بدعة الطلاق الخلعي في اليمن

بدعة الطلاق الخلعي في اليمن

أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين، الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء.

لاريب أن الطلاق يختلف عن الخلع من حيث الفاظه وآثاره وماهيته واحكامه ، فالطلاق تصرف يقع بالإرادة المنفردة للزوج ، ولا يشترط فيه قبول الزوجة المطلقة ، كما أن ألفاظ الطلاق مخصوصة صريحة او كنائية ، وكذلك للمطلقة عدتها التي تختلف عن عدة المخالعة ، في حين أن الخلع عقد بين الزوج والزوجة يقوم على التراضي بينهما، فشتان بين العقد والإرادة المنفردة، كما أن عدة المخالعة حيضة واحدة حسبما هو مقرر في المادة (83) من قانون الأحوال الشخصية اليمني، علاوة على أن الخلع وسيلة شرعية قررتها الشريعة الاسلامية لحل عقد الزواج من جانب الزوجة وليس من جانب الزوج ، فارادة حل عقد الزواج بالخلع تكون بناء على إرادة الزوجة ، كما أن الوضعية الشرعية والقانونية والاجتماعية للمخالعة تختلف عن المطلقة ، فالخلاصة ان الطلاق يختلف عن الخلع في كثير من المسائل، ومع ذلك يصر بعض الأمناء الشرعيين الذين يتولون تحرير وثائق الطلاق يصروا على إستخدام مصطلح (الطلاق الخلعي) في نموذج وثيقة عقد الطلاق وكأن الخلع والطلاق شيء واحد ، فحينما يتم الخلع بين الزوج وزوجته يقوم الامين الشرعي بكتابة عقد الخلع في النموذج المعد لوثيقة الطلاق ، ويضيف بعض الامناء في نموذج وثيقة الطلاق عبارة (طلاق خلعي) حتى شاعت واستفاضت هذه العبارة التي تخلط بين الخلع والطلاق، وحجة بعض الامناء الشرعيين في هذا الشان هو عدم وجود نموذج خاص بعقد الخلع ، وقد حلت عبارة (الطلاق الخلعي) محل الخلع ،فصارت هذه العبارة هي الأصل ،فحل نموذج وثيقة الطلاق محل وثيقة الخلع، حتى إنه صار من الصعب زحزحة هذه القناعة من أذهان الكثيرين الذين يدافعوا عن إستعمال هذه التسمية (البدعة) في نموذج وثيقة الطلاق، بذريعة عدم وجود نموذج خاص لوثيقة الخلع، وعلى ذلك فنحن نوصي وزارة العدل بإعداد نموذج خاص بوثيقة الخلع .

ومن هذا المنطلق نجد إنه من المناسب الإشارة إلى هذه المسألة في سياق التعليق على الحكم الصادر عن الدائرة الشخصية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 26-3-2012م في الطعن رقم (49476)، المسبوق بالحكم الاستئنافي الذي ورد ضمن أسبابه (أن المستأنفة لم تقدم ما يؤثر على سلامة الحكم الابتدائي، وان الطلاق بينها وبين المستأنف ضده قد حصل خلعياً في مقابل إرجاعها الذهب والفضة المسلم لها من المستانف ضده ، وبموجب فقد بانت بينونة صغرى)، وعند الطعن بالنقض في الحكم الإستئنافي أقرت الدائرة الشخصية الحكم الاستئنافي، وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا: (اما من حيث الموضوع فقد ناقشت الدائرة ما أوردته الطاعنة من أسباب الطعن، وتجد الدائرة: أن أسباب الطعن متعلقة بوقائع النزاع وخلت من أي سبب من أسباب الطعن امام المحكمة العليا ، مما يستوجب طرحها)، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:

الوجه الأول: موقف قانون الاحوال الشخصية اليمني من (الطلاق الخلعي):

نظم قانون الأحوال الشخصية الطلاق في نصوص بصفة مستقلة وبمعزل عن النصوص التي نظمها فيها الخلع، فقد نظم قانون الأحوال الشخصية الطلاق في الفصل الأول من الباب الثاني في المواد من (58 حتى نهاية المادة 70) ، في حين نظم القانون ذاته الخلع في الفصل الثاني وذلك في المواد من (72 ) وحتى نهاية المادة (74).

وبناءً على ذلك فان قانون الاحوال الشخصية لم يخلط بين الطلاق والخلع ، فقد قرر القانون للطلاق احكاما تختلف عن احكام الخلع حسبما سياتي بيانه.

كما ان قانون الأحوال الشخصية اليمني لم يتضمن أية إشارة إلى عبارة (الطلاق الخلعي)، وانما اشار القانون مجرد إشارة إلى الطلاق على مال، وذلك في المادة (67) التي نصت على أن (يقع الطلاق رجعياً إذا حصل بعد دخول حقيقي على غير عوض مال أو منفعة ولم يكن مكملاً للثلاث...إلخ)، إذ يفهم من هذا النص أن الطلاق على مال لا رجعة فيه أي انه بائن بينونة صغرى وكذلك الحال بالنسبة للمطلقة على مال.

فاذا كان الطلاق على مال مشابه من حيث اثره للخلع أي أن المرأة المخالعة أو المطلقة على مال تكون بائن بينونة صغرى، بيد أن الطلاق على مال يقع بلفظ الطلاق الصريح ، في حين أن الخلع يقع بألفاظ الخلع المعتبرة شرعاً كالمفاداة والمخالعة والمباراة والمسامحة ، في حين ان الطلاق على مال يقع بالفاظه الصريحة، فيقع الطلاق بمجرد التلفظ بلفظ الطلاق الصريح دون حاجة لمعرفة نية المطلق ، واذا استعمل الزوج في طلاقه الفاظا كنائية فلايقع الطلاق إلا اذا كان الزوج ينوي بها الطلاق، ونخلص من هذا الوجه الى عدم وجود مايسمى بالطلاق الخلعي في القانون اليمني.(الوجيز في أحكام الأسرة، أ.د. عبد المؤمن شجاع الدين، ص92).

الوجه الثاني: الفرق بين الطلاق والخلع في قانون الاحوال الشخصية اليمني:

وفقا لما ورد في قانون الاحوال الشخصية اليمني ، فهناك فروق جوهرية تميز الطلاق عن الخلع من أهمها: أن الخلع عقد بين الزوجين يتم بالتراضي بين الزوجين مقابل عوض تدفعه الزوجة أو غيرها، ولذلك فالخلع عقد وفقاً للمواد (72 و 73 و 74) أحوال شخصية، في حين أن الطلاق ليس عقداً وانما تصرف من تصرفات الارادة المنفردة ، اذ يقع الطلاق بإرادة الزوج المنفردة من غير حاجة الى قبول أو موافقة من احد، كذلك يختلف الطلاق عن الخلع من حيث ألفاظه، فألفاظ الطلاق الصريحة (الطلاق) بإتفاق الفقهاء (والتسريح والمفارقة) عند الشافعية، في حين أن ألفاظ الخلع هي: الخلع أو المخالعة أو المفاداة والمبارأة والمسامحة...الخ.

كما أن الخلع وسيلة شرعية قررتها الشريعة الاسلامية لحل عقد الزواج من جانب الزوجة وليس من جانب الزوج ، فارادة حل عقد الزواج في الخلع تتم بناء على إرادة الزوجة، فالخلع وسيلة مقررة لصالح الزوجة ،ولذلك تقبل الزوجة ان تدفع الغالي والنفيس كمقابل للخلع حتى تكون مخالعة وليس مطلقة ، فالمخالعة في نظر الشرع وفي نظر القانون والمجتمع هي التي تركت الرجل، في حين ان المطلقة هي التي تركها الرجل ، فوضعية المخلوعة تختلف عن وضعية المطلقة ، ولذلك تقبل الزوجة ويقبل أهلها دفع مقابل الخلع حتى تتمتع المرأة بوضعية المخلوعة وليس المطلقة!!!!؟.

وعلى هذا الأساس فإن الطلاق يختلف عن الخلع. (الوجيز في أحكام الأسرة، أ.د. عبد المؤمن شجاع الدين، ص92).

الوجه الثالث: الخلع وسيلة شرعية كريمة للزوجة تقابل وسيلة الزوج في الطلاق:

الله سبحانه وتعالى هو الحق والعدل اسم وصفة، فالله سبحانه تعالى العادل جعل للزوج وسيلة شرعية لفك عقدة الزوجية وهي الطلاق،اذ يطلق الزوج زوجته دون ان يفصح عن اسباب طلاقه، وبالمقابل فحاشا االله سبحانه وتعالى ان يترك الزوجة هملا ، ولذلك فقد جعل الله تبارك وتعالى للزوجة الخلع كوسيلة لحل عقدة الزوجية من جانبها مقابل عوض تدفعه لزوجها، دون أن تفصح الزوجة عن أسباب خلعها من زوجها.

كما أن المخالعة في الشرع والواقع غير المطلقة، لأن المخالعة هي التي تركت الزوج والمطلقة هي التي تركها زوجها، فوضع المطلقة في الواقع يختلف عن المخالعة ،فالمجتمع ينظر إلى المطلقة نظرة دونية، غير نظرته إلى المخالعة، ولذلك تدفع المخالعة أموالاً وفيرة مقابل ان تحظى بوضعية المخالعة وليس المطلقة، وعلى هذا الاساس فإن مسمى (الطلاق الخلعي) يصادر هذه الوضعية الشرعية والقانونية والاجتماعية للمخالعة.

الوجه الرابع: أسباب وجود مسمى (الطلاق الخلعي) في اليمن : وتوصيتنا لوزارة العدل:

وضعت وزارة العدل اليمنية نموذجاً لوثيقة الطلاق غير أنها لم تضع وثيقة للخلع ، ولذلك فإن الأمناء الشرعيين المعنيين بتحرير وثائق الطلاق يستخدموا وثيقة الطلاق في حالات الخلع ، ويطلقون على ذلك مسمى (الطلاق الخلعي).

ومن هذا المنطلق: فاننا نوصي وزارة العدل: بإعداد نموذج خاص بالخلع لقطع ذريعة بعض الامناء الشرعيين الذين يخلطوا بين الطلاق والخلع بمسمى (الطلاق الخلعي)، والله اعلم.

بدعة الطلاق الخلعي في اليمن

مقالات ذات صلة: