القسمة التي يكون الوارث فيها الأسير أو المفقود أو السجين

القسمة التي يكون الوارث فيها الأسير أو المفقود أو السجين

أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء.

نظم القانون المدني اليمني إجراءات القسمة الرضائية والإختيارية والجبرية، وصرح القانون في المادة (1211) بعدم جواز القسمة الرضائية والإختيارية إذا كان من ضمن الورثة قاصر أو مجنون أو غائب، ويندرج في حكم الغائب بحسب ماهو مقرر في الفقه الاسلامي المفقود والاسير والسجين والمعتقل، وعلى هذا الاساس فلا سبيل أمام الورثة الذين يريدوا قسمة تركة مورثهم اذا كان من ضمنهم القاصر أو المجنون اوالغائب أو المفقود أو الاسير أو السجين أو المعتقل لاسبيل امامهم إلا اللجوء إلى القسمة الجبرية أو القضائية بنظر المحكمة المختصة، ، لان القانون المدني اليمني قد منع القسمة الرضائية إذا كان من ضمن الورثة قاصر أو غائب، وينطبق هذا الامر على الاسير والمفقود والسجين والمعتقل لأنهم غائبون في حقيقة الأمر عند إجراء القسمة.

غير أن القانون المدني اليمني لم يصرح بشأن حكم القسمة اذا كان من ضمن الورثة اسير أو مفقود أو سجين أو معتقل ، ولذلك عزمنا على الإشارة بإيجاز إلى حكم قسمة التركة التي يكون فيها أسير أو مفقود أو سجين أو معتقل، وذلك في هذه المقالة، وسيكون ذلك على النحو الآتي:

الوجه الأول: حكم القسمة التي يكون فيها المفقود وارثا:

المفقود في الفقه الإسلامي: هو الشخص الذي لا يعرف حياته أو موته أو مكانه ، ويكتفي غالبية الفقهاء بتعريف المفقود بأنه: الشخص الذي لا تعرف حياته ولا موته ولم يشترطوا أن يكون مكان فقدانه مجهولاً، وقد أخذ قانون الأحوال الشخصية اليمني بهذا القول ،فقد عرف قانون الأحوال الشخصية اليمني المفقود في المادة (113) بأن (2- المفقود: هو الغائب الذي لا تعرف حياته ولا وفاته).

وعند تنظيم القانون المدني لاجراءات القسمة لم يصرح بحكم القسمة التي يكون فيها المفقود من ضمن الورثة ، مع أن القانون المدني قد نص في نهاية المادة (1211) على إنه (لا تجوز قسمة إختيارية فيها قاصر أو غائب) فلم يرد ذكر المفقود في هذا النص.

اما الفقه الاسلامي فيذهب إلى أن مصطلح (الغائب) يشمل (المفقود) لإشتراكهما في علة الغياب ، فكلاهما غائب عند قسمة تركة مورثه ، ومن وجهة نظرنا فان مفهوم الغائب المقرر في قانون الأحوال الشخصية يشمل ايضا المفقود سيما ان القانون ذاته قد عرّف المفقود بأنه : الغائب حسبما تقدم بيانه.

وعلى هذا الأساس فأنه لا تجوز القسمة الرضائية أو الإختيارية إذا كان من بين الورثة مفقود، فإذا تمت القسمة التي فيها مفقود، فأنه يحق للمفقود إذا ظهر أن يطلب نقض القسمة وإعادتها حسبما هو مقرر في المادة (1204) مدني التي نصت على إنه (إذا ظهر بعد قسمة التركة دائن أو موصى له أو وارث وتعذر حصوله على حقه من المتقاسمين أو بعضهم بالتراضي مع بقاء القسمة تنقض القسمة ويأخذ حقه من رأس التركة أو من الباقي منها بأيدي المتقاسمين ولمن أخذ منه الرجوع على الباقي طبقاً لما تنص عليه المادة (1208) )، وقد نصت المادة (1208) على إنه (إذا استحق نصيب أحد الشركاء أو بعضهم للغير فيرجع على التركة بقدر حصته ثمن القسمة) ، ومن وجهة نظرنا فإن القسمة الرضائية أو الاختيارية التي يكون فيها وارث مفقود لا تجوز تطبيقاً لنص المادة (1211) مدني السابق ذكرها.

فإذا أراد الورثة الآخرون إجراء القسمة ، فيتم اللجوء إلى المحكمة المختصة كي تتولى إجراء القسمة الجبرية والتاكد من وضعية المفقود وحالته ورعاية مصالحه وحقوقه عن طريق المنصوب الذي تعينه المحكمة لتمثيل المفقود في اجراءات القسمة .

 لأن دلالة نص المادة (1211) بأنه (لا تجوز قسمة إختيارية فيها قاصر أو غائب) دلالة هذا النص تشمل المفقود ، لأن المفقود في الحقيقة غائب عند اجراء القسمة لتركة مورثه.

وعلى هذا اساس النص القانوني المشار اليه فان القسمة التي يكون فيها مفقود وارث لاتصح الا إذا كانت القسمة جبرية بنظر القضاء ، فإذا قامت المحكمة بالقسمة الجبرية للتركة التي يكون أحد الورثة فيها مفقود فإن القسمة لا تبطل وإنما يتم تطبيق نص المادتين (2104 و 2108) مدني السابق ذكرهما، وبعد تمام القسمة التي ضمن الورثة مفقود يجب على المحكمة أن تبسط رقابتها على أموال المفقود حتى يعود أو تحكم المحكمة بثبوت موته أو إعتاره ميتا ، وذلك بعد انقضاء المدة المقررة في القانون للفقدان.

الوجه الثاني: حكم قسمة التركة التي يكون من ضمن للورثة أسير أو سجين أو معتقل :

الأسير في اللغة: هو من آسره أعداؤه، ويطلق الاسير على كل محبوس في سجن، اما الأسرى في الإصطلاح فهم: الأسرى المقاتلون إذا أخذهم عدوهم قهراً بالغلبة، والأسير كلمة مأخوذة من الأسر أي الشد بالحبل ، وسمي كل مأخوذ مقيد بالأسير، والأسير هو المحبوس في ايدي العدو أثناء الحرب أو القتال، والاسير ممنوع من مغادرة المكان المأسور ، فهوغير قادر على الحضور والمشاركة في اجراءات القسمة ، ولذلك فهو في حكم الغائب في الفقه الاسلامي والقانون.

والسجين هو : المودع في السجن تنفيذا لحكم قضائي ، وهو ممنوع أيضا من مغادرة محبسه ، وغير قادر على الحضور والمشاركة في اجراءات القسمة ، ولذلك فهو في حكم الغائب في الفقه الاسلامي والقانون.

وكذا الشخص المعتقل، لان المعتقل مصطلح : مأخوذ من الإعتقال – وهو عقل البعير أو عقال البعير الذي يعني ربط البعير وتقييد حركته، فالمعتقل هو المحبوس رهن تهمة معينة أو رهن التحقيق والمحاكمة قبل صدور حكم بشانه ، فالمعتقل هو من قبض عليه وأودع السجن، ومكان الإعتقال هو الحبس، والمعتقل رهين المعتقل وممنوع من مغادرة المعتقل ، فلايستطيع حضور قسمة تركة مورثه أو المشاركة من اي إجراءاتها، فالمعتقل من هذه الناحية مثله مثل الغائب.

وبحسب المفهوم السابق فان الأسير والمعتقل والسجين غائبون حقيقة وفعلاً لا يستطيعوا المشاركة في إجراءات القسمة ورعاية حقوقهم في التركة، ولذلك ينطبق عليهم نص المادة (1211) مدني التي صرحت بعدم جواز القسمة الرضائية والإختيارية إذا كان من ضمن الورثة غائب، فمن باب أولى لا يجوز إجراء القسمة الرضائية أو الإختيارية إذا كان من ضمن الورثة أسير أو محبوس أو معتقل، ومع ذلك فإن القسمة الجبرية جائزة ولو كان من ضمن الورثة الأسير والمحبوس والمعتقل، لأن القضاء يرعى مصالح جميع الورثة الحاضرين والغائبين والأسرى والمسجونين، اذ يقوم القضاء بالتنصيب عن الاسير والسجين والمعتقل فيقوم المنصوب عن هولاء بتمثيلهم في اجراءات القسمة الجبرية ورعاية مصالحهم وحفظها ، ويجب على المحكمة بعد تمام القسمة الجبرية أن تبسط رقابتها على الأموال التي صارت من نصيب هؤلاء والمحافظة عليها حتى يفك الله الاسير والسجين والمعتقل ، والله أعلم.

القسمة التي يكون الوارث فيها الأسير أو المفقود أو السجين
القسمة التي يكون الوارث فيها الأسير أو المفقود أو السجين