشاركة في كافة إجراءات القسمة والمصادقة على وثائق القسمة والتوقيع عليها وتمثيله امام القسام او القاضي، ويحبذ ان لايكون وكيل الوارث المتقاسم في اجراءات القسمة احد الورثة المتقاسمين لتعارض المصالح بين مصلحة الموكل ومصلحة الوكيل بإعتبارهما من الورثة المتقاسمين، وقد سبق لنا التعليق على حكم قضى بعدم جواز قيام القاضي في القسمة الجبرية بتنصيب احد الورثة المتقاسمين الحاضرين لتمثيل القاصر والغائب والمفقود ، والله اعلم.

الوصاية على القاصر ليست مفترضة
الوصاية على القاصر ليست مفترضة

مقالات ذات صلة