تنفيذ الحكم المستعجل من واقع مسوّدته
أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة
صنعاء
قضاء الحكم المستعجل عبارة عن تدبير وقتي لايمس موضوع
الحق محل النزاع ، إذ يهدف الحكم المستعجل إلى توفير حماية وقتية للوضع الظاهر والإبقاء
على الحال على ماهي عليه حتي يفصل فيها قاضي الموضوع في موضوع الحق محل النزاع، لذلك
واستثناءً من القواعد العامة لإصدار الأحكام وتنفيذها يجوز تنفيذ الحكم المستعجل
من واقع مسوّدته، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في
جلستها المنعقدة بتاريخ 13-1-2014م في الطعن رقم (53543) الذي ورد ضمن أسبابه:
((فقد وجدت الدائرة أن نعي الطاعن في غير محله، لأن القرار الصادر في القضية المستعجلة
تم املاؤه من محضر النطق بالحكم المستعجل ومن المسوّدة المرفقة، ومن ثم فإن الحكم
الصادر من قاضي الأمور المستعجلة يكون قد تحقق وجوده من خلال مسوّدته، حيث نصت
المادة (243) مرافعات على أن الحكم الصادر في المسائل المستعجلة يكون واجب التنفيذ
فور صدوره من واقع مسوّدته، ولما كان القضاء المستعجل هو حكم مؤقت بتدبير وقتي أو
تحفظي يصدر في المسائل المستعجلة التي يخشى عليها من فوات الوقت دون التعرض لأصل
الحق، وحيث أن الحكم الصادر من قاضي الأمور المستعجلة قد قضى بقبول دعوى المدعي
شكلاً، وفي الموضوع إزالة الجدار المستحدث بغض النظر عن ملكيته من عدمه، وحيث أن
ذلك الحكم قد أوضح في أسبابه بأن المكان المقام عليه الجدار محل نزاع، ولذلك فإن
الشعبة قد اصابت في قضائها بتأييد الحكم الابتدائي المستعجل))، وسيكون تعليقنا على
هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية :
الوجه الأول : تنفيذ الحكم المستعجل من واقع مسودته :
الأصل في تنفيذ الأحكام ان تنفيذها لايكون الا
بموجب السند التنفيذي، وهو الحكم الموضوعي البات أو النهائي المنهي للنزاع بعد
تذييله نسخة من الحكم بالصيغة التنفيذية ومباشرة مقدمات التنفيذ.
الا انه بالنسبة للحكم المستعجل يتم تنفيذه بعد النطق به وذلك من واقع مسودة الحكم المشتملة
على منطوق الحكم وأسبابه، لأن الحكم يكون موجودا في المسودة، وقد تم اشهاره عن
طريق النطق به علانية في جلسة علانية، وعلى هذا الأساس يجوز تنفيذه من واقع مسودته
دون انتظار لتحرير الحكم وطباعته والتوقيع عليه وختمه وتسليم الخصوم نسخ منه، واستثناء
الحكم المستعجل فيما يتعلق بتنفيذه على هذا النحو يستند إلى اعتبارات عدة من أهمها
الطابع المستعجل للحكم الذي يستدعي العجلة والسرعة في التنفيذ حتي تتحقق الغاية من
القضاء المستعجل وهي توفير الحماية الوقتية دون المساس بأصل الحق المتنازع عليه.
فالأحكام المستعجلة لها نظام تنفيذ خاص يطلق عليه التنفيذ الفوري، فالتنفيذ الفوري يقع
بقوة القانون دون أن ينص عليه الحكم..
الوجه الثاني : السند القانوني للحكم محل تعليقنا :
حسبما هو مبين في أسباب الحكم محل تعليقنا
يظهر أنه قد أستند في قضائه إلى المادة(243
)مرافعات التي نصت على أنه(يصدر الحكــم في المسائل المستعجلة من المحكمة المختصة
أو ممن يندب فيها لذلك من القضــاة خلال (24) ساعة من التاريخ المحدد للحضور في
مواجهة المدعى عليه أو المنصوب عنه ويكون الحكم واجب التنفيذ فور صدوره من واقع
مسودته دون إتباع مقدمات التنفيذ الجبري ، وللمحكمة أن تشترط لتنفيذ الحكم تقديم
كفالة تقدرها بحسب الأحوال فإذا لم تنص في حكمها على تقديم الكفالة كان الحكم واجب
النفاذ بدون كفالة ).
فهذا النص صريح في جواز تنفيذ الحكم المستعجل من
واقع مسودته دون انتظار لتحرير الحكم وطباعته والتوقيع عليه وختمه وتسليم الخصوم
نسخ منه.
الوجه الثالث: تنفيذ الحكم المستعجل من واقع مسودته في القانون والفقه المقارن:
نصت المادة(243 )مرافعات يمني على أنه(يصدر
الحكــم في المسائل المستعجلة من المحكمة المختصة أو ممن يندب فيها لذلك من
القضــاة خلال (24) ساعة من التاريخ المحدد للحضور في مواجهة المدعى عليه أو
المنصوب عنه ويكون الحكم واجب التنفيذ فور صدوره من واقع مسودته دون إتباع مقدمات
التنفيذ الجبري ، وللمحكمة أن تشترط لتنفيذ الحكم تقديم كفالة تقدرها بحسب الأحوال
فإذا لم تنص في حكمها على تقديم الكفالة كان الحكم واجب النفاذ بدون كفالة ).
ولم يشذ القانون اليمني في إجازته تنفيذ الحكم
المستعجل من واقع مسودته، إذ ورد في
القوانين العربية نصوصا مماثلة للنص اليمني، إذأرست المادة 170 من قانون الإجراءات المدنية
والتجارية العماني الأصل العام أو القاعدة العامة بنصها على أنه (…وفي جميع
الأحوال يجب أن تكون المسودة موقعة من الرئيس ومن الأعضاء عند النطق بالحكم وإلا
كان باطلا، ويجب أن تشتمل المسودة على الأسباب التي بني عليها الحكم وإلا كان
باطلا)، وكذلك نظيرتها المادة 175 من قانون المرافعات المصري، على أنه ” يجب في
جميع الأحوال أن تودع مسودة الحكم المشتملة على أسبابه موقعه من الرئيس ومن القضاة
عند النطق بالحكم وإلا كان الحكم باطلا، ويكون المتسبب في البطلان ملزما
بالتعويضات إن كان له وجه”. فقد أوجبت أن تودع مسودة الحكم مشتملة على أسبابه
وموقعه من الرئيس ومن قضاة المحكمة عند النطق بالحكم وإلا كان الحكم باطلا ، ولكن
في هذه الحالة يجب الانتظار حتى يوقع رئيس الجلسة وأمين السر على نسخة الحكم
الأصلية المشتملة على وقائع الدعوى والأسباب وتحفظ في ملف الدعوى وذلك
خلال عشرة أيام من إيداع المسودة وفق المادة 173 من القانون ذاته ، إلا أن القانون المصري نص على أن يكون ذلك خلال أربع وعشرين ساعة في
القضايا المستعجلة وسبعة أيام في القضايا الأخرى، وإلا كان المتسبب في التأخير
ملزما بالتعويضات وفقا للمادة 179 من قانون المرافعات المصري.
أما في مجال تنفيذ الأحكام المستعجلة فقد خرج القانون
اليمني والعماني ونظيرهما المصري عن هذه القاعدة العامة، وذلك في المادة(343 )
يمني والمادة 344من قانون الإجراءات المدنية والتجارية العماني والمادة 286
من قانون المرافعات المصري ، حيث نصت المواد343 يمني والمادة 344 من قانون
الإجراءات و286 من قانون المرافعات المدنية والتجارية، على أنه ” يجوز للمحكمة في
المواد المستعجلة أو في الأحوال التي يكون فيها التأخير ضارا أن تأمر بتنفيذ الحكم
بموجب مسودته بغير إعلانه، وفي هذه الحالة يسلم الكاتب المسودة للمحضر وعلى المحضر
أن يرها بمجرد الانتهاء من التنفيذ “. وفي ذلك ما يبرره ذلك أن تلك المواعيد
السابق بيانها هي ليست مواعيد حتمية، ويقتصر الأمر فقط أنها مجرد مواعيد تنظيمية
لحسن سير العمل في مرفق القضاء، وبالتالي فهو لا يترتب على مخالفتها أي جزاء، وفي
الواقع العملي فإن تقاعس بعض القضاة والجهاز القضائي المساعد على إنجاز مثل هذه
الإجراءات قد يكون السبب في التأخير نظرا لكثرة القضايا، وهو تأخير لا تتحمله
نوعية القضايا المستعجلة بأي حال من الأحوال، فمجرد التأخير لبضع ساعات قد يسبب
أضرار يتعذر تداركها مستقبلا، مما حدا بالقانون أن يخرج عن هذا الأصل ويجيز
التنفيذ في مثل هذه الحالات بموجب مسودة الحكم ودون الحاجة إلى انتظار صدور النسخة
الأصلية للحكم، وكذلك الصورة المأخوذة
منها الممهورة بصيغة التنفيذ.
وبالتدقيق في نصوص المواد المشار إليها ، فإنه
يلاحظ أن القانون قد خرج عن الأصل فيما
يتعلق بتنفيذ الحكم المستعجل من واقع مسودته دون انتظار لتحرير الحكم وطباعته
والتوقيع عليه وختمه وتسليم الخصوم نسخ منه ، وذلك في أمرين، الأمر الأول أنه أجاز
التنفيذ في ظروف الاستعجال بدون اشتراط صيغه معينة، والأمر الثاني أنه أجاز
التنفيذ بمسودة الحكم فورا ودون الحاجة حتى إلى إعلانه.
فالقاعدة العامة المقررة قانونا، بأنه يلزم اتخاذ
مقدمات التنفيذ في كل أحوال التنفيذ القضائي، ما لم ينص المشرع على خلاف ذلك، وهو
مقرر في المادتين 342 و356 من قانون الإجراءات المدنية والتجارية، وتوجبان اتخاذ
مقدمات التنفيذ، وقد وردتا في باب الأحكام العامة في التنفيذ، أي أنهما تقرران
قاعدة عامة أساسية يجب إتباعها بالنسبة إلى كل تنفيذ مباشر أو غير مباشر، بالحجز
على منقول أو عقار، وأيا كان السند التنفيذي الذي يجري بمقتضاه التنفيذ، غير أن
المشرع ولطبيعة الأحكام المستعجلة الخاصة، قد أجاز التنفيذ في حالة الاستعجال أو
المواد التي قد يكون تأخير التنفيذ فيها ضارا بموجب مسودة الحكم وبإجراءات ميسرة
بسيطة، وبناء على طلب صاحب الشأن، وفي هذه الحالة يسلم الكاتب { أمين السر } مسودة
الحكم لمحضر التنفيذ، ويقوم المحضر بتنفيذ الحكم الصادر والمثبت في المسودة فور استلامه
لها من الكاتب { أمين السر }، وبعد الانتهاء من التنفيذ بمسودة الحكم عليه أن
يعيدها إلى ملف الدعوى، ودون أن يسلم منها صورة لأي من الخصوم.
(تنفيذ الحكم المستعجل، د. محمد عبدالله
الجهوري، مجلة المسار العمانية ص 8)، والله اعلم.