حالات فسخ الزواج بحكم وبغير حكم

حالات فسخ الزواج بحكم وبغير حكم

أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء.

نصت المادة (45) من قانون الأحوال الشخصية اليمني على إنه (لا ينفسخ الزواج بفسخ أحد الزوجين للآخر لسبب من العيوب ونحوها من الأسباب المختلف في ثبوت الفسخ بها إلا بحكم المحكمة، ولا يترتب على الفسخ شيء قبل الحكم به، فإذا حكم بالفسخ وكان بعد الدخول وجبت العدة أو الإستبراء من حين الحكم)، فقد صرح هذا النص بأن فسخ الزواج إذا كان بسبب من الأسباب التي تكون محل خلاف بين الزوجين ، ويحتاج إلى الفصل في الخلاف بشأنها فأنه يجب أن يكون الفسخ فيها بموجب حكم يفصل في النزاع بشأن تلك الأسباب المختلف بشأنها، وقد استند الحكم محل تعليقنا في قضائه بنقض الحكم الاستئنافي إلى النص القانوني السابق ذكره، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة الشخصية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 2-6-2012م في الطعن رقم (49831)، وقد ورد ضمن أسباب الحكم المشار إليه: (فقد وجدت الدائرة: أن الحكم الاستئنافي جاء موافقا للشرع في قضائه بفسخ عقد نكاح المدعية وإرجاع المهر الذي استلمته من المهر، اما القضاء بإلزام الزوجة بإرجاع الأشياء الأخرى كالذهب والهدايا فهو مخالف لنص المادة (54) أحوال شخصية، كما أن الحكم بإلزام الزوجة بالتلفظ بالفسخ أمام المحكمة الابتدائية بعد صيرورة الأحكام باتة جاء مخالفاً لنص المادة (45) أحوال شخصية، مما يتعين معه نقض الحكم الاستئنافي)، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:

الوجه الأول: أسباب فسخ الزواج التي تتم بموجب حكم المحكمة:

صرحت المادة (45) أحوال شخصية بأنه عندما تكون أسباب فسخ الزواج محل خلاف بين الزوجين ،فيدعي أحد الزوجين وجود سبب الفسخ وينكر الزوج الآخر وجوده، فذلك يعني وجود خلاف بين الزوجين يستدعي أن يتم الفصل في هذا الخلاف من قبل القاضي المختص الذي يجب عليه الإستماع إلى الزوجين المتنازعين بشأن سبب الفسخ والسماح لهما بتقديم أدلتهما وأوجه دفاعهما حتى يستبين القاضي حقيقة خلاف الزوجين بشأن سبب الفسخ المدعى به، وفي ضوء ذلك يحكم القاضي بفسخ الزواج إذا ثبت له وجود سبب الفسخ المدعى به ، وبخلاف ذلك فأن القاضي يحكم برفض دعوى الفسخ، حسبما هو مقرر في المادة (45) أحوال شخصية التي نصت على إنه (لا ينفسخ الزواج بفسخ أحد الزوجين للآخر لسبب من العيوب ونحوها من الأسباب المختلف في ثبوت الفسخ بها إلا بحكم المحكمة، ولا يترتب على الفسخ شيء قبل الحكم به، فإذا حكم بالفسخ وكان بعد الدخول وجبت العدة أو الإستبراء من حين الحكم)، وهذا هو المقصود بأن الفسخ لا يكون إلا بحكم في أسباب الفسخ التي تكون محل خلاف بين الزوجين.

الوجه الثاني: أسباب فسخ الزواج التي تتم من غير حاجة إلى صدور حكم قضائي بها:

ذكرنا فيما سبق أن المادة (45) أحوال شخصية قد صرحت بأن أسباب فسخ الزواج التي تكون محل خلاف بين الزوجين هي التي يجب أن تصدر بشأنها أحكاماً قضائية فاصلة في النزاع بشانها، ومفهوم ذلك يعني إنه يجوز لطرفي عقد الزواج أن يفسخا عقد الزواج إذا تصادقا واتفقا على وجود سبب الفسخ من غير حاجة الى صدور حكم بذلك، فقد يكون الزوج معسراً او متمرداً عن الإنفاق او عاجزا عن الكسب، فيتم الإتفاق بين طرفي عقد الزواج على فسخ عقد الزواج وإنهائه خارج المحكمة ، وكذلك الحال في حالة وجود عيوب في أحد الزوجين أو وجود سبب الكراهية وعدم الكفاءة وغيرها من أسباب الزواج التي لاتكون محل خلاف ، فإذا تصادق طرفا عقد الزواج على وجود سبب الفسخ واتفقا على إنهاء العلاقة الزوجية فان ذلك جائز، شريطة أن يتم توثيق هذا الفسخ لدى المحكمة لإثباته حتى يكون حجة على إنهاء العلاقة الزوجية وبيان سبب فسخها، لأن المادة (46) أحوال شخصية قد نصت على إنه (إذا تبين بين الزوجين سبب من الأسباب القاطعة بالتحريم انفسخ النكاح بينهما بحكم الشرع دون حاجة إلى الحكم بالفسخ على أن تدون القضية بنظر المحكمة اما إذا انكر احدهما وجود السبب المحرم، فلابد من إثباته بحكم من المحكمة).

فمن غير المقبول أن يتم فسخ الزواج بحكم قضائي عند عدم وجود خلاف بشأن سبب فسخ الزواج ، لأن الحكم لا يصدر إلا إذا سبقته دعوى أو نزاع بشأن فسخ الزواج، فالدعوى أساس الحكم حسبما هو معروف. (فسخ الزواج – دراسة مقارنة بين الفقه الإسلامي والقانون اليمني، أ.د. عبد المؤمن شجاع الدين، ص282).

الوجه الثالث: كيفية فسخ الزواج عند الإتفاق بشأن سبب الفسخ:

في الوجهين السابقين ذكرنا أن الفقه الإسلامي والقانون اليمني قد اجازا فسخ الزواج من غير حاجة إلى صدور حكم قضائي إذا كان سبب فسخ الزواج محل اتفاق بين الزوجين، إذ يجوز فسخ الزواج خارج المحكمة من قبل طرفي عقد الزواج (الولي الذي ابرم عقد الزواج والزوج المعقود له)، إذ يتم إثبات الإتفاق على فسخ عقد الزواج أمام قلم التوثيق في المحكمة المختصة لإثبات هذا الفسخ وسببه.

غير إنه في الواقع العملي ونتيجة لقلة الوعي بأحكام فسخ الزواج فأنه يتم إنهاء عقد الزواج عن طريق الطلاق بدلاً من فسخ عقد الزواج، إذ يتم في هذه الحالة مطالبة الزوج بأن يتلفظ بلفظ الطلاق، وكذلك الحال عند الخلع يتم مطالبة الزوج بالتلفظ بلفظ الطلاق، وكأن الشريعة الإسلامية والقانون اليمني ليس فيهما من فرق الزواج إلا الطلاق، وكانه ليس هناك وسيلة لإنهاء عقد الزواج خارج المحكمة إلا عن طريق الطلاق فقط. (المرجع السابق، 419).

الوجه الرابع: لا يلزم المفسوخة للكراهية إلا رد المهر فقط:

كان من أسباب نقض الحكم محل تعليقنا للحكم الاستئنافي : أن الحكم الاستئنافي قضى بإلزام المفسوخ نكاحها للكراهية بإرجاع الحلى والهدايا والملابس التي سبق ان سلمها زوجها لها ، ولذلك فقد قضى الحكم محل تعليقنا بأن المفسوخة في هذه الحالة لا يلزمها إلا إرجاع المهر المذكور في عقد الزواج فقط ، حسبما صرح بذلك نص المادة (54) أحوال شخصية التي ورد في نهايتها (وعليها أن ترجع المهر) ، فلا يجوز إلزام المفسوخ نكاحها بإرجاع الذهب والحلى أو الهدايا العينية والنقدية المسلمة لها من زوجها، وكذا لا يجوز إلزامها بإعادة الشرط أو تكاليف الزواج، والله اعلم.

حالات فسخ الزواج بحكم وبغير حكم
حالات فسخ الزواج بحكم وبغير حكم