فصل العامل اثناء المحاكمة الجنائية
أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء
يتم
إتهام بعض العمال اثناء عملهم بإرتكاب جرائم جنائية بسبب العمل كخيانة الأمانة أو
الإختلاس أو السرقة وغيرها، فتتم إحالتهم إلى جهات الضبط والتحقيق الجنائي، وبعد
ذلك تقوم النيابة بإحالتهم إلى المحاكمة
الجنائية امام القاضي الجزائي، وخلال التحقيق والمحاكمة الجزائية للعامل المتهم يجب
على صاحب العمل أن يدفع للعامل المتهم 50% من الأجر الأساسي على الأقل، ويستمر
صاحب العمل في دفع هذه النسبة حتى يصدر حكم بات في القضية، فإذا كان الحكم بإدانة
العامل فيجب على العامل أن يرد إلى صاحب العمل المبالغ التي تقاضاها اثناء التحقيق
والمحاكمة الجنائية واذا قضى الحكم ببراءة العامل فيحب على صاحب العمل دفع الفارق،
إضافة إلى أنه لايجوز لصاحب العمل فصل العامل المحتجز على ذمة قضية بسبب العمل
وكذا في حالة وجود نزاع فيما بين العامل وصاحب العمل، بيد أنه يجوز لصاحب العمل
فصل العامل إذا صدر بحق العامل حكم بات يدينه بجريمة مخلة بالشرف أو الأمانة أو
الآداب العامة ولو لم تكن الجريمة متعلقة بالعمل أو بسببه، حسبما قضى الحكم الصادر
عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 12-10-2015م في
الطعن رقم (57219)، الذي ورد ضمن أسبابه: ((فالبين للدائرة: أن ما اثارته الطاعنة
من مطاعن على الحكم المطعون فيه لا تستند إلى أساس صحيح من الواقع والقانون، فما
ساقته الطاعنة في عريضة الطعن للإستدلال على مخالفة الحكم الاستئنافي للقانون في
غير محلها، لأن المادة (59) من قانون العمل قد نصت على أنه (مع مراعاة أحكام
المادتين (99 و 100) من هذا القانون يستحق العامل اجره الكامل خلال فترة توقيفه
بسبب قضية تتعلق بالعمل شريطة ألا يقل ما يدفع له في فترة التوقيف عن 50% من اجره
الأساسي ويكون صرف الجزء المتبقي من الأجر الكامل حال التأكد من براءته ولصاحب
العمل إسترجاع ما تم صرفه خلال فترة التوقيف في حالة إدانة العامل بحكم بات)، كما
أن ما اثارته الطاعنة بأن العامل قد تم فصله وانتهت العلاقة التعاقدية بينه وبينها
ومن ثم فلا يوجد له مرتب حتى يتم إلزامها بصرف 50% فإن تقدير صحة قرار الفصل من
عدمه من إختصاص قضاء الموضوع، فمن المعلوم قانوناً أن سلطة رب العمل في فصل العامل
وإنهاء خدمته ليست مطلقة بل مقيدة بحالات وشروط قانونية محددة، ومن ذلك ما نصت
عليه المادة (35) بند أولاً الحالة (ب) يجوز لصاحب العمل أن ينهي العقد من جانبه
بدون إشعار كتابي أو تحمل الأجر المقرر عن فترة الإنذار في الحالات الآتية: -ب-
إذا حكم على العامل في جريمة مخلة بالشرف أو الأمانة أو الآداب العامة بحكم قضائي
بات، وحيث أن البين من الأوراق أن اللجنة التحكيمية في قرارها قد فصلت في الدفع
بقبول الدفع بوقف النظر في الدعوى المرفوعة من العامل حتى يتم الفصل في القضية
الجنائية وصرف 50% من أجر العامل المتهم، وحيث أن الحكم الاستئنافي قد قضى بتأييد
قرار اللجنة التحكيمية، لذلك فإن الحكم المطعون فيه موافق للقانون مما يتعين معه
رفض الطعن))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية:
الوجه الأول: المقصود بفصل العامل اثناء المحاكمة الجنائية:
وفقاً
لقانون هيئة الشرطة وقانون الإجراءات الجزائية فإن الإختصاص بضبط الجرائم وجمع
الأدلة والقبض على المتهمين بإرتكاب الجرائم من إختصاص مأموري الضبط الجنائي
كالمباحث الجنائية واقسام الشرطة، فإذا تم إتهام العامل بارتكاب جريمة متعلقة بعمله أو بسبب عمله كإختلاس أموال
الشركة التي يعمل فيها العامل أو قيامه
بخيانة الامانة بالنسبة لأموال الشركة التي يعمل بها أو تبديد أو إتلاف أموالها أو
سرقتها فإن الإختصاص بضبط العامل المتهم في هذه الأحوال يكون لسلطات الضبط وجمع
الإستدلالات، وبعد ذلك تختص النيابة العامة بالتحقيق والإدعاء في التهم الجنائية
المسندة للعامل، حسبما هو مقرر في قانون الإجراءات الجزائية، وبعد ذلك تقوم
النيابة العامة بإحالة العامل المتهم إلى القاضي الجزائي بالمحكمة الابتدائية
وعندئذ يحق لصاحب العمل أن يرفع أمام القاضي الجزائي الدعوى المدنية التبعية تبعاً
للدعوى الجزائية أمام القاضي الجزائي بالمحكمة الابتدائية مطالباً بأمواله
المختلسة أو قيمتها، فإذا توفرت الأدلة على التهمة فإن القاضي الجزائي يحكم بإدانة
العامل المتهم بالجريمة، ويكون الحكم الابتدائي بشقيه الجزائي والمدني قابلاً
للاستئناف امام الشعبة الاستئنافية الجزائية، فإذا أصدرت الشعبة حكمها الاستئنافي
فإن هذا الحكم يكون عرضة للطعن فيه بالنقض أمام المحكمة العليا التي تصدر حكمها
البات في القضية، وهذا الحكم البات هو الحكم المقصود في المادة (35) من قانون
العمل.
وتستغرق
مراحل جمع الإستدلال والتحقيق مع العامل المتهم والمحاكمة أمام المحكمة الابتدائية والاستئنافية والعليا مدة قد تزيد على عشر سنوات، ويجب خلال هذه السنوات الطويلة
على صاحب العمل أن يدفع 50% من أجر العامل الموقوف عملاً بما ورد في المادة (59)
من قانون العمل.
الوجه الثاني: مدى جواز فصل العامل المتهم اثناء ضبطه والتحقيق معه ومحاكمته:
كان
الحكم محل تعليقنا قد صرح بأن حق صاحب العمل في فصل العامل المتهم بقضايا جزائية
مقيد بالحالات المحددة في القانون، ومن المعلوم أن المادة (37) من قانون العمل قد
حددت الحالات التي لا يجوز لصاحب العمل فصل العامل فيها ومنها: حالة وجود نزاع
فيما بين العامل وصاحب العمل وحالة إحتجاز العامل من قبل الجهات المختصة بسبب
العمل، وفي هذا المعنى نصت المادة (37) على أنه (لا يجوز لصاحب العمل أن ينهي
العقد في الحالات الآتية: -1- اثناء تمتع العامل بأية إجازة ينص عليها هذا القانون
واللوائح المنفذة له -2- عند النظر في النزاع القائم بينه وبين العامل على أن لا
تتجاوز مدة النظر في النزاع أربعة أشهر مالم يرتكب العامل مخالفة أخرى تستدعي
الفصل -3- اثناء إحتجاز العامل بسبب العمل لدى الجهات المختصة حتى يفصل نهائياً في
القضية)، والظاهر من خلال إستقراء هذا النص أنه لا يجوز لصاحب العمل أن يفصل
العامل إذا كان محبوساً على ذمة قضية جنائية بسبب عمله لدى صاحب العمل كسرقة أموال
الشركة التي يعمل بها العامل أو تبديدها أو إتلافها أو خيانة الأمانة فيها، أما
إذا لم يكن العامل المتهم محبوساً لدى الجهات المختصة على ذمة قضية بسبب عمله
فيجوز عندئذ لصاحب العمل فصله بحسب ما ورد في النص، وكذلك لا يجوز لصاحب العمل أن
يفصل العامل من العمل اثناء حدوث نزاع فيما بينه وبين العامل سواء أكان هذا النزاع
منظور أمام إدارة منازعات العمل بوزارة العمل أم لدى محكم أم لدى المحكمة المختصة،
ومنع صاحب العمل من فصل العامل في هذه الحالة يستمر لمدة أربعة أشهر من تاريخ حدوث
النزاع، فإذا لم يتم الفصل في النزاع خلال هذه المدة فيحق لصاحب العمل بعد ذلك أن
يفصل العامل، وقد ألمح الحكم محل تعليقنا إلى عدم قانونية فصل العامل في القضية
التي تناولها الحكم، لأن فصل العامل في تلك القضية قد تم بعد إحالة العامل إلى
الجهات المختصة بسبب إرتكابه لجريمة خيانة الامانة.
غير أنه يجوز لصاحب العمل أن يفصل العامل إذا
صدر حكم بات بإدانة العامل بجريمة مخلة بالشرف أو الامانة أو الآداب العامة حسبما
ورد في الفقرة (ب) من المادة (35) من قانون العمل التي نصت على أنه (يجوز لصاحب
العمل أن ينهي العقد من جانبه بدون إشعار كتابي في الحالات التالية: -ب- إذا حكم
على العامل في جريمة مخلة بالشرف أو الأمانة أو الآداب العامة بحكم قضائي بات)،
وقد اشار إلى هذه المادة الحكم محل تعليقنا، فهذه المادة تقرر حق صاحب العمل في
فصل العامل بعد صدور حكم بات يدينه في أي من الجرائم المخلة بالشرف والأمانة أو الآداب
العامة ولو لم تكن الجريمة بسبب العمل، والمقصود
بالحكم البات في النص القانوني المشار اليه هو الحكم الذي يصدر من المحكمة العليا.
الوجه الثالث: أجر العامل الموقوف عن العمل بسبب قضية تتعلق بالعمل:
بينت
ذلك المادة (59) من قانون العمل التي نصت على أنه (مع مراعاة أحكام المادتين (99 و
100) من هذا القانون يستحق العامل اجره الكامل خلال فترة توقيفه بسبب قضية تتعلق
بالعمل شريطة أن لا يقل ما يدفع له في فترة التوقيف عن 50% من اجره الأساسي، ويكون
صرف الجزء المتبقي من الأجر الكامل حال التأكد من براءته، ولصاحب العمل إسترجاع ما
تم صرفه خلال فترة التوقيف في حال إدانة العامل بحكم بات)، فهذا النص يبين الأجر
المستحق للعامل المتهم الموقوف عن العمل على ذمة تهمة جنائية بسبب العمل، فقد صرحت
هذه المادة أن العامل يستحق في هذه الحالة اجره الكامل، على أنه يحق لصاحب العمل
أن يدفع له خلال هذه الفترة 50% من الأجر الأساسي على أن يستحق العامل الـ50% من
الأجر الكامل المتبقية إذا صدر حكم بات ببراءة العامل من التهمة المسندة له، اما
اذا صدر الحكم البات بإدانة العامل فأنه يجب على العامل أن يعيد إلى صاحب العمل ال
50٪ التي سبق له أن استلمها من صاحب العمل.
الوجه الرابع: قيام صاحب العمل بفصل العامل المتهم اثناء التحقيق معه ومحاكمته:
إذا
قام صاحب العمل بفصل العامل المتهم اثناء التحقيق معه أو محاكمته على ذمة تهمة
مسندة له بسبب العمل وقبل صدور حكم بات بإدانته، إذا قام صاحب العمل بفصل العامل
في هذه الحالة فإن هذا الفصل يكون تعسفياً يستحق العامل بسببه تعويضاً لا يزيد عن
أجر ستة أشهر حسبما هو مقرر في المادة(39 ) من قانون العمل .
ومع ذلك فإن بعض أصحاب الأعمال في الواقع العملي يفضل فصل العامل المتهم سيما إذا كانت التهمة ثابتة، لأن تعويض العامل عن الفصل التعسفي وهو مبلغ لا يزيد عن أجر العامل لستة أشهر، فالتعويض عن الفصل التعسفي اهون بكثير من الإستمرار في صرف ال 50٪ من اجر العامل المتهم المحال للتحقيق والمحاكمة طوال هذه الفترة التي قد تستمر لأكثر من عشر سنوات.
الوجه الخامس: وقف القضية العمالية حتى يتم الفصل في القضية الجنائية المسندة للعامل:
من تطبيقات
مبدأ إستقلال المسائلة الجزائية عن المسائلة المدنية والمسائلة الإدارية، أنه يترتب
على إرتكاب العامل لجريمة من الجرائم الماسة بالعمل قيام المسئوليات الثلاث بحق العامل، فهو مسئول عن
الجريمة بموجب قانون الجرائم والعقوبات الذي تتولى تطبيقه النيابة العامة والقاضي الجزائي،
وفي الوقت ذاته فإن العامل مسئول إدارياً أمام الجهة التي يعمل بها لإخلاله بواجبه
وإرتكابه لفعل مخل بسلوكه الوظيفي، وأيضاً العامل مسئول مدنياً عن الأضرار التي تلحق
بالجهة التي يعمل بها بسبب الجريمة التي ارتكبها، وبناء على ذلك يحق للجهة رفع دعوى
مدنية أصلية أو تبعية للمطالبة بالتعويضات عن الأضرار التي لحقت بها جراء إرتكاب العامل
للجريمة، ومع هذا وذاك فقد قضى الحكم محل تعليقنا بأنه يترتب على تحريك الدعوى الجزائية
في مواجهة العامل المتهم بإرتكاب جريمة بسبب العمل ان يتم وقف الدعوى العمالية المرفوعة
من العامل حتى يتم الفصل في الدعوى الجزائية، وسند الحكم محل تعليقنا في قضائه هي المادة
(44) إجراءات التي نصت على أنه (يجوز كذلك مباشرة الدعوى المدنية بصفة مستقلة عن الدعوى
الجزائية و في هذه الحالة يجب وقف الفصل فيها حتى يحكم نهائيا في الدعوى الجزائية المقامة
قبل رفعها أو في أثناء السير فيها، وللمحكمة أن تقرر ما تراه من الإجراءات الاحتياطية
المستعجلة المناسبة لحماية المضرور على أنه إذا أوقف الفصل في الدعوى الجزائية لإصابة
المتهم بعاهة عقلية يفصل في الدعوى المدنية). فالقاعدة تنص على: ان الجزائي يوقف المدني،
إضافة إلى أن المادة (205) مرافعات قد نصت على أنه: (في غير الأحوال التي ينص عليها
القانون على وقف الخصومة وجوباً أو جوازاً يجب على المحكمة ان تأمر بوقفها كلما رأت
ان تعليق حكمها في موضوعها على الفصل في مسألة أخرى يتوقف عليها الحكم في الخصومة)،
فقد ورد ضمن أسباب الحكم محل تعليقنا بأن مطالبات العامل في دعواه المدنية متعلقة بمصير
الدعوى الجزائية المرفوعة عليه والمنظورة أمام القاضي الجزائي، لأن القضاء الجزائي
إذا توصل إلى إدانة العامل فعندئذٍ لا يستحق العامل التعويض عن الفصل وشهر الإنذار...إلخ
التي كان يطلبها العامل في دعواه العمالية، أما إذا توصل القضاء الجزائي إلى براءة
العامل مما نسب إليه فعندئذٍ سوف يستحق العامل التعويضات التي طلبها في دعواه العمالية،
وعلى هذا الأساس فإن الحكم محل تعليقنا كان مصيباً في قضائه بوقف الدعوى العمالية حتى
يتم الفصل في الدعوى الجزائية.
الوجه السادس: إستقلال المسائلة الإدارية للعامل عن المسائلة الجزائية والمدنية:
كان العامل في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا قد نسبت إليه تهمة خيانة الأمانة، وقامت النيابة العامة بالتحقيق معه وتوصلت النيابة إلى تقديمه إلى المحاكمة، فقد اصدرت النيابة قرار إحالة العامل المتهم إلى المحاكمة (قرار الإتهام)، لان الجهة التي كان يعمل بها العامل اكتفت بتقديم الشكوى بالعامل إلى النيابة العامة متهمة العامل بخيانة الأمانة وضم بعض المبالغ الخاصة بالشركة إلى ملكه، ولم تقم الشركة بالتحقيق الإداري مع العامل ومسائلته إدارياً وتوقيع العقوبة الإدارية المناسبة في حقه قبل مباشرة النيابة العامة لإجراءات الدعوى الجنائية في مواجهة العامل المتهم ، لأن المسألة الإدارية مستقلة عن المسائلة الجزائية، فالمسائلة الإدارية هدفها المحافظة على نزاهة العمل وسلوك العمال في العمل، فعقد العمل وقانون العمل ينص على وجوب إحترام العامل اثناء عمله للقوانين والنظم النافذة في الدولة، فارتكاب العامل للجريمة في مقر العمل أو اثناء العمل اوبسببه يعد مخالفة إدارية يستحق عليها الجزاء الإداري وفي الوقت ذاته فهي جريمة يستحق عليها الجزاء الجنائي المقرر في قانون الجرائم والعقوبات التي تقضي بتوقيعها المحكمة الجزائية المختصة عملاً بمبدأ إستقلال المسائلة الإدارية عن المسائلة الجزائية، والله اعلم.
![]() |
فصل العامل اثناء المحاكمة الجنائية |