استقالة الموظف بحكم القانون

 استقالة الموظف بحكم القانون

أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين 

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء 

اللغة القانونية لغة اصطلاحية لها مصطلحاتها ذات المدلول المحدد، وللأسف فان الكثيرين لا يدركون الفروق الدقيقة بين المصطلحات القانونية المتقاربة والمتشابهة مثل الاستقالة بناءً على رغبة الموظف وطلبه ، والاستقالة الحكمية بحكم القانون لغياب الموظف وإقالة الموظف الذي يرادف الفصل او العزل، وهذا الخلط ليس مقصوراً على فهم هذه المصطلحات القانونية وإنما يسري إلى الخلط الإجراءات القانونية اللازم اتخاذها عند انهاء السلطة الإدارية لخدمة الموظف سواء عند الاستقالة العادية أو عند الاستقالة الحكمية وهذا الخلط بين الاستقالة الحكمية والفصل  يحدث حتى في بعض المحاكم مثلما حصل في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا، ولاهمية هذا الموضوع فقد اخترنا التعليق على الحكم الصادر عن الدائرة الإدارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 7/1/2012م في الطعن الإداري رقم (43679) لسنة 1433هـ وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم ان احد الموظفين تغيب عن عمله في الهيئة الحكومية لمدة تزيد عن ثلاثة أشهر فقامت الهيئة بتطبيق حكم قانون الخدمة المدنية الذي يقرر اعتبار كل موظف مستقيلاً بحكم القانون اذا غاب عن عمله لمدة تزيد على عشرين يوماً متصلة حيث اكتفت الهيئة بتحرير مذكرة اخطار للموظف المذكور مع مجموعة من الموظفين المماثلين للموظف بأن الهيئة  قد قامت  بتطبيق النص القانوني عليهم واعتبارهم مستقيلين من الهيئة وتم تسليم الموظف والموظفين الآخرين الاخطار عن طريق قسم الشرطة كما قامت الهيئة بنشر إعلان في الصحيفة الرسمية تضمن ذلك الاخطار، فقام الموظف المشار اليه برفع دعوى أمام المحكمة الابتدائية أدعى ان الهيئة المدعى عليها قد فصلته من عمله وان الهيئة لم تتبع الاجراءات القانونية في اقالته حيث اكتفت باشعاره باقالته دون تصدر قرار.بذلك كما ان  هذا من قبل الوزير المختص وإنما من رئيس الهيئة ولذلك فانه معيب وطلب المدعي إلغاء قرار الفصل التعسفي لان غيابه عن العمل كان لأسباب مرضية وطلب أيضاً إلزام المدعى عليها بدفع أجوره ونفقات علاجه ، وسارت محكمة أول درجة في إجراءاتها حتى توصلت الى الحكم برفض دعوى المدعي لعدم تقديمها خلال المدة المحددة قانوناً وعلى المدعى  عليها سرعة إرسال ملف المدعي إلى الهيئة العامة للتأمينات لتقرير ما يستحقه وفقاً لقانون التأمينات، وقد جاء ضمن أسباب الحكم الابتدائي ( تبين للمحكمة ان اقالة المدعي من عمله قد مضى على وقوعه قرابة عشر سنوات كما ان ذلك الاجراء قد تم ممن يملك اصدار ذلك القرار وهو رئيس مجلس ادارة الهيئة وليس الوزير المختص وقد ثبت ان قرار الإقالة قد صدر بسبب تغيب المدعي عن عمله غير المبرر لأشهر كثيرة متواصلة والقانون قد قرر ان الموظف اذا تغيب عن العمل دون مبرر أو اجازة لمدة عشرين يوماً متصلة فانه يعتبر مستقيلاً حكما عملاً بالمادة (123) من قانون الخدمة المدنية فكان الواجب على المدعي ان يراجع الهيئة او يلجاء إلى القضاء خلال الثلاثين يوماً التالية لعلمه بصدور قرار إقالته عن عمله عملاً بالمادتين (211 ، 222) من لائحة قانون الخدمة المدنية التي نصت على حق الموظف في اللجوء الى القضاء في حالة صدور قرار بفصله خلال ثلاثين يوماً من تاريخ ابلاغه بصورة من القرار وحيث انه من الثابت ان المدعي قد علم بقرار إقالته وتم إعلانه اعلاناً صحيحاً بواسطة قسم الشرطة ويؤكد ذلك ما ورد في شكاويه المرفوعة إلى رئاسة الدولة وغيرها التي ذكر فيها انه تم إقالته وإقصاؤه من وظيفته مما يدل على ان المدعي قد علم بقرار إقالته واستلامه له) فلم يقبل المدعي بالحكم الابتدائي فقام باستئنافه إلا ان الشعبة الاستئنافية رفضت استئنافه وقضت بتأييد الحكم الابتدائي، وقد ورد في أسباب الحكم الاستئنافي (فقد تبين ان المستأنف كان علم بالقرار محل النزاع بدليل ما تضمنته شكواه المنشورة في صحيفة ... الصادرة بتاريخ 25/9/1996م ومهما يكن فقد دلت أوراق القضية على أن المدعي كان قد تغيب عن العمل قبل صدور القرار المدة القانونية المستوجبة لإقالته كما انه تغيب خلال الفترة التالية لصدور ذلك القرار مما جعل الهيئة التي كان يعمل بها تلجاء الى إعلانه بالقرار عن طريق الشرطة وحيث ان قرار الإقالة قد تضمن في الفقرة الأولى منه اعتبار الموظفين الموضحة أسماؤهم أدناه مستقلين من العمل حكما ومن ضمنهم المستأنف نظراً لانقطاعهم عن العمل للمدة القانونية المحددة في القانون فهذا القرار بانهاء خدمة الموظف وفقاً للمادة (236) من لائحة الخدمة المدنية وحيث ان المستأنف لم يقم بمراجعة الوحدة الإدارية أو التظلم من القرار أو تقديم دعوى قضائية خلال الميعاد المقرر في المادة (211) من لائحة الخدمة المدنية وهذا الميعاد هو ثلاثين يوماً يتم احتساب بدايته من تاريخ علم الموظف المفصول أو المقال) فلم يقبل المستأنف بالحكم الاستئنافي فقام بالطعن بالنقض في الحكم إلا ان الدائرة الإدارية في المحكمة العليا رفضت طعنه وأقرت الحكم الاستئنافي، وقد ورد في أسباب حكم المحكمة العليا (فقد تبين للدائرة ان الحكم الاستئنافي والابتدائي والطاعن قد خلطوا بين أحكام الفصل التأديبي والاستقالة الحكمية مع ان التكييف القانوني للموضوع هو الاستقالة الحكمية حيث نصت المادة (236) من اللائحة التنفيذية لقانون الخدمة المدنية على انه (مع مراعاة المادة (233) والفقرة (2) من المادة (231) من اللائحة يعتبر الموظف مستقيلاً اذا انقطع عن العمل لمدة عشرين يوماً متصلة بدون اجازة أو دون أذن من الرئيس المختص أو بدون عذر مقبول ولو كان الانقطاع عقب اجازة مرخص بها فإذا لم يقدم الموظف أسباباً تبرر غيابه خلال الشهر التالي لانقضاء العشرين يوماً أو قدم مبررات لم تأخذ بها الوحدة الإدارية اعتبرت خدمته منتهية بالاستقالة الحكمية من تاريخ غيابه اما اذا قدم الأسباب التي تبرر غيابه أو انقطاعه خلال الشهر التالي جاز للسلطة المختصة ان تقرر عدم حرمانه من راتبه عن مدة الانقطاع اذا كان له رصيد من الاجازات يسمح بذلك والا وجب حرمانه من الراتب عن تلك المدة، فقد وصفت محكمة الموضوع الاستقالة الحكمية بالإقالة وأحياناً وصفتها بالفصل فاستغل الطاعن هذا الوصف ليطعن في الحكم بالنقض غير ان خطأ محكمة الموضوع غير مؤثر في حكمها في حين ان المادة (123) من قانون الخدمة تنص على انه يعتبر الموظف مستقيلاً حكماً اذا انقطع عن العمل لمدة عشرين يوماً متصلة بدون عذر مقبول فالاستقالة الحكمية لا تحتاج الى قرار أو تحقيق بل الى اخطار أو اعلام للموظف يكشف عن حكم القانون، وحيث ان الطاعن لم يتقدم الى الجهة التي كان يعمل بها خلال المدة القانونية التالية لاخطاره باعتباره مستقيلاً لذلك فان الحكم المطعون فيه قد جاء موافقاً للقانون) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ما هو مبين في الأوجه الأتية : 

الوجه الأول : ماهية الاستقالة الحكمية (الضمنية): 

هناك مصطلحان يطلقان على هذه الاستقالة المصطلح الأول (الاستقالة الحكمية) والمصطلح الثاني (الاستقالة الضمنية) ونحن نحبذ استعمال مصطلح (الاستقالة الحكمية) لانها تقع بحكم القانون دون حاجة الى أي إجراء وهو المصطلح الذي أخذ به القانون اليمني، والاستقالة الحكمية هي استقالة تقع بحكم القانون دون حاجة الى أية إجراءات حيث يفترض القانون ان انقطاع الموظف عن العمل لمدة معينة دليل على تركه لعمله واستقالته منه وذلك حتى لا تكون الوظيفة العامة رهينة لمشيئة الموظف المنقطع حتى يعود الى عمله وقت ما يشاء، فمقتضيات سير عمل المرفق بانتظام وتحقيق أهدافه تقتضي تواجد الموظف في عمله وعدم تعطيل عمل المرفق أو الجهة ، ولذلك تقوم القوانين بتقدير مدة معينة لانقطاع الموظف عن عمله حتى يتم بعدها اعتباره مستقيلاً، فبعض القوانين تحدد هذه المدة بخمسة عشر يوماً متصلة وثلاثين يوماً منقطعة في السنة اما في قانون الخدمة المدنية اليمني فان هذه المدة هي عشرين يوما متصلة يوماً حيث يتم بعدها اعتبار الموظف مستقيلاً حكماً اذا لم يقدم عذراً مقبولاً لدى الجهة الإدارية خلال الشهر التالي لاعتباره مستقيلاً حكماً. 

الوجه الثاني : إجراءات اعتبار الموظف مستقيلاً حكماً : 

من خلال مطالعة الحكم محل تعليقنا ونصوص قانون الخدمة ولائحته الناظمة للاستقالة الحكمية لانقطاع الموظف عن العمل نجد انها لم تقرر إجراءات معينة لاعتبار الموظف مستقيلاً لان طبيعة وتكييف الاستقالة الحكمية انها تقع بحكم القانون وقوته بمجرد مضي المدة المحددة لاعتبار الموظف مستقيلاً حكماً ولذلك فان الاستقالة الحكمية لا تحتاج الى صدور قرار من الإدارة بذلك لان الاستقالة تقع بحكم القانون وليس بإرادة الإدارة التي تعبر عنها بقرار صادر منها، ولذلك اشار الحكم محل تعليقنا إلى ان الاستقالة الحكمية لا تحتاج الى صدور قرار، حيث يكفي ان تقوم الإدارة بإخطار الموظف بانه قد صار اعتباره مستقيلاً بحكم القانون لانقطاعه عن العمل للمدة المحددة قانوناً وهذا الإجراء القانوني السليم هو الذي اتبعته جهة الإدارة التي يتبعها الموظف المدعي في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا حيث لم تقم بالتحقيق في الموضوع ولم تصدر قراراً باعتبار الموظف مستقيلاً وانما اكتفت باشعار الموظف والموظفين المماثلين له في كشف واحد وكان مضمون هذا الاخطار ( استناداً الى المادة (123) من قانون الخدمة المدنية والمادتين (231 ، 233) من لائحة القانون المشار اليه وبموجب هذه الوثيقة فقد تم اخطاركم واعلامكم باعتبار الموظفين المذكورين في الكشف أدناه مستقيلين حكماً لانقطاعهم عن العمل للمدة المبينة قرين أسماؤهم وبموجب هذا الاخطار فقد انقطعت صلة هؤلاء بالوظيفة العامة لدى الهيئة والله الموفق التاريخ وتوقيع رئيس الجهة) وتم اعلان كل واحد من الموظفين المشمولين بالاستقالة الحكمية بنسخة من الاخطار عن طريق قسم الشرطة الذي يقع مقر سكنه  ضمن نطاق القسم كما تم نشر الاشعار في صحيفة الثورة الرسمية لمدة ثلاثة أيام متتالية، وهذا الاخطار أو الاشعار كاشف للاستقالة الحكمية وليس منشأ لها حسبما ورد في أسباب حكم المحكمة العليا، وبموجب القانون اليمني فلا يشترط ان تقوم جهة الإدارة باشعار الموظف بانها ستقدم على  اعتباره مستقيلاً مع ان بعض القوانين العربية كالقانون السوري والعراقي واللبناني كانت تشترط ذلك حتى يبادر الموظف الى تحديد موقفه أو تقديم عذره إلا ان هذه القوانين قد عدلت مؤخراً عن هذا الشرط ولذلك فان قضاء محاكم التمييز في هذه الدول قد استقر على انه لا يشترط ابلاغ الموظف بتطبيق حكم القانون فيما يتعلق بالاستقالة الحكمية لان هذا الإجراء لا يقع بإرادة الادارة وانما بحكم القانون، إلا ان هناك جدلاً مازال قائماً بشان مصير راتب الموظف خلال فترة انقطاع الموظف عن العمل (العشرين يوماً) السابقة لاعتباره مستقيلاً فهناك اتجاه يذهب إلى عدم استحقاق الموظف المنقطع للاجر عن ايام انقطاعه لانه غائب والغائب يخصم عليه اجر غيابه وهناك اتجاه اخر يذهب الى استحقاق الموظف للاجر خلال هذا الفترة لانه لا زال موظفا خلالهاً فلم تنقطع صلته بالوظيفة الا بعد انقضاء المدة.

الوجه الثالث : الآثار المترتبة على اشعار الموظف باعتباره مستقيلاً حكماً : 

اشعار الموظف المنقطع عن العمل باعتباره مستقيلاً له أهمية بالغة حتى يحدد الموظف المستقيل حكماً موقفه وحتى يتخذ الإجراءات القانونية اللازمة في مواجهة اعتباره مستقيلاً حكماً لان ذلك انهاء لخدمته الوظيفية وانهاء لمركزه الوظيفي فلا بد من اخطاره واشعاره واعلامه بذلك ولو لم يشترط القانون ذلك ويتم اعلانه بالطرق والوسائل القانونية للاعلان ، فاذا تم اعلام الموظف بذلك فانه يقوم بمراجعة جهة الادارة لتقديم العذر المقبول الذي يبرر انقطاعه عن العمل بمقتضى المادة (123) من قانون الخدمة التي نصت على ان (يعتبر الموظف مستقيلاً اذا انقطع لمدة عشرين يوماً متصلة بدون عذر مقبول) وقد نصت المادة (236) من لائحة قانون الخدمة على انه ( اذا لم يقدم الموظف أسباباً تبرر غيابه خلال الشهر التالي لانقضاء العشرين يوماً أو قدم مبررات لم تأخذ بها الوحدة الإدارية اعتبرت خدمته منتهية من تاريخ غيابه أو انقطاعه عن العمل وعلى السلطة المختصة بالتعيين اصدار قرار انهاء خدمته باعتباره مستقيلاً حكماً اما اذا قدم من الأسباب ما يبرر غيابه أو انقطاعه عن العمل خلال الشهر التالي جاز للسلطة المختصة ان تقرر عدم حرمانه من راتبه عن مدة الانقطاع اذا كان له رصيد من الاجازات يسمح بذلك والا وجب حرمانه من الراتب عن تلك المدة) ومن خلال استقراء النصوص السابقة يظهر الاتي : 

1- العذر المقبول : المقصود به هي الأعذار القانونية التي يجعلها القانون مقبولةوهي التي منعت الموظف من العمل خلال المدة المقررة لاعتباره مستقيلاً حكماً كالمرض والحبس وغيرها من الأعذار القانونية ، واستعمال القانون واللائحة لمصطلح (العذر المقبول) يوهم بان الادارة لها سلطة تقديرية في قبول العذر او عدمه. 

2- اذا تم قبول العذر فيزول الاشعار باعتباره مستقيلاً كما تزول اثاره وبالنسبة لاجر الموظف خلال فترة الانقطاع فانه يكون خاضع للسلطة التقديرية للادارة بحسب إمكانيتها وتقديراتها. 

3- اذا رفضت الادارة عذر الموظف فعندئذ يحق للموظف التظلم خلال مدة الشهر فان لم تقبل الادارة تظلمه فيحق له اللجوء الى القضاء. 

4- يجب على الموظف ان يقدم عذره المقبول خلال مدة الشهر التالي لاعتباره مستقيلاً عن العمل كما يجب على الادارة الفصل في قبول عذر الموظف خلال مدة الشهر المشار اليها. 

5- لم يشترط القانون صدور قرار من الادارة باعتبار الموظف مستقيلاً لان الاستقالة الحكمية تقع بحكم القانون وليس بارادة الادارة في حين اشترطت اللائحة صدور قرار من الادارة باعتبار الموظف مستقيلاً ، وهذا الشرط يعطل ذاتية الاستقالة الحكمية والغرض منها، كما ان هذا القرار يثير إشكاليات قانونية بشان تاريخ اعتبار الموظف مستقيلاً هل يكون بمضي مدة العشرين اليوم ام  من تاريخ صدور القرار الذي يعمل به من تاريخ صدوره؛كما ان لائحةقانون الخدمة باشتراطهاصدور قرار باعتبار الموظف المنقطع مستقيلا قد شرعت شرطا جديدا لم يخولها القانون ذلك، والله اعلم.