إجرة الحاضنة
أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء
من الإشكاليات العملية الواقعية قضايا الحضانة من حيث ماهيتها ونفقة
الطفل المحضون وأجرة المرأة الحاضنة له ومدى جواز تعديل النفقة والأجرة وكيفية
تقديرهما؛لاسيما والقانون قد نظم اجرة الحاضنة تنظيما معيبامما استوجب علينا تقديم
لفت انظار المهتمين والمعنيين الى هذه المسالة ، ولذلك فقد اخترنا التعليق على
الحكم الصادر عن الدائرة الشخصية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ
25/9/2010م في الطعن الشخصي رقم (43421) لسنة 1430هـ وتتلخص وقائع القضية التي
تناولها هذا الحكم ان المحكمة الابتدائية قضت بفسخ عقد زواج وكان للمفسوخ نكاحها
طفلان احدهما يبلغ من العمر ثلاث سنوات والاخر سبع سنوات وقضت المحكمة بحق الأم
بحضانة الطفلين لكن الحكم لم يحدد اجرة الحاضنة ومقدار نفقة الطفلين فقامت الأم
باستئناف الحكم الابتدائي جزئياً فيما يتعلق بعدم تقدير اجرتها كحاضنة ونفقة
طفليها المحضونين؛ فقبلت الشعبة الاستئنافية الاستئناف الجزئي وقضت بتقدير اجرة
الام الحاضنة بمبلغ اربعة الاف ريال شهريا وكذا تحديد نفقة الطفلين المحضونين
بمبلغ ثمانية الاف ريال شهريا كما قضى الحكم الاستئنافيً بتأييد بقية فقرات منطوق
الحكم الابتدائي، فلم يقبل والد الطفلين بالحكم الاستئنافي فقام بالطعن فيه بالنقض
إلا أن الدائرة الشخصية رفضت الطعن وأقرت الحكم الاستئنافي، وقد ورد في أسباب حكم
المحكمة العليا (أن ما اثاره الطاعن ماهو الا محاولة للتهرب من دفع النفقة الواجبة
عليه شرعاً وقانوناً لولديه اللذين هما في حاجة لرعاية وحضانة أمهما وكذا أجرة
الأم الحاضنة فقد تبين للدائرة ان الحكم المطعون فيه جاء في نتيجته موافقا للشرع
والقانون بإلزامه للأب بدفع النفقة الشهرية لطفليه وأجرة الحاضنة وذلك استناداً
إلى المادة (158) أحوال شخصية التي نصت على ان (نفقة الولد المعسر الصغير على أبيه
والمادة (46) أحوال شخصية التي نصت على استحقاق الحاضنة لأجرة الحضانة) وسيكون
تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية:
الوجه الأول : ماهية
الحضانة والاعمال التي تقوم بها الحاضنة:
عٌرف قانون الأحوال الشخصية
الحضانة في المادة (138) التي نصت على أن (الحضانة هي حفظ الصغير الذي لا يستقل
بأمر نفسه وتربيته ووقايته مما يهلكه أو يضره بما لا يتعارض مع حق وليه وهي حق
للصغير فلا يجوز النزول عنها وانما تمتنع بموانعها وتعود بزوالها) ومن خلال
استقراء هذا النص تظهر اعمال الحضانة التي يتوجب على الأم الحاضنة القيام بها
؛ولمعرفة هذه الاعمال أهمية بالغة في تقدير أجرة الأم الحاضنة لان أجرتها ينبغي ان
تتناسب مع الأعمال التي تقوم بها كحاضنة للطفل وكذا ينبغي معرفة الوقت والجهد الذي
تبذله الحاضنة عند تقدير أجرتها، فالحاضنة وفقاً للنص السابق يجب عليها ان تقوم
بأمر الصغير وذلك يقتضي أن تقوم بإعداد الطعام للصغير وإطعامه اذا كان لا يستطيع
ذلك وكذا تنظيف الصغير وتنظيف ملابسه بالإضافة إلى متابعة تصرفات الصغير لمنعه من
الاضرار بنفسه او بغيره وللحيلولة دون تعرض المحضون للمخاطر التي تهدد حياته
وسلامته وهذا يستدعي من الحاضنة الملاحظة والمتابعة طوال اليوم ولاشك ان ذلك
يستغرق من الحاضنة وقتا وجهدا كبيرا ؛ ومن المعلوم ان اعمال الحضانة تختلف باختلاف
سن الطفل المحضون، فحضانة الطفل الرضيع غير حضانة غيره كما تختلف باختلاف حالة
الطفل المحضون الصحية كما تختلف باختلاف الجهد والوقت الذي تبذله الحاضنة.
الوجه الثاني : تقدير
أجرة الحاضنة :
من المؤكد ان الأم لا تستحق أجرة الحضانة الا اذا كانت مطلقة أو
مخلوعة أو مفسوخ نكاحها وفي هذه الحالات يجب تقدير أجرة الحاضنة على قدر الجهد
والوقت الذي تبذله في سبيل حفظ الصغير ورعايته وتربيته والقيام بأمره وتختلف هذه الأجرة باختلاف سن الطفل المحضون
وبحسب حالته الصحية، وقد قرر قانون الأحوال الشخصية حق الحاضنة في الأجرة كما اشار
الى كيفية تقدير أجرتهاحسبما ورد في المادة (146) من ذلك القانون التي نصت على ان
(يستحق الحاضن أجرة حضانة من مال الطفل إن كان له مال أو ممن تلزمه نفقة
الطفل وتقدر أجرة الحاضنة بقدر حال من
تلزمه هذه الأجرة ولا تستحق الحاضنة أجرة اذا كانت في عصمة أب الصغير واذا كان
الأب معسراً تكون أجرة الحاضنة من مال الأم ولا رجوع لها وان كانت من مال غير الأم
فبإذن المحكمة ولها الرجوع بها) ومن خلال استقراء هذا النص نلاحظ انه قد استعمل
مصطلح (أجرة الحاضنة) وهذا يعني ان الأجرة غير النفقة لان الاجرة يتم تقديرها على
أساس الأعمال التي تقوم بها الحاضنة باعتبار ان الحاضنة لم تعد زوجة وانما أجيرة
لوالد الطفل لحضانة طفله إلا ان النص ذاته قرر بان تقدير الأجرة يكون بحسب الحالة
المالية لمن تجب عليه أجرة الحاضنة وهذا التقرير
لا يجوز بالنسبة لأجرة الحاضنة وان جاز بالنسبة للنفقة لان النفقة تكون بقدر
حال المنفق عملاً بقوله تعالى (لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ) ولذلك نجد أن كثيراً من
الأحكام تقضي للحاضنة باجرة مبلغ الفين ريال او أربعة الاف ريال وفي هذه الأيام
عشرة الاف ريال، وهذا يتنافي مع التكييف الشرعي والقانوني للاجرة التي تكون عوضاً عن العمل أو مقابل العمل،
ولذلك نوصي بتعديل هذا النص القانوني الجائر فيجب على المقنن اليمني ان يفهم ان
الأم الحاضنة لم تعد زوجة لوالد الطفل المحضون وانما أجيرة له تربي وتطعم وتنظف
وتسهر وتحمي الطفل التابع لأبيه الذي يحمل اسمه وينسب اليه، خاصة وان قانون
الأحوال الشخصية قد جعل الام ضامنة ومسؤولة عن اية جناية قد تقع بالطفل المحضون
حيث نصت المادة (147) أحوال شخصية على ان ( يضمن الحاضن اذا فرط عالماً كل جناية
في الطفل ويكون ضمان الخطأ مع الجهل على العاقلة) وهذا النص معيب اذ انه من المقرر
في الشريعة الاسلامية ان (عمد الصبي خطأ تضمنه عاقلته؛) فالعاقلة ضامنة كل جنايات
الطفل المحضون على غيره سواء اكانت عمدا ام خطا.
الوجه الثالث : نفقة
المحضون :
عندما نتحدث عن الطفل المحضون نتحدث عن نفقة وليس أجرة، وقد قررت
المادة (158) أحوال شخصية ان نفقة المحضون على ابيه؛حيث نصت هذه المادة على( ان نفقة الولد المعسر الصغير أو المجنون على
أبيه وان عل الاقرب الموسر أو المعسر القادر على الكسب فان كان الاب وان علا
معسراً غير قادر على الكسب فعلى الأم الموسرة ثم على سائر الأقارب وان كان الولد
موسراً فنفقته من ماله) ويتم تقدير نفقة الطفل المحضون بحسب حالة الأب وقدرته
عملاً بقوله تعالى (لِيُنْفِقْ
ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ) كما يتم تقدير النفقة في ضوء احتياجات الطفل بحسب
متطلبات عمره فمتطلبات واحتياجات الطفل المحضون الرضيع غير نفقة الطفل في الروضة
ونفقة الطفل المريض غير الصحيح وكذلك ينبغي عند تقدير نفقة الطفل المحضون مراعاة
العرف والمناخ ؛ والله اعلم.
الأسعدي للطباعة ت : 772877717