إذا لم يمكن الإصلاح بين الزوجين فلا مناص من إنهاء العلاقة الزوجية


إذا لم يمكن الإصلاح بين الزوجين فلا مناص من إنهاء العلاقة الزوجية

أ.د/عبدالمؤمن شجاع الدين 

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون - جامعة صنعاء 

الحكم محل تعليقنا هو القرار الصادر عن دائرة الأحوال الشخصية بالمحكمة العليا رقم (350) لسنة1420هـ في جلستها بتاريخ3/10/1999م والذي أرسا مبدأ عاماً أو قاعدة عامة قضائية مفادها ( أنه إذا لم يمكن رجوع الزوجة إلى الحياة الزوجية بوجه من وجه الإصلاح فعلى الزوجة عندئذ تعويض الزوج عما دفع مهراً ونصف الشرط المدفوع مقابل انتهاء علاقتها الزوجية بزوجها )

وخلاصة وقائع هذا القرار أن زوج من الأزواج قام بطلاق زوجته حيث أختلف الزوجان في نوع هذا الطلاق , فالزوج يرى أن الطلاق الذي أوقعه هو طلاق رجعي يحق له إرجاع زوجته في أثناء العدة , في حين ترى الزوجة أن الطلاق بائن لا يحق للزوج إرجاعها إلى الزوجية في أثناء العدة أو في غيره , ولذلك امتنعت المرأة عن الرجوع إلى منزل الزوجية , فما كان من الزوج إلا أن تقدم بدعوى أمام المحكمة الابتدائية المختصة طالباً إلزام الزوجة بالرجوع إلى منزل الزوجية باعتبار الطلاق الذي وقع طلاقاً رجعياً حسبما تضمنته دعواه , وقد ردت الزوجة على هذه الدعوى بأن الطلاق الذي وقع هو طلاق بائن لأن إرجاعها الذي أدعاه زوجها قد كان بعد فوات العدة , وبعد المداولة والدراسة حكمت المحكمة الابتدائية عام 1996م لصالح الزوج واعتبرت الطلاق الذي وقع طلاقاً رجعياً لأن القول في الطلاق هو للرجل باعتباره هو الذي يملك حق الطلاق عملاً بقاعدة (القول لمن يملك الحق ) فما كان من الزوجة إلا الطعن بالاستئناف أمام محكمة الاستئناف المختصة والتي حكمت عام 1998م بعد المداولة والدراسة لأوراق القضية بفسخ الزواج لثبوت كراهية الزوجة لزوجها بعد أن تأكدت المحكمة من كراهية الزوجة لزوجها وتعذر الإصلاح بين الزوجين ومن ثم تعذر بقاء العلاقة الزوجية للشقاق الذي دبّ بين الزوجين , فلم يقبل الزوج بذلك الحكم حيث قام بالطعن بالنقض بالحكم الاستئنافي وذلك أمام دائرة الأحوال الشخصية بالمحكمة العليا التي حكمت بتأييد الحكم الاستئنافي وأضافت الدائرة إلى ذلك بأن تقوم الزوجة بتعويض الزوج عما دفع مهراً ونصف الشرط المدفوع مقابل تحللها من عقدة الزوجية , ولم يكتف الحكم محل تعليقنا بتحرير هذه الزوجة من أسر الحياة الزوجية التي لم تطقها وإنما أرسا هذا الحكم مبدأ وقاعدة عامة قضائية بالنسبة لكافة الزوجات اللاتي قد يتعرضن مستقبلاً لما تعرضت له هذه الزوجة حيث تستطيع أي زوجة بموجب هذا المبدأ أو القاعدة العامة أن تُعيد لزوجها المهر الذي دفعه إليها ونصف الشرط ، كي تتحرر بسهولة ويسر من حياة زوجية لا تطيقها أو لا تريد البقاء فيها ، ولا شك أن هذا الحكم يختلف إلى حد ما مع ماورد في المادة (54) من قانون الأحوال الشخصية التي تقرر الفسخ للكراهية حيث تنص هذه المادة على أنه ( إذا طلبت المرأة الحكم بالفسخ للكراهية وجب على القاضي أن يتحرى السبب فإن ثبت له عين حكماً من أهل الزوج وحكماً من أهلها للإصلاح بينهما وإلا أمر الزوج بالطلاق فإن أمتنع حكم القاضي بالفسخ وعليها أن ترجع المهر ) وعند المقارنة بين ما ورد في هذا النص وبين حكم المحكمة العليا نجد أن حكم المحكمة العليا قد أوجب على المرأة أن تدفع نصف الشرط بالإضافة إلى المهر في حين أن النص القانوني قد أوجب على المرأة أن تعيد المهر فقط ، كما أنه من المعلوم أن إلزام الزوجة بإعادة المهر في كل الأحوال محل نقد شديد من الفقهاء الذين يذهبون إلى أن المرأة لا يجب عليها إعادة المهر كاملاً إلا إذا كان السبب في عدم الصلاح أو الضرر كله يرجع إلى المرأة أما إذا كان عدم الصلاح أو الضرر كله يرجع إلى الزوج فلا يلزم الزوجة  أن تعيد في هذه الحالة إلى الزوج أي شيء من المهر أو من غيره أما إذا كان سبب عدم الصلاح أو الضرر يرجع إلى الزوجين معاً فلا يجب على المرأة أن تعيد إلى الرجل إلا نصف المهر، ومعلوم أيضاً أن المهر غير الشرط فالشرط هو المبالغ الإضافية التي يشترطها ولي أمر المرأة بالإضافة إلى المهر سواء كانت هذه المبالغ أو الأشياء الإضافية تشترط لصالح الزوجة أو والدها أو أقاربها أو مربيتها أو غيرها ، ومن هذا المنطلق فإن حكم المحكمة العليا محل تعليقنا يمكن تكييفه على أنه من قبيل الخلع القضائي الذي يتم بنظر القضاء إذ أن المرأة لا يجب عليها إعادة المهر أو أكثر منه إلا في الخلع ، ومعلوم أيضا أن الأصل في الخلع أن يتم بعقد أو تراضي بين الزوجين من غير تدخل من القضاء أم الخلع الذي يتم بنظر القضاء إذا لم يتم برضاء الزوجين فهو على خلاف ما يراه جمهور الفقهاء وقد أثار الخلع القضائي نقاشاً واسعاً في مصر عند تعديل قانون الأحوال الشخصية وأخذه بالخلع القضائي .

حيث استخلصت المحكمة العليا من الحكم محل تعليقنا مبدأ عاماً أو قاعدة مفادها (إذا لم يمكن رجوع الزوجة إلى الحياة الزوجية بوجه من وجوه الإصلاح فعلى الزوجة عندئذ تعويض الزوج عما دفع مهراً , ونصف الشرط المدفوع مقابل تحللها من عقد الزوجية) ولأهمية هذا المبدأ أو القاعدة وعموميتها فقد قامت المحكمة العليا بنشر هذا المبدأ أو القاعدة ضمن المبادئ والقواعد القضائية المنشورة في العدد الأول الجزء الثاني ص352 الصادر عن المحكمة العليا عام 2004م .

والحكم محل تعليقنا يعد علامة مضيئة في تكريسه لحق المرأة في تقرير مصير حياتها الزوجية حيث أن الزوجة تستطيع بموجب هذا المبدأ التحلل من الحياة الزوجية التي لا تطيقها بكل سهولة ويسر ومن غير سبب لأن المبدأ عام حينما نص صراحة على أنه (إذا تعذر رجوع الزوجة بأي وجه ) ولكننا لا نستطيع التغاضي عن إلزام الحكم محل تعليقنا للمرأة بإعادة نصف الشرط بالإضافة إلى المهر كاملاً ففي ذلك إجحاف بالمرأة.