العبرة بما ورد في مسوّدة الوقف
أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين، الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء.
مسوّدة الوقف: هي الوقفية التي تثبت أن المال من أموال الوقف والتي تبين أوصاف ومقدار المال الموقوف ومكانه وحدوده والموقوف عليه والناظر للوقف وشروط الواقف...إلخ، وقد اشترط قانون الوقف اليمني لمسوّدة الوقف أن تكون هذه المسوّدة أو بياناتها مدوّنة في دفتر حصر الأوقاف وأن تكون وثيقة الوقف مكتوبة بخط أمناء معتبرين حسبما هو مقرر في المادة (87) من قانون الوقف.
فعند تضارب الأدلة بشأن العين الموقوفة ، فإن العبرة بما ورد في المسوّدة أي أن دلالة المسوّدة هي المعتبرة في الإثبات التي ينبغي العمل بموجبها، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة الشخصية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 6-10-2012م في الطعن رقم (45817)، المسبوق بالحكم الاستئنافي الذي ورد ضمن أسبابه: (فقد دلت مسوّدة الوقف أن الوقف هو ثلث رفد... ،فما ورد في المسوّدة حجة للمستأنف وممثل الأوقاف المتدخل ، وفيها القول الفصل، لأن العبرة بالمسوّدة عملاً بنص المادة (87) من قانون الوقف، فقد حددت المسوّدة مساحة الوقف في ذلك الموضع ، كما حددت المستأجرين لوقف الجد الجامع، وهم أيتام فلان ابن فلان بن فلان، الأمر الذي يظهر معه سلامة حكم محكمة أول درجة)، وعند الطعن بالنقض في الحكم الاستئنافي أقرت الدائرة الشخصية الحكم الاستئنافي، وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا: (فقد تبين: أن الطاعن قد ذكر أن الحكم الاستئنافي استند إلى مقاسمات بتثمين رفد... ، في حين أن مسوّدة الوقف تفيد أن الوقف ثلث رفد.......إلخ الأسباب التي ذكرها الطاعن، وقد ظهر للدائرة: عدم توافق أسباب الطعن للواقع والحقيقة ، وعدم صحة تلك الأسباب، إذ أن الحكم المطعون فيه لم يستند إلى ما اشار إليه الطاعن بل استند إلى مسوّدة الوقف والشهرة)، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:
الوجه الأول: ماهية مسوّدة الوقف:
مسوّدة الوقف: هي الوثيقة التي تثبت ان الواقف قد اوقف وحبس العين الموقوفة ، وهي الوثيقة الواردة ضمن دفتر حصر الأعيان الموقوفة ، وتكون هذه الوثيقة مكتوبة بخطوط معروفة ومشهورة لدى الناس العارفين في المنطقة، وفي هذا المعنى نصت المادة (87) من قانون الوقف اليمني على إنه (إذا كانت عين الوقف مدوّنة في دفتر حصر الأوقاف المسوّدة الحاصلة بخطوط أمناء معتبرين وظهر ما يخالفها فالعبرة بالمسوّدة، ويثبت الوقف بالشهرة المستفيضة والذيوع في المحلة ، ولا يكتفي الحاكم بشهادة شاهدين على الشهرة حتى يبعث من يثق به إلى المحلة فإذا كان كلهم أو أغلبهم مجمعين عليها عمل بها).
ومن خلال سياق هذا النص يظهر أن دفتر حصر الأوقاف المشار إليه في هذا النص يتضمن وثائق وقفيات الواقفين التي يتم تدوينها في دفتر حصر الأعيان الموقوفة ، فبعد تدوينها في دفتر الاوقاف يطلق عليها مصطلح (مسوّدات الوقف)، وحسب ما ورد في النص القانوني السابق فإن مسوّدات الوقف المعتبرة هي تلك الوثائق المحررة بخطوط الامناء المعتبرين، ومفهوم ذلك أن تلك المسوّدات إذا لم تكن بخطوط الأمناء المعتبرين فلا ينطبق عليها وصف (المسوّدة)، ولا تكون لها حجية (المسوّدة).
الوجه الثاني: من هم الأمناء المعتبرون الذين خطوطهم تجعل مسوّدات الوقف معتبرة؟:
الأمناء الشرعيون في الوقت الحاضر وفقاً لقانون التوثيق اليمني النافذ هم الذين يتولوا تحرير او كتابة العقود والتصرفات والإقرارات بما في ذلك وقفيات الواقفين، ووفقاً لقانون التوثيق النافذ فإن الأمين الشرعي الذي يقوم بتحرير أو كتابة العقود والتصرفات ضمن نطاق إختصاصه المكاني المحدد في الترخيص الصادر له من قبل قطاع التوثيق والمحاكم بوزارة العدل هو الامين المعتبر وفقا لقانون التوثيق اليمني المعاصر.
وعلى هذا الأساس فإن (الأمناء المعتبرين) المنصوص عليهم في المادة (87) وقف في العصور السابقة لصدور قانون التوثيق هم: الأشخاص الذين كانوا في الماضي يقوموا بأعمال الأمناء الشرعيين في الماضي قبل صدور القوانين النافذة، ففي تلك العصور لم تكن الدولة في الماضي تصدر تراخيص عمل للأمناء للقيام بتحرير العقود والتصرفات في نطاق منطقة جغرافية معينة ، كما أنه لم يكن المواطنون في المناطق المختلفة يقوموا بإختيار هؤلاء الأمناء للقيام بتحرير العقود والتصرفات، وإنما اعتاد المواطنون في المناطق اليمنية المختلفة في العصور القديمة اعتادوا وتعارفوا على كتابة عقودهم وتصرفاتهم لدى بعض الأشخاص المشهورين بالفقه والقضاء وحسن السلوك والعدالة، فلم يكن هناك شخص واحد تتم الكتابة لديه وإنما كانت الكتابة تتم لدى من لديه علم بالفقه اوالقضاء او مجرد انه يحسن الكتابة، ويتم التعرف على خطوط هؤلاء في كل منطقة نظرا لكثرة وتنوع الوثائق التي كان يحرروها في المنطقة فتصير خطوطهم مشهورة في المنطقة، والمقصود بالأمناء المعتبرين هم الذين يكونوا محل اعتبار لدى أهل المنطقة والمعروفين بحسن الكتابة والصلاح والمشهورة والمعروفة خطوطهم في المنطقة.
ونخلص من هذا الوجه إلى القول: أن المقصود بالأمناء المعتبرين المذكورين في المادة (87) وقف هم: الأشخاص الذين يتولوا كتابة أو تحرير العقود والتصرفات في الماضي والحاضر والتي خطوطهم معروفة ومشهورة في المنطقة ،فيمكن التعرف على خطوطهم لكثرتها وشهرتها وذيوعها في المنطقة.
الوجه الثالث: الخطوط المعتبرة والامناء المعتبرون:
الخطوط المعتبرة: هي الخطوط المعروفة والمشهورة التي يستطيع أهل البلدة او المحلة أو المنطقة التعرف على كاتبها وعصره من خلال مطالعتها كما يمكن معرفة خطوطها عن طريق المقارنة والمضاهاة بين أكثر من وثيقة محررة بخط الكاتب، نظراً لكثرة المحررات التي حررها كاتبها في منطقة إقامته ، ففي غالب الأحوال يتم التعريف بخطوط الامناء المعتبرين من قبل اهل المنطقة التي ينتمي إليها كاتب المحرر، ويتم ذلك عن طريق شاهدين عدلين يشهدا بان الخط الوارد في المستند معروف ومشهور بانه خط الكاتب فلان المعروف بين اهل المحلة أو البلدة والمشهورفي المنطقة بالعدالة والنزاهة وانه لم يسبق ان نسب له التزوير في المحررات، كما يمكن التحقق من نسبة المحرر إلى كاتبه عن طريق المقارنة الفنية بين الخطوط من قبل الجهة الرسمية (المعمل الجنائي) التي تقوم بالفحص الفني والمضاهاة بين الخطوط لمعرفة نسبة الخط لكاتبه ومعرفة عمر الخط والحبر وعمر الورقة التي ورد فيها الخط.
الوجه الرابع: العبرة بما ورد في مسوّدة الوقف إذا كانت بخط أمناء معتبرين:
إذا كانت مسوّدة الوقف محررة بخط أمناء معتبرين على النحو السابق بيانه، وظهرت وثيقة أخرى أو دليل آخر يناقض ماورد في مسوّدة الوقف، فيتم العمل بموجب ما ورد في المسوّدة ، والله اعلم.
![]() |
العبرة بما ورد في مسوّدة الوقف |
مقالات ذات صلة