إثبات صيغة الوقف بالشهادة
أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء
يتم الوقف بصيغة تصدر من الواقف، وقد تكون هذه
الصيغة قولية كما قد تكون فعلية وقد تكون أيضا كتابية، وإذا كانت كتابية فقد تكون
بخط الواقف المعروف كما قد تكون بخط غيره، وقد اشترط قانون الوقف إثبات صيغة الوقف
بالشهادة في كل الأحوال الا اذا كانت صيغة الوقف مكتوبة بخط الوافف نفسه وكان خطه معروفا
فلايلزم الإشهاد على خط الواقف في هذه الحالة، وعلى هذا الأساس يجوز إثبات صيغة
الوقف عن طريق الشهادة فليست الكتابة هي الوسيلة الحصرية لإثبات صيغة الوقف، لأن
الكتابة ليست ركناً أو شرطاً في صيغة الوقف، فالكتابة وسيلة لإثبات الوقف ولكنها ليست
الوسيلة الوحيدة لإثبات الوقف، فإذا لم يتم تدوين صيغة الواقف في وثيقة مكتوبة فأنه
من الممكن إثباتها بالوسائل المحددة في قانون الوقف الشرعي، ومن ذلك إثبات صيغة الواقف عن طريق شهادات الشهود الذين سمعوا عبارة
الواقف، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها
المنعقدة بتاريخ 16-10-2017م في الطعن رقم (59439)، الذي ورد ضمن أسبابه: ((وقد
تبين للدائرة: أن الحكم الاستئنافي قد ناقش ما فصل فيه الحكم الابتدائي وما طرحه
الطرفان وفقاً للمادة (288) مرافعات، وأنه ثبت لدى الشعبة الاستئنافية صحة ما قضت
به محكمة أول درجة، ومن ذلك أن على المطعون ضده إفراغ الوقف للجامع في ورقة رسمية،
وأيدته الشعبة في ذلك، والدائرة تجد: أن تأييد الحكم الاستئنافي للحكم الابتدائي
في محله، لأن المعتبر في القانون أن للقاضي أن يستخلص وجود الرضاء من كل ما يصلح
دليلاً شرعياً، فلا يشترط التقيد بصيغة معينة بل المعتبر ما يدل على التراضي، فقد
ثبت تصرف الواقف بالشهادات ومعاينة الدكاكين الموقوفة على الجامع))، وسيكون
تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية:
الوجه الأول: صيغة الوقف:
صيغة
الوقف هي تعبير الشخص عن إرادته في وقف بعض ماله لله تعالى والتصدق بمنفعته في اي
وجه من أوجه القرب ، قد تكون هذه الصيغة قولية( شفاهة) بلفظ يصرح فيه الشخص بأنه
قد حبس بعض ماله المعين والتصدق بمنفعته أو ثمرته على سبيل القربة تأبيداً، حسبما
ورد في المادة (3) من قانون الوقف، وقد تكون صيغة الوقف مكتوبة بخط الواقف نفسه يصرح
فيها الواقف بأنه قد حبس بعض ماله والتصدق بمنفعته أو غلته
لأي قربة من القرب كالمساجد والمساكين وغير ذلك من أوجه القرب إلى الله تعالى، وقد
يتولى كتابة وثيقة الوقفية شخص آخر غير الواقف،وقد تكون صيغة الوقف إشارة مفهمة صادرة من الواقف الاخرس،
وقد تكون صيغة الوقف فعلية بأن يفعل الواقف شيئا ماديا يفهم منه انه قد جعل ذلك
الشئ أو المال وقفا، وفي هذا المعنى نصت المادة (7) من قانون الوقف على أن (يتم
الوقف قولاً أو كتابة أو بالفعل، كما يتم بالإشارة المفهمة من الأخرس، ويكون الوقف
بلفظ صريح كقوله: وقفت أو حبست، وبلفظ الكتابة كقوله: تصدقت، ويكون بالفعل كأن
يفعل الواقف شيئاً ظاهره السبيل مع النية كنصب جسر لمرور الناس عليه أو تعليق باب
في مسجد أو تركيبه)، ومن خلال إستقراء هذا النص يظهر أن صيغة الوقف تتم بالقول اوالكتابة
اوالإشارة اوالفعل، وأنه لا يشترط أن يتم تدوين عبارة أو صيغة الواقف كتابة، لأن
الكتابة ليست ركناً أو شرطاً في تمام الوقف، فالكتابة وسيلة لإثبات الوقف.
الوجه الثاني: أهمية الكتابة في إثبات الوقف:
مع
أن الكتابة ليست ركناً أو شرطاً في تمام الوقف على النحو السابق بيانه، ومع أن
الكتابة تأتي في مرتبة متأخرة في سلم وسائل الإثبات إلا أن الكتابة وسيلة هامة
وفاعلة في إثبات الوقف والمحافظة عليه سيما إذا كان المال الموقوف عقاراً،
فالكتابة تحفظ الوقف، ولذلك نص قانون الوقف على إعتبار مسوّدات الوقف حجة على
غيرها متى كانت مكتوبة بخط كتاب مشهورين، وكذا نص قانون المرافعات على إعتبار
مسوّدات الوقف سندات تنفيذية، ولاهمية كتابة صيغة الوقف لاحظنا ان الحكم محل
تعليقنا قضى بوجوب إفراغ صيغة الوقف الشفهية في وثيقة مكتوبة.
الوجه الثالث: إثبات صيغة الوقف بالشهادة والمعاينة:
ناقش
الحكم محل تعليقنا حرية القاضي في إستخلاص إرادة الواقف بكافة طرق الإثبات المقررة
قانوناً، ولذلك أقر الحكم محل تعليقنا قيام محكمة الموضوع بإثبات إرادة الواقف في
الوقف من خلال شهادات الشهود الذين ذكروا أن الواقف كان قد أخبرهم بأنه قد أوقف
الأرض للجامع وأنه قد بنى الدكاكين في قسم منها كوقف للجامع أيضاً، كما أقر الحكم
محل تعليقنا قيام محكمة الموضوع بمعاينة الدكاكين وسؤال المستأجرين على الإيجارات
أين ولمن يتم صرفها؟، ومن خلال ذلك ثبت لمحكمة الموضوع أن الواقف قد أوقف الأرض
المشار إليها والدكاكين للجامع.
وقد اشترط قانون الوقف الإشهاد على صيغة الوقف في كل الأحوال عدا الحالة التي تكون فيها الوقفية مكتوبة بخط الواقف نفسه، حسبما هو مقرر في المادة (8) التي نصت على أنه (إذا تم الوقف قولاً أو كتابة أو إشارة وجب الإشهاد عليه مالم يكن بخط الواقف)، وقد سبق التعليق على هذا النص الذي اشترط إثبات صيغة الوقف بالشهادة وذلك في تعليق مستقل، وما يعنينا في هذا التعليق أن هذا النص قد اشترط إثبات صيغة الوقف عن طريق الشهادة سواء أكانت الصيغة كتابة أم قولاً، ولم يستثن من ذلك إلا إذا كانت صيغة الوقف مكتوبة بخط الواقف نفسه فلا يشترط الإشهاد في هذه الحالة، والله اعلم.
![]() |
إثبات صيغة الوقف بالشهادة |