إستقالة الموظف الحكمية لا تحتاج إلى تحقيق

إستقالة الموظف الحكمية لا تحتاج إلى تحقيق

أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

إستقالة الموظف الحكمية تقع بحكم القانون بمجرد إنقطاع الموظف عن العمل لمدة عشرين يوماً متصلة وفقاً للمادة (122) من قانون الخدمة المدنية ولائحته التنفيذية، فبعد إنقطاع الموظف عن العمل للمدة المشار إليها يجب على الجهة التي يعمل لديها الموظف أن تقوم بإخطاره بأنها سوف تطبق عليه الإستقالة الحكمية المقررة في القانون إذا لم يقدم للجهة الإدارية ما يثبت العذر المقبول الذي جعله ينقطع عن العمل لهذه المدة، شريطة ان يقدم الموظف ما يثبت ذلك العذر خلال الشهر التالي لإنقضاء مدة الإنقطاع (20 يوماً)، فإذا لم يقدم الموظف ذلك خلال المدة المشار إليها فإن جهة الإدارة تصدر قرارها بإنهاء خدمة الموظف المنقطع بإعتباره مستقيلاً بحكم القانون.

والجهة الإدارية حينما تصدر قرارها بإعتبار الموظف مستقيلاً إنما تطبق حكم القانون حسبما هو مقرر في المادة (236) من اللائحة، فلا تحتاج جهة الإدارة عندئذ إلى إجراء تحقيق قبل إصدار قرارها بإعتبار الموظف مستقيلاً حكماً، لأن التحقيق يكون في المخالفات التي تحتاج إلى تحقيق للتحقق من وقوع المخالفة ونسبتها إلى الموظف المخالف، ولسماع أوجه دفاع الموظف المخالف المنسوبة له تلك المخالفة، بخلاف الحال بالنسبة للإستقالة الحكمية، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة الإدارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 7-1-2012م في الطعن رقم (43679)، فقد ورد ضمن أسباب الحكم المشار إليه: (فالإستقالة الحكمية قرار كاشف ، ولذلك فإنها لا تحتاج إلى أي إجراءات تحقيق)، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:

الوجه الأول: معنى الإستقالة الحكمية في قانون الخدمة المدنية اليمني :

الإستقالة الحكمية هي التي يعتبرها القانون كذلك ،فتقع بموجب حكم القانون ، فهذه الإستقالة حكمية ، لأن انقطاع الموظف عن العمل في الجهة الادارية طوال مدة عشرين يوما متصلة قرينة على أنه لم يعد يرغب في العمل في الجهة التي انقطع عن العمل فيها ، وبحسب هذا المفهوم فان الاستقالة الحكمية تختلف عن الإستقالة الحقيقية التي تقع بناءً على طلب يتقدم به الموظف فتقبله الجهة ، وقد وردت الإستقالة الحكمية في المادة (122) من قانون الخدمة المدنية اليمني التي نصت على أن (يعتبر الموظف مستقيلاً إذا انقطع عن العمل لمدة عشرين يوماً متصلة بدون عذر مقبول)، والإستقالة الحكمية في حقيقتها هي (إقالة للموظف) وليست إستقالة حقيقية ولكنها حكمية، وقد اطلق القانون عليها مسمى (الإستقالة الحكمية) لأن إنقطاع الموظف عن العمل للمدة المشار إليها يدل على أن الموظف قد عبر عن إرادته وإنقطاعه عن العمل وعبر عن رغبته في ترك العمل الذي يشغله، ولذلك فأنه يعتبر في حكم المستقيل من الوظيفة.

الوجه الثاني: الإستقالة الحكمية في اللائحة التنفيذية لقانون الخدمة المدنية:

بما أن وظيفة اللائحة التنفيذية للقانون هي شرح النصوص العامة والمجردة والمجملة في القانون، فقد توسعت اللائحة التنفيذية لقانون الخدمة المدنية في بيان أحكام الإستقالة الحكمية، وفي هذا الشأن نصت المادة (236) من هذه اللائحة على أنه (مع مراعاة أحكام المادة (233) والفقرة (2) من المادة (231) من هذه اللائحة يعتبر الموظف مستقيلاً إذا انقطع عن العمل لمدة عشرين يوماً متصلة بدون إجازة أو بدون إذن من الرئيس المختص أو بدون عذر مقبول ولو كان الإنقطاع عقب إجازة مرخص بها، فإذا لم يقدم الموظف أسباب تبرر غيابه خلال الشهر التالي لإنقضاء العشرين يوماً أو قدم مبررات لم تأخذ بها الوحدة الإدارية اعتبرت خدمته منتهية من تاريخ تغيبه او انقطاعه عن العمل، وعلى السلطة المختصة بالتعيين إصدار قرار بإنهاء خدمته بإعتباره مستقيلاً حكماً، اما إذا قدم من الأسباب ما يبرر غيابه أو إنقطاعه عن العمل خلال الشهر التالي جاز للسلطة المختصة أن تقرر عدم حرمانه من راتبه عن مدة الإنقطاع إذا كان له رصيد من الإجازات يسمح بذلك وإلا وجب حرمانه من الراتب عن تلك المدة).

الوجه الثالث: الطبيعة القانونية للإستقالة الحكمية:

سبق أن ذكرنا في الوجهين السابقين أن الإستقالة الحكمية تقع بحكم القانون بمجرد إنقطاع الموظف عن العمل لمدة عشرين يوماً متصلة، حسبما ورد في المادة (122) من قانون الخدمة المدنية السابق ذكرها، ومؤدى ذلك أن الإستقالة الحكمية تقع بحكم القانون بمجرد إنقضاء المدة المشار إليها دون حاجة إلى أي إجراء، وعلى هذا الأساس فإن قرار الجهة الإدارية بإنهاء خدمة الموظف بإعتباره مستقيلاً حكماً ليس قراراً منشئا وإنما قرار كاشف لحكم القانون الذي يقضي بإعتبار الموظف مستقيلاً إذا انقطع عن عمله لمدة تزيد على عشرين يوماً متصلة حسبما قضى الحكم محل تعليقنا.

الوجه الرابع: الغرض من التحقيق الإداري مع الموظف قبل توقيع الجزاء الاداري عليه:

اشترط قانون الخدمة المدنية في المادة (111) إنه لا يجوز توقيع العقوبات على الموظف إلا بعد التحقيق إذا كانت عقوبة المخالفة هي التنبيه والإنذار والخصم من الراتب بما لا يتجاوز 20% وتأجيل موعد إستحقاق العلاوة السنوية لمدة لا تتجاوز ستة أشهر وعقوبة الحرمان من العلاوة السنوية وتأجيل موعد إستحقاق الترفيع وإسترداد الخسائر التي تسبب بها الموظف وتخفيض الراتب وتخفيض الفئة والراتب معاً والفصل من الخدمة مع حفظ الحق في المعاش والمستحقات الأخرى.

فلا يتم توقيع اي من العقوبات المشار إليها سابقا بما فيها عقوبة الفصل اوإنهاء الخدمة إلا بعد إجراء التحقيق في المخالفة المنسوبة للموظف ، لأن الغرض من التحقيق الإداري هو التحقق والتثبت من وقوع المخالفة المنسوبة للموظف ونسبتها إلى المخالف وجمع الأدلة المثبتة لذلك والإستماع إلى أقوال الشهود على الواقعة او المخالفة، والإستماع إلى أوجه دفاع الموظف المنسوب له المخالفة والسماح له بتقديم أدلة دفاعه، فإذا ظهر للجهة الإدارية من خلال ذلك التحقيق أن الموظف بريء من المخالفة المنسوبة له فإن جهة الادارة تقرر براءته، اما إذا ثبت لجهة الإدارة من خلال نتائج التحقيق الذي اجرته إدانة الموظف بالمخالفة المنسوبة له فإن جهة الإدارة توقع عليه العقوبة المناسبة للمخالفة التي ارتكبها.

الوجه الخامس: عدم لزوم التحقيق في حالة الإستقالة الحكمية:

سبق القول أن الغرض من التحقيق الإداري هو معرفة حقيقة إرتكاب الموظف للمخالفة المنسوبة له وجمع أدلتها ومعرفة أسباب إرتكاب المخالفة والإستماع إلى أوجه دفاع الموظف المنسوبة له المخالفة، وعند تطبيق هذا المفهوم على الإستقالة الحكمية يظهر أنها عبارة عن إنهاء خدمة للموظف المنقطع عن العمل لمدة عشرين يوماً متصلة، فقرار الجهة الإدارية بإنهاء خدمة الموظف بالإستقالة الحكمية للموظف المنقطع لا تحتاج إلى تحقيق ،فلا يشترط أن يسبق إتخاذ ذلك القرار تحقيق، لأن الإستقالة الحكمية تقع بحكم القانون بمجرد مضي مدة الإنقطاع، والله اعلم.

إستقالة الموظف الحكمية لا تحتاج إلى تحقيق
إستقالة الموظف الحكمية لا تحتاج إلى تحقيق

مقالات ذات صلة