لا يجوز لناظرالوقف طلب اليمين اوردها

 

لايجوز لناظرالوقف طلب اليمين اوردها

أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

الوقف مال الله وناظر الوقف مدير للوقف يديره ويحميه وينميه ولكن لايجوز له ان يطلب اليمين من خصم الوقف لخطورة الاثر المترتب على اليمين بالنسبة لمال الوقف وحقوقه ومصالحه وكذلك لايجوز للناظر ان يصالح على مال الوقف او يحكم فيه  وينطبق هذا القول على ناظر او مدير اراضي الدولة وولي القاصر ووصيه؛كما ان  من المسائل العملية مسالة حجية المذكرات والمراسلات الإدارية الصادرة عن الجهات الإدارية الحكومية فيما يتعلق بإثبات ملكية الوقف، لاسيما وان كثيراً من أموال الوقف قد ضاعت أو استولى عليها قليلوا الدين لعدم القدرة على إثبات ملكية الوقف لتلك الاموال ، ولذلك فان مناقشة حجية المذكرات الإدارية في إثبات ملكية الوقف تكتسب أهمية بالغة، ومن هذا المنطلق اخترنا التعليق على الحكم الصادر عن الدائرة الشخصية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 31/12/2011م في الطعن الشخصي رقم (43657) لسنة 1432هـ وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم ان مكتب وزارة الأوقاف قام بتأجير ارض من  أراضي الأوقاف فقامت احدى النساء برفع دعوى ضد المكتب لان الأرض التي قام بتأجيرها هي ملكها صارت لها أرثاً من أبيها وجدها ؛فرد مكتب الأوقاف بان الأرض ملك للأوقاف بموجب الوقفية الصادرة من أجداد المدعية فأقرت المدعية بأن احد أجدادها قد أوقف غالبية مساحة الأرض على الجامع إلا ان هناك مساحة من الأرض لم يقم بوقفها وهي الارض  محل النزاع وقدمت المدعية الفصل الخاص بأبيها الذي يبين ان الأرض محل النزاع من نصيبه وليست  من الوقف، فقام مكتب الأوقاف بإبراز مذكرة صادرة من ناظر الأوقاف بالمحافظة بتاريخ 19/10/1956م موجهة إلى الجهة العليا في المحافظة تضمنت افادة ناظر الأوقاف بانه قد قام بعون الله بزراعة الأرض كاملة بما فيها المساحة محل النزاع وان الأرض كلها ملك لوقف الجامع وانه ليس لجد المدعية حق في تلك الأرض، وبعدها طلب محام الأوقاف اليمين من المدعية واقربائها بان أجدادهم لم يوقفوا الأرض كاملة فحلفوا وبعد ذلك حكمت المحكمة الابتدائية (بقبول دعوى المدعية لتقديمها المستند الذي يثبت ذلك  ولان المدعى عليه مكتب الأوقاف قد طلب من المدعية ومن أقربائها اليمين على ان المساحة محل النزاع ليست من ضمن الأرض الموقوفة فمضوا في اليمين ومن خلال ذلك فقد تأكد للمحكمة ان الأرض ليست وقفاً بالكامل وانما مشتركة بين المدعية والوقف) فلم يقبل مكتب الأوقاف بالحكم الابتدائي فقام باستئنافه إلا ان الشعبة الاستئنافية رفضت الاستئناف وقضت بتأييد الحكم الابتدائي، وقد ورد ضمن  أسباب الحكم الاستئنافي ( ان مناعي المستأنف على الحكم الابتدائي لا أساس لها من الصحة حيث ان  محكمة أول درجة قد قامت بمناقشة تلك المناعي  حسبما ورد في أسباب الحكم الابتدائي ومن خلال ذلك تأكد لها عدم صحة تلك المناعي وان أرض المدعية لا تدخل ضمن الأرض الموقوفة) فلم يقبل مكتب الأوقاف بالحكم الاستئنافي حيث قام بالطعن فيه بالنقض إلا ان الدائرة الشخصية رفضت الطعن وأقرت الحكم الاستئنافي، وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا (اما من حيث الموضوع فقد ناقشت الدائرة ما أثاره الطاعن فيما يخص الوقف (في بئر...) وان تلك الأسباب ماهي الا أسباب موضوعية تتعلق بموضوع النزاع وقد قامت محكمة الموضوع بمناقشتها كما انه قد تم حسم هذا الموضوع باليمين ويترتب على ذلك  ان يكون الحكم قاطعاً) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية :

الوجه الأول : الوضعية القانونية للمذكرات أو المراسلات الإدارية :

المذكرات أو المراسلات الإدارية وفقاً لقانون الإثبات تعد محررات رسمية لها حجيتها الثبوتية وفقاً لقانون الإثبات باعتبارها صادرة من موظفين عموميين وتحمل أسم الدولة وشعارها وخاتمها فلتلك المحررات حجيتها الثبوتية باعتبارها محررات رسمية فلا يجوز الطعن بها الا بالطريق المحددة لذلك في القانونً حسبما ورد في المادتين (98 ، 100) إثبات ، وبناءً على ذلك فان المذكرات والمراسلات الحكومية القديمة التي تخبر بان الأرض محل النزاع فيما بين الوقف وغيره هي من اموال الوقف شريطة ان تكون المذكرة صريحة في تقرير ملكية الوقف وان لاتتضمن الاخبار بان الارض محل نزاع فيما بين الوقف واسلاف المنازعين للوقف، لان المدعية في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا كانت قد ردت على استدلال الأوقاف بالمذكرة الإدارية الصادرة عام 1956م بان تلك المذكرة قد تضمنت الافادة بعدم أحقية جدها في الأرض محل النزاع وفي ذلك دليل على ان الأرض كانت محل نزاع منذ ذلك الحين فرد عليها مكتب الأوقاف بان الأرض بيد الأوقاف وحيازتها منذ ذلك الحين وانها كانت مزروعة بنظر الأوقاف حسبما ورد في المذكرة وأضاف مكتب الأوقاف بان الأرض محل النزاع مشهورة  في المحلة بانها وقف الجامع.

الوجه الثاني : لا يجوز لمكتب الأوقاف أو ناظر الوقف أو محاميه طلب اليمين أو ردهاوتوصيتنا في هذا الشان :

من خلال مطالعة الحكم محل تعليقنا نجد ان مكتب الأوقاف قد طلب من المدعية وأقربائها ان يحلفوا اليمين على ان الأرض محل النزاع ليست من الوقف الذي أوقفه أجدادهم كما نجد ان الحكم محل تعليقنا قد استند على هذه اليمين في الحكم ضد الأوقاف ولصالح خصم الوقف، في حين انه من المقرر في الشريعة والقانون انه لا يجوز لناظر الوقف أو مدير أراضي الدولة أو الولي أو الوصي على أموال القاصرين طلب اليمين من الخصم أو ردها أو النكول عنها وقد أشترط قانون الإثبات في المادة (136) إثبات ان تكون الواقعة المراد الحلف عليها متعلقة بشخص الحالف، إلا انه كان ينبغي على قانون الإثبات أن ينص صراحة على عدم جواز طلب اليمين أو ردها أو النكول عنها بالنسبة لناظر الوقف أو أراضي الدولة وولي ووصي القاصرين، لان اليمين الحاسمة كما ذكر الحكم محل تعليقنا قاطعة وحاسمة للنزاع كما ان يترتب على المضي فيها عدم جواز الطعن في الحكم الذي يستند اليها كما انه يترتب عليها تخلص غريم الوقف أو الدولة من الحق الذي بذمته للوقف أو الدولة أو القاصرين حسبما ورد في المادة (143) إثبات.؛ ويرجع سبب منع ناظر الوقف ومدير اراضي الدولة وولي القاصر الى ان وظائف هولاء قاصرة على ادارة اموال الوقف والدولة والقاصرين والادارة ووظيفة الادارة تقتضي ان لايقوم المدير باي تصرف من شانه ذهاب المال الذي يديره؛ ومن التصرفات التي تذهب المال اليمين الحاسمة والبيع والرهن والتحكيم والصلح.

الوجه الثالث : توصية للأوقاف وهيئة أراضي الدولة :

من خلال مطالعة الحكم محل تعليقنا نجد خطورة اليمين وأثرها على حق الدولة أو الوقف؛ولذلك فاننا نوصي هاتين الجهتين بإصدار تعاميم إلى مكاتبهما وفروعهما يتضمن عدم جواز طلب اليمين أو ردها أو النكول عنها من خصوم الوقف أو أراضي الدولة، كما نوصي الأوقاف وهيئة الأراضي بان يتم تضمين قانوني الوقف وأراضي الدولة نصوص صريحة تقرر على انه لايجوز لمتولي الوقف او محاميه طلب اليمين أو ردها أو النكول عنها في مواجهة خصوم الوقف أو أراضي الدولة وكذا عدم جواز التحكيم أو التصالح بشأن أراضي الوقف والدولة، والله اعلم.