رفض الزوج إختيار حكم في الفسخ للكراهية
أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء.
قال تعالى ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا﴾، فقد اشترطت هذه الآية الكريمة ندب حكم من أهل الزوج وحكماً من أهل الزوجة للإصلاح بينهما وردم الشقة التي حدثت بينهما، ومن هذه الآية الكريمة أخذ المقنن اليمني ندب الحكمين لمحاولة الاصلاح بين الزوجين عند طلب الفسخ للكراهية المقررفي المادة (54) من قانون الأحوال الشخصية التي اشترطت على القاضي أن يقوم بندب حكم من أهل الزوج وحكم من الزوجة لمحاولة الإصلاح بينهما، فإن لم يفلح الحكمان في الاصلاح بين الزوجين فان القاضي يامر الزوج بالطلاق فان لم يطلق حكم القاضي بفسخ الزواج للكراهية وعلى الزوجة إرجاع المهر إلى الزوج ، وقد استقرت أحكام القضاء اليمني على أن ندب الحكمين وجوبي، وقد اشار إلى هذه المسألة الحكم الصادر عن الدائرة الشخصية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 15-1-2012م في الطعن رقم (48156)، وقد ورد ضمن أسباب الحكم المشار إليه: (فقد تبين: أن الطاعن قد نعى على الحكم الاستئنافي مخالفته للمادة (54) أحوال شخصية، وقد وجدت الدائرة: أن هذا النعي غير صحيح، لأن الشعبة قد حاولت إقناع الزوجة بالصلح مع زوجها الطاعن والزمت الطرفين بإختيار حكمين من أهليهما لمحاولة الصلح عملاً بالمادة (54) إلا ان الطاعن رفض إختيار حكم من أهله، ولذلك فلا جدوى من طعنه على حكم الاستئناف، فهو موافق من حيث النتيجة لأحكام الشرع والقانون)، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:
الوجه الأول: ندب الحكمين في المادة (54) من قانون الاحوال الشخصية اليمني:
قال تعالى ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا﴾، وعملا بهذه الاية الكريمة فقد نصت المادة (54) من قانون الأحوال الشخصية اليمني على إنه (إذا طلبت المرأة الحكم بالفسخ للكراهية وجب على القاضي أن يتحرى السبب فإن ثبت له عين حكماً من أهل الزوج وحكماً من أهلها للإصلاح بينهما وإلا أمر الزوج بالطلاق فإن امتنع حكم بالفسخ وعليها أن ترجع المهر)، ومن خلال مطالعة هذا النص يظهر انه قد اشترط أن يتم إختيار حكمين واحد الزوج وواحد عن الزوجة ، واشترط النص ايضا ان يكون الحكمان من أهل الزوج وأهل الزوجة ، فالحكم يكون واحداً عن كل طرف فلا تجوز الزيادة في هذا العدد، والحكم في هذه الحالة يختلف عن المحكم الذي يصدر حكماً مثله مثل القاضي، فالحكم في هذا النص مهمته مقتصرة على محاولة الإصلاح بين الزوجين المتنازعين المتنافرين حسبما ورد في قوله تعالى ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا﴾ ، وحسبما ورد في المادة (54) أحوال شخصية السابق ذكرها.
وقد اشترطت الآية الكريمة المشار إليها وكذا النص القانوني اشترطا أن يكون الحكم من أهل الزوج واهل الزوجة حتى يستطيع كل زوج البوح بهمومه ومشاكله مع الزوج الأخر، فيستطيع الحكم الوقوف على حقيقة الشقاق بين الزوجين وفي ضوء ذلك يتمكن من إقتراح الحلول والمعالجات المناسبة والإصلاح بين الزوجين، وقد سبق لنا في تعليق سابق الإشارة إلى كيفية عمل الحكمين وهي قيام كل حكم بالإستماع إلى الزوج قريبه لمدة ثلاث مرات للوقوف بصفة نهايئة على افادات الزوج الذي يمثله وتصوراته ومقترحاته وما إذا كان راغباً في إستمرار العلاقة الزوجية من عدمه، وبعد ذلك يجتمع الحكمان بمفردهما للمداولة فيما بينهما في ضوء افادات الزوجين ثم يعود الحكمان لمفاتحة الزوجين بالمقترحات التي توصل إليها الحكمان للإصلاح بين الزوجين، ومن خلال ما تقدم يظهر لنا إنه من الضروري أن يقف الحكم على حقيقة الخلاف أو الشقاق ، وأن يستمع إلى مقترحات الزوج ورغبته في إستمرار العلاقة الزوجية من عدمه، وبناءً على ذلك فلا يستطيع القيام بهذه المهمة إلا الحكم من أقارب الزوجين حسبما ورد في الآية الكريمة السابقة ونص المادة (54) السابق.
غير أن فقهاء المالكية ذهبوا إلى إنه إذا لم يكن للزوج او الزوجة أهل فإن القاضي يندب حكماً من جيران الزوجين لأن الجار أعلم بأحوال جيرانه. (فسخ عقد الزواج دراسة مقارنة، أ.د. عبد المؤمن شجاع الدين، ص 456).
الوجه الثاني: رفض الزوج أو الزوجين معاً إختيار الحكم:
سبق القول أن فقهاء المالكية قد ذهبوا إلى إنه إذا لم يكن أهل الزوجة من المسلمين (أهل الكتاب) فإن القاضي يندب حكماً من جيران الزوجين وكذلك الحال إذا رفض الزوجان أو احدهما إختيار حكم ، لأن ندب الحكمين من النظام العام ،فالآية الكريمة والنص القانوني السابق قد نصا على ذلك، وعلى هذا الأساس فإن ندب الحكمين وجوبي، وتطبيقاً لذلك فأنه إذا رفض أحد الزوجين إختيار حكماً عنه قام القاضي بندب حكماً من أقارب الزوج ، فإن تعذر ندب القاضي من جيران الزوجين. (فسخ عقد الزواج بين الفقه الإسلامي والقانون، أ.د. عبد المؤمن شجاع الدين، ص438). والله أعلم.
![]() |
رفض الزوج إختيار حكم في الفسخ للكراهية |