تفسير الإقرار من قبل المقر نفسه
لاشك ان معنى عبارة المقر في باطن المقر نفسه، لكن الاقرار تتعلق به حقوق المقر له، ولذلك إذا كان الإقرار صريحاً فلا يحتاج إلى تفسير، لأن تفسيره في هذه الحالة سيكون عدولاً عن العبارة الصريحة إلى المقصود الباطني ، فلا يقبل من المقر تفسير إقراره الصريح.
اما اذا كان الاقرار بحق أو شئ مجهول: كأن يقر المقر بان في ذمته مبلغ من المال للمقر له دون ان يبين المقر مقدار هذا المبلغ ونوعه وجنسه أو يقر المقر انه اشترى للمقر له ارضية دون ان يحدد المقر مساحتها أو مكانها وغير ذلك من الاقرارات بمجهول ، ففي هذه الاحوال يقوم المقر نفسه بتفسير اقراره ، شريطة أن يكون تفسير المقر في هذه الحالة بحسب مايقتضيه العرف السائد، بما في ذلك دلالة الالفاظ في اللهجة السائدة المتعارف عليها في المنطقة فيما يتعلق بالشئ أو الحق المجهول الذي اقر به المقر أو دلالة الالفاظ المتعارف عليها بين اصحاب المهنة بشان الحق أو الشئ المجهول او أن يحلف المقر اليمين القاطعة على صحة تفسيره للحق أو الشئ الذي اقر به ، ويتم تكليف المقر بحلف اليمين على صحة تفسيره للشئ أو الحق المجهول لوجود الخصومة بين المقر والمقر له، لذلك لايكون المقر نفسه صالحا لتفسير إقراره الا اذا حلف اليمين القاطعة انه كان يقصد بالحق او الشئ المجهول الذي اقر به ما ورد في تفسيره ، وفي هذا المعنى نصت المادة (93) من قانون الإثبات اليمني على أنه (يصح الإقرار بالمجهول جنساً أو قدراً ويفسره المقر بما يقضي به العرف أو بيمين القطع وعلى الوارث يمين العلم)،
حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 22-8-2015م في الطعن رقم (56916)، وقد ورد ضمن أسباب ذلك الحكم أنه:
(فالإقرار الصريح لا يحتاج إلى تفسير حسبما اراد الطاعن، فما يحتاج إلى تفسير هو الإقرار بالمجهول ،كما تنص عليه أحكام المواد (78 و 80 و 81 و 82 و 83 و 84 و 87) من قانون الإثبات)، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:
الوجه الأول: الإقرار الصريح غير قابل للتفسير:
الإقرار الصريح يتم بأية عبارة تتضمن الإعتراف بالحق وبيان ماهيته أو أوصافه أو قدره وجنسه ، وهذا الإقرار لا يحتاج إلى تفسير، لأن تفسيره يعني العدول عن معناه الظاهري إلى معناه الباطني، وذلك بتفسيره بما في باطن المقر، والإقرار الصريح حجة ودليل كامل يكفي للحكم على المقر بما ورد في إقراره ، حسبما هو مقرر في المادتين (83 و 57) من قانون الإثبات اليمني.
الوجه الثاني: الإقرار الذي يحتاج إلى تفسير من المقر:
هو الإقرار بمجهول، كأن يقر الشخص بأن في ذمته للمقر له نقود دون أن يبين المقر نوعها (ريال يمني أم سعودي أم دولار)، أو يقر بأن في ذمته مبلغ بالريال اليمني دون ان يحدد مقدار هذا المبلغ، أو يقول المقر: عندي أمانة لفلان دون أن يبين نوعها وقدرها ومكانها، أو يقول : أشتريت لفلان أرضية دون ان يبين مساحتها ووثمنها ، ولجهالة ما أقر به المقر في هذه الاحوال يتولى المقر نفسه تفسير الحق أو الشئ المجهول الذي سبق له ان اقر به شريطة أن يتم تفسير المقر بحسب مايقتضيه العرف السائد بما في ذلك دلالة الالفاظ التي تضمنها الاقرار بمجهول وذلك في اللهجة المتعارف عليها في المنطقة او دلالة اللفظ المجهول في في مصطلح أو عرف عرف اصحاب المهنة.
أو يتم تكليف المقر نفسه بأن يحلف اليمين القاطعة على قصده من الاقرار بالحق او الشئ المجهول حتى يبين المقر نفسه الحق المجهول الذي سبق له أقر به، وفي هذا المعنى نصت المادة (93) إثبات على أنه (يصح الإقرار بالمجهول جنساً أو قدراً ويفسره المقر بما يقضي به العرف أو بيمين القطع وعلى الوارث يمين العلم).
ومن خلال إستقراء هذا النص يظهر أنه في حالة الإقرار بمجهول يتم الرجوع إلى المقر نفسه لتفسير وبيان مقصوده واقراره بالحق او الشئ المجهول ، لأن المقر هو الأعلم بمقصوده أو بالحق المجهول الذي سبق له ان اقر به، شريطة أن يكون تفسير الحق أو الشئ المجهول الذي اقر به المقر بحسب دلالة اللفظ في عرف أهل المنطقة أو عرف اصحاب المهنة.
أو يتم تكليف المقر بان يحلف اليمين القاطعة بأنه كان يقصد في إقراره بمجهول كان يقصد ماورد في تفسيره للحق أو الشئ المجهول ، ويتم تكليف المقر بحلف هذه اليمين في هذه الحالة، لان تفسير المقر في هذه الحالة تعتريه الشبهة بسبب وجود الخصومة بينه وبين المقر له ، ولذلك يجب على المقر ان يحلف اليمين على انه ما كان يقصد بالحق او الشئ المجهول الا ماورد في تفسيره ، هذا إذا كان المدعى عليه هو المقر نفسه ، أما إذا كان المدعى عليه هو وارث المقر بالمجهول فأن الوارث لا يحلف على مقصود مورثه وإنما يحلف على انه لا يعلم بالحق المتعلق بذمة مورثه الوارد في إقرار مورثه بالحق او الشئ المجهول، والله اعلم.
 |
تفسير الإقرار من قبل المقر نفسه.مقالات ذات صلة: |