ضرب الزوجة بين الاعتداء والتأديب

 

ضرب الزوجة بين الاعتداء والتأديب

أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

من العجيب والغريب ان هناك من يشبع زوجته ضرباً ثم يزعم ان ذلك على سبيل التأديب وان الله تعالى امر بذلك في قوله {... وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا...} [سورة النساء 34] وهناك  اعتداءات كثيرة تقع من بعض الازواج على زوجاتهم بمبرر التأديب ولكن  الاعراف والعادات تحول دون وصولها  إلى القضاء الحصول على الحماية الشرعية والقانونية والقضائية، وتكمن القيمة العملية والعملية للحكم محل تعليقنا انه تناول الالتباس القائم في بعض الاذهان بين تأديب الزوجة والاعتداء عليها بالضرب المبرح، فالحكم محل تعليقنا هو الحكم الصادر عن الدائرة الجزائية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 7/8/2018م في الطعن رقم (60960) ،وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم : ان المحكمة الابتدائية قد توصلت إلى الحكم بان الضرب الظاهر في جسم الزوجة من قبل زوجها عبارة عن سحجات وكدمات متفرقة في انحاء متفرقة في  جسمها نتيجة ضرب زوجها لها بيديه ورجليه وان هذه السحجات والكدمات لا ينضبط مقدارها وتوجب الأرش، ولذلك فان (ما حصل للزوجة يقع ضمن مسمى تأديب الزوجة فيمتنع معاقبة الزوج  لأنه قد استعمل حقه في التاديب باعتباره ضرباً غير مبرح مما يعني انهاء إجراءات الدعوى الجزائية بعدم الجريمة وللزوجة الفسخ للكراهية) إلا أن الشعبة الجزائية قضت بإلغاء الحكم الابتدائي والزام الزوج المعتدي بتسليم أرش الجنايات التي احدثها بالمجني عليها زوجته وذلك بمبلغ مائتين وسبعة واربعين الفا وخمسمائة ريالاً والزام الزوج المعتدي بدفع مبلغ مائة الف ريالاً مصاريف تقاضي، وقد ورد ضمن اسباب الحكم الاستئنافي (بالتأمل والدراسة لأوراق القضية فقد تبين للدائرة ان المستأنفة قد ذكرت في استئنافها ان الحكم الابتدائي قد اهدر دمها وانه قضى بأن الضرب الذي الظاهر في جسدها غير مبرح وانه من باب التأديب وانه من موانع العقاب، وقد ظهر للشعبة من خلال مطالعة اسباب الاستئناف بطلان الحكم الابتدائي ،فالقول بان الضرب فذلك من قبيل  التأديب فذلك قول غير صحيح لان الضرب لا يكون في الوجه والراس ولا يكون بالصورة التي جاءت في التقرير بل ان اثار الضرب لازالت ظاهرة في وجه المجني عليها ،كما انه ليس صحيحا  القول بأن  الزوجة ضربت نفسها بعرض الجدار ،فالثابت ان الزوجة تعرضت للضرب من قبل زوجها بحسب ما جاء في اقوال المتهم في محاضر جمع الاستدلالات، اما القول بان الضرب لم يكن مبرحاً فان الواقع يكذب ذلك فلا زالت اثار الضرب ظاهرة) ومن جهتها اقرت الدائرة الجزائية الحكم الاستئنافي، وقد ورد ضمن اسباب حكم المحكمة العليا (اما من حيث الموضوع فقد عاب الطاعن على الحكم المطعون فيه مخالفته للقانون والخطأ في تطبيقه لإهدار حق الطاعن في الدفاع عن نفسه وعدم مواجهته بالدعويين العامة والخاصة وان الشعبة حكمت وفقاً لأدلة لم تطرح امامها، إلا أنه قد تبين للدائرة إنه من الثابت من مطالعة الحكم المطعون فيه ان الشعبة قد مكنت الطاعن  من الدفاع عن نفسه وتمت مواجهته بالدعوى المدنية والشخصية أما الدعوى الجزائية فلم تكن مثارة أصلا امام الشعبة لعدم استئناف النيابة ،وعلى وجه الاجمال فان الحكم المطعون فيه قد وافق الصواب فيما قضى به لاستناده إلى احكام الشريعة والقانون) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية :

الوجه الأول : تأديب الزوجة في القران الكريم :

من خلال مطالعة الحكم محل تعليقنا وتحديداً اسباب الحكم الابتدائي يظهر ان هناك التباس وخلط بين تأديب الزوجة والعدوان عليها وهذا الفهم يجافي ما ورد في القران الكريم فيما يتعلق بتأديب الزوجة، فقد قال تعالى {...وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا...} [سورة النساء 34] فالمعنى الإجمالي لهذه الاية عند المفسرين ان الزوج إذا شعر بان زوجته مواظبة ومداومة باستمرار على الترفع عليه والاستخفاف به والاستنكاف منه فاذا صار هذا سلوكاً دائماً للزوجة مع زوجها فعندئذ ينبغي على الزوج  ان يتخذ التدابير الواردة في الآية السابقة فينبغي على الزوج عندئذ أن يتدرج في هذه التدابير حيث عليه ان يبدأ بوعظها أولا ،والوعظ هو تذكير الزوجة بواجباتها الشرعية ووجوب طاعتها لزوجها والاجر الحاصل لها من طاعتها لزوجها في الحياة الدنيا والاخرة وجزاء صبرها على زوجها بل ان بعض المفسرين ذهب إلى ان من الوعظ ان يذكر الزوج لزوجته فضائل ومناقب اسرتها ووالدتها وتذكيرها بذلك وبما يجب عليها ازاء زوجها فان نفعت وسيلة الوعظ والا تدرج الزوج وانتقل إلى الوسيلة التالية وهي هجر الزوجة فقال المفسرون: أن يبدأ بهجرها في الكلام والإعراض عنها ثم يهجرها في المضجع فان نفعت هذه الوسيلة وإلا تدرج الزوج وانتقل إلى الوسيلة الثالثة وهي ضرب الزوجة، والضرب عند المفسرين هو ايقاع الشيء على الشيء برفق ولين وفي هذا المعنى جاء قوله تعالى {.. وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ...} [سورة النور] فالمقصود بالضرب هو أمر المراة بان  تضع  خمارها على وجهها او عنقها برفق، فضرب الزوجة المذكور في الآية مقيد من حيث ماهيته بانه ضرب وليس جلداً أي انه يتم برفق كما انه مقيد في وسيلته فيكون الضرب بمقدار عود  سواك الفم او الابهام أي ما يعادل القلم المعتاد في هذه الأيام ،فقد كان المتقدمون من علماء وفضلاء اليمن يؤدبون زوجاتهم باطراف الشال او كم القميص او بأصبع الابهام حتى انهن كن يضحكن من ذلك فكن يحملن ذلك الضرب على انه مزاح من الزوج وليس ضرباً ،كما ان الضرب مقيد من حيث مكانه في جسد المرأة حيث لا يجوز ان يكون في وجهها او راسها او في صدرها او بطنها ،لان النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال للجلاد عندما كان يجلد المحدود (اثق الوجه والمذاكير)  أي لايضرب في الوجه والاعضاء التناسلية والجليد كان يجلد  المحدود الذي ارتكب حداً من حدود الله فكيف بالزوجة كما أن تاديب  الزوجة يكون بثلاث ضربات فقط ، وبتطبيق هذا المفهوم القراني الراقي نجد ان ضرب الزوج لزوجته في القضية التي تناولها هذا الحكم قد كان مخالفاً لهذا المفهوم من حيث وسيلة الضرب ونوعه ومن حيث اماكن الضرب في جسد الزوجة ومن حيث عدد الضربات لانها ثلاث ضربات فقط عند غالبية المفسرين، وبالطبع فان قانون الأحوال الشخصية أو قانون الجرائم والعقوبات لم يحدد كيفية تأديب الزوجة وماهيته فالمرجع في تطبيق ذلك وفي تفسيره هو كتب الفقه الاسلامي حسبما ورد في المادة (18) مدني.

الوجه الثاني : معنى الضرب غير المبرح :

من خلال مطالعة الحكم الابتدائي نجد انه لم يدرك ماهية الضرب غير المبرح وهو المراد في قوله تعالى {وَاضْرِبُوهُنَّ}  فمن المتفق عليه عند المفسرين والفقهاء ان المقصود بالضرب في الآية الكريمة هي الضرب المبرح  وهو الخفيف الرقيق حسبما سبق بيانه في الوجه الأول ،فالضرب غير المبرح من اسمه هو الذي لا يترك اثراً في موضعه اما اذا ترك اثراً او كسر عظماً او خدشاو قرش جلداً فتلك جنايات يعاقب عليها الزوج ويدفع ارشها باع ،لان الضرب في هذه الحالة قد تجاوز التاديب إلى الاعتداء فتلك جربمة يعاقب عليها القانون في هذه الحالة بوصفها جريمة ايذاء بدني خفيف وفقا للمادة  244 عقوبات، ولذلك فان السحجات  والكدمات الظاهرة في بدن  الزوجة المضروبة التي اشار اليها الحكم هي عبارة عن اثار تركها ضرب زوجها المبرح أي الذي يترك اثراً ،ولذلك قضى الحكم محل تعليقنا بالزام الزوج بدفع ارش الجنايات التي احدثها في جسم زوجته.

الوجه الثالث : عدم معاقبة الزوج عن ضرب المبرح لزوجته:

من الملاحظ ان الشعبة الاستئنافية لم تقرر عقوبة على الزوج مع انه قد ثبت لها انه تجاوز حدود التأديب واستوجب العقاب بعقوبة الايذاء البدني الخفيف حسبما سبق بيانه، وسبب عدم معاقبة الزوج يرجع عدم قيام النيابة العامة باستئناف الحكم الابتدائي الذي أعتبر أن ما قام به الزوج ليس جريمة وانما تاديب يمنع عقاب الزوج  بالعقوبة المقررة لجريمة الايذاء البدني، ولذلك فقد اكتفى الحكم الاستئنافي الذي اقرته المحكمة العليا اكتفى بالزام الزوج بدفع اروش الجنايات التي الحقها بزوجته، لان الزوجة استأنفت الجانب المدني من الحكم الابتدائي.

الوجه الرابع : توصية إلى وزارة العدل والنيابة العامة ومنتدى قاضيات اليمن :

ظاهرة ضرب الزوجات بمبرر التاديب ظاهرة شائعة لا نستطيع إنكارها ،ولها اسبابها ومن اهمها الجهل بمفهوم تأديب الزوجة، ولذلك أوصي مخلصاً وزارة العدل والنيابة العامة ومنتدى قاضيات اليمن بتنظيم دورات وورش في هذا الموضوع، والله اعلم.