عزل المنصوب عن القاصر بسبب الإهمال

 

عزل المنصوب عن القاصر بسبب الإهمال

أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

من المعلوم أن المحكمة المختصة تقرر تعيين منصوب عن القاصر (المجنون أو الصبي) لتمثيله قانوناً والقيام بأمره إذا لم يكن هناك وليا شرعيا للقاصر أو وصيا عليه ، وعند قيام المحكمة بتنصيب المنصوب عن القاصر فإن المنصوب يستمد ولايته من المحكمة التي عينته، ولذلك فإن المحكمة التي عينته تقوم بعزله إذا ثبت إهماله أو تقصيره في القيام بأمر القاصر أو تمثيله، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة الشخصية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 24-12-2013م في الطعن رقم (50485) المسبوق بالحكم الابتدائي الذي قضى (بعزل المنصوب عن المجنون لتراكم المبالغ المستحقة للقاصر بذمة المنصوب، ولأن زوجة القاصر هي الأجدر بالقيام بأمر القاصر والإنفاق عليه وموافاة المحكمة بحسابات منتظمة عن ذلك)، وقد ايد الحكم الاستئنافي الحكم الابتدائي، وقضى بأن أسباب الحكم الابتدائي أسباباً للحكم الاستئنافي، وعند الطعن بالنقض في الحكم الاستئنافي أقرت الدائرة الشخصية الحكم الاستئنافي، وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا: ((فقد تبين: أن الطاعن ينعي على الحكم الاستئنافي بطلانه لأنه قضى بتأييد الحكم الابتدائي وأن الشعبة الاستئنافية جعلت أسباب الحكم الابتدائي أسباباً لحكمها، وأن ما بني على باطل فهو باطل، وقد ظهر للدائرة: عدم جدوى مناعي الطاعن، لأن ما توصل إليه الحكم الاستئنافي كان صحيحاً وموافقاً لأحكام الشرع والقانون))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية:

الوجه الاول: المنصوب على القاصر يقوم مقام القاضي:

الأصل في الشرع والقانون أن القاضي ولي من لا ولي له، ولذلك فإن القاضي يقوم بأعمال الولاية على القاصرين إذا لم يكن للقاصر ولي أو وصي، وفي هذا المعنى نصت المادة (262) أحوال شخصية على أن (الوصي مقدم على القاضي وإذا مات ولم يوص ففي رعاية الصغار وأموالهم يقدم الأب ثم وصيه ثم الجد ثم وصيه ثم القاضي)، فوفقاً لهذا النص فإن ولاية القاضي على القاصرين لا تكون إلا إذا أنعدم الولي أو الوصي على القاصر.

ولان القاضي في العصر الحاضر قد انصرف اهتمامه إلى الفصل في الخصومات فقد أوجب قانون الاحوال الشخصية على القاضي أن يقوم بتنصيب من يقوم بأمر القاصر، وفي هذا الشأن نصت المادة (263) أحوال شخصية على أن (تعين المحكمة منصوباً (وصياً) لمن لا وصي له ولا ولي مع مراعاة أحكام المادة (262) والمادة (262) هي التي سبق أن اشرنا إليها.

وكذا إذا بطلت وصاية الوصي كما لو تخلف شرط من شروط الوصاية، فعندئذٍ يجب على القاضي أن يعين منصوباً عن القاصر عملاً بالمادة (269) أحوال شخصية التي نصت على ان (من بطلت وصايته لتخلف شرط من الشروط المذكورة في المادة السابقة فعلى القاضي ان يعين منصوبا (وصيا) بدله).

وكانت المادة (268) أحوال شخصية قد حددت الشروط الواجب توفرها في الوصي أو المنصوب، إذ نصت هذه المادة على أنه (يشترط في الوصي أن يكون بالغاً عاقلاً أميناً مقتدراً على حملها حسن التصرف والسلوك).

الوجه الثاني: الشروط الواجب توفرها في المنصوب عن القاصر:

سبق القول أن المادة (268) أحوال شخصية حددت شروط الوصي، وسبق القول أن المنصوب يقوم بالأعمال ذاتها التي يقوم بها الوصي، وقد نصت المادة (268) على أنه (يشترط في الوصي أن يكون بالغاً عاقلاً أميناً مقتدراً على حملها حسن التصرف والسلوك)، وينبغي أن تتوفر هذه الشروط في المنصوب فإذا تخلف شرط من هذه الشروط فعلى القاضي أن يعزل المنصوب، ولذلك فقد لاحظنا أن الحكم محل تعليقنا قد قضى بعزل المنصوب عن القاصر لإهماله وتقصيره في القيام بأمر القاصر وتراكم المبالغ المستحقة للقاصر بذمة المنصوب.

الوجه الثالث: الأعمال التي يقوم بها المنصوب عن القاصر:

لم ينص قانون الاحوال الشخصية على الأعمال التي يتولاها المنصوب عن القاصر، بيد أن القانون اشار إلى أن المنصوب يقوم بالأعمال ذاتها التي يباشرها الوصي، وقد حدد الفصل الثالث من الباب الثاني الأعمال التي يجوز للوصي القيام بها وتلك التي لا يجوز له القيام بها، حسبما هو مبين تفصيلاً في المواد من (283 حتى 293)، وعلى هذا الأساس يجوز للمنصوب القيام بكافة التصرفات التي فيها مصلحة للقاصر أو اللازمة لإدارة أموال القاصر، أما غير تلك التصرفات فلا يجوز للمنصوب القيام بها إلا بإذن المحكمة المختصة، وفي هذا السياق لا يجوز للمنصوب تأجير أموال القاصر بأقل من أجر المثل أو لمدة تزيد على ثلاث سنوات أو التنازل عن دعاوى القاصر وحقوقه، ويجب على المنصوب حفظ أموال القاصر في مكان أمين، وإذا قام المنصوب بأي من الأعمال التي لا يجوز له القيام بها وفقا لقانون الأحوال الشخصية فأن المنصوب يضمن ما فات على القاصر، كما أن ذلك من موجبات عزل المنصوب.

الوجه الرابع: ضرورة إنشاء هيئة عامة لإدارة أموال القاصرين والمفقودين والغائبين:

إدارة شئون واموال القاصرين ومن في حكمهم تحتاج إلى خبرات وكوادر متخصصة في مجالات مختلفة وتحتاج إلى إمكانيات ومتطلبات لاتتوفر لدى المحاكم المختلفة ، وتحتاج أيضا إلى متابعة واشراف مستمر، ولذلك فقد قامت غالبية الدول بإنشاء هيئات عامة تتولى إدارة شئون القاصرين، اما في اليمن فلم يتم إنشاء مثل هذه الهيئة مع أهميتها، وقد سبق لنا ان اوصينا بإنشاء هذه الهيئة عام 2013 فقامت وزارة العدل حينها بإنشاء إدارة لشئون القاصرين تابعة للإدارة العامة للمرأة والطفل بوزارة العدل، والله اعلم.

عزل المنصوب عن القاصر بسبب الإهمال
عزل المنصوب عن القاصر بسبب الإهمال