وجوب تحقق المحكمة من إستقالة العامل أو فصله

 وجوب تحقق المحكمة من إستقالة العامل أو فصله 

أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

تختلف استقالة العامل عن فصله من العمل، من حيث الآثار والتبعات المترتبة على كل من الاستقالة والفصل، وهذه المسألة جوهرية يترتب عليها تغيير وجه الرأي في الحكم، لذلك يجب على المحكمة مناقشة هذه المسألة إذا تمت أثارتها أمام المحكمة كي تتأكد المحكمة من ماهية التصرف هل هو من قبيل الاستقالة التي ترجع إلى إرادة العامل أم من قبيل الفصل الذي يرجع إلى إرادة صاحب العمل، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 10-2-2013م في الطعن رقم (47104)، الذي ورد ضمن أسبابه: ((فقد تبين أن الطاعنين كانا قد دفعا أمام المحكمة بعدم قبول الدعوى لتقدم ما يكذبها محضاً، لان المصنع لم يقم بفصل العاملين المطعون ضدهما، لانهما كانا قد تقدما باستقالتهما طواعية وتركا العمل قبل ان يقوما بتصفية العهد التي في ذمتيهما، والدائرة :تجد أن المحكمة مصدرة الحكم المطعون فيه لم تناقش هذا الدفع وإنما اكتفت بالقول (اما من حيث الموضوع فان الدفع ليس جوهريا، لأن الدفع له شروطه، وهذا القول لا يمكن اعتباره تسبيباً سائغاً وكافياً للقضاء برفض الدفع، فعدم مناقشة المحكمة لذلك الدفع وادلته والرد عليها يعد قصورا في التسبيب يجعل الحكم المطعون فيه باطلاً متعيناً نقضه إضافة إلى أن الدفع المشار إليه من الدفوع المتعلقة بالنظام العام التي يجب الفصل فيها بدايةً بحكم مستقل)، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية :

الوجه الأول : ماهية الفصل الغير تعسفي للعامل وحالات الفصل غير التعسفي :

 فصل العامل اما ان يكون فصلا تعسفيا وإما أن يكون فصلا غير تعسفي، فالفصل غير التعسفي هو قيام صاحب العمل بإنهاء خدمة العامل في الأحوال المحددة في قانون العمل وبحسب الإجراءات المحددة في القانون. 

 وقد تضمنت  المادة(35) بعض الحالات التي يجوز لصاحب العمل ان يفصل العامل عند تحقق احدى هذه الحالات، فقد نصت(35 ) من قانون العمل على أنه( أولا: يجوز لصاحب العمل أن ينهي العقد من جانبه بدون اشعار كتابي او تحمل الاجر المقرر عن فترة الانذار في الحالات التالية:-

1- إذا انتحل العامل شخصية غير شخصيته او قدم شهادات او وثائق مزورة.

2- إذا حكم على العامل في جريمة مخلة بالشرف أو الامانة او الآداب العامة بحكم قضائي بات.

3- إذا وجد العامل اثناء ساعات العمل في حالة سكر او تحت تأثير مادة مخدرة.

4- إذا اعتدى العامل على صاحب العمل او من يمثله او رئيسه المباشر اثناء العمل او بسببه اعتداء يعاقب عليه القانون او وقع منه اعتداء جسماني على احد العالمين الآخرين في مكان العمل او بسببه.

5- إذا لم يثبت العامل صلاحيته للعمل اثناء الفترة الاختبارية.

6- إذا ارتكب العامل خطاء نشأ عنه خسارة مادية لصاحب العمل بشرط ان يبلغ صاحب العمل الجهات المختصة بالحادث خلال ثمانية و اربعين ساعة من وقت علمه بوقوعه.

7- إذا لم يراع العامل التعليمات اللازم اتباعها لسلامة العمال والعمل وتم انذاره كتابة بشرط أن تكون هذه التعليمات مكتوبة ومعلنة بمكان ظاهر في محل العمل.

8- إذا لم يقم العامل بتأدية التزاماته الاساسية المترتبة على عقد العمل .

9- إذا حمل سلاحا ناريا في محل عمله باستثناء من يتطلب عمله ذلك.

10- إذا افشى العامل اسرارا خاصة بالعمل الذي يعمل فيه او تلك التي يطلع عليها بحكم عمله.

11- إذا امتنع العامل عن تنفيذ حكم نهائي صادر وفقا لاحكام الفصل الاول من الباب الثاني عشر من هذا القانون او في حالة عدم التزام العمال بأحكام هذا القانون).

وكذا اجازت المادة (36) من قانون العمل  لصاحب العمل والعامل إنهاء عقد العمل في بعض الأحوال فقد نصت المادة ( 36) على أنه (يجوز لأي من طرفي العقد إنهاءه شريطة ان يشعر الطرف الراغب في الانهاء الطرف الآخر في احدى الحالات التالية:-

1- إذا اخل احد الطرفين بشروط العقد او تشريعات العمل الاخرى.

2- إذا انتهى العمل كليا او جزئيا بصفة دائمة.

3- إذا حدث تنقيص في عدد العمال لأسباب فنية واقتصادية.

4- إذا تغيب العامل بدون سبب مشروع اكثر من ثلاثين يوما متقطعة خلال العام الواحد او خمسة عشر يوما متصلة على أن يسبق انهاء العقد انذار كتابي من صاحب العمل بعد غياب العامل خمسة عشر يوما في الحالة الاولى وسبعة أيام في الحالة الثانية.

5- إذا بلغ العامل السن المقررة للتقاعد بمقتضى تشريعات العمل.

6- إذا اصبح العامل غير لائق صحيا للعمل بمقتضى قرار من اللجنة الطبية المختصة

الوجه الثاني : الفصل التعسفي للعامل وحالاته :

الفصل التعسفي للعامل هو قيام صاحب العمل بإنهاء خدمة العامل في غير الحالات التي اجاز فيها قانون العمل لصاحب العمل إنهاء خدمة العامل، وقد سبق لنا عرض الحالات التي اجاز فيها  القانون لصاحب العمل إنهاء خدمة العامل، وذلك في الوجه الأول. 

اما بشأن حالات الفصل التعسفي للعامل  فقد تضمنت بعض مواد قانون العمل بعض حالات الفصل التعسفي،  فقد تضمنت المادة(37) عمل بعض حالات الفصل التعسفي، فقد نصت  هذه المادة على أنه( لا يجوز لصاحب العمل ان ينهي العقد في الحالات التالية: -

ا- اثناء تمتع العامل باي اجازة ينص عليها في هذا القانون واللوائح المنفذة له .

ب- عند النظر في النزاع القائم بينه وبين العامل على الا تتجاوز مدة النظر في النزاع اربعة اشهر ما لم يرتكب العامل مخالفة اخرى تستدعي الفصل .

ج- اثناء احتجاز العامل بسبب العمل لدى الجهات المختصة حتى يفصل نهائيا في القضية ). 

 وإضافة إلى ماورد في هذه المادة فإن اي إنهاء لعقد العمل على خلاف الحالات المحددة حصرا في المادتين(35و36 ) عمل السابق ذكرهما في الوجه الأول يكون فصلا تعسفيا، فاي إنهاء لعقد العمل على خلاف الحالات المحددة في القانون والسابق ذكرها فأنه فصل تعسفي بصرف النظر عن الاسم الذي يطلقه صاحب العمل على تصرفه . 

ويذهب الفقه العربي إلى ذكر أمثلة على على الفصل التعسفي ومنها :الفصل من مع عدم إبداء أسباب الفصل،  أو إنهاء العقد محدد المدة الذي يربط العامل بجهة العمل بدون سبب مقنع وقبل انتهاء مدة العقد، أو  فسخ العقد الذي لم يذكر فيها مدة عمل العامل في جهة العمل بدون إنذار العامل قبل الفصل بمدة كافية، وفصل العامل بدون النظر إلى مصلحة العامل عند الفصل.

ويعد الفصل تعسفيًا ولو كان يهدف إلى تحقيق مصلحة العمل على حساب العامل، ويعد أيضا من قبيل الفصل التعسفي وكذا قيام صاحب العمل بفصل العامل من العمل بدون النظر إلى اللوائح والقوانين التي ينص عليها عقد العمل، أو اتخاذ قرار الفصل من جهة صاحب العمل بمفرده بدون الرجوع للعامل، وكذا فسخ عقد العمل مع العامل قبل انتهاء مدة العقد، أو فصل العامل بدون إبداء أسباب واضحة لخطأ العامل تجاه جهة العمل، يعتبر الفصل تعسفيًا إذا كان الغرض منه مصلحة العمل فقط،ويعتبرالفصل تعسفيا عندما يقع فصل شخص عن العمل دون وجود سبب حقيقي وجدي يبرره أو دون احترام الإجراءات القانونية

الوجه الثالث : إثبات الفصل التعسفي للعامل :

المتضرر من قرار صاحب العمل بفصل العامل تعسفيا هو العامل نفسه ،ولذلك فإن العامل المفصول في هذه الحالة يكون في مركز المدعي، وعلى هذا الأساس يجب عليه ان يثبت أن فصله كان تعسفيا ، فللعامل في هذه الحالة إثبات أن فصله كان تعسفيا وذلك بكافة طرق الإثبات المقررة في قانون الإثبات كالشهادة والإقرار والكتابة... إلخ. 

وبإعتبار أن صاحب العمل سيما إذا كان منشآة فإن صاحب العمل يحتفظ بكافة المستندات والبيانات والمعلومات الخاصة بالعلاقة العقدية التي نشات فيما بينه وبين العامل، لذلك فإنه يحق للعامل مطالبة القضاء بإلزام  صاحب العمل بتقديم المستندات أو الوثائق المتعلقة بفصله التي يحتفظ بها صاحب العمل خلافاً لقاعدة أن على المدعي البينة حسبما هو مقرر في قانون الاثبات . 

ويكفي العامل في إثبات الفصل التعسفي أن يثبت انه لم تتحقق بشأنه أية حالة من الحالات المحددة في القانون التي يجوز فيها لصاحب العمل ان ينهي خدمة العامل، لأن إنهاء خدمة العامل في غير تلك الحالات يكون فصلا تعسفيا حسبما سبق بيانه .

 الوجه الرابع  : الفرق بين فصل  العامل وإستقالته :

الفصل بنوعيه التعسفي وغير التعسفي يصدر من جهة صاحب العمل وبإرادته المنفردة رغما عن العامل، في حين أن الاستقالة على عكس ذلك، إذ تكون الاستقالة من جهة العامل وبإرادته، ويحق للعامل المطالبة بتعويضه عن فصله التعسفي، في حين لامحل لهذه المطالبة في حالة إستقالة العامل. 

الوجه الخامس : وجوب مناقشة المحكمة وتحققها مما إذا كان إنهاء خدمة العامل فصلا ام إستقالة :

لما كان فصل العامل يختلف عن استقالته على النحو السابق بيانه، ونظرا لاختلاف الحكم مابين فصل العامل وإستقالته، لذلك يجب على محكمة الموضوع التحقق من نوع إنهاء خدمة العامل وإجراءات ذلك، فإذا توصلت المحكمة إلى تحديد نوع الانهاء، فإنه يجب عليها حينئذ  أن تناقش أقوال الخصوم  وحججهم في هذا الجانب وان ترد على ذلك تفصيلاً، وان تبين المحكمة في حكمها أسباب أخذها بالأدلة أو عدم أخذها حسبما اشار الحكم محل تعليقنا، والله اعلم.



تعليقات