خلاف الأوقاف والدولة على ملكية الأرض
أ.د / عبد المؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة
صنعاء
اغلب أراضي اليمن من أملاك الدولة والأوقاف
ولذلك يحدث التداخل فيما بين تلك الأملاك لاسيما فيما يتعلق بالمراهق، وهذه
الخلافات ليست نادرة أو قليلة بالنظر إلى التداخل والتشابك في كل انحاء اليمن حيث
لايخلو مكان من اراضي الدولة واراضي الاوقاف ً، وبالنظر لكثرة قضايا الخلاف
هذه واثارها وأهميتها وبالنظر للطبيعة
الخاصة لأملاك الأوقاف وأملاك الدولة في آن واحد، فقد تم ايجاد وسيلة لدراسة تلك
الخلافات والنزاعات والفصل فيها بما يحفظ املاك الوقف واملاك الدولة في وقت واحد،
ولأهمية هذا الموضوع وجدواه فقد اخترنا التعليق على الحكم الصادر من الدائرة
المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 3/10/2011م في الطعن المدني
رقم (43741) لسنة 1432هـ وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم ان مكتب
الاوقاف ومكتب هيئة الاراضي في احدى المحافظات
اختلفا بشان ملكية احدى الاراضي المهمة الواقعة على احد الشوارع الحيوية في
احدى المدن اليمنية حيث كانت تلك الارض في حيازة مكتب الاوقاف وعليها سور ولها
بوابة وغرفة حراسة باعتبارها من اراضي الاوقاف العامة في حين كان مكتب هيئة
الاراضي يدعي ان تلك الارض من المراهق العامة المملوكة للدولة حسبما يقرر قانون
اراضي وعقارات الدولة؛ فحصل النزاع بينهما فقام مكتب هيئة الاراضي بهدم غرفة
الحراسة القائمة على تلك الارض وجانب من سور الأرضية فقام مكتب الاوقاف برفع دعوى
منع تعرض امام المحكمة الابتدائية التي حكمت لصالح الاوقاف فقام مكتب الارضي
باستئناف الحكم وامام الشعبة المدنية الاستئنافية تمسك مكتب الاراضي بان الاختصاص
بنظر أي خلاف ينشاء فيما بين الاوقاف وهيئة الاراضي معقود لمجلس الوزراء وفقاً
للمادة (62) من قانون اراضي وعقارات الدولة، الا ان محكمة الاستئناف قضت بتأييد
الحكم الابتدائي، فلم يقبل مكتب هيئة الاراضي بالحكم الاستئنافي فقام بالطعن
بالنقض فيه امام الدائرة المدنية بالمحكمة العليا التي قبلت الطعن ونقضت الحكم الاستئنافي،
وقد جاء في اسباب حكم المحكمة العليا (ان الطاعن قد ذكر في طعنه ان مجلس الوزراء
هو الجهة المختصة بنظر النزاع فيما بين الاوقاف وهيئة الاراضي بموجب المادة (62)
من قانون الاراضي وان محكمة الاستئناف اهملت دفعه بعدم الاختصاص، ومن خلال دراسة
الدائرة لأوراق القضية فقد وجدت ان ما ذكره الطاعن صحيح لان المادة (62) من قانون
الاراضي قد نصت صراحة على اختصاص مجلس الوزراء بالفصل في أي خلاف ينشاء فيما بين
هيئة الاراضي ووزارة الاوقاف بشان اراضي وعقارات معينة فيتم رفع الخلاف الى مجلس الوزراء؛فقد نصت المادة (62) على انه
(استثناءً من احكام المادة السابقة يتم رفع أي خلاف ينشاء بين المصلحة ووزارة
الاوقاف حول اراضي وعقارات معينة الى مجلس الوزراء للفصل فيه بقرار غير قابل للطعن
وفقاً لقانون الوقف الشرعي) ولما كان الامر كذلك فانه كان من اللازم على الشعبة ان
تفصل في ذلك الدفع على ضوء حكم المادة المذكورة، وحيث ان الشعبة لم تقم بذلك فان
قضاءها يكون معيباً الامر يستلزم نقض حكمها) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما
هو مبين في الأوجه الأتية :
الوجه الأول : نطاق أراضي وعقارات الدولة وحصرها وتوثيقها :
حدد قانون اراضي وعقارات الدولة ذلك في الباب
الثاني من القانون الذي جاء بعنوان (تحديد اراضي وعقارات الدولة) حيث نصت المادة
(5) من ذلك القانون على ان (تتكون اراضي وعقارات الدولة من املاك الدولة العامة
واملاك الدولة الخاصة ويعتبر من الاملاك العامة كل ماهو مخصص بطبيعته أو تم تخصيصه
للمنفعة العامة بعد تعويض من له ملك خاص فيها تعويضاً عادلاً) ثم ذكرت المادة (6)
من القانون ذاته بعض اراضي الدولة وعقارات الدولة حيث نصت على انه (يعد من اراضي
وعقارات الدولة : الاراضي والعقارات التي تكون رقبة الملك فيها عائدة للدولة
والاراضي والعقارات التي يثبت انها مملوكة للدولة بأي سبب من اسباب التملك بموجب
وثائق ومستندات وادلة شرعية وكذا الاراضي والعقارات التي تشتريها الدولة أو
تستملكها للمنفعة العامة أو تؤول الى الخزينة العامة استيفاء لديون مستحقة لها
بموجب احكام شرعية نهائية وكذا الاراضي والاحراش والغابات مالم يتعلق بها ملك ثابت
لاحد وكذا الاراضي الصحراوية مالم يتعلق بها ملك ثابت لاحد وكذا المراهق العامة
وهي الجبال والاكام والمنحدرات والسوائل العظمى وكذا الشواطئ ومحارمها والجزر
واشباه الجزر البحرية غير الأهلة بالسكان وسائر المناطق البحرية التي يجف ماؤها
وتصبح يابسة وكذا الاراضي والعقارات التي لا يعرف مالكها أو لا وارث لها وأية
اراضي أو عقارات اخرى تعد وفقاً لاحكام القوانين النافذة من ملك الدولة)، اما
المادة (65) من القانون ذاته فقد بينت كيفية حصر وتوثيق وتسجيل اراضي وعقارات
الدولة حيث نصت على انه (تقوم المصلحة بحصر وتحديد اراضي وعقارات الدولة الخاصة في
مختلف مناطق الجمهورية وتسجيل البيانات المتعلقة بها في سجلات الهيئة ...الخ) ومن
الملاحظ هنا ان الحصر والتوثيق يقتصر على اراضي الدولة الخاصة وليس المراهق العامة وغيرها ولذلك فقد استدركت
هذه المسالة المادة (163) من اللائحة التنفيذية لقانون الاراضي التي قررت حصر
المراهق العامة حيث نصت على انه (تقوم المصلحة أو مكاتبها في المحافظات بحصر مراهق
الدولة وتحديد مواقعها ومساحاتها الإجمالية ونسبة انحدارها واسقاطها على خرائط
خاصة مبيناً فيها هذه البيانات والمعلومات).
الوجه الثاني : نطاق أراضي وعقارات الأوقاف وحصرها وتوثيقها :
الغالبية العظمى من الاوقاف العامة قديمة
مثبتة في الوقفيات الصادرة من الواقفين وكذا في مسودات الاوقاف كما ان اموال الوقف
تثبت بالشهرة اذا لم يرد ذكرها في الوقفيات ومسودات الأوقاف عملاً بالمادة (78) من
قانون الوقف التي نصت على انه (اذا كانت عين الوقف مدونة في دفتر حصر الاوقاف
المسودة الحاصلة بخطوط امناء معتبرين وظهر ما يخالفها فالعبرة بالمسودة ويثبت
الوقف بالشهرة المستفيضة والذيوع في المحلة ولا يكتفي الحاكم بشهادة شاهدين على
الشهرة حتى يبعث من يثق به إلى المحلة فإذا كان اهلها كلهم او اغلبهم مجتمعين
عليها عمل بها) كما ان قانون المرافعات يقرر في المادة (328) فقرة (6) ان (مسودات
اراضي وعقارات الأوقاف القديمة والتي هي بخط كاتب مشهور) تعد من السندات التنفيذية
.
الوجه الثالث : موضع الخلاف والنزاع فيما بين الأوقاف وهيئة الأراضي :
من خلال مطالعة ما ورد في الوجهين السابقين
لاحظنا ان قانون اراضي وعقارات الدولة وقانون الاوقاف قد حددا كيفية الاستهداء
لمعرفة اراضي وعقارات الدولة واراضي وعقارات الاوقاف الا ان موضع التداخل
والاشتباك بين اراضي وعقارات الدولة واراضي الاوقاف هو المراهق العامة وحدودها
ونطاقها ؛لان تعريف المراهق العامة ونسبة الانحدار التي يتم احتساب لمالك الاراضي
من المراهق العامة هو موضع الخلاف والنزاع فيما بين هيئة الاراضي والاوقاف وقد كان
الخلاف حاصلا منذ صدور قانون اراضي وعقارات الدولة عام 1995م الذي تضمن المادة (42)
التي حددت ان حصة مالك الارض من المراهق العامة لا تزيد على 20% من نسبة الانحدار،
ولذلك جرى تعديل قانون الوقف بموجب القانون رقم (32) لسنة 2008م الذي نص في المادة
(87) مكرر على انه (استثناءً من الاحكام المنصوص عليها في قانون اراضي وعقارات
الدولة بشان المراهق العامة تعد مراهق ومساقي الاعيان الموقوفة كاملة تابعة لها
ويسري عليها ما يسري على أصل العين الموقوفة من احكام) .
الوجه الرابع : تحديد الجهة المختصة بالفصل في نزاعات الأوقاف العامة مع هيئة الأراضي :
من خلال مطالعة الحكم محل تعليقنا نجد انه قد
استند الى المادة (62) من قانون اراضي وعقارات الدولة في تقرير الاختصاص لمجلس
الوزراء في الفصل في المنازعات التي قد تقع فيما بين هيئة الاراضي والاوقاف العامة
؛حيث نصت المادة (61) من قانون الاراضي على (تختص المحاكم العادية بنظر الدعاوي
والمنازعات الناشئة عن تطبيق هذا القانون) في حين نصت المادة (63) على انه
(استثناءً من احكام المادة السابقة يتم رفع أي خلاف ينشاء بين الهيئة ووزارة
الاوقاف حول اراضي وعقارات معينة إلى مجلس الوزراء للفصل فيه بقرار غير قابل للطعن
وفقاً لقانون الوقف الشرعي) ومن استقراء هذا النص نجد الاتي:
1- مرجع مجلس الوزراء في الفصل في النزاع هو
قانون الوقف الشرعي وليس قانون اراضي وعقارات الدولة حيث يتم الرجوع الى قانون
الوقف الشرعي لتطبيق ما ورد فيه على النزاع.
2- دراسة موضوع النزاع في مجلس الوزراء يتم من
قبل لجنة وزارة مصغرة تستعين بالمختصين من الجهتين الذين يقومون بدراسة الوثائق
والمستندات والدعاوى وتطبيق قانون الوقف حيث يتم رفع النتائج الى مجلس الوزراء
لاتخاذ القرار المناسب في ضوء ذلك.
3- هذه الوسيلة أكثر سرعة واقل كلفة وجهداً من
اجراءات التقاضي الطويلة والمكلفة امام المحاكم
لاسيما ان قرار مجلس الوزراء غير قابل للطعن فيه.
4- قرار الفصل في النزاع من قبل مجلس الوزراء وليس من قبل رئيس مجلس الوزراء ؛ففي ذلك ضمانة لتداول مجلس الوزراء بشان الخلاف قبل اصدار القرار حتى يكون رشيداً وحكيماً وعادلاً، والله اعلم.