وجوب المساواة بين الأولاد في العطايا

وجوب المساواة بين الأولاد في العطايا

أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء،

أوجبت الشريعة الإسلامية وقانون الأحوال الشخصية اليمني على الوالد أن يساوي بين أولاده في الهبات والعطايا والمزايا والمنافع، لأن المفاضلة بين الأولاد في العطايا تؤرث الضغائن والأحقاد بين الأخوة، غير أن الحكم بإلزام الوالد بالمساواة بين اولاده يجب أن يسبقه دعوى، كما إنه إذا قام بعض الأولاد بمطالبة القضاء بالحجر على والدهم، فأنه يجب على المحكمة أن تبحث هذه الدعوى وتناقشها في أسباب حكمها في ضوء أدلة الدعوى والإجابة عليها وأدلتها ، وفي ضوء ذلك يجب على المحكمة أن تفصل في دعوى الحجر على الوالد الذي يفاضل بين أولاده في العطايا والهبات وغيرها سواء بقبول الدعوى أو رفضها ، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة الشخصية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 19-9-2012م في الطعن رقم (45692)، المسبوق بالحكم الابتدائي الذي قضى بأنه: (يلزم المدعى عليه بالتسوية بين أولاده جميعاً في العطايا وغيرها وتمكين المدعى عليه واخيه من الأرض الزراعية أسوة بإخوانهما الآخرين، وعلى الوالدين المدعيين طاعة والدهما مالم فستقوم المحكمة بتعديل الأرض الزراعية وحجزها إذا بقى التفاضل من الأب بين أولاده)، اما الحكم الاستئنافي فقد قضى بإلغاء الحكم الابتدائي ، لأنه قضى بما لم يطلبه الخصوم، فالدعوى المرفوعة من الولدين المدعيين تضمنت طلبهما الحجر على والدهما ، غير أن محكمة أول درجة لم تفصل في تلك الدعوى، وعند الطعن بالنقض في الحكم الإستئنافي، أقرت الدائرة الشخصية الحكم الاستئنافي، وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا: (فقد تبين للدائرة: أن الأسباب التي توصلت إليها محكمة الاستئناف في حكمها بإلغاء الحكم الابتدائي أسباب قانونية صحيحة لما استندت إليه وعللت به، لذلك فإن الحكم الاستئنافي جاء موافقاً في نتيجته للشرع والقانون)، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:

الوجه الأول: مفهوم عطايا الوالد لأولاده:

العطايا جمع عطية، والعطية في الفقه الإسلامي: هي المال اوالمنفعة أو الميزة التي يعطيها الوالد لأولاده خاصة ، ويطلق عليها بعض الفقهاء (النحلة)، والعطية تشمل أي أموال أو منافع أو مزايا يقدمها الوالد لأولاده من غير أن يكون ذلك من قبيل النفقة ومن غير ان يكون ذلك من قبيل الإجرة التي يستحقها الولد نظير عمله لحساب والده، وقد تكون العطية مالاً نقدياً أو عينياً كسيارة أو (جنبية) أو شقة أو أرضية أو مسكناً، وقد تكون العطية منفعة يقدمها الوالد لأولاده كسماح الوالد لولده البالغ ابالسكن في شقة أو بيت مملوك لوالده أو سماح الوالد لولده باستخدام سيارته أو سماح الوالد لولده بزراعة أو غرس الأرض المملوكة للوالد والإنتفاع بحاصلاتها مثلما حدث في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا.

الوجه الثاني: وجوب المساواة بين الأولاد في العطية في الفقه الاسلامي:

يذهب جمهور الفقهاء إلى وجوب المساواة بين الأولاد في العطية ذكوراً وإناثاً عملاً بحديث النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم (اتقوا الله وساووا بين أولادكم في العطية) ، في حين ذهب الإمام الشافعي رضي الله عنه إلى أن المساواة بين الأولاد في العطية واجبة غير أنها تكون بحسب قواعد الميراث أي للذكر مثل حظ الانثيين ، كما ذهب الإمام الشافعي رضي الله عنه إلى جواز المفاضلة بين الأولاد إذا كان هناك سبب يستدعي ذلك كأن يكون الولد فاسقاً كمدمن الخمر فيعطيه والده أقل من الولد الصالح، أو يزيد الوالد العطية للولد الضعيف أو المعوّق أكثر من الصحيح أو السليم . (العطية للأولاد، أ.د. عبد المؤمن شجاع الدين، بحث محكم منشور في مجلة جامعة الحسن بالمغرب، ص122).

الوجه الثالث: حكم العطية للأولاد في القانون اليمني:

أطلق قانون الأحوال الشخصية اليمني على العطية اسم (الهبة) واشترط القانون المساواة بين الأولاد في الهبة، ولكن بحسب قواعد الميراث أي للذكر مثل حظ الانثيين، إذ أخذ القانون اليمني في هذه المسألة بقول الإمام الشافعي رضي الله عنه، فقد نصت المادة (183) أحوال شخصية على إنه (تجب المساواة بين الأولاد في الهبة والمشتبهات بها بين الأولاد وبين الورثة بحسب الفريضة الشرعية).

الوجه الرابع: الوسيلة الشرعية والقانونية للولد حينما يفاضل الوالد بينه وبين بقية إخوانه في العطية:

في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا كان ولدان من الزوجة الاولى المتوفية قد رفعا امام المحكمة الابتدائية دعوى حجر على والدهما لكبر سنه وعدم قدرته العقلية على التصرف في الاموال حتى إنه قام بالمفاضلة بين المدعين وبين أولاده الاخرين الذين من زوجته الباقية بعصمته، اذ سمح الوالد لأولاده من الزوجة الأخيرة الباقية بذمته سمح لهم بغرس (القات) في أراضيه وإستغلالها لحسابهم في حين لم يسمح للمدعين بذلك، وعلى خلفية هذه الدعوى قضى الحكم الابتدائي بوجوب التسوية بين الأولاد في العطية ، غير أن المحكمة الابتدائية لم تلتفت إلى طلب أو دعوى الحجر ولم تناقشها في حكمها وكأن محكمة أول درجة قد ظهر لها أن الغرض من دعوى الحجر هو الضغط على الوالد المدعى عليه للتسوية بين أولاده في العطية ، اما دعوى الحجر على الوالد فلم يكن له موجب، غير إنه كان يجب على الحكم الابتدائي أن يناقش دعوى الحجر، وفي ضوء ذلك يحكم بقبولها أو رفضها ، ولذلك فقد قضى الحكم محل تعليقنا بإلغاء الحكم الابتدائي.

وعلى هذا الأساس فإن الوسيلة الشرعية في مواجهة قيام الوالد بالمفاضلة بين أولاده في العطايا هي رفع دعوى امام المحكمة المختصة تتضمن المطالبة بالتسوية في العطية عملاً بأحكام الشريعة الإسلامية وقانون الأحوال الشخصية، ويجب على المدعي في هذه الحالة أن يذكر في دعواه العطايا التي اختص بها والده بعض أولاده إخوان المدعي، وعلى المدعي أن يثبت ذلك، وعندئذٍ سوف يحكم القاضي بمساواة المدعي في العطية، والله اعلم.

وجوب المساواة بين الأولاد في العطايا
وجوب المساواة بين الأولاد في العطايا

مقالات أخرى: