الإقرار بمجهول يحتاج إلى تفسير

 

الإقرار بمجهول يحتاج إلى تفسير

أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

الإقرار وسيلة إثبات يتعلق بها حق المقر له، فلا يجوز للمقر ان يتراجع عن إقراره، إضافة إلى ان الإقرار الصريح  يحدد الحق المقر به تحديداً واضحاً لا لبس فيه ولا غموض، لذلك لايحتاج الإقرار الصريح إلى تفسير لان تفسيره يكون عدولا عن معناه الظاهري(تفسير النصوص القانونية، د. جورج خليل. ص234 )، فالاقرار الصريح دليل على إنشغال ذمة المقر بالشيء الذي أقر به صراحة، وبما إن الإقرار صريح فهو لا يحتاج إلى تفسير أو بيان لعدم وجود غموض فيه، فتبيين البيّن عسر، اما الإقرار بالمجهول فهو الذي يحتاج إلى تفسير لبيان جنس ونوع وقدر الشيء المقر به، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 12-8-2015م في الطعن رقم (56916)، الذي ورد ضمن أسبابه: ((والإقرار كما هو معلوم حجة على سبيل الجزم واليقين، فقد  أقر الطاعن بإستلام  خمسة جنيهات ذهبية من اخته، فالإقرار بتلك الجنيهات الذهب محله مال معلوم جنساً وقدراً، فلا يحتاج إلى تفسير، فالإقرار الذي يحتاج إلى تفسير هو الإقرار بالمجهول حسبما نص عليه قانون الإثبات))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية:

الوجه الأول: ماهية الإقرار بالمجهول:

أوجه الجهالة التي تشوب الإقرار كثيرة منها جهالة مكان الشيء المقر به، مثل ان يقر الشخص بأن لديه قطعة أرض مملوكة لشخص آخر دون ان يحدد المقر المدينة  أو المنطقة التي توجد بها قطعة الأرض، أو يقر الشخص بمبلغ من النقود دون ان يبين نوع العملة ريال أم دولار أو يقر بأنه مدين بمبلغ من الجنيهات دون ان يبين نوعها ذهبية أو ورقية أو دون ان يبين جنسيتها جنية بريطاني ام مصري، وقد تكون الجهالة في الإقرار من جهة قدر الشيء المقر به، كما  لو أقر الشخص بأنه استلم من شخص آخر قيمة ارض دون ان يحدد المقر مساحة تلك الأرض وهكذا.

الوجه الثاني: تعذر إقتضاء الحق من المقر بمجهول وجواز حبسه حتى يزيل الجهالة:

يترتب على الإقرار بالمجهول  ثبوت حق بذمة المقر غير أنه يتعذر إقتضاء  ذلك الحق المجهول من المقر به، ولذلك فقد ذهب الفقه الإسلامي إلى جواز حبس المقر بالمجهول حتى يعين الشئ المجهول الذي أقر به، حيث يحبس لحمله على تعيين المجهول وإزالة وجه الجهالة من إقراره، حتى يستطيع القاضي  الحكم بالحق المعين فيتم إقتضاء الحق المقر به، وحجة الفقه الإسلامي في ذلك ان المقر بالمجهول وإن كان إقراره مجهولاً من حيث نوع الحق أو جنسه أو مكانه أو مقداره إلا أنه قد أقر بإنشغال ذمته بالحق لغيره مما يبرر إجباره على التعيين (تفسير آيات الأحكام، أ.د.عبدالمؤمن شجاع الدين، ص346).

الوجه الثالث: تفسير الإقرار بالمجهول في قانون الإثبات:

اناط قانون الإثبات بالمقر نفسه تفسير إقراره المجهول، وحتى لا ينحرف المقر في تفسيره لما أقر به فقد الزم القانون المقر بأن يحلف اليمين تصديقاً لتفسيره للإقرار المجهول أو يكون العرف ضابطاً لتفسيره، فلا يجوز ان يتجاوز هذا التفسير حدود ماهو مقرر في العرف، بل ان القانون قد حدد حدوداً منضبطة للتفسير بأعداد معينة منضبطة، وفي هذا الشأن نصت المادة (93) إثبات على أنه (يصح الإقرار بالمجهول جنساً أو قدراً ويفسره المقر بما يقضي به العرف أو يمين القطع، وعلى الوارث يمين العلم)، وفي هذا السياق نصت المادة (94) إثبات على ان (يفسر الإقرار بالكثير أو بالقليل بالمتعارف عليه، وإلا فالكثير فوق العشرة والقليل ما بين الثلاثة والعشرة).

الوجه الرابع: الإقرار الصريح لا يتم تفسيره:

من السهل إقتضاء الشيء المقر به صراحة، فهو لا يحتاج إلى تفسير أو بيان، لأنه مبين، ولان في تفسيره عدول عن معناه الظاهري اي  عدول عما أقر به المقر صراحة، ولذلك فإن الإقرار الصريح ملزم للمقر، لأن الإقرار الصريح يجعل الشيء المقر به معلوماً علماً نافياً للجهالة، ولايجوز تفسير الإقرار الصريح لانه سيكون عدولاً عن الفاظ الإقرار الصريح ، وبناء على ذلك فقد وضع الفقه الإسلامي قواعد متقاربة يفهم منها عدم جواز تفسير الإقرار الصريح، ومن  هذه القواعد قاعدة (تبيين البين عسر) ومقتضاها ان يتعذر تبين الشيء المبين، لأن الشيء البين لا يحتاج إلى ذلك، وكذا قاعدة (البيّن لا يحتاج إلى بيان) وغيرها من القواعد والنصوص التي قررها الفقهاء لمنع تفسير الإقرار الصريح، لأن تفسيره سيؤدي إلى حرفه عن معناه الظاهري الصريح إلى غيره (المهذب للشيرازي 3/470 والحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة 2/53)، والله اعلم .