لا تستحق الزوجة اجرة الحضانة
أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء.
لا تستحق الزوجة اجرة الحضانة طالما أن العلاقة الزوجية قائمة بين الزوجين حقيقة او حكما، فلا تستحق المرأة اجرة الحضانة إلا إذا زال عنها وصف الزوجة، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة الشخصية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 25-12-2011م في الطعن رقم (47813)، المسبوق بالحكم الاستئنافي الذي ورد ضمن أسبابه: (من خلال الإطلاع على الحكم الابتدائي فليس عليه أي مأخذ سوى ما يتعلق بالحكم بأجرة الحضانة المقضي بها في الفقرة الثامنة من منطوق الحكم الابتدائي، لأن المستأنف ضدها لا تستحق اجرة الحضانة، لأن اجرة الحضانة لا تستحق إلا للمطلقة او المفسوخة من بعد صدور الطلاق او الحكم بالفسخ، وذلك عملاً بالمادة (146) أحوال شخصية ، كما أن المستأنف ضدها لا تستحق اجرة الحضانة للفترة اللاحقة لفترة الحضانة، لأن الولدين قد تجاوزا فترة الحضانة بموجب نص المادة (139) أحول شخصية)، وعند الطعن بالنقض في الحكم الاستئنافي اقرت الدائرة الشخصية الحكم الاستئنافي، وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا: (أن نعي الطاعنين على الحكم الاستئنافي في غير محله لعدم إستنادهما إلى أية حالة من حالات الطعن بالنقض المنصوص عليها في المادة (292) مرافعات، لأن الأسباب التي توصلت إليها محكمة الاستئناف في حكمها أسباب قانونية صحيحة لما استندت، ولذلك فإن الحكم الاستئنافي موافق في نتيجته للشرع والقانون)، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم ، حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:
الوجه الأول: معنى الحضانة في قانون الاحوال الشخصية اليمني:
بينت المادة (138) احوال شخصية ماهية الحضانة، فقد نصت هذه المادة على أن (الحضانة هي: حفظ الصغير الذي لا يستقل بأمر نفسه وتربيته ووقايته مما يهلكه او يضره بما لا يتعارض مع حق وليه، وهي حق للصغير فلا يجوز النزول عنها وإنما تمتنع بموانعها وتعود بزوالها)، وقد تضمن هذا النص مظاهر الحضانة أو الأعمال التي يجب على الحاضنة القيام بها ،كالمحافظة على الصغير وتربيته والقيام بأمره كالمأكل والمشرب والتنظيف وحفظه من الأضرار والأخطار، ومن خلال ذلك يظهر أن الحضانة واجب شرعي على الزوجة.
الوجه الثاني: أعمال حضانة الأولاد من ضمن الواجبات الشرعية والقانونية للزوجة:
نصت المادة (40) من قانون الأحوال الشخصية اليمني على إنه (للزوج على الزوجة حق الطاعة فيما يحقق مصلحة الأسرة على الأخص ما يأتي: -3- إمتثال أمره في غير معصية والقيام بعملها في بيت الزوجية مثل غيرها)، ومن المؤكد أن حضانة الزوجة للأولاد من أهم واجبات الزوجة، فكل الزوجات يقمن بحضانة أولادهن، والنص القانوني السابق قد الزم الزوجة بالقيام بواجباتها كزوجة مثلها في ذلك مثل غيرها من الزوجات، وعلى هذا الأساس فإن الزوجة لا تستحق اجرة الحضانة ،لأن اعمال الحضانة من واجبات الزوجة في الشرع والقانون، فلايحق للشخص ان يطلب اجرا نظير قيامه بواجبه الشرعي.
وعلى هذا الاساس فقد بينت المادة (146) احوال شخصية الحاضنة التي تستحق الإجرة وتلك التي لاتستحق الإجرة ، اذ نصت المادة (146) احوال شخصية على ان (يستحق الحاضن أجرة حضانة من مال الطفل إن كان له مال أو ممن تلزمه نفقة الطفل وتقدر أجرة الحاضنة بقدر حال من تلزمه هذه الأجرة ولا تستحق الحاضنة أجرة اذا كانت في عصمة أب الصغير واذا كان الأب معسراً تكون أجرة الحاضنة من مال الأم ولا رجوع لها ، وان كانت من مال غير الأم فبإذن المحكمة ولها الرجوع بها).
الوجه الثالث: مدى إستحقاق الزوجة لإجرة حضانة أولاد غيرها:
قد يكون الزوج ملزماً شرعاً وقانوناً بحضانة صغاره الأطفال من زوجة متوفية أو مطلقة او مفسوخة لا تصلح لحضانة أطفالها، كما قد يكون الزوج ملزماً شرعاً بحضانة صغار اخيه وغير ذلك، فعندئذٍ يثور النقاش بشأن إستحقاق الزوجة التي تحضن أولاد غيرها لأجرة الحضانة، فهناك من يذهب إلى ان واجب الحضانة حينما ينتقل شرعاً وقانوناً إلى الزوج فإن ذلك الواجب ينتقل تلقائياً إلى عاتق زوجته الموجودة في بيت الزوجية ،لأن الزوجة في هذه الحالة هي الأجدر والأقدر على القيام بأعمال الحضانة من زوجها الرجل بحسب فطرة وغريزة المرأة سيما ان الحضانة حق مقرر لمصلحة الصغير وهي واجب على من تقررت عليه، ونحن نختار هذا القول، وهناك من يذهب إلى أن الزوجة الحاضنة لصغار غيرها تستحق اجرة حضانة، لأن حضانة الزوجة لصغار غيرها ليس واجباً عليها وإن كان واجبا على زوجها. (الوجيز في أحكام الأسرة، أ.د. عبد المؤمن شجاع الدين، ص135).
الوجه الرابع: اجرة المطلقة طلاقاً رجعياً الحاضنة:
إذا قام الزوج بطلاق زوجته طلاقاً رجعياً فإن هذا الطلاق لا يزيل وصف الزوجة عنها، إذ تظل المطلقة طلاقاً رجعياً زوجة حكمية للزوج الذي طلقها ، فحكم الزوجة المطلقة طلاقا رجعيا حكم الزوجة حقيقة ،فيجب على زوجها أن ينفق عليها بالنفقة المعتادة قبل طلاقه لها، ولذلك فأنها لا تستحق اجرة الحضانة لصغارها إلا من تاريخ إنقضاء عدتها الذي يكون منهياً لوصفها كزوجة.
الوجه الخامس: الأعمال التي تقوم بها الحاضنة وتقدير إجرتها : وتوصيتنا للمقنن اليمني:
بينت المادة (138) احوال شخصية الأعمال التي تقوم بها الحاضنة، فقد نصت هذه المادة على أن (الحضانة هي: حفظ الصغير الذي لا يستقل بأمر نفسه وتربيته ووقايته مما يهلكه او يضره بما لا يتعارض مع حق وليه، وهي حق للصغير فلا يجوز النزول عنها وإنما تمتنع بموانعها وتعود بزوالها)، ولمعرفة الاعمال التي تقوم بها الحاضنة أهمية بالغة في تقدير أجرة الحاضنة ، لان أجرتها ينبغي ان تتناسب مع الأعمال التي تقوم بها كحاضنة للصغير، وكذا ينبغي معرفة الوقت والجهد الذي تبذله الحاضنة عند تقدير أجرتها.
فالحاضنة وفقاً للنص السابق يجب عليها ان تقوم بأمر الصغير ، وذلك يقتضي أن تقوم الحاضنة بإعداد الطعام للصغير وإطعامه اذا كان لا يستطيع ذلك وكذا تنظيف الصغير وتنظيف ملابسه بالإضافة إلى متابعة تصرفات الصغير لمنعه من الاضرار بنفسه او بغيره ، وإتخاذ التدابير والاجراءات اللازمة للحيلولة دون تعرض الصغير المحضون للمخاطر التي تهدد حياته وسلامته ، وهذا يستدعي من الحاضنة الملاحظة والمتابعة المستمرة للصغير طوال اليوم ، ولاشك ان ذلك يستغرق من الحاضنة وقتا وجهدا كبيرا ؛ ومن المعلوم ان اعمال الحضانة تختلف باختلاف سن الطفل المحضون، فحضانة الطفل الرضيع غير حضانة الأكبر منه ه كما تختلف أعمال الحضانة بإختلاف حالة الصغير المحضون الصحية ، كما تختلف بإختلاف الجهد والوقت الذي تبذله الحاضنة.
من المؤكد ان الأم لا تستحق أجرة الحضانة الا اذا كانت مطلقة أو مخلوعة أو مفسوخ نكاحها ، وفي هذه الحالات يجب تقدير أجرة الحاضنة على قدر الجهد والوقت الذي تبذله الحاضنة في سبيل حفظ الصغير ورعايته وتربيته والقيام بأمره ويختلف تقدير هذه الأجرة باختلاف سن الطفل المحضون وبحسب حالته الصحية، وقد قرر قانون الأحوال الشخصية حق الحاضنة في الأجرة ، كما اشار القانون الى كيفية تقدير إجرة الحاضنة ، حسبما هو مقرر في المادة (146) احوال شخصية التي نصت على ان (يستحق الحاضن أجرة حضانة من مال الطفل إن كان له مال أو ممن تلزمه نفقة الطفل وتقدر أجرة الحاضنة بقدر حال من تلزمه هذه الأجرة ولا تستحق الحاضنة أجرة اذا كانت في عصمة أب الصغير واذا كان الأب معسراً تكون أجرة الحاضنة من مال الأم ولا رجوع لها ، وان كانت من مال غير الأم فبإذن المحكمة ولها الرجوع بها)، ومن خلال إستقراء هذا النص نلاحظ انه قد استعمل مصطلح (أجرة الحاضنة) وهذا يعني ان الأجرة غير النفقة، لان الاجرة يتم تقديرها على أساس الأعمال التي يقوم بها االاجير أو الحاضنة ، باعتبار ان الحاضنة لم تعد زوجة وانما أجيرة لوالد الطفل لحضانة طفله، إلا ان النص القانوني السابق قد قرر بان تقدير إجرة الحاضنة يكون بحسب الحالة المالية لمن تجب عليه إجرة الحاضنة ، وهذا التقرير لا يجوز بالنسبة لإجرة الحاضنة وان جاز بالنسبة للنفقة ، لان النفقة تكون بقدر حال المنفق عملاً بقوله تعالى (لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ)، ولذلك نجد أن كثيراً من الأحكام تقضي للحاضنة بإجرة مبلغ الفين ريال او أربعة الاف ريال وفي هذه الأيام عشرة الاف ريال، وهذا يتنافي مع التكييف الشرعي والقانوني للإجرة التي تكون عوضاً عن العمل أو مقابل العمل، ولذلك نوصي المقنن اليمني بتعديل هذا النص القانوني الجائر ، فيجب على المقنن اليمني ان يفهم ان الأم الحاضنة لم تعد زوجة لوالد الطفل المحضون وانما أجيرة له تربي وتطعم وتنظف وتسهر وتحمي الطفل التابع لأبيه الذي يحمل اسمه وينسب اليه، سيما ان قانون الأحوال الشخصية قد جعل الام ضامنة ومسؤولة عن اية جناية قد تقع بالطفل المحضون حيث نصت المادة (147) أحوال شخصية على ان (يضمن الحاضن اذا فرط عالماً كل جناية في الطفل ويكون ضمان الخطأ مع الجهل على العاقلة)، وهذا النص معيب اذ انه من المقرر في الشريعة الاسلامية ان (عمد الصبي خطأ تضمنه عاقلته) فالعاقلة ضامنة كل جنايات الطفل المحضون على غيره سواء اكانت جناية الصغيرعمدا ام خطا، والله اعلم.
![]() |
لا تستحق الزوجة اجرة الحضانة |
مقالات ذات صلة