مسئولية صاحب العمل عن عمال مقاوليه من الباطن
أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين، الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء.
نصت الفقرة (2) من المادة (31) من قانون العمل اليمني على إنه (إذا أبرم عقد العمل مقاول من الباطن فإن صاحب العمل الأصلي يعتبر مسئولاً بالتضامن عن تنفيذ كافة الإلتزامات المترتبة على عقد العمل إذا تعذر تنفيذها من قبل المقاول من الباطن وحالت الظروف دون ذلك)، وهذا النص صريح في تقرير مسئولية صاحب العمل سواءً أكان شركة أم مؤسسة أم محلاً تجارياً مسئوليته عن الوفاء بحقوق عمال المقاول من الباطن الذي يعمل لحسابه إذا حدث للمقاول عذر أو ظرف حال دون قيام المقاول من الباطن بالوفاء بحقوق عماله؛
حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 14-9-2015م في الطعن رقم (56795)، وقد ورد ضمن أسباب الحكم المشار إليه إنه:
(وحيث أن الحكم الاستئنافي قد وافق قضاء اللجنة التحكيمية العمالية فيما قضت به على شركة (...) بإستيعاب العمال المدعين وتمكينهم من ممارسة عملهم لديها أو لدى أي من مقاوليها من الباطن ، وتتحمل الشركة الطاعنة جميع رواتبهم واقساط التأمين إلى تاريخ تمكينهم من عمل مناسب لما كانوا يقوموا به من عمل لدى المقاول من الباطن السابق)،
وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الاوجه الآتية:
الوجه الأول: من هو المقاول من الباطن الذي يكون صاحب العمل مسئولاً بالتضامن عن الوفاء بحقوق عماله:
المقاول الذي يكون صاحب العمل مسئولاً عن الوفاء بحقوق عماله: هو المقاول من الباطن الذي يعهد إليه صاحب العمل القيام ببعض أعماله التي تندرج ضمن نشاطه المعتاد أو الأعمال التي يتكرر قيام صاحب العمل بها، كمتعهد التغذية لموظفي عمال صاحب العمل، أو الشركة التي تتولى توزيع منتجات صاحب العمل، فالمقصود بالمقاول من الباطن هو الذي يقوم بأي من الأعمال المعتادة التي تدخل ضمن النشاط المعتاد لصاحب العمل أو تلك التي تدخل ضمن أغراض نشاط صاحب العمل، وبناءً على ذلك لا يعد مقاولاً من الباطن المقاول الذي يقوم ببناء بناء مقرا لنشاط صاحب العمل أو المقاول الذي يتولى تركيب مكائن ومعدات صاحب العمل أو المقاول الذي يقوم بصيانة معدات وآلات صاحب العمل بصورة دورية أما إذا كان يقوم بذلك يومياً فإن المقاول في هذه الحالة يكون مقاولاً من الباطن.
الوجه الثاني: التبرير القانوني لمسئولية صاحب العمل عن عمال المقاول من الباطن:
بحسب مفهوم المقاول من الباطن المذكور في الوجه الأول من هذا التعليق يظهر أن المقاول من الباطن يعمل بصفة مستمرة ومتواصلة ببعض الأعمال التي تدخل ضمن أغراض أو أنشطة صاحب العمل المعتادة، فيقوم المقاول من الباطن بهذه الأعمال لمصلحة وحساب صاحب العمل وذلك في مجال نشاط صاحب العمل أو يقوم المقاول بالأعمال التي يكون صاحب العمل ملزما بلقيام بها، فيشبه عمل المقاول من الباطن في هذه الحالة عمل الوكيل لحساب موكله، ولذلك فإن صاحب العمل يكون مسئولاً بالتضامن عن الوفاء بحقوق العامل التابع للمقاول من الباطن إذا تعذر عن المقاول من الباطن الوفاء بها، حسبما ورد في الفقرة (2) من المادة (31) من قانون العمل، وحسبما قضى به الحكم محل تعليقنا.
الوجه الثالث: أساس المسئولية التضامنية لصاحب العمل عن الوفاء بحقوق عمال المقاول من الباطن:
الأصل أن المسئولية التضامنية تتأسس على عقد يكون الضامن طرفا فيه أو كفالة أو ضمانة يقوم الضامن أو الكفيل بإصدارها لحساب المكفول عليه، لأن الكفالة أو الضمانة تعني ضم ذمة مالية إلى ذمة مالية أخرى حتى يستطيع المكفول له الرجوع على أي من المكفول عليه أو الكفيل منفردين أو متضامنين، إلا أن الطبيعة الخاصة لقانون العمل وحرصه وعنايته بحقوق العمال قد جعلت القانون يصرح بأن صاحب العمل مسئول عن الوفاء بحقوق عمال المقاول من الباطن إذا تعذر على المقاول الوفاء بها، وبناء على ذلك فإن الأساس القانوني لمسئولية صاحب العمل عن الوفاء بحقوق عمال المقاول من الباطن هو النص القانوني اي نص المادة (31) من قانون العمل السابق ذكرها.
الوجه الرابع: حدود مسئولية صاحب العمل عن الوفاء بحقوق عمال المقاول من الباطن:
صرحت المادة (31) من قانون العمل بأن صاحب العمل لا يكون مسئولاً عن الوفاء بحقوق عمال المقاول من الباطن إلا (إذا تعذر تنفيذها من قبل المقاول من الباطن وحالت الظروف دون ذلك)، ومعنى ذلك أن صاحب العمل لا يكون ملزماً بذلك إلا إذا حدث عذر أو ظرف يجعل المقاول من الباطن غير قادر على دفع حقوق عماله كالإفلاس أو الحجز عليه أو منعه من التصرف أو تلف معداته أو إحتراقها أو وقف نشاطه أو مصادرة أمواله أو غير ذلك من الظروف والاعراض التي تحول دون وفاء المقاول بحقوق عماله، علما بأن نص المادة (21) من قانون العمل لم تشترط ان يكون العذر أو الظرف الذي يحول دون وفاء المقاول من الباطن عذرا قهريا أو ظرفا طارئا ، وتبعا لذلك فان أي عذر أو أي ظرف يمنع للمقاول من الباطن من الوفاء يوجب على صاحب العمل القيام بذلك.
كما تتحدد مسئولية صاحب العمل عن الوفاء بحقوق عمال مقاول الباطن التي تعذر على المقاول دفعها، ومقتضى ذلك أن صاحب العمل لا يكون ملزماً بتشغيل عمال المقاول لديه في المستقبل نتيجة عدم إستطاعة المقاول من الباطن تشغيلهم.
الوجه الخامس: الوضعية القانونية للمقاول من الباطن لأكثر من صاحب عمل:
بعض المقاولين من الباطن يقوم بتقديم خدمات واحدة لأكثر من صاحب عمل، مثل شركات الحراسة أو شركات الصيانة...إلخ، فهذا الصنف من المقاولين من الباطن لا يكون تابعاً لصاحب عمل واحد ، وإنما يقوم بتقديم خدماته لأشخاص وجهات كثيرة، ولذلك من الصعب تطبيق مفهوم المقاول من الباطن عليه إلا إذا قام هذا المقاول بتخصيص عمال معينين لأداء العمل لكل صاحب عمل على حدة لفترة تزيد على ستة أشهر، ففي هذه الحالة يكون كل صاحب عمل مسئولاً عن العمال الذين عملوا لحسابه، أما إذا قام المقاول بتدوير العمال كل ستة أشهر بين أكثر من شركة بغرض تقديم خدماته لها فإن وصف المقاول من الباطن لا ينطبق عليه في هذه الحالة.
الوجه السادس: متى يتحول عمال المقاول من الباطن إلى عمال لدى صاحب العمل:
ذكرنا في الأوجه السابقة أن مسئولية صاحب العمل التضامنية عن الوفاء بحقوق عمال المقاول من الباطن قاصرة على دفع حقوق العمال فقط، فلا يعني ذلك أن صاحب العمل ملزم بإلحاق عمال المقاول من الباطن لديه، بيد أنه إذا قام صاحب العمل بالتعامل المباشر مع عمال المقاول، وقام صاحب العمل بإصدار توجيهاته إليهم وقام صاحب العمل بنفسه بصرف مستحقاتهم واستقبل مباشرة المذكرات والطلبات المرفوعة منهم، وسمح لهم بحمل شعارات وملابس صاحب العمل واصدر توجيهاته اليهم ، فإن هؤلاء العمال يكونوا تابعين لصاحب العمل، لتحقق تعريف العامل المذكور في المادة (2) من قانون العمل التي عرّفت العامل بأنه (كل شخص يعمل لدى صاحب العمل ويكون تحت إدارته ولو بعيداً عن نظارته لقاء أجر ووفق عقد مكتوب أو غير مكتوب ويشمل ذلك الرجال والنساء والأحداث ومن كان قيد الإختبار والتدريب)، ولذلك فقد لاحظنا أن الحكم محل تعليقنا قد قضى بإلحاق عمال المقاول من الباطن بالعمل لدى صاحب العمل الذي كان يتعامل معهم كما يتعامل مع عماله التابعين له، والله اعلم.
![]() |
مسئولية صاحب العمل عن عمال مقاوليه من الباطن. |
مقالات ذات صلة:
1- لا يملك القضاء العمالي إلغاء قرارات صاحب العمل
3- التقاعد ينهي علاقة العامل بصاحب العمل
3- فصل العامل اثناء المحاكمة الجنائية
4- خصائص العمل العرضي في قانون العمل
5- وجوب تحقق المحكمة من إستقالة العامل أو فصله