مسوّدات الوقف سندات تنفيذية - في القانون اليمني
أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء
▪️ينص قانون المرافعات على أن مسوّدات الأوقاف مستندات تنفيذية أي أنها غير قابلة للمنازعة بشأنها مثلها في ذلك مثل الأحكام القضائية الباتة أو النهائية الصالحة للتنفيذ الاختياري والجبري، وهذه المسألة لها أهميتها في التطبيق العملي، وقد أشار إليها الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 29-2-2012م في الطعن رقم (45110)، وقد ورد ضمن أسباب هذا الحكم: ((فما اثاره الطاعن من مناعي في غير محلها ومردود عليها بما ناقشت به المحكمة مستندات الطرفين بين يدي منطوقها بالحكم بقولها: اتضح أن ملكية الوقف للمواضع المدعى بها ثابتة بموجب مسوّدته المبرزة معززاً ذلك بالثبوت بورقة التأجير، واما الوجيدة التي احتج بها المدعى الطاعن حاليا فعلى فرض صحتها فهي لا تنهض أمام حجة الوقف بشيء...إلخ، وهو تعليل سائغ، فمستند الوقف حجة لا تقف أمامها حجة واهية، كما أن مسوّدة الوقف تعتبر سنداً تنفيذياً وفقاً للمادة (318) مرافعات)) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الاتية:
➖➖➖➖➖
▪️الوجه الأول: ماهية مسوّدات الوقف:
➖➖➖➖➖
▪️مع أهمية هذا الأمر فإن قانون الوقف الشرعي لم يعرف مسوّدات الوقف ضمن تعاريف الفاظ وعبارات القانون الواردة في المادة (2) من قانون الوقف، حيث اكتفى القانون بالإشارة إليها دون تعريف أو بيان لماهيتها حيث نصت المادة (87) من قانون الوقف على أنه: (إذا كانت عين الوقف مدونة في دفتر حصر الأوقاف المسوّدة الحاصلة بخطوط امناء معتبرين وظهر ما يخالفها فالعبرة بالمسوّدة، ويثبت الوقف بالشهرة المستفيضة والذيوع في المحلة، ولا يكتفي الحاكم بشهادة شاهدين على الشهرة حتى يبعث من يثق به إلى المحلة فإذا كان اهلها كلهم أو اغلبهم مجمعين عليها عمل بها)، ومن خلال هذا التعريف يظهر أن المسوّدات هي دفتر حصر الأوقاف المعد بموجب الوقفيات المحررة بخطوط امناء معتبرين وهي الخطوط المعروفة والمشهورة التي كانت تحرر بها الوثائق والمحررات القديمة في ذلك الوقت والتي يمكن التعرف عليها في العصر الحاضر من خلال مقارنتها بالمستندات المحررة في ذلك المكان والزمان، وقد سبق لنا التعليق على كيفية التعرف على الخطوط المشهورة والمعروفة القديمة في الاماكن والأزمنة المختلفة، حيث يحتفظ غالبية الناس في المناطق المختلفة بمحررات مختلفة للكتبة المشهورين في مختلف الازمنة للاستدلال بها والتعرف على الخطوط عن طريق مضاهتها بالخطوط المنسوبة للكتبة المشهورين أو المعروفين المتقدمين في المنطقة، خاصة أن الكتبة في العصور الماضية كانوا قلة من الناس.
➖➖➖➖➖
▪️الوجه الثاني: مسوّدات الأوقاف سندات تنفيذية وفقاً لقانون المرافعات:
➖➖➖➖➖
▪️نصت المادة (328) مرافعات على انه: (تتحدد السندات التنفيذية فيما يأتي: -6- مسوّدات أراضي وعقارات الأوقاف القديمة والتي هي بخط كاتب مشهور)، ومن خلال هذا النص يظهر أن المقصود بمسوّدات الوقف هي (الوقفيات) أي الوثيقة التي تتضمن أن الواقف قد حبس ماله أو أوقفه حيث تتضمن الوقفيات بيان العين الموقوفة واوصافها ومصارف الوقف وشروط الواقف وغير ذلك وقد تكون الوقفية محررة بخط الواقف نفسه كما قد تكون بخط الكاتب المشهور في المنطقة التي يقيم بها الواقف أو الكاتب في المنطقة التي تقع فيها العين الموقوفة، فمن خلال إستقراء النص القانوني الوارد في قانون المرافعات يظهر أنه لا يقصد بمسوّدات الوقف دفاتر حصر الوقف وإنما يقصد الوقفيات على النحو السابق بيانه، إضافة إلى أن نص قانون المرافعات قد اشترط ان تكون مسوّدات الوقف بخط كتبة مشهورين اي الذين اشتهروا بكتابة العقود والتصرفات في الازمنة القديمة، وعلى هذا المعنى فلاتعد مسوّدات الأوقاف الحديثة سندات تنفيذية لان نص قانون المرافعات اشترط لإعتبار المسوّدات سندات تنفيذية ان تكون قديمة، ومن الملاحظ أيضا ان قانون المرافعات استعمل مصطلح (كاتب مشهور) في حين استعمل قانون الوقف مصطلح (بخطوط أمناء معتبرين) وربما ان قصد قانون الوقف من مصطلح المناء المعتبر ين هم الكتبة المشهور في كتابة الوقفيات وغيرها، ومن مجموع هذا نخلص إلى ان تعاطي قانون الوقف مع قانون المرافعات غير متطابق وغير منسجم في هذه المسألة.
➖➖➖➖➖
▪️الوجه الثالث: التكييف القانوني للوقفية:
➖➖➖➖➖
▪️الوقفية: هي عبارة عن وثيقة تتضمن إقرار الواقف بأنه قد حبس وأوقف وسبل العين المبينة أوصافها في الوثيقة لله سبحانه وتعالى، وقد يكتب هذه الوثيقة الواقف بخطه للتأكيد على صدورها منه، كما أنه قد يملي إقراره على الكاتب المعروف أو المشهور الذي يقوم بكتابة إقرار الوقف وتدوينه في الوثيقة التي تسمى (وقفية)، ومن خلال ما ورد في هذا الوجه نجد أن الوقفية عبارة عن: وثيقة تتضمن إقرار الواقف بالوقف ، فليست الوقفية عقداً وإنما عبارة عن تصرف من تصرفات الإرادة المنفردة إذ لا يلزم قبول الوقف حتى يكون عقداً.
➖➖➖➖➖
▪️الوجه الرابع: مسوّدات الوقف بين الدليل والسند التنفيذي:
➖➖➖➖➖
▪️بحسب ما سبق بيانه نلاحظ أن قانون الوقف قد تناول مسوّدات الوقف في سياق الأدلة المثبتة للوقف وحدد شروط الاستدلال بالمسوّدات مثل وجوب أن تكون بخطوط امناء معتبرين – علماً بأن الأمناء لا وجود لهم في العصور السابقة فلم يتم استحداث وظيفة الأمين إلا في الوقت المعاصر أما في الأزمنة الماضية فقد كانت المحررات يتم تحريرها من قبل القضاة والفقهاء وكل من يجيد الكتابة، وبناء على ذلك فقد نظم قانون الوقف الشرعي المسوّدات على أنها أدلة يستدل بها على أموال الوقف، أما قانون المرافعات فمن خلال إستقراء نص المادة: (328) مرافعات السابق ذكره نجد أنه نظم مسوّدات الأوقاف ضمن السندات التنفيذية التي يجوز التنفيذ الاختياري والاجباري بمقتضاها، حيث يخضع المسوّدات للإجراءات المقررة في التنفيذ الاختياري والجبري في قانون المرافعات، في حين أن قانون الوقف الكسيح لم يتعامل مع المسوّدات على أنها سندات تنفيذية بل تعامل معها على أنها مجرد دليل لإثبات الوقف فحسب ، ولذلك لاحظنا أن الحكم محل تعليقنا قد استدل بمسوّدة الوقف للدلالة على أن الأرض محل النزاع ملك للوقف، فلم يتعامل معها على أنها سند تنفيذي، والله اعلم.
![]() |
مسوّدات الوقف سندات تنفيذية - في القانون اليمني |