وثائق الملكية الخاصة مقدمة على شهرة الوقف
أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون –
جامعة صنعاء
يصرح
قانون الوقف بأن الوقف يثبت بالشهرة، ولهذه الشهرة شروطها وضوابطها، بيد أن وثائق
ملكية الأرض الخاصة مقدمة في الإثبات على شهرة الوقف، حسبما قضى الحكم الصادر عن
الدائرة الشخصية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 23-1-2013م في الطعن
رقم (46687)، وقد سبق ذلك الحكم الابتدائي الذي قضى بأنه (قد ظهر وجود وثائق لدى الحائزين للأرض تثبت ملكية المدعى عليهم
للأراضي موضوع الدعوى، وهي أقوى حجية من الشهرة التي يتمسك بها مكتب الأوقاف المدعي
بأن تلك الأراضي من أموال الوقف بالشهرة ، ومن ثم لا مناص من عدم الاستجابة لهذه
الدعوى)، وقد قضى الحكم الاستئنافي بأن (المدعي مكتب الأوقاف لم يقدم أدلة على الاخطاء
التي ادعى وجودها في الحكم الابتدائي مما يجعل الاستئناف في غير محله لعدم تقديم
ما يؤكد تلك الاخطاء ، وعليه فإن ما توصلت إليه المحكمة الابتدائية كان صائباً
وموافقاً ومستنداً إلى الوقائع)، وعند الطعن بالنقض في الحكم
الاستئنافي قضت الدائرة الشخصية بإقرار الحكم الاستئنافي، وقد ورد ضمن أسباب حكم
المحكمة العليا: ((فقد تبين أن الأسباب التي توصلت إليها محكمة الاستئناف في حكمها
بتأييد الحكم الابتدائي أسباب شرعية وقانونية صحيحة لما استندت إليه وعللت به،
ولذلك فإن الحكم الاستئنافي جاء موافقاً للشرع والقانون فيما قضى به))، وسيكون
تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية :
الوجه الأول : إثبات الوقف بالشهرة :
يثبت الوقف
عن طريق الشهرة أو الاستفاضة التي تعني: أن يستفيض بين الناس في بلدة معينة أن مال
من أموال البلدة وقف، وفي هذا المعنى نصت المادة (87) من قانون الوقف الشرعي على أنه(
اذا كانت عين الوقف مدونة في دفتر حصر الاوقاف المسودة الحاصلة بخطوط امناء
معتبرين وظهر ما يخالفها فالعبرة بالمسودة، ويثبت الوقف بالشهرة المستفيضة والذيوع
في المحلة ولا يكتفي الحاكم بشهادة شاهدين على الشهرة حتى يبعث من يثق به الى
المحلة فاذا كان اهلها كلهم او اغلبهم مجمعين عليها عمل بها ( ويتم التحقق
من شهرة الوقف في البلدة عن طريق قيام المحكمة بتكليف
عدلين عارفين لسوال اهل البلدة عن المال المدعى أنه مشهور بأنه من أموال الوقف، فإذا
اجمع اهل البلدة أو ذهب غالبيتهم إلى القول بأنه قد اشتهر بين اهل البلدة أن ذلك المال من
أموال الوقف فيحكم الحكم بموجب ذلك، ومن محاسن النص القانوني السابق أنه قد منع
إثبات شهرة الوقف عن طريق شهادة الشهود، فالتحقق من الشهرة يستدعي استطلاع أقوال
اهل البلدة جميعا وليس الاستماع إلى شهادات بعضهم .
ومن خلال سياق النص السابق يظهر ان إثبات الوقف
بالشهرة لايتم الا أمام المحكمة المختصة وبمناسبة دعوى منظورة لديها، ويظهر أيضا أن
إثبات الوقف بالشهرة لايتم اللجوء إليه الا عند عدم وجود مسودات الوقف التى تدل
على أموال الوقف .
الوجه الثاني : لامجال لإثبات الوقف بالشهرة اذا عارضت ذلك مستندات الملكية الخاصة :
إذا كانت لدى الحائز للأرض مستندات تثبت ملكيته
للأرض، فلامجال لإثبات ملكيتها للوقف عن طريق الشهرة، فالاثبات بالشهرة لايتم الا
عندما تنعدم وثائق الملكية.
الوجه الثالث : إستغلال وسيلة الإثبات بالشهرة في إقحام الأوقاف في الخلافات بين الأشخاص :
يستغل بعض الأشخاص عند خلافاتهم مع الغير وسيلة
إثبات الوقف بالشهرة للاستقواء بالوقف على خصومهم مثلما حصل في القضية التي
تناولها الحكم محل تعليقنا، فيترتب على ذلك ان تلحق الأوقاف اضرار فادحة مادية
ومعنوية وتشويه سمعتها بين الأفراد وجلبها لخصومات هي في غنى عنها.
الوجه الرابع : مستندات الملكية الخاصة مقدمة على الإثبات بالشهرة :
سبق القول أن الإثبات بالشهرة لايتم اللجوء إليه الا اذا انعدمت مسودات الوقف المقيدة فيها أموال الوقف، وكذلك الحال بالنسبة لمستندات الملكية الخاصة بالأفراد فلايتم اللجوء إلى الإثبات بالشهرة طالما والحائز للأرض لديه مستندات تثبت ملكيته للأرض التي يحوزها، لأن إثبات ملكية العقارات لايتم الا عن طريق الكتابة اي المستندات المكتوبة كالبصائر والفصول حسبما هو مقرر في قانون التوثيق وقانون السجل العقاري، والله اعلم.