الولاية على الطفل في الفقه الاسلامي والقانون اليمني
(دراسة مقارنة )
د.عبد المؤمن شجاع
الدين
رئيس قسم الفقه المقارن بكلية الشريعة و القانون- جامعة صنعاء
مارس 2014م
m:
الحمد
لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وعلى آله وصحبه
أما بعد :
فهذه دراسة موجزة عن أحكام
الولاية على الطفل , وتشتمل هذه الدراسة على المحتويات الآتية:-
المبحــث الأول(تمهيدي)
:- علاقة موضوع الولاية على الطفل بقضاء الأحداث.
المبحث الثاني:-
ماهية الولاية على الطفل في الفقه الإسلامي , ويشتمل هذا المبحث على المطالب
الآتية:-
المطـلــب الأول : تعريف الولاية على الطفل في الفقه الإسلامي .
المطلــب الثانـي: مدة الولاية على الطفل في الفقه الإسلامي .
المطــلب الثالـث: ترتيب الأولياء على الطفل في الفقه
الإسلامي .
المطلب الرابـع : شروط الولي على الطفل في الفقه الإسلامي .
المطلب الخامس: أنواع الولاية على الطفل في الفقه الإسلامي .
المطلب السادس: كفالة الطفل في الفقه الإسلامي .
المطلب السابع :
الوصاية على الطفل في الفقه الإسلامي .
المبحث الثالث
:- الولاية على الطفل في القانون اليمني ويشتمل المطالب الآتية :
المطـلــب الأول: تعريف
الولاية على الطفل في القانون اليمني .
المطلــب الثانـي: شروط
الولي على الطفل في القانون اليمني .
المطــلب الثالـث: ترتيب الأولياء على الطفل في القانون
اليمني .
المطلب الرابـع : عزل الولي على الطفل في القانون اليمني .
المطلب الخامس: تعريف
الطفل في القانون اليمني .
المطلب السادس: المفاهيم
المتداخلة مع الولاية على الطفل ويشتمل على الفروع الآتية:
الفرع
الأول : تعريف حضانة الطفل في القانون اليمني وعلاقتها
بالولاية على الطفل .
الفرع
الثاني: كفالة الطفل وعلاقتها بالولاية على الطفل في
القانون اليمني .
الفرع
الثالث: الوصاية على الطفل وعلاقتها بالولاية على الطفل
في القانون اليمني.
المطلب السابـــع : الولاية
على الطفل في التقاضي في القانون اليمني .
المبحث
الأول
علاقة
موضوع الولاية على الطفل بقضاء الأحداث
أحكام الولاية على الطفل
متناثرة في قوانين مختلفة كالقانون المدني وقانون الأحوال الشخصية وقانون رعاية
الأحداث وقانون العقوبات وقانون حقوق الطفل وغيرها من القوانين , ولذلك لم ينل هذا
الموضوع حظه من الدراسة والبحث مع أهميته وصلته بشريحة الأطفال التي يفترض أن تكون
لها الأولوية والأفضلية والمصلحة الفضلى ، كما أنه لم يتم جمع شتات هذا الموضوع
المتشعب في مرجع واحد أو دراسة واحدة , وإضافة إلى هذا فإن موضوع الولاية على الطفل
تتداخل معه كثير من المسائل والأحكام والمفاهيم , ومن ذلك تداخل الولاية مع
الحضانة والكفالة والوصاية , ومع أن أحكام الولاية على الطفل قد تناثرت في قوانين كثيرة كما سبقت الإشارة
إلى ذلك إلا أن هذه القوانين قد أغفلت بعض الإحكام المتعلقة بالولاية على الطفل
مثل العلاقة بين الحضانة والولاية والكفالة وبيان مظاهر وحدود كل منها , كذلك تم
إغفال كثير من أسباب سلب الولاية على الطفل
وكيفيتها وبيان الجهات التي يحق لها طلب سحب الولاية .
ومن هذا المنطق وعلى هذا الأساس
فقد عقدت العزم على الإشارة بإيجاز إلى هذا الموضوع الهام باذلاً جهدي في سبيل لمّ
شتات هذا الموضوع المتشعب والمتناثر ووضعه أمام أعين المعنيين لبذل المزيد من
البحث والدراسة لهذا الموضوع وبيان موقف القوانين اليمنية المختلفة منه ولفت أنظار
المهتمين بالأحداث إلى هذا الموضوع الهام , كما أن الترافع نيابة عن الأحداث يحتم
على المترافع عن الأحداث الإحاطة والإلمام التام بأحكام الولاية على الطفل , لأن
المترافع في قضايا الأحداث ينبغي أن تكون له صفة في الترافع ولا تتحقق هذه الصفة
إلا بوكالة من صاحب الصفة الأصلية و المصلحة الأصلية وهو ( الأصيل) ومعلوم أن الطفل
لا يُعتد قانوناً بالتوكيل الذي يصدر عنه لآن الطفل ليس آهلاً لإبرام أية تصرفات
أو التعبير عن أي من التصرفات بما فيها توكيل الغير عنه, ومسألة العون القضائي للأحداث
تحتاج إلى دراسة دقيقة للتأكد من مدى قانونيته لاسيما عندما لا يكون هناك ولياً للطفل
أو وصياً عليه , مع التأكيد على قانونية قيام وزارة العدل بندب محامين للترافع عن
الأحداث لان تقديم العون والدعم منوط
قانوناً بوزارة العدل لأن السلطان ولي من لا ولي له ووزارة العدل هي النائب عن
السلطان في هذا الشأن .
كما أن دراسة وبحث أحكام
الولاية على الطفل ومسائلها سوف يوجد معالجات عدة لمشاكل الأحداث ومنها الإنفاق
عليهم وتربيتهم عن طريق البحث المعمق في مظاهر الولاية على الطفل وهي العناية بالطفل
ومن مظاهرها إطعام الأطفال وتوفير السكن المناسب والكسوة المناسبة لهم وعلاجهم
وتدريسهم وتدريبهم على المهنة التي يرغب الأطفال في الاشتغال بها عندما يكبرون
وغير ذلك – ومعلوم أن الولاية على الطفل لا تنعدم وإنما تنتقل من شخص إلى آخر إذا
انعدم الشخص أو انتكلت فيه شروط الولاية
فإذا انعدم الأولياء جميعاً أو انتكلت شروط ولايتهم , فالدولة هو الولي لمن
لا ولي له.
ومعلوم يقيناً أن الولي ملزم
بالإنفاق والرعاية والاهتمام بالطفل , كما أن مفهوم الولاية على الطفل له علاقته
الوثيقة بمعالجة ما يسمى بظاهرة تهريب الأطفال من حيث تحديد مفهوم الولاية وشروطها
وأحوال سحبها وما إذا كان الأب الذي يعرض ابنه لمخاطر التهريب أميناً على أبنه
وغيرها من المسائل التي يفترض فهمها وإدراكها بالنسبة لمن يعمل في مكافحة هذه
الظاهرة ومعالجتها والحد منها وتجفيف منابعها , ومن خلال الاعتبارات السابق ذكرها
تبرز أهمية بحث ودراسة مسائل الولاية على الطفل ضمن المسائل التي يتجه إليها
الاهتمام والدعم لقضاء الأحداث, ومعلوم أيضا أن أحكام الولاية على الطفل كانت
غائبة عن الورش والندوات التي كانت تقام في الماضي, والأمانة العلمية تقتضي القول
بأن برنامج تعزيز نظام عدالة الأطفال بوزارة العدل كان السبّاق في الاستجابة
للدعوات الصادقة لإدراج موضوع أحكام الولاية على الطفل ضمن أجندة الندوات والدورات
والورش التي نظمها المشروع مؤخراً.
المبحث
الثاني
ماهية
الولاية على الطفل في الفقه الإسلامي
وسوف نبين في المطلب الأول تعريف الولاية على الطفل في اللغة وفي الفقه وفي القانون , أما في
المطلب الثاني فسوف نذكر فيه ترتيب الأولياء على الطفل ، في حين نذكر في المطلب
الثالث نطاق الولاية على الطفل وحدودها ومظاهرها, وسيكون ذلك على النحو الآتي:
المطلب الأول
تعريف الولاية على الطفل
في الفقه الإسلامي
الولي في اللغة هو الناصر و
المعين ومن ذلك قوله تعالي (الله ولي الذين أمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور)
وكل من وليّ أمر واحدٍ فهو وليه, وتولى
العمل أي تقلده , وولاه السلطان عمل كذا وكذا, ويطلق على السلطان ولي الأمر.
أما عند الفقهاء فإن المقصود
بالولاية على الطفل هي القيام بأمر الطفل وتلبية احتياجاته كافة وتربيته, والولاية
تثبت على المولود الضعيف لأنه يحتاج إلى من يقوم على غذائه وفراشه ولباسه يغذيه
وينميه ويلبسه , كما يحتاج عندئذ إلى من يحميه ويرعاه, وإذا كانت أمه توليه
بعنايتها داخل المنزل فأبوه يوليه بحمايته وعطفه ورعايته داخل المنزل وخارجه, والولاية
عند الفقهاء تتداخل مع الحضانة التي يسميها الفقهاء (ولاية التربية الأولى) التي
تقوم بها الأم , فهي التي تقوم على شئون وليدها منذ أن ينزل من بطنها, فإن الأم هي
التي تحضنه لأنها امتداد لأصل خلقه وتكوينه وتغذيته وتفيض عليه من حنانها
وعطفها,حيث يكون في هذه المرحلة في رعاية أمه , ولهذا كانت الحضانة للنساء لان
الأمومة فطرتهن والطفل يحتاج في صدر حياته إلى أمومة حانية وهي التي تجعل الوليد
غلاماً من بعد ذلك يألف الناس , فالولاية على الطفل تتداخل مع الحضانة عند الفقهاء
, فالأبوين وهما يضللا الطفل بجناحين أحدهما من الأم يغذي وينمي والأخر من الأب
يحمي ويدرب على الحياة المستقلة , حيث تلتقي حضانتان حضانة الأم وحضانة الأب
بالولاية على الطفل فإذا أنفصل الزوجان أو مات أحدهما أو كان احدهما غير صالح
للحضانة
أو الولاية فإن الحضانة تكون للأم أو لغيرها من النساء وتكون الولاية على الطفل للأب
أو لغيره من ذوى قرابته ويكون توزيع الاختصاص بحكم الفقه, لا بحكم الاتفاق بين
الأبوين فقط, إذ هما يعملان بحكم الشرع على مصلحة ذلك الطفل, وعند التوزيع يكون
على الحاضنة الرعاية والقيام على شئون الحياة من مأكل وملبس وإيواء وعلى الولي على
الطفل أن يعتني بالطفل عن طريق التهذيب والإصلاح والحماية والإنفاق إضافة إلى
توفير المال اللازم الذي تحتاجه الحاضنة .
فالحضانة تستمر مشاركة للولاية
على الطفل حتى تنتهي مدة الحضانة وبعدها يصير الولي على الطفل هو المهيمن وحده حيث
يتولى إصلاح الطفل وتربيته وحمايته.
وعن علاقة الولاية على الطفل بجنوح
الأحداث فإن الأمام أبو زهرة يقول (أن الولاية على الطفل هي التي تصلح الأطفال وهي
التي تجعل المجتمع قائماً على التالف فيقل في المجتمع المنحرفون والأحداث , فانحراف
الأطفال يحدث بسببين الأول القدوة السيئة التي تكون في الولي على الطفل من أخلاق
فاسدة حيث ينشأ الأطفال على الأخلاق السيئة التي يتخلف بها الأولياء الفاسدون
المفسدون والسبب الثاني الإهمال المطلق للطفل حين لا يرعاه الولي ولا يلتفت إليه
أما لأن الولي أنفصل عن أمه أو لحدوث الشحناء و البغضاء بين الأب الولي والأم
الحضانة وضياع الطفل بين الاثنين) (2).
المطلب الثاني
مدة الولاية على الطفل في الفقه الإسلامي
تنتهي الولاية على الطفل بزوال
السبب الذي لأجله ثبتت الولاية على الطفل, والصغر ينتهي بالبلوغ , والبلوغ قد يكون
بالسنين وقد يكون بالعلامات – أما بالسنين فسن البلوغ هو خمس عشرة سنة عند الشافعي
والزيدية - وذهب أبو حنيفة والزمخشري إلى
إنها ثمان عشرة سنة في الابن وسبع عشرة سنة في البنت, وقال داود الظاهري لا بلوغ
بغير احتلام ولو بلغ أربعين سنة, وذهب الأمام مالك إلى أن سن البلوغ هو ثمان عشرة سنة
للابن والابنة على السواء- وقد استدل الشافعي والزيدية بالحديث الذي رواه أبن عمر
وأخرجه البخاري حيث قال أبن عمر (عرضني رسول الله يوم أحد في القتال وأنا أبن أربع
عشرة سنة فلم يجزني وعرضني يوم الخندق وأنا أبن خمس عشرة سنة فأجازني- قال نافع:
فقدمت على عمر بن عبد العزيز وهو يومئذ خليفة فحدثته بهذا الحديث – فقال : أن هذا
الحديث يبين الطفل و الكبير فكتب إلى عماله أن يفرضوا لمن كان ابن خمس عشرة سنة
ومن كان دون ذلك فاجعلوه في العيال) أما أبو حنيفة ومالك فقد استدلا بقوله تعالي
(ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده) وأشده هو بلوغ الثامنة
عشرة.
وكما يكون البلوغ بالسن فقد
يكون البلوغ بالعلامات أو الإمارات كالاحتلام وغلظ الصوت وانشقاق الأرنبة وكذا
نهود الأنثى وإنبات شعر العانة وإنبات شعر الشارب والإبط وإحضرار الشارب ولكن من
المعلوم بالنسبة للأمارات أنها غير مضطردة فهي تختلف باختلاف الجنس فللذكر علامات بلوغ
غير علامات بلوغ الأنثى ، كما أن هذه العلامات تتفاوت في نطاق الجنس الواحد (3)
.
المطلب الثالث
مراتب الأولياء على الطفل
في الفقه الإسلامي
اختلف الفقهاء في ذلك خلافاً
واسعاً متشعباً مبسوطاً في المراجع الفقهية – ونكتفي بالإشارة إلى بعض هذه الأقوال
الفقهية , حيث يجعل الفقهاء الولاية للعصبات
بدءً بالأصول ومنع الفقهاء الولاية عن الفروع , حيث يستحيل أن يكون هؤلاء أولياء
للطفل فليس له فروع , وبيان مراتب الأولياء على الطفل عند الفقهاء على النحو
الآتي:
1. الأصول – وأولهم الأب ثم يليه الجد (أبو الأب) وإن علا- وذلك لتميز هؤلاء (الأصول) بالشفقة على
الطفل ورعاية مصالحه قياساً بالأخوة الأشقاء أو الأخوة لأب , لأن مبنى الولاية على
الطفل الشفقة ورعاية المصلحة وهي أوفر في الأصول (الأب والجد وأن علا) وهذا ما ذهب
إليه غالبية الفقهاء منهم الشافعية والحنفية والزيدية .
2. وبعد الأصول يأتي الأخوة في ترتيب الولاية على الطفل
حيث يقدم الأخوة الأشقاء ثم الأخوة لأب, كما يتقدم في الولاية على الطفل أولاد
الأخوة على الأعمام لتقديم جهة الأخوة على جهة العمومة وهذا قول غالبية الفقهاء
ومنهم الشافعية والزيدية والحنفية.
3. وبعد الأخوة تأتي مرتبة الأعمام في الولاية على الطفل
ثم سائر العصبات من جهة الأعمام وبحسب ترتيبهم
في الميراث, ثم بعد ذلك يأتي ترتيب العصبة السببية
4. كافل اليتيم وإن كان أجنبياً عنه, وكذا تكون
الولاية على الطفل للملتقط الذي التقطه – وهذا ترتيب قويم جدير بالاعتبار , لأنه
إذا كان أهل الطفل قد أهملوه أو تركوه فقد قطعوا ما أمر الله به أن يوصل لذلك سقط
عنهم سلطان الولاية على الطفل, ويكون الشخص الأجنبي الذي تبرع بالكفالة والتربية
هو الجدير بالرعاية والحفظ والصون للطفل.
5. الحاكم أو السلطان أو الوالي, وهو ولي من لا ولي
له, وتثبت له الولاية على الطفل عندما يختلف الأولياء بشأن الولاية على الطفل أو
يمتنعوا عن القيام بها (العضل) تطبيقاً لقوله صلى الله عليه وسلم (فإن عضل فالسلطان
ولي من لا ولي له) كما تثبت هذه الولاية على الطفل إذا كان وليه الشرعي قد غاب
غيبة تحول دون رعايته للطفل وحفظه وتوجيهه , وللسلطان أن ينيب عنه في الولاية على الطفل
من يراه أصلح لرعاية وحفظ وتربية الطفل.
6. وإذا كان الطفل في منطقة خارجة على سيطرة الدولة
أو في دولة غير الدولة الإسلامية فتكون الولاية لمن يتبع الدولة ولمن يوجد من
المسلمين في الدولة غير الإسلامية بحسب صلاح هؤلاء وقدرتهم على تربية الطفل وحفظه
ورعايته (4) .
المطلب الرابع
شروط الولي على الطفل
يكاد الفقه الإسلامي يتفق فيما
يتعلق بشروط الولي على الطفل, حيث أتفق الفقهاء على أنه يشترط في الولي على الطفل
الشروط الآتية:-
الشرط الأول:
أن يكون الولي بالغاً عاقلاً, فلا يكون الولي على
الطفل طفلاً ولا مجنوناً, لأن الطفل والمجنون لا يصح أن يكون ولياً حيث يحتاج هو إلى
من يتولاه ويدبر أموره ويتولى رعايته وحفظه , فلا يصح أن يتولى غيره, كما أن
الولاية المتعدية التي تثبت على الغير فرع من الولاية التي تثبت للشخص على نفسه
فالذي لا يصح أن يكون والياً على نفسه لا يصح أن يكون ولياً على غيره.
كما أن الولاية أساسها المصلحة,
والمجنون والطفل لا يستطيع أن يعرف مصلحة نفسه , وتبعاً لذلك فلا يستطيع معاونة
غيره في تحقيق أوجه المصلحة.
الشرط الثــاني:
الإسلام فلا تجوز ولاية غير المسلم على المسلم , وهذا شرط متفق عليه بين أهل
الفقه, ولأن الولاية تتبع الميراث , وثبوت الميراث شرطه اتحاد الدين .
الشرط الثالث :
الذكورة يذهب كثير من الفقهاء إلى أنه يشترط في الولي أن يكون ذكراً في حين يذهب أبو
حنيفة إلى إثبات الولاية للأم والأخت وغيرهما من النساء وذلك بناءً على مذهبه في أن
الولاية تكون لعامة الأقارب ذكوراً وإناثاً (5).
الشرط الرابع:
ألا يكون الولي على الطفل محجوراً عليه لسفهه ,
لأن الغاية من الولاية على الطفل إصلاح الطفل وحفظه وصيانته ورعايته فلا يمكن أن
تثبت الولاية على الطفل إلا لرشيد رزين قادر على تدبير أموره وأمور غيره, فإذا كان
الشخص لا يحُسن تدبير أمور نفسه-فكيف يتولى تدبير أمور غيره .
الشرط الخامس:
أن يكون الولي على الطفل قادراً على حفظ الطفل
وصيانته فإذا كان قريب الطفل شيخاً هرماً
ضعيفاً لا يستطيع المحافظة على نفسه ويحتاج هو إلى من يحافظ عليه ويرعاه فلا تكون
لهذا الشيخ الهرم ولايةً على الطفل على الأقل فيما يتعلق بالحفظ والصيانة , وقد
قال إبن قدامة في المغنى (والشيخ الذي ضعف
لكبره سنه وعجز عن الحفظ لا ولاية له)(6) ويذهب الإمام أبو زهرة إلى أن الولاية على الطفل
هي في حقيقتها تالية للحضانة في الحفظ والصيانة وتستمر ما دام الغلام أو الجارية
في حاجة إليهما ولا تزولان بالنسبة لهما إلا بعد زوال الحاجة إليهما , ويشترط في
الحاضنة القدرة على القيام بحاجة الطفل فإن عجزت عنها سقط حقها في الحضانة وانتقلت
إلى من يليها من الحاضنات.
الشرط السادس:أن
يكون الولي على الطفل عدلاً , وفي اشتراط العدالة في الولي على الطفل قولان في
الفقه الإسلامي , الأول: أنها شرط لأن هذه الولاية الهدف منها معرفة الولي لمصلحة الطفل
بتجرد وحياد , والفاسق لا يستطيع التعرف على مصلحة الطفل لأن الفاسق خاضع للهوى
ومنقاد له , فضلاً عن أنه يجب أن يكون الولي عدلاً أميناً حتى يؤمن في حق غيره , ولأن
غير العدل يكون مسخوطاً عليه , وأي سخط أشد من أن يكون الإنسان عاصياً لله غير
عادل – أما القول الثاني : فقد ذهب إلى أنه لا يشترط في الولي على الطفل أن يكون
عادلاً مادام هذا الولي مدركاً فاهماً بمصلحة الطفل ورعايته وحفظه وصونه , كما أن
النبي صلى الله عليه وسلم قد اشترط العدالة في الشهود ولم يشترطها في الولي وذلك في
قوله صلى الله عليه وسلم (لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل).
المطلـب الخامــس
أنـــواع الولايـــة علـــى الطفل
يولد الطفل ضعيفاً , ولذلك فهو
يحتاج إلى من يرضعه ويغذيه بكل وسائل التغذية التي تناسب سنه وتتفق مع بنيته
البدنية وبالإضافة إلى ذلك فالطفل يحتاج إلى من يعلمه ويدربه على ما يحتاجه في
حياته ويدربه على مواجهة ظروف الحياة ويحميه من الناس والأخطار ويهذب غرائزه
ويوجهها نحو الخير , ويعوده العادات السليمة الطيبة ويشرف على تربيته وتوجيهه .
فالمولود يولد فاقد الأهلية
ويبقي كذلك إلى أن يبلغ سن التمييز ثم يدخل في دور جديد هو دور التمييز إلا أن
عقله وملكاته لا يزالان غضين فلا يقوى على تقدير الأفعال التي تصدر عنه تقديراً
صحيحاً ثم هو لا يصل إلى مرتبة التمييز إلا بعد أن ينضج عقله ويكون له بعض الخبرة,
ومعلوم أن بلوغ هذه المرتبة لا يتم لجميع الأطفال بصورة واحدة ولا في زمن واحد بل
هم مختلفون في ذلك اختلافا كبيراً)
ولا شك أن الطفل تكون أحواله
على مراحل, مرحلة يكون فيها فاقد التمييز وفي هذه المرحلة لا تكون تبعية القيام
بأمر الطفل ملقاة على الولي بل تشاركه فيها الحاضنة فهي تستمر مع الطفل إلى سن
التمييز وإلى ما بعدها على اختلاف الفقهاء في تقدير هذه السن وعلى مقدار سلامة جسم
الطفل وقدرته واستعداده للاستغناء عن خدمة النساء ورعايتهن , وعمل ولي الطفل في
هذه الفترة المشاركة في الرعاية , ولو أردنا أن نوزع الاختصاص فيما بين الحاضنة
والولي على الطفل فإن الحدود في التوزيع لا تكون محدودة الرسوم, فالحاضنة تكون
مسئولة عن الرعاية اليومية للطفل في إعداد غذائه وتغذيته وإلباسه وتنظفيه والإشراف
على منامه وتلبية احتياجاته اليومية بالإضافة إلى إمداده باحتياجاته من العطف
والرحمة والمودة لينشأ أليفاً مألوفاً.
أما الولي على الطفل فيتمثل
دوره في حماية الطفل وتربيته وتهذيبه وعلاجه إن مرض والحماية له من مخاطر الحياة
وأشرارها ويحفظ عليه دينه وأخلاقه ويراقب الحاضنة في ذلك لينشأ الطفل نشأةً حسنةً.
ولا ريب أن دور الحاضنة قبل سن
التمييز أوضح ظهوراً من دور الولي على الطفل , ولكن كلاهما دوره ضرورياً في هذه
المرحلة, هذا شـأن الطفل في مرحلة عدم التمييز أما المرحلة الثانية وهي مرحلة
التمييز, ففي هذه المرحلة يكون دور الولي هو الواضح , وتتنوع الولاية على الطفل
إلى الأعمال الآتية:
أولاً:- ولاية التعليم والتأديب:-
روي أن النبي صلى الله عليه
وسلم قال (غذ ولدك سبعاً وأدبه سبعاً وصاحبه سبعاً
ثم أترك حبله على غاربه) وهذا تقييم حسن يتفق مع طبائع السن في هذه الواجبات
الثلاث , وهو في ذاته حكمة بالغة والسبع السنين الأول يشترك فيها الولي مع الحاضنة
والسبع الثانية تكون فيها التبعة الكبرى على ولي الطفل ولكن يكون للحاضنة دور في
تسهيل وتيسير مهمة الولي إذا كان الطفل لا يزال في يدها.
والتعليم يبتدئ بالتلقين منذ أن
يدرك الطفل الأمور بل منذ يعرف أباه وأمه وأخوته وذوي قرابته ويكون تعليم الطفل بالتلقين
وبث الشعور الاجتماعي في الطفل وتربيته على ضبط النفس وتعويده على السيطرة على
غريزة الأثرة وبث روح الإيثار , لأن الطفل أناني بطبيعته يحسب أن كل ما في الوجود
من حقه دون غيره , وللأم دور كبير في هذا الشأن.
وإذا بلغ الطفل سن التمييز فيكون
تعليمه ببيان الحقائق الدينية بمقدار ما يطيقه عقله وتتسع له مداركه كما يتم
تعويده على العادات الدينية ويروضه وليه على القيام ببعض العبادات حتى يدرك حكمتها
, فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (مروا صبيانكم بالصلاة إذا بلغوا سبعاً
واضربوهم عليها إذا بلغوا عشراً) وقد جاء في كتاب أحكام الأطفال ما نصه (وإذا بلغ الصبي عشر سنين يضربه وليه لأجل
الصلاة باليد لا بالخشب ولا يزيد على ثلاث ضربات خفيفات فقد قال النبي صلى الله
عليه وسلم لمرداس المعلم (إياك أن تضرب فوق ثلاث فإنك إذا ضربت فوق الثلاث أقتص
الله منك).
ولا يقتصر تعليم الطفل على
العلوم الدينية بل يتم تعليم الطفل علوم الحياة والحرف النافعة له ولمجتمعه , وتعليم
الطفل وتأديبه يكون فرض العين بالنسبة لوليه ويكون فرض كفاية بالنسبة لغيره.
ثانيــاً: ولاية حفظ الطفل ورعايته :-
الطفل يولد ضعيفاً ولذلك يحتاج
إلى من يحميه من نفسه فيبعده عما يكون فيه ضرر عليه في جسمه أو في عضو من أعضائه,
فيجب على الحاضنة والولي على الطفل أن يتعاونا في المحافظة على جسم الطفل ونفسه
وأبعاده عن كل ما يتلف جسمه ونفسه وقد ذكر الفقهاء ما يدل على مسؤولية الأمهات
والآباء إذا أهملوا الأطفال, حيث جاء في كتاب أحكام الأطفال (أ- إذا كانت الأم هي
الحاضنة أو غيرها فخرجت وتركت الطفل فوقع في النار فإن الأم في هذه الحالة تضمن
الدية لتقصيرها في المحافظة على ولدها إذا لم يكن قد بلغ سن التمييز
ب- لو تركت الأم صغيرها عند امرأة وطلبت منها المحافظة عليه فوقع في النار فإن على
المرأة الدية لأنها أهملت الولد وقد تعهدت بالمحافظة عليه ، جـ- لو أمر الولي أو
غيره غلاماً أن يصعد إلى شجرة فصعد فسقط فمات فعلى الأمر للطفل الدية وإن كان
ولياً يعزر بالإضافة إلى ذلك , لأنه أخل
بواجب الولاية -د-لو أمر الولي أو غيره
أمر الطفل أن يذهب بدابةً ليسقيها فوقع في
النهر أو البئر فيكون من أرسل الطفل ضامناً لديته لأنه لم يحافظ على الطفل
-هـ- إذا أعطى ولي الطفل غير المميز سكيناً فقتل الطفل نفسه فيضمن الشخص الذي أعطى
الطفل السكين أما إذا كان الطفل مميزاً فلا يضمن الذي أعطاه السكين لأن الطفل
المميز مسئول عن تصرفه في حق نفسه).
والخلاصة أن ولي الطفل لا يجوز
له أن يهمل الطفل بل عليه أن يرعاه ويحافظ علي جسمه وعقله ونفسه فإن أهمل في شيء
من ذلك نزعت منه الولاية على الطفل , كما أن على الولي المحافظة على جسم الطفل بعدم
تعرضه للتهلكة فإذا قصر في ذلك فيسقط حقه في الولاية على الطفل , لأن هذه الولاية مقررة
لمصلحة الطفل فإن ترتبت عليها مضرة فإن يد الولي تنزع.
أما محافظة ولي الطفل على عقل الطفل
فتكون أولاً بمنعه من أن يتناول ما يصيبه بآفة في عقله وثانياً بأن يمكنه من
التعليم الذي يليق بمثله والذي ينمي عقله ومداركه , وأما محافظته على نفس الطفل
فيكون ذلك بان يبعد الطفل عن الشر ورفاق الشر ويعوده العادات الفاضلة كما أن على
الولي المطالبة بحقوق الطفل الناتجة عن الاعتداء على الطفل والدفاع عنه أمام
القضاء , فإذا اعتدى على جسم الطفل معتد فإن ولي الطفل هو الذي يترافع عن الطفل
للمطالبة بمعاقبة المعتدي والمطالبة بالأرش والمطالبة بالقصاص بالنفس أو ما دونها.
ثالثـــاً:- ولاية المحافظة على مال الطفل:-
الولي على الطفل لا يتعدى
اختصاصه إلى مال الطفل إذا لم يكن هو الولي على مال الطفل ولم يكن وصياً على المال
, فإن على الولي على الطفل عندئذ أن يحافظ على نفس الطفل في حين يتولى الولي على مال
الطفل المحافظة على المال واتخاذ الوسائل المختلفة لتنميته واستغلاله واستثماره وإدارته
وأداء ما يجب عليه من زكاة وفرائض وغيره.
وإذا كسب الطفل مالاً بعمله أو بجناية
عليه فأنه الولي على المال هو الذي يتولى إدارة هذا المال وحفظه , فإذا اعتدى
معتدٍ على الطفل واستحق أُرشاً فإن الذي يتولى الدعوى هو الولي على نفس الطفل , لأن
ذلك من قبيل المحافظة على النفس ومنع الاعتداء عليها , ولكن الذي يتولى قبض المال وإدارته
وتنميته هو الوصي أو القيم المالي.
رابعــاً:- منع الطفل من الاعتداء على غيره:
فمنع الطفل من الاعتداء أو
حماية الناس من أذاه يقتضي تأديب الطفل وتهذيبه وتعويده على الامتناع عن الاعتداء
على غيره وتلقينه الإيمان بأنه يجب عليه أن يحب للناس ما يحب لنفسه , وفضلاً عن
كون ذلك تأديباً للطفل فإن في منع الطفل من الاعتداء على الغير فإن في ذلك أيضاً
حماية لأموال الطفل من أن يُحكم بمبالغ منها تعويضاً لمن يعتدي الطفل عليهم , لأن
مال الطفل يضمن التعويض المالي عن الاعتداءات التي قد يرتكبها الطفل في حق الغير .
فالجرائم التي يرتكبها الطفل لا
يكون مسئولاً عنها لقوله صلى الله عليه وسلم
(رفع القلم عن ثلاثة عن الصبي حتى يحتلم وعن المجنون حتى يفيق وعن النائم حتى
يستيقظ) أما الأضرار التي يحدثها الطفل للغير فإن كان للطفل مال فيتم دفع التعويض
من مال الطفل وأن لم يكن له مال فعاقلة الطفل (عشيرته وأقاربه) هي التي تدفع
الديات والأروش التي يحدثها الطفل بغيره إعمالاً للقاعدة التي تنص على أن (عمد
الصبي خطأ تضمنه عاقلته).
المطلب السادس
كفالة الطفل في الفقه الإسلامي
معنى الكفالة : قال ابن منظور في لسان العرب (الكافل هو
العائل ، فيقال كفله يكفله ، وقد ذكر الله سبحانه وتعالى كفالة النبي زكريا لمريم
عليهما السلام بقوله تعالى (وكفلها زكريا) أي تكفل زكريا بالقيام بأمرها , كما
أخرج البخاري ومسلم في صحيحهما أن النبي r قال (أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا وأشار بأصبعيه السبابة
والوسطى ) وقال النووي في شرح هذا الحديث : كافل اليتيم هو القائم بأموره من نفقة
وكسوة وتأديب وتربية وغير ذلك ، وهذه الفضيلة تحصل لمن كفل اليتيم أو تكفل بأمره
سواء كان ذلك من مال اليتيم أو من مال الكافل .
والكافل هو الذي يكفل الطفل
فيعوله وينفق عليه ، وفي الحديث (الربيب كافل) والربيب هو زوج الأم التي لها صغير
, ومعنى هذا الحديث أن زوج الأم يتكفل بنفقة طفلها اليتيم .
وبعد بيان معنى كفالة الطفل في اللغة
وفي الفقه الإسلامي من المناسب الإشارة إلى بعض مسائل كفالة الطفل في الفقه الإسلامي
وذلك في الفروع الآتية :
الفرع الأول : مدة
وشروط كفالة الطفل في الفقه الإسلامي .
الفرع الثاني : لمن
تكون كفالة الطفل في الفقه الإسلامي.
الفرع الثالث: انتهاء
مدة كفالة الطفل في الفقه الإسلامي.
الفرع الرابع :
الحدود بين كفالة الطفل وحضانته في الفقه الإسلامي .
الفرع
الأول
مدة وشروط
كفالة الطفل في الفقه الإسلامي
تبدأ الكفالة على الطفل من السنة السابعة عند الشافعية
والحنفية والحنابلة بالنسبة للذكر ، أما الأنثى فتبدأ من السنة السابعة عند
الشافعية والحنابلة في حين ذهب الحنفية إلى القول بأن كفالة الأنثى تبدأ من السنة
التاسعة(7) .
وأما المالكية فلا يفرقون بين الحضانة والكفالة حيث تبدأ
مدتهما من ولادة الطفل إلى أن يبلغ الذكر وتتزوج الأنثى(8) .
ومما يجدر ذكره أن شروط الكفالة هي شروط الحضانة وقد سبق شرحها
في المطلب الرابع .
الفرع
الثاني
لمن تكون
كفالة الطفل في الفقه الإسلامي
اختلف الفقهاء بشأن هذه المسألة فذهب بعض الفقهاء إلى أن تقرير
الكفالة تكون للطفل نفسه عند بلوغه سبع سنين فللطفل اختيار من شاء من الوالدين لكي
يكون كافلاً له , فإن اختار الطفل الأب فتكون الكفالة للأب وأن اختار الأم فتكون
الكفالة لها وقد ذهب إلى هذا القول الشافعية والحنابلة ، أما الأنثى فتكون كفالتها
للأب في الكفالة عند الحنابلة (9).
وأما الحنفية فلم يجعلوا الأمر بيد الطفل في اختيار من يكفله وإنما
قالوا إذا انتهت مدة الحضانة في الذكر فإن الطفل ينتزع ويُسلم إلى أبيه فتكون
الكفالة للأب (10)، وقالت المالكية أن الكفالة تكون للأم(11) ،
أما الزيدية فجعلوا كفالة الطفل بالنسبة للذكر للأب لكي يقوم بتعليمه وتربيته
ويعوده على عادات الرجال وآدابهم .
وتكون كفالة الأنثى للأم لتتعلم الطفلة عندها أعمال النساء
وأدبهن ولأن أمها أصون لها وأحفظ من الأب وأن الأم تستطيع مراقبتها في كل وقت
بخلاف الأب فإن أكثر أعماله خارج البيت فإذا مات الأب فالكفالة تكون للأم في الطفل
سواءً كان ذكراً أو أنثى وكذلك العكس(12) .
الفرع
الثالث
انتهاء مدة
كفالة الطفل في الفقه الإسلامي
تنتهي الكفالة على الطفل الذكر ببلوغه رشيداً لأنه أصبح مستغنياً
عن الكفالة فله أن يستقل بأموره وليس لأبيه ولا لغيره من الأولياء إجباره على
البقاء عنده إذا بلغ رشيداً إن أراد الانفراد، أما إذا بلغ غير رشيد فإن ولاية
الأب والجد وغيرهما من العصبات تكون مستمرة ، لكن الأولى أن الولد يبقى عند أبويه
كي يبرهما ويكون الأفضل له البقاء عند الأب ، لكنه إن أراد الولد الانفراد وخيف
عليه من الفتنة فللأب أن يمنعه من المفارقة ولو بلغ عاقلاً رشيداً ، أما الأنثى
فإذا بلغت رشيدة وعقلت فليس لها الانفراد عن أبويها أو حاضنها أو كافلها حتى تتزوج
بل تبقى مع أبويها إن كانا مجتمعين أو عند أحدهما إن كان مفترقين لأنه أبعد للتهمة(13).
الفرع
الرابع
الحدود بين
مدة كفالة الطفل ومدة حضانته في الفقه الإسلامي
اختلف الفقهاء في تحديد مدة الطفل ومدة حضانته على النحو الآتي
:
أولاً مذهب الحنفية :
حدد الحنفية مدة الحضانة في الذكر سبع سنين وفي الأنثى تسع
سنين ، وعلى ذلك فإن مدة الحضانة تنتهي في خلال هذه الفترة وما بعدها تسمى كفالة
ويكون الولد فيها عند الأب .
ثانياً مذهب المالكية:
حدد المالكية مدة الحضانة في الذكر إلى أن يبلغ وفي الأنثى إلى
أن تتزوج .
ثالثاً مذهب الشافعية :
ومدة الحضانة عندهم تمتد إلى أن يصير الطفل مميزاً فإذا صار
الطفل مميزاً فإنه يحق له الاختيار وبعد الاختيار تسمى هذه المدة كفالة وليس حضانة
.
رابعاً مذهب الحنابلة :
حدد الحنابلة مدة الحضانة في الذكر والأنثى وهي سبع سنين
وبعدها للولد الخيار ، على ذلك فإن مدة الحضانة تنتهي بانتهاء هذه الفترة وما
بعدها تكون كفالة .
خامساً مذهب الزيدية :
لم يحدد الزيدية سن معين للحضانة وإنما قالوا تستمر الحضانة إلى
أن يصير الطفل يعرف ما ينفعه ويتوقى مما يضره .
وعليـه فإن مدة الحضانة سبع سنين عند الجمهور ، أما المالكية
فإنه لا يوجد عندهم حد دقيق بين الحضانة والكفالة وهم يفرقوا بينهما وإنما جعلوا
الأمر واحداً فهم جعلوا مدة الحضانة في الذكر إلى أن يبلغ والأنثى إلى أن تتزوج
وهذه المدة تشمل الحضانة والكفالة .
المطلب
السابع
الوصاية
على الطفل في الفقه الإسلامي
تمهيد :
من حكمة الله تعالى ورحمته بعباده أنه شرع الوصاية على الطفل عند
موت الولي أوغيابه لأجل الحفاظ على أنفس وأموال الأطفال وتربيتهم والاهتمام بهم
حتى يبلغوا ، والإشارة إلى أحكام الوصاية على الطفل تقتضي الكلام عليها في أربعة
فروع :
الفرع الأول : ماهية الوصاية والوصي على الطفل في الفقه
الإسلامي .
الفرع الثاني : شروط الوصي على الطفل في الفقه الإسلامي.
الفرع الثالث : لمن تكون الوصاية على الطفل في الفقه الإسلامي.
الفرع الرابع : سقوط الوصاية على الطفل في الفقه الإسلامي .
الفرع
الأول
ماهية
الوصاية والوصي على الطفل في الفقه الإسلامي
أولاً تعريف الوصاية :
الوِصاية لغة : بالكسر أو الفتح للواو وقيل : الإيصاء طلب الإنسان
شيء من غيره ليفعله على غيب منه حال حياته وبعد وفاته(14).
الوصاية شرعاً : هي أن يعهد الإنسان إلى غيره كي يقوم بأمر
الأطفال وتنفيذ الوصايا وقضاء الدين من بعده(15).
ثانياً : تعريف الوصي :
الوصي لغة : أوصى له شيء وأوصى إليه وجعله وصية والاسم الوصاية
بفتح الواو وكسرها وتواصي القوم أوصى بعضهم بعضاً(16) .
الوصي شرعاً : هو من عينه الوصي ليقوم مقامه بعد موته في عمل
ما كان للموصي فعله في حياته مما أجاز له الشرع الإنابة فيه كقيامه على أولاده
القاصرين(17) .
الفرع
الثاني
شروط الوصي
على الطفل في الفقه الإسلامي
لقد نظم الفقه الإسلامي شروط الوصي حتى تكون وصاية صحيحة وتكون
أفعاله نافذة إذا كان متصفاً بها وهي :
أولاً : البلوغ
إن شرط البلوغ متفق عليه عند الفقهاء جميعاً لذلك فلا يصح عند
الجميع الوصي إلا إذا كان بالغاً , فالصبي والمجنون لا تصح الوصاية إليهما لأن
الصبي ليس من أهل الولاية ولأنه مولى عليه فكيف يلي أمر غيره (18).
ثانياً : العقل :
أن شرط العقل من الشروط الأساسية في صحة الوصاية لأنه لا بد من
إدراك الوصي بما يقوم به ولا يكون كذلك إلا إذا كان عاقلاً فلا تصح الوصاية إلى
مجنون أو معتوه أو سفيه لأنه
لا يهتدي إلى التصرف ولأنه عاجز عن التصرف
لنفسه فكيف يكون تصرفه لغيره صحيحاً ؟
وإذا جن الوصي في أثناء وصايته فتعتبر ولايته باطلة ولا بد أن
يقوم الحاكم بإيجاد قيم أمين ناظر للميت في ماله ومال الأولاد (19).
ثالثاً : الإسلام :
اتفق الفقهاء على أن الوصي لا بد أن يكون مسلماً لأنه لا ولاية
لكافر على مسلم (20)، لقوله تعالى {لاَّ
يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ ) (28) سورة
آل عمران وقوله تعالى {يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ
يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً } (118) سورة آل عمران قوله تعالى {وَلَن
يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً} (141)
سورة النساء .
وقيل تجوز الوصاية للكافر على المسلم في حالة الضرورة كأن يكون
أولاد الولي في بلاد الكفر وخاف على أولاده من الضياع ولم يجد من يوصي إليه من
المسلمين ففي هذه الحالة تجوز الوصاية إلى الكافر إذا كان يثق به (21) , لقوله تعالى {يِا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ
الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ
غَيْرِكُمْ } (106) سورة المائدة
رابعاً : الأمانة :
أن هذا الشرط يعتبر من الشروط المهمة لدى الفقهاء إلا أن كل
واحد عبر به بلفظ يغاير لفظ الآخر فمنهم من اشترطه صراحة ومنهم من اشترطه ضمناً .
لذلك فقد اشترط الشافعية والحنابلة والمالكية والحنفية أن
الوصي لابد أن يكون أميناً عدلاً لما فيها
من الولاية ومقصودها الأعم , فالفاسق غير مأمون فلا تصح الوصاية إليه ولا إلى خائن
, لأن الوصاية ولاية وإئتمان , ولأن الفاسق ليس من أهل الولاية في الوصاية , فإذا
كان الوصي فاسقاً فإن حكم الطفل كحكم من لا وصي له فينظر الحاكم في ماله وإذا طرأت
الخيانة بعد الوصية فإن ولايته تزول(22).
خامساً حسن التصرف :
فقد اشترط الفقهاء في الوصي على الطفل أن يكون قادراً على حسن
التصرف وعلى القيام بما أوصى إليه , فلا تصح الوصاية لمن لا يهتدي إلى التصرف لسفه
أو هرم أو غفلة لأنه
لا مصلحة فيه ولا إلى عاجز عن التصرف لكبره أو مرضه فإذا حصل ذلك فإنه يجب على
الحاكم أن يعين شخصاً أخر لكي يعينه ويرشده(23) .
ولا يشترط في الوصاية الذكورة لذلك يجوز أن تكون للنساء وتكون
أحق بها من النساء الأم لوفور الشفقة والرحمة على ولدها .
وأجاز الفقهاء الوصاية للأعمى لأنه من أهل الشهادة والتصرفات
فأشبه البصير(24) .
الفرع
الثالث
لمن تكون
الوصاية على الطفل في الفقه الإسلامي
اتفق الفقهاء على أن الوصاية على الطفل تكون للأب فقط لوفور
الشفقة على ولده أفضل من غيره ثم اختلفوا لمن تكون بعد الأب على النحو الآتي :
أولاً الحنفية : إن الذي يلي الأب وصيه ثم وصي
وصيه ثم الجد ثم وصيه ثم القاضي ثم وصيه ويجوز عندهم إسناد الوصاية إلى الزوجة
والأم وغيرها من النساء وإلى كل قريب وارث أو غير وارث(25) .
ثانياً : الشافعية: أن الذي
يلي الأب الجد ثم وصيهما ثم تكون بعد ذلك للحاكم ، ولا ولاية للأم في المال على
الأصح وقيل أنها تلي بعد الأب لكمال شفقتها ، أما العصبة فلا ولاية لهم(26)
.
ثالثاً : الحنابلة : إن الذي
يلي الأب الوصي ثم المتبرع ثم بعده الحاكم ، فإن لم يوجد حاكم فقيم أمين يقوم به ،
أما بالنسبة للأم والجد وسائر العصبات فلا ولاية لهم(27) .
الفرع
الرابع
انتهاء
الوصاية على الطفل في الفقه الإسلامي
من خلال ما سبق في شروط الوصي على
الطفل يتبين لنا متى تنتهي مدة الوصاية حيث تنتهي عندما يبلغ الطفل , فإذا بلغ مبلغ
الرجال فتنتهي عندها الوصاية ويجب على الوصي أن يسلمه ما له لأنه أصبح قادراً على
التصرف فيه ويكون تصرفه نافذاً ، وقد اختلف الفقهاء في علامات البلوغ وكذلك في
السن التي يبلغ الطفل عندها وقد سبق لنا أن أشرنا إلى تفاصيل ذلك عندما استعرضنا
حالات انتهاء الولاية على الطفل بالبلوغ ولا حاجة إلى ذكر ذلك هنا خشية الإطالة
والتكرار .
المبحث الثالث
الولاية على الطفل في القانون اليمني
دراسة هذا الموضوع تقتضي الإشارة بإيجاز
إلى تعريف الولاية على الطفل في القانون اليمني والإشارة إلى المفاهيم ذات الصلة
بالولاية على الطفل وشروط الولي وأحوال سلب الولاية على الطفل ... وغيرها من
المسائل ذات الصلة بالموضوع.
وبيان ماهية الولاية على الطفل في
القانون اليمني يقتضي الإشارة إلى تعريف الولاية على الطفل في القانون وكذا تعريف الطفل-ونظراً
لتداخل الولاية على الطفل مع الحضانة فأن ذلك يقتضي تعريف الحضانة وبيان مدتها وتداخلها
مع الولاية على الطفل والوصاية على الطفل وكذا الوقوف على تعريف الكفالة فضلاً عن
الإشارة إلى الولاية على الطفل في التقاضي وغير ذلك من المسائل ذات الصلة بالموضوع
وعلى النحو الأتي:-
المطلب الأول
تعريف الولاية على الطفل في القانون اليمني
عرفت المادة (41) من قانون
الطفل الولاية على الطفل بأنها (العناية بكل ماله علاقة بشخص الطفل) ومن خلال استقراء
هذا النص تظهر بجلاء تام صيغة العموم فكل شي له علاقة أو صله بشخص الطفل يعد من
قبيل أعمال الولاية – وقد سبق لنا أن ذكرنا أعمال الولاية على الطفل وأنواعها عندما
عرضنا ماهية الولاية على الطفل في الفقه الإسلامي ولا تختلف أعمال الولاية على الطفل
وأنواعها في الفقه الإسلامي عن أعمال الولاية على الطفل في القانون اليمني, ولا حاجة
إلى تكرار ما سبق أن ذكرناه لاسيما أن كتب الفقه الإسلامي هي المرجع في تفسير نصوص
القانون اليمني وفقاً للمادة (18) من القانون المدني التي نصت على أن (المرجع في
تفسير نصوص القوانين وتطبيقها هو الفقه الإسلامي والمذكرات الإيضاحية والكتب
الشارحة الصادرة من الهيئة التشريعية المختصة).
المطلب الثاني
شروط الولي على الطفل
في القانون اليمني
ذكرت المادة (43) من قانون حقوق
الطفل شروط الولي على الطفل حيث نصت تلك المادة على أنه (يشترط في الولي والوصي أن
يكون كل منهما كامل الأهلية بالغاً عاقلاً أميناً حسن التصرف والسلوك قادراً على
القيام بمقتضيات الولاية فإن أختل شرط من ذلك فللقاضي عزل الولي والوصي وعمل ما
فيه المصلحة) وشروط الولي هذه هي الشروط ذاتها التي أشترطها الفقهاء في الولي على الطفل
والتي سبق أن ذكرناها إلا أن القانون اليمني لم يشترط الذكورة في الولي حيث يجوز
أن تكون المرأة ولياً على الطفل وهذا هو ما ذهب إليه الحنفية الذين لا يشترطون
الذكورة في الولي على الطفل .
وإضافةً إلى شروط الولي على الطفل
السابق ذكرها فإن قانون الطفل قد أشترط في المادة (42) الإسلام في الولي على الطفل
المسلم , وقد سبق لنا شرح شروط الولي على الطفل حينما ذكرنا شروط الولي على الطفل
في الفقه الإسلامي , ولا حاجة لتكرار ذلك هنا خشية الإطالة .
المطلب الثالث
ترتيب الأولياء على الطفل في القانون اليمني
تنص المادة (42) من قانون حقوق
الطفل على أن (الولاية على النفس للأب وللعاصب على ترتيب الإرث وفقاً للقوانين
النافذة) في حين بينت المواد من (315) وحتى المادة (321) ترتيب العاصب في الإرث ,
حيث نصت المادة (315) على أن (العصبة من النسب
ثلاثة أنواع : 1-عاصب بنفسه 2-عاصب
بغيره 3-عاصب مع غيره) وقد فصلت العصبات المادة
(316)التي نصت على أن (للعصبة بالنفس :
جهات أربع مقدم بعضها على بعض في الإرث ، على الترتيب الأتي: 1- الابن ثم ابن الابن وان نزل 2- الأب ثم الجد الصحيح وان علا 3-الإخوة
الأشقاء ثم الإخوة لأب ثم بنو الإخوة الأشقاء ثم الأب وان نزل كل منهم 4- العم لأبوين ثم لأب ثم ابن العم لأبوين ثم
لأب وان بعدوا) وكذا نصت المادة (317) على
أنه (كل من كان أقرب إلى الميت درجة من العصبة بالنفس فهو أولى بالميراث كالابن
والأب وكل من كان ذا قرابتين فإنه أولى من ذي قرابة واحدة سواء كان ذو القرابتين ذكراً أو أنثى فإذا اتحدوا في
الجهة والدرجة والقوة كان الإرث بينهم ) كما نصت المادة (318) على أنه (العصبة
بالغير : أ- البنات مع الأبناء ب- بنات الابن وان نزلن مع أبناء الابن وان
نزلوا إذا كانوا في درجتهن مطلقا أو كانوا
انزل منهن إذا لم يرثن بغير ذلك ج- الأخوات لأبوين مع الإخوة لأبوين والأخوات
لأب مع الإخوة لأب مع مراعاة أن يكون الإرث في هذه الأحوال للذكر مثل حظ الأنثيين
) في حين نصت المادة (319) على أن (العصبة مع الغير : الأخوات لأبوين أو لأب مع
البنات أو بنات الابن وان نزلن مع مراعاة أن يكون لهن الباقي في التركة بعد الفروض
وفي هذه الحالة تعتبر الأخوات لأبوين كالإخوة لأبوين والأخوات لأب كالإخوة لأب
ويأخذن أحكامهم بالنسبة لباقي العصبات في التقديم بالجهة والدرجة أو القوة) في حين
نصت المادة (320) على أن (أ- إذا اجتمع ( الجد العصبي) مع الإخوة والأخوات لأبوين
أو لأب فانه يقاسمهم كأخ ما لم تنقصه المقاسمة عن السدس فيرد إليه إن كانوا
ذكورا أو ذكورا وإناثا
أو إناثا عصبهن البنات أو بنات
الابن ب- إذا كان الجد مع أخوات لم يعصبن
بالذكور ولا مع البنات أو بنات الابن فانه يستحق الباقي بعد أصحاب الفروض بطريق
التعصيب وأما إذا كانت المقاسمة أو الإرث التعصيب على الوجه المتقدم تحرم الجد من
الإرث أو تنقصه عن السدس اعتبر صاحب فرض بالسدس) وكذا نصت المادة (321) على أنه (أ-
إذا اجتمع الأب أو الجد مع البنت أو بنت الابن وان نزلت استحق الجد السدس
فرضا والباقي بطريق التعصيب ب- إذا اجتمع الأب أو الجد مع الابن أو ابن
الابن فليس له إلا السدس فرضا والباقي للورثة تعصيبا ج- إذا انفرد الأب أو الجد بنفسه فانه يأخذ
المال كله بالتعصيب) وأهم ما نلاحظه في هذا الشأن أن القانون في إحالته لترتيب
الأولياء في الولاية على الطفل إحالته إلى ترتيب الورثة قد جعل ترتيب الأولياء على
الطفل أكثر تعقيداً , علماً بأن القانون لم يخالف ترتيب الأولياء على الطفل في
الفقه الإسلامي ولو اتبع القانون اليمني طريقه الفقهاء في ترتيب الأولياء على الطفل
لكان أفضل لسهولة ترتيب الفقهاء للأولياء على الطفل .
المطلب الرابع
عزل الولي على الطفل في القانون اليمني
ذكرت المادة (43) من قانون
الطفل على أنه (إذا اختل أي شرط من شروط الولي على الطفل السابق ذكرها فللقاضي عزل
الولي ، إلا أن القاضي قطعاً لا يقوم بعزل الولي من تلقاء نفسه ومن غير دعوى أو طلب ولم يبين القانون
اليمني الشخص الذي يرفع دعوى العزل وكيفية رفعها والمحكمة المختصة بذلك وحالات
العزل وتفاصيلها بخلاف القانون المصري الذي تناول هذه المسائل تفصيلاً , حيث نصت
المادة (16) من القانون رقم (1) لسنة2000م بشأن الأحوال الشخصية بمصر على أن ترفع
الدعوى في مسائل الولاية على النفس بالطريق المعتاد لرفع الدعوى المنصوص عليها في
قانون المرافعات المدنية والتجارية .
ومما يجدر ذكره في هذا الشأن أن
القانون رقم (118) لسنة1952م بتقرير حالات سلب الولاية على النفس الصادر بمصر قد
حدد صراحة حالات سلب الولاية على الطفل ، كما أنه قد بين كيفية سلب الولاية على الطفل
ووقف الولاية واستعادتها كما بيّن هذا القانون كافة التفاصيل بخلاف القانون اليمني
الذي تناول ذلك في جمله يتيمه وهي (للقاضي عزله ، أي عزل الولي ) حيث نصت المادة
(13) من القانون المصري السالف ذكره على أنه (يقصد بالولي في تطبيق أحكام هذا
القانون الأب والجد والوصي وكل شخص ضم إليه الطفل بقرار أو من جهة الاختصاص) في
حين تنص المادة (2) من القانون المشار إليه على أن (تسلب الولاية ويسقط كل ما
يترتب عليها من حقوق عن كل من 1- من حكم عليه بجريمة الاغتصاب أو هتك العرض أو
لجريمة مما نص عليه في القانون رقم (68) لسنة1951م بشأن مكافحة الدعارة إذا وقعت
الجريمة على أحد من تشملهم الولاية 2-
من حكم عليه لجناية وقعت على نفس أحد من تشملهم الولاية أو حكم عليه لجناية وقعت من
أحد هؤلاء 3- من حكم عليه لأكثر من مره
لجريمة مما نص عليه في القانون رقم (68) لسنة1951م بشأن مكافحة الدعارة , ويترتب
على سلب الولاية بالنسبة إلى طفل سلبها بالنسبة إلى كل من تشملهم ولاية الولي من الأطفال
الآخرين فيما عدا الحالتين المشار إليها في البند (2) إذا كان هؤلاء الأطفال من
فروع المحكوم بسلب ولايته وذلك ما لم تأمر المحكمة بسلبها بالنسبة إليهم أيضاً ) .
وحالات سلب الولاية السابق
ذكرها يلاحظ أنها وجوبية ، أما المادة (3) من القانون السابق ذكره فقد بينت الحالة
الجوازية لسلب الولاية حيث نصت هذا المادة على أنه (يجوز أن تسلب أو توقف كل أو
بعض حقوق الولاية بالنسبة إلى كل أو بعض من تشملهم الولاية في الأحوال الآتية :
1. إذا حكم على الولي بالأشغال الشاقة المؤبدة أو
المؤقتة .
2. إذا حكم على الولي بجريمة اغتصاب أو هتك عرض أو
بجريمة مما نص عليه القانون رقم (68) لسنة1951م بشأن مكافحة الدعارة .
3. إذا حكم على الولي أكثر من مره لجريمة تعريض
أطفال للخطر أو الحبس بغير وجه حق أو لاعتداء جسيم متى وقعت الجريمة على أحد من
تشملهم الولاية .
4. إذا حكم بإيداع أحد المشمولين بالولاية داراً من
دور الإصلاح وفقاً للمادة (67) من قانون العقوبات أو طبقاً لنصوص قانون الأحداث
المشردين .
5. إذا عرض الولي للخطر صحة أحد من تشملهم الولاية
أو سلامته أو أخلاقه أو تربيته بسبب سوء المعاملة أو سوء القدوة نتيجة الاشتهار
بفساد السيرة أو الإدمان على الشراب أو المخدرات أو بسبب عدم العناية أو التوجيه
ولا يشترط في هذه الحالة أن يصدر ضد الولي حكم بسبب تلك الأفعال ).
في حين نصت المادة (4) من
القانون السالف ذكره على أنه (يُحكم بسلب الولاية ولو كانت الأسباب التي اقتضت
سلبها سابقة لقيام الولاية أو لقيام سببها).
أما المادة (5) فقد بينت أثار
سلب الولاية حينما نصت على أنه (إذا قضت المحكمة بسلب الولاية أو بوقفها عهدت بالطفل
إلى من يلي المحكوم عليه فيها قانوناً فإن امتنع أو لم تتوفر فيه أسباب الصلاحية
لذلك جاز للمحكمة أن تعهد بالطفل إلى أي شخص أخر ولو لم يكن قريباً له متى كان
معروفاً بحسن السمعة وصالحاً للقيام على تربيته أو أن تعهد به إلى أحد المعاهد أو
المؤسسات الاجتماعية لهذا الغرض وفي هذه الحالة يجوز للمحكمة أن تفوض من عهدت إليه
بالطفل بمباشرة كل أوضاع حقوق الولاية .
وإذا قضت المحكمة بالحد من
الولاية فوضت مباشرة الحقوق التي حرمت الولي منها إلى أحد الأقارب أو إلى شخص
مؤتمن أو إلى معهد أو مؤسسة مما ذكر على
حسب الأحوال .
وفي السياق ذاته تأتي المادة
(7) التي تنص على أنه ( إذا وقعت الجريمة على صغير أو منه مما يوجب أو يجيز سلب
الولاية جاز لسلطة التحقيق أو الحكم أن تعهد بالطفل إلى شخص مؤتمن يتعهد بملاحظته
والمحافظة عليه أو إلى معهد خيري معترف به من وزارة الشئون الاجتماعية حتى يفصل
بالجريمة أو في شأن الولاية ) كما نصت المادة (8) من القانون المشار إليه على أنه
(يجوز للمحكمة الجنائية حين تقضي بالعقوبة على الولي في الحالات المنصوص عليها في
المادة الثانية وفي البنود الأربعة من المادة الثالثة أن تحكم أيضاً بسلب الولاية
أو الحد منها أما ما يترتب على ذلك من تدابير وآثار فتحكم فيه المحكمة المختصة
بناءً على طلب النيابة أو ذوي الشأن وفقاً لأحكام هذا القانون ولقانون المرافعات
المدنية والتجارية) ويشبه إلى حد ما ورد في هذه المادة ما جاء في المادة (101) من
قانون الجرائم والعقوبات اليمني التي نصت على أنه (يجوز للمحكمة أن تحكم بالإضافة
إلى العقوبة الأصلية بالعقوبة التكميلية وهو حرمان الشخص من الولاية أو الوصاية )
وإضافة إلى نصوص المواد السابق ذكرها من قانون سلب الولاية المصري فقد نصت المادة
(9) من هذا القانون على أنه (في الأحوال المنصوص عليها في البندين (4،5) من المادة
(3) يجوز للمحكمة بدلاً من الحكم بسلب الولاية أو وقفها أن تعهد إلى وزارة الشئون
الاجتماعية بالإشراف على تربية الطفل أو تعليمه إذا رأت في ذلك مصلحة له وللوزارة
المذكورة أن تفوض في ذلك أحد المعاهد أو المؤسسات الاجتماعية المعدة لهذا الغرض ,
وإذا لم تتحقق الفائدة من هذا الأشراف لسبب يرجع إلى الولي جاز رفع الأمر إلى
المحكمة بالنظر في سلب ولايته أو وقفها ) كما نصت المادة (10) على أنه (يترتب على
سلب الولاية على النفس سقوطها عن المال ولا يجوز أن يقام الولي الذي حكم بسلب
ولايته وصياً أو مشرفاً أو قيماً كما لا يجوز أن يختار وصياً).
وكذا نصت المادة (11) على أنه (
يجوز للأولياء الذين سلب ولايتهم وفقاً للمادتين(3,2) من المادة الثانية أو سلبت
ولايتهم أو بعض حقوقهم فيها وفقاً للبند (3,2,1) من المادة الثالثة أن يطلبوا
استرداد الحقوق التي سلبت منهم إذا رد اعتبارهم ، ويجوز لهم ذلك في الأحوال
المنصوص عليها في البندين (5,4) في المادة الثانية إذا انقضت ثلاث سنوات من تاريخ
صدور الحكم بسلب الولاية.
وعند استقراء النصوص السابق
ذكرها من قانون سلب الولاية المصري نجد أنه قد تضمنت كافة الأحكام والمسائل التي
يُحتاج إليها عند سلب الولاية عن الطفل بخلاف القانون اليمني الذي تناول ذلك في
جملة واحدة ذكرها في قانون الطفل وجملة أخرى أشار إليها مجرد إشارة في قانون
الجرائم والعقوبات ، وكم نتمنى أن يتضمن القانون اليمني هذه التفاصيل لأهميتها
وتحقيقها لمصالح الأطفال الفضلى .
وقد ذكرنا في هذا الموضوع نصوص
قانون سلب الولاية في مصر للاستفادة منها إزاء امتناع القانون اليمني عن تناولها علماً
بأنه من الممكن طبقاً للمادة (126) من قانون المرافعات المدنية اليمني أن تقوم
النيابة العامة بعزل الولي أو الوصي على الطفل إذا ما تدخلت النيابة علماً بأن
التدخل طبقاً لهذه المادة جوازي حيث نصت هذه المادة على أنه (للنيابة العامة رفع
الدعوى أو التدخل فيها في الحالات التي ينص عليها القانون ويكون لها ما للخصوم من
حقوق وعليها ما عليهم من واجبات إلا ما استثنى بنص خاص ولها رفع الدعاوى الخاصة بالقصار
أو عديمي الأهلية أو ناقصيها أو التدخل فيها إن لم يكن لهم وصي أو ولي ) ولكن
المشكلة أن هذا النص جوازي وليس وجوبي .
المطلب الخامس
تعريــف الطفل في القانـون اليمنـي
الطفل هو الشخص الذي يكون محلاً للولاية وهو الطفل , وقد عرفت
الطفل المادة (2) من قانون الطفل بأنه (كل إنسان لم يتجاوز ثمانية عشرة سنة من
عمره ما لم يبلغ سن الرشد قبل ذلك) وطبقاً لهذا النص فكل شخص لم يبلغ سن الثمانية
عشرة يعد طفلاً ويكون مشمولاً بالولاية على الطفل طبقاً للقانون الخاص وهو هنا
قانون الطفل ولا يُعمل في هذا الشأن بنصوص
القوانين الأخرى فقد نصت المادة (50) من القانون المدني في الفصل الخاص بالأهلية
على أن (سن الرشد خمس عشرة سنة كاملة إذا بلغها الشخص متمتعاً بقواه العقلية رشيداً
في تصرفاته يكون كامل الأهلية ، لمباشرة حقوقه المدنية والتصرف فيها ويجوز أن
تشترط القوانين الخاصة سناً أعلى يحق للشخص بموجبها ممارسة أية حقوق أخرى أو
التمتع بها) وبموجب هذا النص فقد اشترطت كثير من القوانين سناً أعلى من السن
المحددة في هذا النص (15سنة) حيث اشترط القانون التجاري فيمن يباشر النشاط التجاري
أن يكون قد بلغ من العمر (18سنة) كما اشترط الدستور وقانون الانتخابات والاستفتاء
فيمن يباشر حقه في الاقتراع والتصويت أن يكون قد بلغ سن (18سنة) وفيمن يرشح لعضوية
مجلس النواب أن يكون بلغ (25سنة) وفيمن يرشح لمنصب رئاسة الجمهورية أو رئاسة
الوزراء أن يكون قد بلغ (40 سنة ) وفيمن يشغل منصب الوزير أن يكون قد بلغ (30سنة)
.
واشتراط سن أعلى للسن الواردة في تعريف الطفل في قانون الطفل
لا يخالف ذلك – إلا أن هناك تعارض ما بين سن الطفل المنصوص عليها في القانون
المدني (15سنة) وسن الطفل المنصوص عليها في قانون الطفل (18سنة) وطبقاً للقاعدة
القانونية التي تقضي بأن (الخاص مقدم على العام عند التطبيق) فالواجب العمل بالنص
بالقانوني الوارد في قانون الطفل باعتباره نصاً خاصاً ، ومع ذلك فنحن نأمل أن يتم
تعديل المادة (50) من القانون المدني حتى تكون منسجمة مع تعريف الطفل أو الطفل في
قانون الطفل لإزالة التعارض فيما بين القانون المدني وقانون الطفل فيما يتعلق بسن الطفل
.
كما تنص المادة (51) من القانون المدني على أن (الطفل يخضع
لأحكام الولاية والوصاية المنصوص عليها في قانون الوصية كما يخضع الطفل لأحكام
الحجر المنصوص عليها في المواد (55 , 56 , 57, 58 , 59 , 60) وما بعدها من القانون
المدني ، وقد سبق لنا أن عرضنا أحكام الولاية على الطفل وسوف نذكر فيما بعد أحكام
الوصاية على الطفل
المطلب السادس
المفاهيم المتداخلة مع الولاية على الطفل
وهذا الأمر يقتضي أن نقوم في الفرع الأول بتعريف حضانة الطفل
في القانون اليمني أما الفرع الثاني فسوف نبين فيه كفالة الطفل في القانون اليمني
وعلاقتها بالولاية على الطفل أما الفرع الثالث فسوف نعرف فيه الوصاية على الطفل في
القانون اليمني وعلاقتها بالولاية على الطفل.
الفرع الأول: تعريف
حضانة الطفل :
عرفت المادة (138) من قانون
الأحوال الشخصية الحضانة بأنها (هي حفظ الطفل الذي لا يستقل بأمر نفسه
وتربيته ووقايته مما يهلكه أو يضره بما لا يتعارض مع حق وليه ، وهي حق للطفل فلا
يجوز النزول عنها وإنما تمتنع بموانعها وتعود بزوالها) في حين نصت المادة (139)
على أن (مدة الحضانة تسع سنوات للذكر واثنتا عشرة للأنثى ما لم يقدر القاضي خلافه
لمصلحة المحضون) وعند التأمل في هذين النصين
يظهر تداخل الحضانة مع الولاية على الطفل إلى درجة أن المظهر الواحد من مظاهر
الحضانة يمكن أن يكون أيضاً مظهراً من مظاهر الولاية على الطفل ، وقد سبق أن ذكرنا
عند الحديث عن الولاية على الطفل في الفقه الإسلامي أن الولاية على الطفل تتداخل
مع الحضانة وما ذكرناها هناك يصلح أن يقال هنا ولا حاجة للتكرار هنا خشية الإطالة
.
إلا أنه مع ذلك يمكن أن يقال هنا بأن القانون اليمني قد جعل
الولاية على الطفل أكثر عمومية من الحضانة ، كما أنه جعل الولاية على الطفل حاكمه
وضابطه للحضانة عندما عرف الحضانة وأفاد أنها لا تخل بحق الولي على الطفل .
كما أن الحضانة تختلف
عن الولاية على الطفل من حيث المدة ، فمدة الحضانة بالنسبة للذكر تسع سنوات وأثنى
عشر عاماً بالنسبة للأنثى ، في حين أن مدة الولاية على الطفل تمتد حتى يبلغ الطفل
السن القانونية المشار إليها وهي ثمانية عشرة سنة .
الفرع الثاني : كفالة الطفل
وعلاقتها بالولاية على الطفل:
ذكرنا سابقاً أن الطفل
هو الذي لم يبلغ سن الثامنة عشرة من العمر وذكرنا أيضاً أن حضانة الطفل تنتهي
ببلوغه التاسعة وبلوغ الأنثى سن الثانية عشرة ، وعند انتهاء مدة الحضانة على هذا
النحو تثبت الكفالة على الطفل والتي تمتد حتى بلوغ الطفل ذكراً أو أنثى سن الثامنة
عشرة طبقاً لتعريف الطفل المنصوص عليه في قانون الطفل ولذلك تتداخل الكفالة مع
الولاية على الطفل ، ولكن الكفالة لا تتداخل إطلاقا مع الحضانة ، إذ أن الكفالة
تالية للحضانة ولا تتزامن معها ، وقد بينت بعض أحكام الكفالة المادة (148) من قانون الأحوال الشخصية التي
نصت على أنه (متى استغنى بنفسه الولد ذكرا
أو أنثى خير بين أبيه وأمه عند اختلافهما مع وجود المصلحة وإذا أختلف من
لهم الكفالة غير الأب والأم أختار القاضي من فيه المصلحة للولد بعد استطلاع رأيه)
وقد ورد هذا النص بحذافيره أيضاً في قانون الطفل , والكفيل من وجهة نظرنا يكون هو
الولي على الطفل ولاسيما والكفالة تمتد منذ انتهاء مدة الحضانة حتى بلوغ الطفل
السن القانونية(18سنة) وهذا ينسجم مع تعريف الكفالة الذي سبق ذكره في أثناء
دراستنا لكفالة الطفل في الفقه الإسلامي .
الفرع الثالث : الوصاية
على الطفل وعلاقتها بالولاية على الطفل :
للوصاية معنى في اللغة ، فالوصاية بفتح الواو والصاد ،
والوصاية مشتقة من الفعل الرباعي (أوصى) فيقال : أوصى إليه بشيء أي جعله وصيه
وأوصاه ووصاه توصية بمعنى واحد وأوصى الرجل ووصاه عهد إليه ، والاسم الوصاية
والوصية والوصي :هو الذي يوصي له (28) ، أما معنى الوصاية عند الفقهاء
فهي أن يقوم الإنسان في أثناء حياته بإنابة غيره للقيام بعد موته برعاية وحفظ
صغاره (29) , فالوصاية على الطفل عند الفقهاء تكون تصرفاً لما بعد موت
الموصي , وتعريف القانون اليمني للوصي لا يختلف عن تعريف الوصي عند الفقهاء حيث
تنص المادة (261) من قانون الأحوال الشخصية على أن (الوصي هو الذي يقيمه المورث في
تركته لتنفيذ وصاياه بقضاء ديونه ورعاية قصاره وأموالهم ويجوز للوصي أن يوصي غيره
فيما هو وصي فيه ويقوم وصيه مكانه) وتعريف الوصي هنا قاصر على الشخص الذي يعينه
الإنسان لرعاية أطفاله القصار بعد موته ولا يدخل في ذلك الشخص الذي تعينه المحكمة
لرعاية القصار عند عدم وجود ولي أو وصى يقوم بأمرهم ، حيث يطلق القانون اليمني
مصطلح (المنصوب) على الشخص الذي تعينه المحكمة للقيام برعاية القصار ، وفي السياق
ذاته تنص المادة (262) من القانون ذاته على أن (الوصي مقدم على القاضي وإذا مات الشخص
ولم يوص ففي رعاية الأطفال وأموالهم يقدم الأب ثم وصيه ثم الجد ثم وصيه) وفي هذا
السياق تنص المادة (263) من القانون ذاته على أن (تعين المحكمة منصوبا ( وصياً) لمن لا وصاية له) مع مراعاة أحكام
المادة (262) السابق ذكرها وكذا تنص المادة (264) على أنه (إذا توفى الوصي أو حجر
عليه أو أفلس فعلى المحكمة أن تعين منصوباً (وصياً) عن القاصر وإذا غاب الوصي أو
أعتقل وخشي من غيابه أو اعتقاله تعرض مصلحة القاصر للضياع فعلى المحكمة أن تعين
منصوبا (وصيا) مؤقتا) مع مراعاة أحكام
المادة (262) في حين نصت المادة (268) على أنه (يشترط في الوصي أن يكون بالغا عاقلا
أمينا مقتدرا على القيام بالوصاية حسن التصرف والسلوك) وكذا
تنص المادة (269) على أنه (بطلت وصاية الوصي بتخلف شرط من الشروط المذكورة في
المادة السابقة فعلى القاضي أن يعين منصوبا
(وصيا) بدله) وكما نصت المادة (272) على أنه ( في الأحوال التي تعين فيها
المحكمة منصوبا (وصيا) تكون المحكمة هي المسئولة الأولى على أموال القاصر) أما
المادة (297) فقد نصت على أنه (تنتهي وصاية الوصي بموته أو بعزله أو باستعفائه
لعذر مقبول ما لم يتعين عليه وجوب القيام بالوصاية أو خشي على المال تلفه ،
وبالنسبة للقاصر أيضاً بموت القاصر أو
ببلوغه سن الرشد).
من خلال استقراء النصوص القانونية السابق ذكرها يلاحظ التشابه
الكبير بين الوصي على الطفل والولي على الطفل لاسيما فيما يتعلق بالأعمال التي
ينبغي على الوصي القيام بها وشروط الوصي وانتهاء الوصاية وغيرها ، ومع هذا فإن
هناك فارق جوهري بين الولاية على الطفل والوصاية على الطفل وهذا الفارق هو أن
الولي على الطفل يستمد ولايته مباشرة من حكم الشرع أو القانون ومن غير حاجة إلى
إجراء في حين أن الوصي على الطفل يستمد وصايته من والد الطفل أو من القاضي الذي
يعينه وصياً على الطفل أو (منصوباً ) حسبما ورد في قانون الأحوال الشخصية .
المطلب السابع
الولاية على الطفل في التقاضي
سبق القول أن الولي أو الوصي أو الكافل للطفل هو النائب عن الطفل
وهو الممثل القانوني للطفل أمام كافة الجهات القضائية والإدارية وأمام كافة
الأشخاص الطبيعيين والاعتباريين ، والولي على الطفل أو وصيه أو كافله هو الذي
يتولى المطالبة بكافة حقوق الطفل والدفاع عن كافة مصالحه ، وإذا انتكلت أو بطلت أي
من شروط الولاية على الطفل فعندئذ تتنقل الولاية إلى الشخص الذي يليه بحسب ترتيب
الأولياء السابق ذكره ، وفي حالة انعدام الأولياء أو امتناعهم أو تخلف الشروط فيهم
جميعاً فتنتقل الولاية على الطفل إلى الدولة ، وفي العصر الراهن تتوزع الولاية على
الطفل فيما بين وزارتي الشئون الاجتماعية والعدل حيث أناط قانون رعاية الأحداث
ولائحته التنفيذية بوزارة الشئون الاجتماعية إنشاء إدارة وتنظيم دور تأهيل ورعاية
الأحداث وهذه الدور هي التي تقوم بكافة واجبات ومهام الولاية على الطفل طبقاً
لنصوص رعاية الأحداث ولائحته حيث تقوم هذه الدور بالرعاية والحفظ للأحداث والإنفاق
عليهم وتأهيلهم وتدريبهم وتعليمهم وتغذيتهم وعلاجهم وغير ذلك وحسبما ورد في المواد
(12 , 13 , 14 , 15 , 16 , 17 , 18 , 19 , 20) وما بعدها من اللائحة التنفيذية
لقانون رعاية الأحداث كما نصت المادة (11) من هذه اللائحة على أنه (وفي حالة ما
إذا كان الحدث ما زال مودعاً في الدار وليس لديه ولي أمر يقوم مدير الدار مقام ولي
أمره عند إبرام عقد العمل ) كما تنص المادة (35) من تلك اللائحة على أنه يجوز
لوزارة الشئون الاجتماعية إشراك الجمعيات والمنظمات غير الحكومية الأهلية الناجحة
والنشطة المهتمة بشئون الأحداث في تشغيل وإدارة مؤسسات ودور تأهيل ورعاية الأحداث
وكافة الأنشطة المتعلقة بقضايا الأحداث بغرض تخفيف الأعباء على الدولة وضمان إشراك
المجتمع للمساهمة في تأهيل ورعاية الأحداث وفقاً للشروط والأوضاع التي يصدر بها
قرار من الوزير ، وطبقاً لهذا النص فإن دور الرعاية التابعة للمنظمات والجمعيات
غير الحكومية المرخص لها بذلك من قبل وزارة الشئون الاجتماعية تقوم تلك الدور
التابعة لتلك المنظمات والجمعيات بأعمال الولاية على الطفل .
وقد وردت نصوص كثيرة بشأن النيابة القضائية عن الطفل أو الوكالة
أو المحاماة عن الطفل ومن هذه النصوص المادة (19) من قانون رعاية الأحداث التي تنص
على أنه (يجب أن يكون للحدث المتهم بجرائم جسيمة أو غير جسيمة محامي يدافع عنه فإذا
لم يكن قد اختار محامياً تولت النيابة أو المحكمة ندبه طبقاً للقواعد المقررة في
قانون الإجراءات الجزائية ) وهذا نص قاصر على الحالات التي يكون فيها الطفل متهماً
، ولا يسري هذا النص على الحالات التي يكون فيها الطفل مجنياً عليه وكذا في
القضايا الأخرى غير الجزائية ، وفي سياق القضايا الجزائية التي يكون فيها الطفل
متهماً تنص المادة (9) من قانون الإجراءات الجزائية على أن (1- حق الدفع مكفول و
للمتهم أن يتولى الدفاع بنفسه كماله الاستعانة بممثل للدفاع عنه في أية مرحلة من
مراحل القضية الجزائية بما في ذلك مرحلة التحقيق و توفر الدولة للمعسر والفقير مدافعاً عنه من
المحامين المعتمدين و يصدر مجلس الوزراء بناء على اقتراح وزير العدل لائحة بتنظيم
أمور توفير المدافع من المحامين المعتمدين للمعسر والفقير ) ولا شك أن نص قانون
الإجراءات الجزائية السابق ذكره يأتي تطبيقاً لأحكام المادة (49) من الدستور التي
تنص على أن (حق الدفاع أصالة أو وكالة مكفول في جميع مراحل التحقيق والدعوى وأمام
جميع المحاكم وفقاً لأحكام القانون وتكفل الدولة العون القضائي لغير القادرين
وفقاً للقانون) ولا ريب أن الطفل إذا لم يكن له ولي أو مال فإنه يستفيد من العون
القضائي المنصوص عليه في المواد السابقة , وفي هذا السياق تأتي المادة (83) من
قانون المحاماة التي تنص على أنه (مع عدم الإخلال بحق المحاكم في انتداب وتكليف
المحامين في الدفاع عن المتهمين في القضايا المتعلقة بالجرائم الجسيمة يجب على
مجلس النقابة أو مجلس الفرع أن يكلف أحد المحامين في الدفاع عن المحتاجين من
المعسرين والفقراء بعد موافقتهم في القضايا التي يكونوا أطرافاً فيها ويحدد النظام
الأساسي للنقابة تنظيم تقديم المعونة القضائية وحالاتها ونظام الانتداب فيها) بشأن
القضايا المدنية والتجارية فقد نصت المادة (117) من قانون المرافعات على أنه ( مع
مراعاة ما ينص عليه قانون المحاماة والمادة (125) من هذا القانون يقبل وكيلاً عن
الخصم المحامون والأزواج والأقارب والأصهار إلى الدرجة الرابعة ) ولا يستفيد الطفل
من هذا النص حيث أن الوكالة في الخصومة تتم بصيغة الإيجاب والقبول ومن المعلوم أنه
لا يعتد شرعاً وقانوناً بصيغة وعبارة الطفل ، وفي هذا السياق تأتي المادة (74) من
قانون المرافعات التي نصت على أنه ( لا ينتصب أحداً خصماً عن غيره بصفته ممثلاً له
في الدعاوى التي تقام إلا بوكالة أو ولاية أو وصاية ) والنصان السابقان من قانون
المرافعات صريحان في ثبوت أن الولي والوصي على الطفل هما الممثلان القانونيان للطفل
في رفع الدعاوى المدنية والتجارية نيابة عن الطفل وكذا في المدافعة والمرافعة
نيابة عن الطفل في الدعاوى المدنية والتجارية والتي قد ترفع على الطفل .
وختاماً الشكر الجزيل للقائمين على مشروع دعم قضاء الأحداث
بوزارة العدل على تنظيم هذا الفعالية وتثبيت موضوع ( الولاية على الطفل) ضمن
مفردات الورش والندوات والحلقات لما له من أهمية بالغة .
والحمد لله في البدء والختام والصلاة والسلام على سيدنا محمد
بدر التمام ومسك الختام وعلى آله وصحبة الكرام.
|
|
د.
عبدالمؤمن شجاع الدين |
|
|
صنعاء
– في يناير 2011م |
هوامش الدراسة :
1-
مختار الصحاح – الأمام محمد بن
أبي بكر بن عبدالقادر الرازي المتوفى سنة 666هـ دار الكتاب العربي – بيروت - طبعة 1981م - مادة (ولي) .
2-
الولاية على النفس – الأمام محمد
أبو زهرة – دار الرائد العربي – بيروت – طبعة 1980م – صـ11 .
3-
تفسير آيات وأحاديث الأحكام – د.
عبدالمؤمن شجاع الدين – طبعة 2008م – مركز الصادق صنعاء صـ89.
4-
الولاية على النفس – مرجع سبق
ذكره صـ91 .
5-
أحكام الصغار المطبوع على هامش
جامع الفصوليين – 1 – 201 .
6-
المغني لأبن قدامه 6/465 .
7-
العدة شرح العمدة 2/78 , حاشية
أبن عابدين 7/115.
8-
الشرح الكبير للدردير ، 2/526 ،
شرح فتح القدير ، 1/364 .
9-
الإقناع في فقه الأمام أبن
حنبل 4/160 .
10-
الجوهرة المنيرة 4/357 .
11-
الشرح الكبير للدردير 2/526 .
12-
أحكام الأحوال الشخصية من فقه
الشريعة الإسلامية 2/602 .
13-
مغنى المحتاج 3/585 .
14-
المغرب في ترتيب المعرب 2/358 .
15-
السراج الوهاج 1/345 .
16-
مختار الصحاح 1/302 .
17-
أحكام الأحوال الشخصية في فقه
الشريعة الإسلامية 3/237 .
18-
السراج الوهاج 1/345 .
19-
روضة الطالبين 6/313 .
20-
السراج الوهاج 1/345 .
21- أحكام الأحوال الشخصية في فقه
الشريعة الإسلامية 3/243 .
22-
الوسيط 4/484 .
23-
المبسوط للسرخسي 28/45 - السراج الوهاج 1/345 – روضة الطالبين 6/312 –
روضة الطالبين 6/313 .
24-
السراج الوهاج 1/345 – روضة
الطالبين 6/311.
25-
أحكام الأحوال الشخصية في فقه
الشريعة الإسلامية 3/1094 .
26-
مغنى المحتاج 2/273 .
27-
الإقناع في فقه الأمام أحمد بن
حنبل 2/223 .
28-
لسان العرب لاين منظور مادة (وصى)
.
29- الوصاية في الفقه الإسلامي – د. عبدالله محمد ربابعة – دار النفائس الأردن 2009م صـ19 .