تنازل الأم عن نفقة طفلها غير ملزم
أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء
الطلاق وسيلة قررها الشرع للزوج للخروج من زواج فاشل والخلع وسيلة
قررها الشرع العادل للزوجة عندما تريد الافلات من عصمة زوج تبغضه، هذه المسألة
واضحة وبسيطة لكن الطلاق هو الطريق المشهورة لإنهاء علاقة الزوجية إلا ان الطلاق
في كثير من الاحيان لا يتم الا بعد مساومات وتنازلات يجبر الزوج الزوجة على
تقديمها حتى يطلقها ؛فبعض الأزواج يطلب من زوجته التنازل عن مهرها مقابل طلاقه لها
وبعضهم يطلب منها التنازل عن حضانة صغارها وبعضهم يطلب منها التنازل عن نفقتها السابقة وبعضهم يطلب منها ان
تتنازل عن نفقة أولاده الذين تحضنهم ويتم إثبات هذا التنازل بوثائق مشهود عليها او
اتفاقيات صلح او أحكام محكمين، ولذلك فان هذا التعليق سوف يسلط الضوء على موقف القضاء
المشرف من حجية هذه التنازلات ومدى لزومها بالنسبة للمرأة المذعنة، وعلى هذا
الأساس فقد وقع اختيارنا على التعليق على الحكم الصادر من الدائرة الشخصية للمحكمة
العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 9/10/2010م في الطعن الشخصي رقم (43653) لسنة
1431هـ وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم أن زوجة كرهت البقاء في الحياة
الزوجية لسوء عشرة زوجها فغادرت منزل الزوجية إلى بيت أهلها وكان الخلاف بين
الزوجين قد استحكم وعجز المحكمين والمصلحين عن الإصلاح بين الزوجين وإعادة الحياة
الزوجية إلى مجاريها فلم يبق الا طريق الطلاق الذي رفض الزوج ايقاعه الا بعد جهد
شديد واشترط تنازلات عدة من الزوجة منها أن تحرر وثيقة ويتم التوقيع منها ومن
أبيها تتضمن انها متنازلة عن نفقتها اثناء حضانتها لابنه وانها متنازلة عن نفقة
ابنها المحضون وانها ملتزمة بالانفاق على ابنها وبعد ان تم التوقيع على هذه
الوثيقة تلفظ الزوج بالطلاق وبعد مضي ثمان سنوات رفعت المرأة دعوى أمام المحكمة
المختصة مطالبة مطلقها بنفقة ابنه فحضر المدعى عليه فرد على الدعوى مطالباً بضم
ابنه اليه لبلوغه سن التاسعة وانتهاء فترة الحضانة، وقد سارت محكمة أول درجة في
إجراءات نظر القضية حتى حكمت (ببقاء الطفل بكفالة والدته لاختياره البقاء معها
لأنه لا يعرف اباه ولمصلحة الطفل وإلزام المدعى عليه بدفع نفقة ابنه سبعة الآف
ريال شهرياً يتم تسليمها لوالدته طوال فترة الكفالة وتمكين الأب من رؤية ابنه على
الأقل يومين في الأسبوع) فلم يقبل المدعى عليه بالحكم فقام باستئنافه وذكر في
استئنافه ان المدعية قد تزوجت بزوج اخر ليس ذا محرم للطفل إضافة إلى تجاهل المحكمة
للاتفاق الذي تم فيما بين المدعية والمدعى عليه عند طلاقها الذي تضمن عدم مطالبتها
بنفقة الطفل كذلك اعتمدت المحكمة الابتدائية قول الطفل عند تخييره في الكفالة حيث
قال انه لا يعرف أباه، الا ان محكمة الاستئناف رفضت عريضة الاستئناف وقضت بتأييد
الحكم الابتدائي، فلم يقبل المدعى عليه بالحكم الاستئنافي فقام بالطعن بالنقض في
الحكم أمام الدائرة الشخصية بالمحكمة العليا التي رفضت الطعن وأقرت الحكم
الاستئنافي، وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا (من خلال اطلاع الدائرة على
أوراق القضية فقد تبين لها ان الطاعن اثار في طعنه مخالفة محكمتي الموضوع للقانون
لعدم فصلهما في دفعه بزوال حق الحضانة للمطعون ضدها لزواجها برجل أخر وبرجوع
الدائرة إلى أسباب حكمي محكمتي الموضوع تبين للدائرة ان المحكمتين قد فصلت في
الدفع المشار اليه حيث انهما اعتبرتا ان الطفل قد انتقل من مرحلة الحضانة الى
مرحلة الكفالة وفي مرحلة الكفالة يتم تخيير الطفل بين والدته ووالده حيث اختار
الطفل البقاء مع أمه حيث ثبت للمحكمة ان الطفل لا يعرف أباه) وسيكون تعليقنا على
هذا الحكم بحسب ماهو مبين في الأوجه الأتية :
الوجه الأول : نفقة الطفل واجبة على الأب:
من المتفق عليه في الشريعة الإسلامية والقانون ان نفقة الطفل على أبيه
وليس على أمه، لان الطفل غير قادر على السعي والكسب ونفقته ضرورية يترتب على عدم
حصوله عليها هلاكه ولذلك فنفقته واجبة على
أبيه لأنه المأمور شرعاً بالسعي والعمل للإنفاق على نفسه وأولاده اما الام فأنها
مأمورة بالقرار في منزل زوجها حتى ان نفقتها واجبة على زوجها، وقد نصت المادة
(158) احوال شخصية على ان (نفقة الولد المعسر الصغير والمجنون على أبيه وان علا الأقرب
الموسر أو المعسر القادر على الكسب فان كان الأب وان علا معسراً او غير قادر على
الكسب فعلى الأم الموسرة ثم على سائر الأقارب) ويقرر القانون ان نفقة الطفل عن
الفترة الماضية لا تسقط مع ان نفقات الأقارب الآخرين تسقط حيث نصت المادة (165)
أحوال شخصية على ان (تسقط نفقة القريب عن المدة الماضية لعدم المطالبة ممن تلزمه
النفقة الا اذا كان المنفق عليه والداً أو ولداً صغير أو مجنوناً). ونخلص من هذا
الوجه إلى القول بان نفقة الطفل واجبة على الأب كما انها حق مقرر شرعاً للطفل.
الوجه الثاني : مدى جواز التنازل عن نفقة الطفل :
من المقرر في الشريعة والقانون ان الطفل ليس من أهل التكليف والعبارة
فلا يقبل تنازله عن النفقة، كما انه من المقرر أيضاً شرعاً وقانوناً انه لا يجوز
للوصي أو الولي أو المنصوب على الطفل ان يتنازل عن نفقة الطفل لان التنازل إسقاط
لحق الطفل وذلك من التصرفات الضارة ضرراً محضاً بالطفل، وعلى هذا الأساس فلا يجوز
للأم أو غيرها ان تتنازل عن النفقة المقررة حقاً للطفل.
الوجه الثالث : مدى جواز ان تكون نفقة الطفل مقابل الخلع أو الطلاق الخلعي :
ظل المدعى عليه طوال مراحل التقاضي مصراً على ان طلاقه للمدعية كان
طلاقاً خلعياً أو طلاق على مال وقال في طعنه بالنقض بانه يجوز ان يكون مقابل
الطلاق او الخلع أي مال أو منفعة ومن ذلك نفقة طفله واستشهد المدعى عليه ببعض
الأقوال الفقهية غير المعتبرة والصحيح في الفقه الإسلامي ان عوض الخلع أو الطلاق
على مال يكون من الأموال والمنافع التي تكون حقاً محضاً للزوجة مثل المهر أو
بعضه اونفقتها السابقة ونفقة حضانتها
لطفلها اما الأموال والمنافع الخاصة بالطفل فلم نقف في كتب الفقه على رأي معتبر قد
ذهب الى جواز ذلك، وقد اشترطت المادة (73) أحوال شخصية في عوض أو بدل الخلع ان
تكون الزوجة جائزة التصرف بالنسبة للعوض ومن مقتضيات ذلك الجواز ان يكون العوض
من مالها أو من أقاربها البالغين الراشدين
وليس عن طفلها ؛ وبمفهوم المخالفة فقد أجازت المادة (67) أحوال شخصية الطلاق
الخلعي والطلاق على مال وجعلت حكمه كحكم الخلع وهذه المادة التي تمسك بها المدعي
الطاعن أمام المحكمة العليا لم تلتفت لها المحكمة العليا لان محل الخلاف هو العوض او مقابل الطلاق الخلعي او الطلاق على مال وليس الخلاف بشان مدى جواز الطلاق على مال أو
الطلاق الخلعي ففي الطلاق الخلعي والطلاق على مال يجب ان يكون العوض مدفوعاً من
الزوجة أو اهلها وليس من الطفل.
الوجه الرابع : ضابط تخيير الطفل في مرحلة الكفالة هو مصلحة الطفل :
هدف الحضانة والكفالة هو مصلحة الطفل في حفظه والعناية به وتربيته
؛فعندما تنتهي مرحلة الحضانة ببلوغ الطفل تسع سنوات وبلوغ الطفلة اثنتي عشرة سنة
تبدا مرحلة كفالة الطفل حيث يستطيع الطفل في هذه السن الى حدما تمييز مصلحته فيمن
هو الاصلح لكفالته الاب ام الام ولذلك فقد
وجدنا ان الحكم محل تعليقنا قد اعتمد خيار الطفل في ان يبقى في كفالة امه لان
الحكم ادرك من قول الطفل انه لايعرف اباه ان الاب مهملا لابنه لانه لم بتعهد ابنه
خلال مدة تسع سنوات ولم يراه او يزوره وعلى هذا الاساس فلامصلحة للطفل في كفالة
ابيه المهمل له ؛ وقد اشرنا في تعليق سابق على حكم المحكمة العليا انه لم يعتمد
خيار الطفل بالبقاء مع امه لانه وجد ان مصلحة الطفل تقتضي الانتقال الى كفالة ابيه
خلافا لخيار الطفل.
الوجه الخامس : زواج المراة بغريب لايسقط كفالتها لطفلها من زوج سابق :
من خلال المطالعة للحكم محل تعليقنا نجد انه رفض مطالبة الاب المدعى
عليه باسقاط حضانة الام المدعية لانها تزوجت بزوج اخر ليس ذي محرم للطفل المكفول
حيث استند الاب المدعى عليه الى المادة143 احوال شخصية التي نصت
على انتقال الحضانة من الام ؛(بالزواج الا ان يكون بذي رحم للصغير) ومع ذلك
فقد رفض الحكم محل تعليقنا مطالبة الاب
باسقاط كفالة الام لان النص المشار اليه خاص بالحضانة وليس الكفالة ؛واجتهاد
المحكمة العليا في هذه المسالة سديد لان الطفل في مرحلة الحضانة يكون لصيقا بامه لكثرة حاجته اليها فهو
يحتاج الى وقت كبير من امه لحفظه والعناية به والقيام بامره فزواج الحاضنة بغريب
عن المحضون يعطل الام عن ذلك بخلاف الحال في مرحلة الكفالة.
الوجه السادس : توصية للأمناء الشرعيين بشان الفرق بين الخلع والطلاق الخلعي والطلاق على مال وتوصية لوزارة العدل :
هناك فروق كثيرة بينهما ولسنا بصدد تعدادها هنا ولكن هناك فارق جوهري وهو ان الطلاق الخلعي يكون بلفظ (طلقتك طلاقاً خلعياً) والطلاق على مال يكون أيضاً بلفظه (طلقتك على مبلغ....) في حين يكون الخلع بلفظه ويكون الإيجاب من الزوجة لان الخلع عقد في الشريعة والقانون فتقول الزوجة (فاديت نفسي / أو خالعتك على مبلغ ..../ وغيرها من الفاظ الخلع، فمن خلال اطلاعي على وثائق واحكام وقضايا كثيرة اجد ان هذه التفرقة غائبة تماماً لدى الأمناء، ولذلك فانا أوصي وزارة العدل بان تقيم دورات للأمناء في تحرير وثائق الخلع والطلاق الخلعي والطلاق على مال لاهمية هذا الموضوع وكذا نوصي الوزارة بإعداد نماذج رسمية لوثائق الخلع والطلاق الخلعي والطلاق على مال على غرار نموذج وثيقة الزواج؛ والله اعلم.