نفقة المحضون مقابل طلاق الحاضنة

نفقة المحضون مقابل طلاق الحاضنة

أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين، الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء.

من الإشكاليات العملية أن الزوجة تنكب في بعض الحالات بزوج لا يراعي حسن العشرة ولا يقوم بواجباته الزوجية المقررة في الشريعة والقانون، كأن يتمرد عن الإنفاق عليها أو يضربها أو يشتمها أو يهجرها أو يدمن الخمر او المخدرات وغير ذلك من الأسباب التي تجعل الزوجة تبذل كل غالٍ ونفيس وتسقط حقوقها وحقوق الصغير الذي تحتضنه مقابل الإفلات من هذه العلاقة الزوجية الفاشلة، وفي بعض الحالات قد تطلب الزوجة أو أهلها من الزوج أن يطلقها مقابل إسقاطها لحقوقها أو حقوق الصغير الذي تحضنه ، فإذا كان من الجائز للزوجة أن تتنازل عن حقوقها المالية كالنفقة واجرة الحضانة واجرة الرضاعة ...الخ مقابل أن يطلقها زوجها بإعتبار ذلك طلاقاً على مال لارجعة فيه، غير إنه لا يجوز للزوجة في هذه الحالة أن تتنازل عن حقوق الصغير المحضون كالنفقة، لأن حق النفقة على الصغير ضروري وواجب على الاب المطلق ، ولا يسقط حق الصغير المحضون بالتقادم ، علاوة على إنه لا يجوز للحاضن أو الولي أو الوصي التنازل عن حقوق الصغير، بيد أن إلتزام الزوجة بالإنفاق مستقبلا على الصغير المحضون مقابل طلاقها يثير عدة إشكاليات شرعية وقانونية، ولذلك نجد إنه من المناسب تسليط الضوء على هذه المسألة في سياق التعليق على الحكم الصادر عن الدائرة الشخصية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 29-5-2012م في الطعن رقم (49759)، المسبوق بالحكم الاستئنافي الذي ورد ضمن أسبابه: (فقد ظهر أن إستناد الحكم الابتدائي إلى أقوال وكيل المدعية ومصادقته بأن المدعية قد احتملت نفقتها عند الطلاق، وقد ظهر للشعبة أن هذا الإستناد باطل ، لأن الوكيل غير مخول بالإقرار والتنازل والصلح، فهذا يحتاج إلى توكيل خاص، والبين من ملف القضية ووثيقة الطلاق عدم وجود إتفاق المدعية والمدعى عليه على أن الزوجة المدعية تتحمل نفقة ابنتها في المستقبل)، وعند الطعن بالنقض في الحكم الاستئنافي أقرت الدائرة الشخصية الحكم الاستئنافي، وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا: (اما من حيث الموضوع فقد ناقشت الدائرة ما أورده الطاعن في عريضة طعنه من أسباب ، فوجدت أن تلك الأسباب متعلقة بوقائع النزاع الداخلة في اختصاص محكمة الموضوع، وقد ناقشتها مناقشة صحيحة، ومن خلال المناقشة توصلت إلى نتيجة موافقة للشرع والقانون)، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:

الوجه الأول: نفقة الصغير المحضون:

عرّفت المادة (149) من قانون الأحوال الشخصية اليمني عرفت النفقة بأنها (النفقة: هي المؤن اللازمة في مال الشخص لغيره لسبب او نسب وتشمل الغذاء والكسوة والسكن والمعالجة والإخدام ونحو ذلك).

الحضانة مقررة لمصلحة الصغير غير القادر على القيام بأمر نفسه، ونفقة الصغير ضرورية وواجبة على ابيه أو جده لابيه، وفي هذا المعنى نصت المادة (158) أحوال شخصية على ان (نفقة الولد المعسر الصغير او المجنون على ابيه وأن علا الأقرب الموسر أو المعسر القادر على الكسب، فإن كان الأب وإن علا معسراً غير قادر عن الكسب فعلى الأم الموسرة ثم على سائر الأقارب بالشروط المبينة في المادة (164) من هذا القانون وإن كان الولد موسراً فنفقته من ماله)، ومن خلال مطالعة هذا النص يظهر أن نفقة الولد المعسر الذي لا مال له تكون واجبة على ابيه وإن علا، ولا تكون نفقة الصغير على أمه إلا إذا كانت أمه موسرة وكان أبوه معسراً.

علماً بأن نفقة الصغير تشمل الغذاء والسكن والعلاج ومصاريف التعليم، ونفقة الصغير ضرورية. ولذلك فهي واجبة.

الوجه الثاني: نفقة الصغير المحضون القديمة او السابقة وإمكانية تنازل الزوجة عنها مقابل طلاقها:

لا تسقط نفقة الصغير المحضون السابقة بل تظل ديناً بذمة أبيه، وفي هذا الشأن نصت المادة (165) أحوال شخصية على أن (تسقط نفقة القريب عن المدة الماضية بعدم المطالبة ممن تلزمه النفقة إلا إذا كان المنفق عليه والداً أو ولداً صغيراً أو مجنوناً).

فوفقاً لهذا النص إذا قامت الزوجة الحاضنة بالإنفاق على صغيرها المحضون في الماضي ، فإن هذه النفقة تكون ديناً بذمة ابيه الموسر، ولأن الأم قد قامت بالإنفاق على المحضون في الماضي ، وبما أن تكاليف الإنفاق قد صارت حقاً للزوجة المنفقة ، فأنها تستطيع مطالبة والد الصغير بذلك الدين ، كما إنه يحق لها التنازل عن ذلك الدين الذي صار من حقها، سواء اكان هذا التنازل مقابل طلاقها ام غيره ، فيجوز التنازل في هذه الحالة ، لأن الصغير قد استوفى حقه من النفقة السابقة، فلايتضرر بتنازل امه .

الوجه الثالث: مدى جواز إلتزام الزوجة الحاضنة بنفقة الصغير المحضون في المستقبل مقابل طلاقها:

نفقة الصغير المحضون المستقبلية: هي الغذاء والكسوة والسكن والعلاج...إلخ التي يحتاجها الصغير في المستقبل، وتقدير النفقة المستقبلية او توقع احتياجات المحضون مستقلاً صعب للغاية ، لأن علم المستقبل عند الله تعالى، فلا تعلم الأم أو الأب مقادير نفقة الصغير في المستقبل مثل نفقة العلاج أو غيرها، كما أن نفقة الصغير تتعلق بحسب أحوال الملزم بالإنفاق عليه في المستقبل من حيث الإيسار والإعسار فلايعلم الا الله بالحالة المالية للزوجة في المستقبل، حسبما تقدم بيانه، وبناءً على ذلك فإن الأم الحاضنة عندما تتكفل أو تلتزم بالنفقة المستقبلية لصغيرها المحضون، فإنها لا تعلم حين إلتزامها بذلك لاتعلم بإحتياجات الصغير ومتطلباته في المستقبل ، كما أنها لا تعلم بحالتها المالية في المستقبل من حيث الإيسار او الإعسار، وعلى هذا الأساس فإن تصرف الأم أو إلتزامها بالإنفاق على صغيرها في المستقبل مشوب بالغرر، مما يحق لها خيار الغرر والتراجع عن ذلك الإلتزام، ومطالبة الأب بنفقة الصغير المحضون.

الوجه الرابع: إلتزام الحاضنة بالإنفاق على صغيرها في المستقبل إذا كانت الأم موسرة والأب معسراً:

سبق القول أن القانون اليمني قد نص في المادة (158) أحوال شخصية على أن الأم الموسرة ملزمة بالإنفاق على صغيرها المحضون إذا كان أبوه معسراً، ولذلك فإن إلتزام الأم الموسرة بالإنفاق مستقبلا على صغيرها المحضون جائز في الشرع والقانون بل أن ذلك واجب عليها إذا كان الأب معسرا.

الوجه الخامس: مدى جواز إلتزام الأم الموسرة بالإنفاق على صغيرها المحضون إذا كان أبوه موسراً:

من المقرر في الشريعة الإسلامية وقانون الأحوال الشخصية أن الأب الموسر هو الملزم شرعاً وقانوناً بالإنفاق على ابنه في الوقت الحاضر والمستقبل ولو كانت الأم موسرة طالما ان الأب موسرا ، فاذا كانت الام الحاضنة موسرة وكان الاب موسرا ايضا فانه يجوز للام ان تتكفل بالنفقة المستقبلية لصغيرها المحضون مادام انها موسرة في المستقبل .

غير إن إلتزام الأم الموسرة في هذه الحالة تسري عليه أحكام الغرر على النحو المبين في الوجه الثالث من هذا التعليق، إضافة إلى انه يجوز للأم العدول عن التزامها إذا باتت في المستقبل معسرة، ومقتضى ذلك أنه يحق لها في هذه الحالة مطالبة الاب الموسر بالانفاق على ابنه المحضون.

الوجه السادس: التكييف الشرعي والقانوني لإلتزام الأم بالنفقة المستقبلية على صغيرها المحضون مقابل طلاقها:

إذا تم الإتفاق بين الزوجة وزوجها على أن يطلقها زوجها مقابل أن تتنازل عن النفقة التي سبق لها ان انفقتها على صغيرها المحضون في الفترة السابقة على فان ذلك جائز حسبما سبق بيانه .

 وكذلك يجوز لها ايضا إذا اتفقت مع الأب على أن تلتزم الام أو تتكفل بالإنفاق مستقبلا على صغيرها مقابل طلاقها. ففي هذه الاحوال يكون طلاق المرأة طلاقا على مال لارجعة فيه أي لايجوز للزوج إرجاعها.

والطلاق على مال هو الطلاق الذي تناوله فقهاء الزيدية والحنفية في مصنفاتهم، وقد اشار إليه قانون الأحوال الشخصية اليمني في المادة (67) التي نصت على أن (يقع الطلاق رجعياً إذا حصل بعد دخول حقيقي على غير عوض مال أو منفعة ولم يكن مكملاً للثلاث...إلخ)، إذ يفهم من هذا النص أن الطلاق على مال لا رجعة فيه، والطلاق على مال مشابه من حيث اثره للخلع، بيد أن الطلاق على مال يقع بلفظ الطلاق الصريح ، في حين أن الخلع يقع بألفاظ الخلع المعتبرة شرعاً. (الوجيز في أحكام الأسرة، أ.د. عبد المؤمن شجاع الدين، ص92).

الوجه السابع: حكم إلجاء الأم إلى الإلتزام بالإنفاق مستقبلا على صغيرها المحضون مقابل طلاقها:

ذكرنا في الأوجه السابقة إنه يجوز للأم الموسرة أن تتفق مع زوجها على طلاقها مقابل إلتزامها بالإنفاق مستقبلا على صغيرها المحضون لديها طالما استمر إيسار الام الحاضنة مستقبلا ، وطالما ان هذا الإتفاق قد تم بالتراضي بين الأم والأب دون أن يكون الزوج قد دفع الزوجة بسوء معاملته وسوء عشرته إلى طلب الطلاق مقابل المال (الفدية) ، لأن العقود والتصرفات في الشريعة والقانون تقوم على رضاء وإختيار المتصرف.

ومن الملاحظ من مطالعتنا المستمرة والكثيرة لأحكام القضاء أن بعض الزوجات تلتزم بالإنفاق مستقبلا أو النفقة على صغيرها المحضون في المستقبل نتيجة سوء معاملة الزوج لها وسوء عشرته حتى يدفعها ذلك إلى القبول بأي شيء والتنازل عن عن أي حق، والتحمل بأي إلتزام مقابل عتقها من عقدة زواجها من زوجها سيء العشرة، والله اعلم.

نفقة المحضون مقابل طلاق الحاضنة
نفقة المحضون مقابل طلاق الحاضنة

مقالات ذات صلة: