المنصوب عن الغائب عند القسمة لا يكون من الورثة

المنصوب عن الغائب عند القسمة لا يكون من الورثة

أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء.

صرحت المادة (1211) من القانون المدني اليمني بأنه لا تجوز قسمة رضائية إذا كان من ضمن الورثة غائب أو قاصر، اما في القسمة الجبرية أو القضائية فأنها تتم ولو كان من ضمن الورثة غائب أو قاصر، حيث تقوم المحكمة التي تتولى إجراء القسمة الجبرية تقوم بالتنصيب عن الغائب والقاصر، غير أنه ينبغي على المحكمة حين التنصيب عن الغائب أو القاصر أن تتحرى في إختيار المنصوب المناسب حتى يكون من ذوي الخبرة والإختصاص والعدالة والحرص القدرة على تمثيل الغائب أو القاصر في اجراءات القسمة على خير ما يرام.

 وينبغي أن يكون المنصوب عن الغائب أو القاصر عند القسمة الجبرية من غير الورثة المتقاسمين الذين تتعارض مصالحهم في القسمة مع مصلحة الغائب أو القاصر، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة الشخصية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 17-3-2012م في الطعن رقم (44074)، المسبوق بالحكم الاستئنافي الذي قضى بأنه: (على القاضي حين القسمة التنصيب عن الغائب شخصا ثقة من غير الورثة منعاً لتعارض المصالح) ، وعند الطعن بالنقض في الحكم الاستئنافي أقرت الدائرة الشخصية الحكم الاستئنافي، وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا: (فقد نعى الطاعن على الحكم الاستئنافي أنه غير مسبب ، وان الشعبة سارت في إجراءات باطلة، وأنها لم تمكنه من تقديم كافة أدلته...إلخ، وعند الرجوع إلى الأوراق فقد تبين للدائرة: عكس ذلك بأن الشعبة سارت في إجراءات صحيحة ومكنت الطاعن من تقديم أدلته، وان أسباب الطعن لا توافق حالات الطعن المحددة في المادة (292) مرافعات)، 

وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:

الوجه الأول: طبيعة مهمة المنصوب عن الغائب والقاصر في إجراءات القسمة:

من المؤكد أن مهمة المنصوب عن الغائب والقاصر في إجراءات القسمة الجبرية هي تمثيل الغائب والقاصر في كافة إجراءات القسمة، والحضور نيابة عنهما في تلك الإجراءات ، والتحقق من صحة وسلامة تلك الإجراءات والمحافظة على حقوق الغائب والقاصر أثناء اجراءات القسمة ورعاية تلك المصالح والحقوق ،والتاكد من ان إجراءات القسمة ليس فيها حيف أو إنتقاص لحقوق الغائب والقاصر في التركة.

ومن المعروف أن إجراءات القسمة متعددة ومتنوعة ينبغي على المنصوب الحضور والمشاركة فيها نيابة عمن نصب عنه، وخلاصة إجراءات القسمة هي : إستخراج شهادة الوفاة التي تثبت وفاة المورث وإستخراج حكم إنحصار ورثة المورث الذي يحصر ورثة المورث وصلتهم بمورثهم ،وكذا شهادة إثبات بشأن القاصر والغائب وحصر أموال التركة وتحديد الأموال المملوكة للمورث القابلة للقسمة الفورية وتلك التي تكون محلاً للنزاع، وكذا حصر الديون والإلتزامات القائمة على التركة وحصر الديون والحقوق والإلتزامات المستحقة للمورث لدى الغير ثم إعداد وثيقة التركيز المتضمنة أموال التركة القابلة للقسمة الفورية واثمانها وبيان نصيب كل وارث منها ثم إجراء القرعة ثم تحرير فصول القسمة باسم كل وارث على حدة وتسليم الورثة فصولهم ثم تنفيذها أو تطبيقها عن طريق تمييز الأموال الواردة فيها وتسليم كل وارث مايخصه منها.

وخلال هذه الإجراءات يقوم المنصوب عن الغائب اوالقاصر بالتوقيع على كافة وثائق القسمة كالحصر والتثمين والتركيز وإجراء القرعة بما يفيد المصادقة على تلك الاجراءات والتأكيد على صحة وسلامة تلك الإجراءات، وأثناء سير إجراءات القسمة يقوم المنصوب بإختيار العدول والخبراء والرقابة على اعمالهم نيابة عن الغائب والقاصر.

الوجه الثاني: مسئولية المحكمة عن أعمال المنصوب الذي قامت بتنصيبه لتمثيل الغائب والقاصر في اجراءات القسمة:

يستمد المنصوب ولايته في تمثيل الغائب او القاصر في إجراءات القسمة الجبرية يستمد المنصوب ولايته من القاضي أو المحكمة التي اصدرت قرار تنصيبه، ومؤدى ذلك أن المحكمة مسئولة عن سلامة أعمال المنصوب ورعايته لمصلحة الغائب والقاصر، ومعنى ذلك أن المحكمة التي عينت الخبير ملتزمة وملزمة بمراقبة ومتابعة أعمال المنصوب لضمان قيامه بأعماله لمصلحة الغائب والقاصر ورعاية حقوقه ومصالحه اثناء اجراءات القسمة المختلفة على خير ما يرام.

وهذا الأمر يستدعي من القاضي والمحكمة أن تجتهد وتتحرى في إختيار المنصوب المناسب، والتاكد من أنه سيقوم بعمله على خير ما يرام لمصلحة من نصب عنه، كما ان ذلك يستدعي من المحكمة أن تبسط اشرافها ورقابتها التامة على المنصوب.

الوجه الثالث: شروط المنصوب عن الغائب والقاصر:

يشترط في المنصوب الذي تعينه المحكمة لتمثيل الغائب والقاصر في إجراءات القسمة الجبرية يشترط فيه: أن يكون بالغاً عاقلاً راشد قادراً على القيام بالمهمة أميناً عدلاً محافظاً على الشعائر الإسلامية ، ويشترط فيه أيضاً أن تكون لديه الخبرة المناسبة في إجراءات القسمة المختلفة المشار إليها في الأوجه السابقة، ويشترط في المنصوب أيضاً أن لا يكون من ضمن الورثة المتقاسمين في القسمة الجبرية التي تتولاها المحكمة، لأن المنصوب حينما يكون من ضمن الورثة المتقاسمين يمثل في هذه الحالة مصالح متعارضة ، اذ تتعارض مصلحة الوارث في القسمة مع مصلحة الوارث الغائب أو القاصر ، فالمنصوب الوارث يدافع عن مصلحته الخاصة أثناء إجراءات القسمة ويحرص على رعايتها والدفاع عليها والمحافظة عليها، ومصلحة الوارث المنصوب تتعارض مع مصلحة الوارث الذي نصب عنه وهوالغائب والقاصر ، اذ تتطلب مصلحة الغائب أو القاصر من المنصوب أن يراعيها ويرعاها ويحافظ عليها أثناء إجراءات القسمة، وهاتان المصلحتان المتعارضتان تجعل الوارث المنصوب يغلب مصلحته الشخصية كوارث على مصلحة الوارث الغائب والقاصر، ففي تمثيل الوارث المنصوب للغائب والقاصر شبهة الميل والهوى وإيثار حقوقه ومصالحه على حقوق ومصالح الغائب والقاصر الذي نصب عنه، ولذلك ينبغي ازالة هذه الشبهة وسد هذه الذريعة، والله اعلم.

المنصوب عن الغائب عند القسمة لا يكون من الورثة
المنصوب عن الغائب عند القسمة لا يكون من الورثة

مقالات ذات صلة: