حجية إجارة الوقف

 

حجية إجارة الوقف

أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

اشترطت الشريعة الإسلامية والقانون أن يكون المؤجر مالكاً للعين  التي يريد تأجيرها، ومقتضى ذلك أن تكون ملكية المؤجر للعين ثابتة يقيناً، فإذا ثبت خلاف ذلك بأن ثبت ان العين ملك خاص لفرد وليست وقفاً، فإن الإجارة في هذه الحالة تكون باطلة لمخالفتها للشرع والقانون، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 16-3-2013م في الطعن رقم (46592)، الذي سبقه الحكم الابتدائي الذي قضى بأنه (لما كان المعلوم شرعاً وقانوناً أنه يشترط في العين المؤجرة ما يشترط في العين المملوكة المبيعة ، فلا بد من أن يكون المؤجر مالكاً للعين التي يريد تأجيرها، وفقا للقانون، وبما أن مكتب الأوقاف لم يكن كذلك، فإن ما صدر منه من عقد تأجير مع المدعى عليه الثاني باطل لا يترتب عليه أي أثر)، وقد ايدت الشعبة الاستئنافية الحكم الابتدائي، وقد ورد ضمن أسباب الحكم الاستئنافي (فإن ما ورد في عريضتي  الاستئناف ما هو إلا تكرار لما قدمه المستأنفان أمام محكمة أول درجة، فما يدحض ما ورد في عريضتي الاستئناف التقرير المرفوع من المهندس المكلف من محكمة أول درجة  الذي تضمن انطباق بصيرة المستأنف ضده على المساحة المدعى بها)، وعند الطعن بالنقض في الحكم الاستئنافي اقرته الدائرة المدنية، وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا: ((وحيث أن الحكم الاستئنافي المطعون فيه قد جاء موافقاً من حيث النتيجة للشرع والقانون لما استند إليه في قضائه بتأييد الحكم الاستئنافي، فقد ثبت لمحكمتي الموضوع من خلال تطبيق بصيرة المطعون ضده وبصيرة البائع له أن الأرض ملك خاص وليست وقفاً))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية:

الوجه الأول: بدعة التأجير للوقف حفظاً للعين :

عند حدوث خلافات أو نزاعات بين الخصوم يبادر بعضهم بالاستئجار من الأوقاف التي ترحب بذلك في بعض الحالات بحجة حفظ عين الوقف، من غير أن تتحرى الأوقاف من أن الأرض المراد تأجيرها وقف في الحقيقة، ومن دون أن تتثبت الأوقاف من أن الأرض المطلوب تأجيرها من أعيان الوقف بحسب طرق الإثبات المحددة في قانون الوقف الشرعي (المسوّدات والشهرة) وكذا طرق الإثبات المقررة في قانون الإثبات، مثلما حصل في القضية التي اشار إليها الحكم محل تعليقنا فيترتب على ذلك إقحام الأوقاف في قضايا ونزاعات كثيرة تستنزف خزينتها وسمعتها بين الأفراد، ولذلك فالواجب على هيئة الأوقاف عندما يتقدم إليها شخص لتأجيره العين أن تتأكد من أن العين مدرجة ضمن دفتر الأوقاف أو مايسمى بمسوّدات الأوقاف وأن تتأكد الأوقاف من أن العين  ليست محل خلاف، وأن كانت محل خلاف فالواجب الوقوف على وثائق الطرفين المتخاصمين للوقوف على حقيقة ملكية العين وما إذا كانت وقفاً أم لا.

الوجه الثاني: المحررات هي وسيلة إثبات الملكية العقارية:

وفقاً لقانون التوثيق وقانون السجل العقاري وقانون الوقف فإن وسيلة إثبات الملكية العقارية هي المستندات سواءً المستندات الرسمية أو العرفية التي حدد قانون الإثبات حجيتهما، وعندما تتعارض مستندات الملكية  الخاصة مع دفتر حصر الأوقاف وهو مسوّدة الأوقاف فإن العبرة بما ورد في الدفتر المتضمن حصر الأوقاف وفقاً للمادة (87) من قانون الوقف الشرعي التي نصت على أنه (إذا كانت عين الوقف مدونة في دفتر حصر الأوقاف المسوّدة الحاصلة بخطوط امناء معتبرين وظهر ما يخالفها فالعبرة بالمسوّدة، ويثبت الوقف بالشهرة المستفيضة والذيوع في المحلة، ولا يكتفي الحاكم بشهادة شاهدين على الشهرة حتى يبعث من يثق به إلى المحلة، فإذا كان أهلها أو اغلبهم مجمعين عليها عمل بها)، اما إذا لم يرد ذكر العين في دفتر حصر الأوقاف  وقام المواطن بتقديم مستندات ملكيته فعندئذٍ يجب العمل بما ورد في مستندات ملكية المواطن.

الوجه الثالث: لا حجية لإجارة الوقف إذا لم تثبت ملكية الوقف للعين في دفتر حصر الأوقاف وثبت عكس ذلك:

إذا قامت الأوقاف بتأجير العين للغير، مع أن العين ليست مقيدة في دفتر الأوقاف  وكانت ملكية تلك العين ثابتة للفرد بموجب مستندات ملكية الفرد المالك لها والحائز لها فعندئذٍ لا تكون هناك أية حجية لإجارة الأوقاف ، ولذلك فقد قضى الحكم محل تعليقنا بإبطال إجارة الوقف، فلا يحق للمستأجر بموجب هذه الإجارة الإحتجاج بها في مواجهة الغير، والله اعلم.