إمكانية فسخ الزواج للتدليس

 إمكانية فسخ الزواج للتدليس

أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين 

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

حدد قانون الأحوال الشخصية اسباب فسخ الزواج ضمن الباب الأول من الكتاب الثاني وذلك بعنوان (فسخ الزواج)  في المواد (من 43 حتى 57) ولم يرد من ضمنها فسخ عقد الزواج بسبب عيوب الارادة كالغلط والتدليس مع ان القانون المدني قد اجاز فسخ العقود عامة اذا تعيبت إرادة المتعاقد بأي من عيوب الارادة كالغلط والتدليس، كما انه من الشائع في دعاوى فسخ الزواج ان تذكر المدعية في دعواها اكثر من سبب للفسخ، وعندئذ يقع على كاهل القاضي التكييف المناسب للفسخ، كما ان الفوارق الإجتماعية وتصنيف الناس إلى فئات بحسب حرفهم ظاهرة ما زالت ضاربة بجذورها مع ان قانون الأحوال الشخصية قد حصر الكفاءة في صفتي الدين  والخلق، كل هذه المسائل مجتمعة اشار اليها الحكم محل تعليقنا، وهو الحكم الصادر عن الدائرة الشخصية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 10/7/2018م في الطعن رقم (60983)، وتتلخص وقائع القضية ان رجلاً قام بخطبة فتاة وبعد ذلك تم إبرام عقد زواجهما وقام الزوج بتسليم المهر والشرط إلى والدها، وبعد حين رفض الأب زفاف ابنته فتقدم الزوج بدعوى اصلية امام المحكمة الابتدائية طلب فيها الزام الاب بزفاف ابنته تنفيذاً لعقد الزواج وعندما حضرت البنت امام المحكمة قدمت دعوى فرعية مفادها ان الزوج قام بالتدليس عليهم فعندما حضر في الخطبة مع الوسطاء وعند عقد الزواج صرح بانه من بيت (...) وهو من اشهر البيوت الهاشمية بمدينة صنعاء، ولكن عندما حضرت والدة الزوج المدعي الأصلي صرحت بانهم (مزاينة) أي حلاقين، وكذا قامت اسرة البنت بالتحقق من قول والدة الزوج لدى معارفهم الذين افادوا أن اسرة الزوج (مزاينة) وافادت البنت امام المحكمة انه من المستحيل ان تتزوج من (مزين) بحكم الاعراف السائدة وصرحت البنت بانها تطلب من المحكمة فسخ زواجها، وقد توصلت المحكمة الابتدائية إلى الحكم بفسخ عقد المدعية الفرعية وعليها إرجاع المهر بالإضافة إلى مائة الف مخاسير العقد وخمسين الف ريال مخاسير التقاضي،وقد سببت المحكمة الحكم بالقول  (ولا تجد المحكمة سبباً لبطلان العقد سوى ان ما صاحب هذا العقد من منازعة وامتناع والد الزوجة عن زفاف ابنته بدعاوى انعدام الكفاة حسب العرف كل ذلك يعتبر عامل اضطراب وعدم استقرار وانسجام الزوجين فان عوامل النجاح والاستقرار والألفة والمودة منعدمة بين الطرفين على خلاف ما شرع لأجله الزواج من الاستقرار مما يجعل الحياة الزوجية مستحيلة) فقام والد البنت باستئناف الحكم في الجزئية الخاصة بالحكم عليه بدفع مبلغ مائة الف ريالا  للزوج مقابل مخاسير ابرام عقد الزواج حيث قضت الشعبة الشخصية بإلغاء هذه الفقرة المطعون فيها وتأييد بقية فقرات الحكم الابتدائي، فقام الزوج بالطعن في الحكم الاستئنافي إلا أن الدائرة الشخصية رفضت الطعن وأقرت الحكم الاستئنافي، وقد ورد في اسباب حكم المحكمة العليا (اما من حيث الموضوع فقد ناقشت الدائرة ما ورد في أوراق القضية ومن خلال تأملها وجدت الدائرة ان الحكم الاستئنافي موافق من حيث النتيجة لأحكام الشرع والقانون لما اوضحه وعلل به واستند اليه ولا جدوى من الطعن لخلوه من أية حالة من حالات الطعن بالنقض امام المحكمة العليا) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية : 

الوجه الأول : الفسخ لإنعدام الكفأة وعلاقته بالحكم محل تعليقنا : 

احسن قانون الأحوال الشخصية اليمني حينما قصر الكفأة بين الزوجين على صفتين معتبرتين في الزوجين معا  هما الدين والخلق، فالزوج يكافئ الزوجة اذا كان على خلق ودين اما الحرفة او النسب او المال فليست من الصفات المعتبرة في القانون اليمني الذي غلب صفة الدين والخلق على غيرهما  من الصفات عملاً بالحديث النبوي (فاظفر بذات الدين تربت يداك ) وفي هذا المعنى نصت المادة (48) احوال شخصية على ان (الكفأة معتبرة في الدين والخلق وعمادها التراضي ولكل من الزوجين طلب الفسخ لإنعدام الكفأة) وبناءً على هذا النص فلا إعتبار للتفاوت بين الزوجين من حيث النسب كما انه لا إعتبار أيضاً للتفاوت بينهما من حيث حرفتمهما أو حرفة اسرتيهما. 

الوجه الثاني : فسخ الزواج للتدليس وعلاقته بالحكم محل تعليقنا : 

تنص كثير من قوانين الأحوال الشخصية العربية على فسخ الزواج للتدليس والغرر والغلط مثل القانون التونسي وغيره، إلا ان قانون الأحوال الشخصية اليمني لم ينص على فسخ الزواج  بسبب عيوب الارادة الا بالنسبة لإبطال عقد بسبب الاكراه أما الفسخ للتدليس أو الغلط فلم يرد ذكرهما في القانون اليمني  ومع ذلك فقد اجاز القانون المدني الذي نظم العقود بصفة عامة اجاز فسخ العقد عامة اذا وقع المتعاقد تحت تأثير التغرير أو التدليس حيث نصت المادة (179) مدني على أنه (اذا عمد احد المتعاقدين الى تغرير (تدليس) كان من الجسامة بحيث لولاه لما أبرم الطرف الثاني العقد لا يصح العقد ويكون للطرف الثاني طلب الحكم بإبطال العقد كما يكون له بقائه واذا مضت ثلاث سنوات بعد إنكشاف التغرير دون طلب الإبطال وبدون مانع من الرد الفوري فلا تسمع الدعوى بشأنه وتعتبر كل حيلة يلجاء فيها احد المتعاقدين تغريراً) ومن خلال مطالعة هذا النص ووقائع الحكم محل تعليقنا نجد ان الزوج قد عمد إلى التصريح بأنه ينتسب إلى اسرة (...) في حين انه ينتسب حقيقة إلى (المزاينة) وقد كان هذا التدليس هو سبب دعوى الزوجة وقد المح الحكم محل تعليقنا إلى الفوارق الاجتماعية وتأثيرها على استقرار الحياة الزوجية. 

الوجه الثالث : فسخ الزواج للكراهية وعلاقته بالحكم محل تعليقنا : 

من خلال المطالعة للحكم محل تعليقنا نجد ان الحكم قد قضى بإعادة المهر المدفوع كله وليس نصف المهر، فإعادة المهر كله لا تكون إلا في حالة الفسخ للكراهية حسبما ورد في المادة (54) احوال شخصية أما في حالة الفسخ أو الطلاق قبل الدخول فيتم رد نصف المهر فقط،وعلى هذا الاساس فان الحكم قد تعامل مع هذه القضية في هذا الجانب كما لو ان الفسخ فيها للكراهية لاسيما أن الزوجة المدعية صرحت  في دعواها بانه يستحيل عليها البقاء مع الزوج لانه خدعها بنسبه حسبما ذكرت في دعواها، إلا أن المحكمة لم تندب حكمين لمحاولة الاصلاح الزوجين حسبما هو مقرر في المادة (54)ربما لأن المحكمة قد وقفت على سبب الخلاف بين الزوجين وتأكد لها عدم إمكانية استمرار الحياة الزوجية بين الطرفين حسبما ورد في أسباب الحكم الابتدائي، والله اعلم.  



الاسعدي للطباعة ت : 772877717