دعوى القاصرين ببطلان حكم التحكيم
أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون –
جامعة صنعاء
القاصر
ليس اهلا للتقاضي الا عن طريق وليه الشرعي أو وصيه أما في التحكيم فأنه لايكون
اهلا للتحكيم بنفسه كما انه لايكون أيضا
أهلا للتحكيم عن طريق وليه ووصيه الا في حالتين حسبما سيرد ذكره في سياق هذا
التعليق، ، وفي هذا الشأن قضى الحكم محل تعليقنا بعدم جواز قبول دعوى
بطلان حكم التحكيم اذا كان من بين المحتكمين قاصرين، فالحكم محل تعليقنا هو الحكم
الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 24/7/2016م
في الطعن رقم (57793)، وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم :أن دعوى بطلان
تم تقديمها امام محكمة الاستئناف وقد كان من ضمن المدعين طفل عمره 8 سنوات وطفلة
عمرها 10 سنوات قاما بتوكيل اخيهما البالغ لتمثيلهما في دعوى البطلان بموجب وكالة
قام بتحريرها الأمين الشرعي، وبسبب وجود قاصرين بين المدعين بالبطلان فقد دفع
المدعى عليهم بعدم قبول دعوى البطلان حيث قبلت الدفع الشعبة الاستئنافية ، فلم
يقبل المدعون بالبطلان بالحكم الاستئنافي حيث قاموا بالطعن فيه بالنقض، غير ان
الدائرة المدنية رفضت الطعن وأقرت الحكم الاستئنافي، وقد ورد ضمن أسباب حكم
المحكمة العليا (فقد تبين للدائرة صحة الدفع المقدم من قبل المطعون ضدهم وموافقة
الحكم المطعون فيه لأحكام الشرع والقانون مما يتعين معه رفض الطعن وإقرار الحكم
المطعون فيه) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية :
الوجه الأول : اهلية القاصرين للتقاضي(امام المحاكم) :
يقرر
الفقه والقانون ان اقوال الصغير وتصرفاته
غير معتبرة شرعا،ً فلا يعتد بها مثلما قال الأمام الهادي (الصغير ليس من أهل
العبارة والتصرف) فالقاصر ليس أهلا للتقاضي لأنه غير مكلفا شرعا وقانونا،إلا أنه
يجوز للقاصر او الصغير مباشرة إجراءات التقاضي عن طريق وليه أو وصيه أو المنصوب
عليه للدفاع عن القاصر أو الصغير وأمواله والمطالبة بحقوقه، لان القضاء هو الجهة
المعتبرة شرعاً وقانوناً للفصل في الخصومات والنزاعات والتي اسند اليها الشرع
والقانون القيام بهذه المهمة, ويتمتع القضاة بالكفاءة والخبرة والنزاهة والأمانة في الفصل في الخصومات بما فيها
الخصومات والنزاعات التي يكون القاصر طرفاً فيها، ولذلك اجاز القانون لولي القاصر
ومن في حكمه مباشرة اجراءات التقاضي امام
المحاكم المختلفة نيابة عن القاصر بخلاف التحكيم الذي يشابه الصلح في بعض
المسائل.
الوجه الثاني : أهلية القاصر للتحكيم :
للإعتبارات والاسانيد
المشار اليها في الوجه الأول لا يجوز للقاصر أن يباشر بنفسه إجراءات التحكيم لانه
ليس من أهل العبارة فلا يعتد بلفظه وتصرفه، وكذا لا يجوز للقاصر ان يقوم بتوكيل
غيره لمباشرة إجراءات التحكيم نيابة عنه، لان الوكالة تصرف والقاصر ليس أهلا للتصرف، فلا يعتد بتصرفه،كما أنهً لا يجوز
لولي القاصر او وصيه او المنصوب عنه مباشرة إجراءات التحكيم نيابة عن القاصر، لان
المادة (5) من قانون التحكيم تنص صراحة على أنه لا يجوز التحكيم في سائر المسائل
التي لا يجوز الصلح فيها، ومن المقرر في القانون المدني انه لا يجوز لولي القاصر
الصلح نيابة عن القاصر لان في الصلح معنى التنازل والاسقاط للحق فلا يجوز التصالح
نيابة عن القاصرين إلا في حالتين الأولى : اذا كان القاصر مدعياً والمدعى عليه منكر
ولا دليل ولا حجة لدى القاصر على الحق المدعى به، والحالة الثانية : ان يكون
القاصر هو المدعى عليه وتكون دعوى المدعي ثابتة بالادلة القطعية فمن المرجح ان يحكم للمدعي على القاصر، ونخلص من هذا الوجه
إلى انه لا يجوز للقاصر ان يباشر إجراءات التحكيم بنفسه كالتوقيع على وثيقة
التحكيم أو المثول امام هيئة التحكيم او تقديم مذكرات اليها ولا يجوز له الادعاء
ببطلان التحكيم، كما لا يجوز للقاصر ان يباشر إجراءات التحكيم بواسطة وكيل عنه،
وفي هذا السياق لا يجوز له أيضا ان يحرر او يصدر وكالة لغيره لتمثيله في إجراءات
التحكيم لانه ليس أهلاً لإصدار الوكالة، كما لا يجوز لولي القاصر او وصيه ان يباشر
التحكيم نيابة عن القاصر إلا في الحالتين
السابق ذكرهما، فقد لاحظنا ان الحكم محل تعليقنا قد قضى بعدم جواز توكيل القاصرين
لأخيهما الكبير بتقديم دعوى بطلان حكم التحكيم.
الوجه الثالث : مسئولية الأمين الشرعي عن تحرير وكالة من القاصرين لأخيهما الكبير :
من خلال المطالعة للحكم محل تعليقنا فقد لاحظنا بان الأمين الشرعي قد خالف الشرع والقانون حينما قام بتحرير وكالة من الورثة بمن فيهم الطفلة التي عمرها ثمان سنوات والطفل الذي عمره إحدى عشرة سنة وذلك لأخيهما الكبير لتقديم دعوى بطلان حكم التحكيم وتمثيلهما امام محكمة الاستئناف فيما يتعلق بدعوى البطلان، ولا ريب ان ما قام به الأمين مخالف للشرع والقانون الذي يحدد الاهلية المدنية بـ 15 سنة،وقد اشار الحكم محل تعليقنا إلى مسئولية الأمين عن ذلك، لان قانون التوثيق يوجب على الأمين ان يتحرى ويتأكد من صحة التصرفات التي يطلب منه تحريرها وان يتأكد من صلاحية الأشخاص واهليتهم لإبرام التصرفات، والله اعلم.